المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إِنَّ مِنَ الْحُقُوقِ الْعَظِيمَةِ التِي إِذَا رُوعِيَتْ قَامَتِ الْبُيُوتُ وَاسْتَقَامَتْ حَيَاةُ الأُسْرَةِ: الْعَلَاقَةُ الزَّوْجِيَّةُ، وَحَقُّ كُلٍّ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى الآخَرِ، وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ سَنَتَنَاوَلُ بِإِذْنِ اللهِ حُقُوقَ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا.. فَلَيْسَتْ عَلاقَةُ الرَّجُلِ بِامْرَأَتِهِ مُجَرَّدَ الْمُتْعَةِ فِي الْفِرَاشِ، أَوْ إِصْلَاحِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، لا، بَلْ هِيَ فَوْقَ ذَلِكَ وَأَسْمَى مِمَّا يَتَصَوَّرُ كَثِيرٌ مِنَ الْأَزْوَاج. فَمِنْ أَوَائِلِ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا: حُسْنُ عِشْرَتِهَا وَطِيبُ مُعَامَلَتِهَا: فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إِحْسَانُ مُعَامَلَةِ زَوْجَتِهِ مِنْ إِكْرَامِهَا وَالرِّفْقِ بِهَا وَالتَّلَطُّفِ فِي مُعَامَلَتِهَا، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى تَأْلِيفِ قُلُوبِهِمَا...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا, مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ دِينَنَا جَاءَ بِكُلِّ خَصْلَةٍ جَمِيلَةٍ وَبِكُلِّ خُلُقٍ حَمِيدٍ، وَأَعْطَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَفَرَضَ لَنَا وَعَلَيْنَا وَاجِبَاتٍ لِمَنْ حَوْلَنَا لِكَيْ تَسْتَقِيمَ الْحَيَاةُ وَتَسِيرَ عَلَى أَحْسَنِ نِظَامٍ.
عن عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَّرَ، وَوَعَظَ وقَالَ: "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنَ الْحُقُوقِ الْعَظِيمَةِ التِي إِذَا رُوعِيَتْ قَامَتِ الْبُيُوتُ وَاسْتَقَامَتْ حَيَاةُ الأُسْرَةِ: الْعَلَاقَةُ الزَّوْجِيَّةُ، وَحَقُّ كُلٍّ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى الآخَرِ، وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ سَنَتَنَاوَلُ بِإِذْنِ اللهِ حُقُوقَ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا. قَالَ تَعَالَى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
فَجَعَلَ اللهُ -تَعَالَى- مِنْ دَلائِلِ عَظَمَتِهِ تِلْكَ الْعَلَاقَةِ التِي جَعَلَهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْأُلْفَةِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ، فَلَيْسَتْ عَلاقَةُ الرَّجُلِ بِامْرَأَتِهِ مُجَرَّدَ الْمُتْعَةِ فِي الْفِرَاشِ، أَوْ إِصْلَاحِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، لا، بَلْ هِيَ فَوْقَ ذَلِكَ وَأَسْمَى مِمَّا يَتَصَوَّرُ كَثِيرٌ مِنَ الْأَزْوَاج.
فَمِنْ أَوَائِلِ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا: حُسْنُ عِشْرَتِهَا وَطِيبُ مُعَامَلَتِهَا: فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إِحْسَانُ مُعَامَلَةِ زَوْجَتِهِ مِنْ إِكْرَامِهَا وَالرِّفْقِ بِهَا وَالتَّلَطُّفِ فِي مُعَامَلَتِهَا، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى تَأْلِيفِ قُلُوبِهِمَا، قَالَ -تَعَالَى- (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَمِنْ حُقُوقِهَا: أَنْ يُعَلِّمَهَا أُمُورَ دِينِهَا، وَيَحُثُّهَا عَلَى الطَّاعَةِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]، وَالْمَعْنَى: تَنْهَوْنَ أَهْلِيكُمْ عَمَّا نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ، وَتَأْمُرُوهُنَّ بِمَا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ وِقَايَةً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّارِ.
أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ: وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا: أَنْ يَظْهَرَ أَمَامَهَا بِالْمَظْهَرِ الْحَسَنِ، فَيَكُونُ طَيِّبَاً فِي رَائِحِتِهِ وَهَيْئَتِهِ، وَفِي كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الأَزْوَاجِ حَيْثُ يَأْتِي ِمْن خَارِجِ الْمَنْزِلِ وَرُبَّمَا كَانَ يَعْمَلُ طُولَ النَّهَارِ وَقَدْ عَلَاهُ الْعَرَقُ وَظَهَرَتِ مِنْهُ الرَّوَائِحُ الْكَرِيهَةُ، ثُمَّ يُرِيدُ مُضَاجَعَةَ زَوْجَتِهِ، فَلَيْسَ هَذَا مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ، وَلِذَلِكَ فَيَنْبَغِي لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَهَيَّأَ لِزَوْجَتِهِ بِالاغْتِسَالِ وَالتَّنَظُّفِ فِي بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَيَسْتَعْمِلُ مَا يُزِيلُ الرَّائِحَةُ مِنْ فَمِهِ كَالسِّوَاكِ أَوْ الْفُرْشَاةِ وَالْمَعْجُونِ، وَأَنْ يَسْتَعْمِلَ الطِّيبَ، وَكَمَا أَنَّ الزَّوْجَ يَحِبُ أَنْ يَجِدَ مِنْ زَوْجَتِهِ الرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ وَالْمَظْهَرَ الْحَسَنَ فَكَذَلِكَ لِتَجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: إِنِّي ِلَأُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحُبُّ أَنْ تَتَزَيَّنِ لِي لِأَنَّ اللهُ -تَعَالَى- يَقُولُ (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 228].
وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ: أَنْ يَغُضَّ الطَّرْفَ عَنْ بَعْضِ أَخْطَائِهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِخْلَالٌ بِشَرْعِ اللهِ: وَهَذَا لا يَكُونُ إِلَّا مِنْ خِلَالِ الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ حَسَنَاتِهَا وَسَيِّئَاتِهَا، فَإِنْ رَأَى مِنْهَا مَا يَكْرَهُ؛ فَإِنَّهُ يَتَذَكَّرُ مَا يُعْجِبُهُ وَيُحِبُّهُ مِنْ صِفَاتِهَا، وَأَمَّا أَنَّ الزَّوْجَ يَتَعَامَى عَنْ مَحَاسِنِ زَوْجَتِهِ وَيَغْفَلَ عَنْهَا، ثُمَّ هُوَ لا يَرَى إِلَّا تَقْصِيرَهَا وَصِفَاتِهَا السَّيِّئَةَ فَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ نَفْسُهُ فِيهِ عُيُوبٌ وَتَقْصِيرٌ.
فَالْعَدْلُ مَطْلُوبٌ وَالْمَوَازَنَةُ بَيْنَ الْمَحَاسَنِ وَالْمَسَاوِئِ فِي الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ هُوَ الْعَدْلُ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" (رَوَاهُ مُسْلِم).
وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا: أَلَّا يُؤْذِيهَا بِضَرْبِهَا فِي وَجْهِهَا أَوْ تَقْبِيحِهَا إِذَا أَرَاَد تَأْدِيبِهَا، عَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: "أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).
وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنْ بَعْضَ الأَزْوَاجِ إِذَا حَصَلَ خُصُومَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ هَاجَمَهَا بِالضَّرْبِ وَاللَّكْمِ, وَالسَّبِّ وَالشَّتْمِ لِهَا وَلِأَهْلِهَا وَلِمَنْ يَتَّصِلُ بِهَا، وَوَصَفَهَا بِأَبْشَعِ الصِّفَاتِ وَأَقْبَحِ الْخِلَالِ، وَلَيْسَ هَذَا وَاللهِ مِنْ هَدْيِ الإِسْلَامِ فِي شَيْء.
إِنَّ الضَّرْبَ أَيُّهَا الأَزْوَاجُ جَائِزٌ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ إِذَا كَانَتْ تَسْتَحِقُّ، وَذَلِكَ إِذَا نَشَزَتِ الزَّوْجَةُ، وَتَرَكَتْ طَاعَةَ زَوْجِهَا، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء: 34].
وَلَكِنَّنَا نَجِدُ أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- جَعَلَ الضَّرْبَ آخِرَ الْحُلُولِ وَلَيْسَ أَوَّلَهَا، فَأَوَّلاً يَبْتَدِئُ الرَّجُلُ تَأْدِيبَ زَوْجَتِهِ بِالْوَعْظِ بِكِتَابِ اللهِ وَتَذْكِيرِهَا بِمَا أَمَرَهَا اللهُ بِهِ مِنَ الْقِيَامِ بِحَقِّ الزَّوْجِ، ثُمَّ إِذَا لَمْ يَنْفَعِ الْوَعْظُ انْتَقَلَ إِلَى الْهِجْرَانِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: يُوَلِّيَهَا ظَهْرَهُ عَلَى الْفِرَاشِ، وَلا يُكَلِّمَهَا. ثُمَّ إِذَا لَمْ تَكُنْ نَتِيجَةٌ مِنَ الْهِجْرَانِ انْتَقَلَ إِلَى الضَّرْبِ غَيْرِ الْمُبَرِّحِ.
وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ أَنْ يَعُفَّهَا: وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ نَسْتَحْيِي مِنَ الْكَلَامِ فِيهِ، وَلَكِنَّ الْحَالَ تَسْتَدِعِي ذَلِكَ، فَكَمْ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَقَعَتْ مِنْ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ بِسَبَبِ أَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يَعُفَّهَا، وَلَمْ تَجِدْ مِنْهُ مَا تُرِيدُ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا، وَلِذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ تَنَالَ الزَّوْجَةُ مِنْ زَوْجِهَا اللَّذَّةُ كَمَا يَنَالُ مِنْهَا، فَيُلَبِّي الزَّوْجُ رَغْبَةَ الزَّوْجَةِ الْفِطْرِيَّةِ، مِنْ أَجْلِ أَنْ يَغُضَّ طَرْفَهَا عَنِ الْحَرَامِ، وَيُحَصِّنَهَا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا، وَيَصُونَهَا وَيَحْفَظَهَا مِنْ كُلِّ مَا يَخْدِشُ شَرَفَهَا، وَيَثْلِمُ عِرْضَهَا، وَيَمْتَهِنُ كَرَامَتَهَا؛ فَعَنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا" (رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِيْ ولَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ القَوِيُّ الْمَتِينُ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاحْفَظُوا بُيُوتَكُمْ وَأَحْسِنُوا مُعَامَلَةَ زَوْجَاتِكُمْ وَقُومُوا بِحُقُوقِهِنَّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا التَّلَطُّفُ بِالزَّوْجَةِ وَمُلَاعَبَتُهَا وَتَقْدِيرُهَا: فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَتَلَطَّفَ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَلْيَكُنْ لَهُ فِي رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ فِي ذَلِكَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: "وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى لِعْبِهِمْ ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا التِي أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ حَرِيصَةٍ عَلَى اللَّهْوِ". (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يُحْسِنَ الظَّنُّ بِهَا: فَيَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ بِشَكْلٍ عَامٍّ أَنْ يُحْسِنَ الظَّنُّ بِالآخَرِينَ، وَهَذَا مِنْ وَاجِبَاتِ الدِّينِ، وَأَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ سُوءِ الظَّنِّ؛ لِمَا يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ وَظُلْمٍ لِلآخَرِينَ، وَيَنْشُرُ الضَّغِينَةَ بَيْنَهُمْ، لِهَذَا حَرَصَ الإِسْلَامُ عَلَى غَرْسِ هَذَا الْخُلُقِ فِي الْمُجْتَمَعِ، فَنَهَى عَنِ التَّجَسُّسِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا) [الحجرات: 12].
وَلَكِنْ لَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنْ يَتْرُكَ الْحَبْلَ عَلَى الْغَارِبِ وَيَدَعَ زَوْجَتَهُ تَذْهَبُ كَيْفَ شَاءَتْ وَأَنَّي أَرَادَتْ بِحُجَّةِ حُسْنِ الظَّنِّ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَيِّسَاً فَطِنَاً، نَبِيهَاً لَبِقَاً، يُجَنِّبُ أَهْلَهُ مَوَاطِنَ الرَّيْبِ وَيَنْتَبِهَ لِمَا قَدْ يَحْدُثُ مِمَّا لا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ، مَعَ تَقْدِيمِهِ حُسْنَ الظَّنِّ وَعَدَمِ الإِسَاءَةِ بِدُونِ مُوجِبٍ وَاضِحٍ.
وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ أَلَّا يَنْشُرَ سِرَّهَا: فَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَحْفَظَ أَسْرَارَ زَوْجَتِهِ، وَأَلَّا يُطْلِعَ عَلَى أَسْرَارِهَا أَحَدَاً، كَمَا أَنَّ هَذَا الْحَقَّ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ كَذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضَاً أَلَّا يَذْكُرَ عُيُوبَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَؤُدِّي إِلَى سُوءِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَهْتَمَّ بِهَذَا الْمَوْضُوعَ الاهْتِمَامَ اللائِقَ لِأَنَّ بِهِ -بِإِذْنِ اللهِ- صَلَاحَ الأُسْرَةِ التِي هِيَ لَبِنَةُ الْمُجْتَمَعِ الإِسْلَامِي وَبِهِ تَسْتَقِيمُ حَيَاةُ الرَّجُلِ وِزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِه, أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ لَنَا وَلَكُمْ بُيُوتَنَا وَأَهَالِينَا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينِنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لِنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشِنا وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتِنا الَّتِي فِيهَا مَعَادِنا وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَمِنْ قٌلُوبٍ لَا تَخْشَعُ وَمِنْ نَفُوسٍ لَا تَشْبَعُ, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ, اللهم احْمِ حَوْزَةَ الدْينِ!
اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَ بِلَادِ المسْلِمِينَ وَاحْقِنْ دِماءَهُم, وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الكُفَّارِ!
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ, اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَهَمْ عَلَى الحَقِّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ, والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.