البحث

عبارات مقترحة:

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

الشاشة المباركة

العربية

المؤلف ماجد بلال
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. الأخطار الدنيوية والأخروية للشاشات السامة .
  2. دراسة تبين التأثير السلبي للتلفاز على الأطفال .
  3. الشاشات المقيَّدة: فوائدها ومخاطرها .
  4. الفوائد الدنيوية والأخروية للشاشات المباركة .
  5. استرخاص المال لحفظ الأعراض .

اقتباس

نتكلم اليوم -أيها الإخوة المباركون- عن الشاشة المباركة، وما أدراكم ما الشاشة المباركة التي إذا حلت في البيوت حل معها الإيمان والطمأنينة والسكون؟! بيت إذا حلت فيه الشاشة المباركة وُصف هذا البيت بالالتزام والمحافظة، وشعر أهله بالراحة والاطمئنان الحقيقي، لا...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُـونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ)   [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أحسن الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

نتكلم اليوم -أيها الإخوة المباركون- عن الشاشة المباركة، وما أدراكم ما الشاشة المباركة التي إذا حلت في البيوت حل معها الإيمان والطمأنينة والسكون؟!.

بيت إذا حلت فيه الشاشة المباركة وُصف هذا البيت بالالتزام والمحافظة، وشعر أهله بالراحة والاطمئنان الحقيقي، لا المزيف كما يدعي الكثيرون.

وقبل أن ندلف إلى الشاشة المباركة -أيها الإخوة الأعزاء- لعلنا نعرج على نوعين من أنواع الشاشات التي قد توجد في بيوت المسلمين:

الشاشة السامة، وما أدراكم ما الشاشة السامة التي لا تلدغ الجلد فحسب؛ بل تلدغ القلب مباشرة!.

عن حُذَيْفَة: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ" رواه مسلم.

بعض الناس وفَّقهم الله -تعالى-، قد يصلي في الصف الأول، ويصوم الاثنين والخميس، وهو فاضل في نفسه؛ لكنه قد نسي أو تناسى أنه تارك لـسبعمائة قناة أو أكثر عبر تلك الشاشة تسمم أبناءه وبناته وزوجاته، وتعيث في البيت فساداً.

ولو قلتَ له: ما رأيك بممثل أو مغنٍّ يجلس مع بناتك وأبنائك في البيت لاستنكر، وغضب أشد الغضب؛ والحقيقة أن كمّاً من الفاسقين والكفار وأهل المجون يجلسون صباح مساء مع أبنائنا في البيوت عن طريق تلك الشاشات.

والحقيقة أننا سلمنا لهم أولادنا وعقولهم ودينهم بالمجان يفعلون بهم - وللأسف الشديد- ما يشاؤون!.

ما تفعل يا من غفل عن تلك الشاشة في بيته عندما تكتشف أن آثاماً وأوزاراً على ظهرك بسبب تلك الشاشة  لكل من شاهد أو سمع أو تأثر بتلك الشاشة؟ (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) [النحل:25].

ولو تسألهم حسنة ما أعطوك (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس:34-37].

في تفسير ابن كثير، قَالَ عِكْرِمَةُ: يَلْقَى الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ يوم القيامة فَيَقُولُ لَهَا: يَا هَذِهِ، أَيُّ بَعْلٍ كنتُ لَكِ؟ فَتَقُولُ: نِعْمَ الْبَعْلُ كنتَ! وَتُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَتْ، فَيَقُولُ لَهَا: فَإِنِّي أطلبُ إِلَيْكِ اليومَ حَسَنَةً وَاحِدَةً تَهَبينَهَا لِي؛ لَعَلِّي أَنْجُو مِمَّا تَرَيْنَ. فَتَقُولُ لَهُ: مَا أَيْسَرَ مَا طلبتَ! وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُ أَنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا، أَتَخَوَّفُ مِثْلَ الَّذِي تَخَافُ.

قَالَ: وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَلْقَى ابْنَهُ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ فَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ، أَيُّ وَالِدٍ كنتُ لَكَ؟ فَيُثْنِي بِخَيْرٍ. فيقولُ لَهُ: يَا بُنَيَّ، إِنِّي احْتَجْتُ إلى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ حَسَنَاتِكَ لَعَلِّي أَنْجُو بِهَا مِمَّا تَرَى. فَيَقُولُ وَلَدُهُ: يَا أَبَتِ، مَا أَيْسَرَ مَا طَلَبْتَ! وَلَكِنِّي أَتَخَوَّفُ مِثْلَ الَّذِي تَتَخَوَّفُ، فَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا.

(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ).

(يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ) [المعارج:11-14].

عن عَبْد اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"،  قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: "وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" رواه البخاري.

من أكبر الأخطاء التربوية أن يكون التلفاز في غرف النوم، لأنه يسرق الراحة؛ فكيف إذا تحولت غرفة نوم الأولاد إلى سينما أو محلاً لألعاب الفيديو؟.

جرائم المحارم، ونعوذ بالله من عقابه وأليم عذابه، سببها الرئيس البرامج المثيرة للغرائز  والشهوات للجنسين على حد سواء، بل وصل الحال في كثير من الأحيان إلى تشريع الصداقة المحرمة بين الجنسين وتمييع الحرام فيها حتى أصبحت كثير من المشاهد مألوفة إلى حد ما، والعياذ بالله!.

كثير من البرامج ترسل رسائل في تعليم طرق الإجرام الممنهج من سرقات، وسطوٍ، واعتداءٍ؛ فكيف بكم بهذا الشاب أو هذه الفتاة بعد هذه التغذية الفكرية؟.

وصل بعض الحال ببعض الأزواج المدمنين على متابعة المسلسلات الغرامية، التي لا تتحدث إلا عن العلاقات المحرمة، إلى الشك في زوجته وتفسير كل تصرف بالخيانة، حتى انتهى الأمر على أخف الأحوال بالطلاق، إن لم ينته بالقتل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!.

أدى السهر  لمتابعة المباريات والتي لا تأتي غالباً إلا في أيام الامتحانات إلى الفشل الدراسي  لكثير من الطلاب، فماذا استفاد هذا الطالب من هذه المتابعة؟.

لا تتعجب من رسم الصليب على أيدي الأطفال؛ لأنه -كما في الأفلام- يحمي من الأرواح الشريرة، أو لأنه رأى اللاعب الذي يعشقه يرسم الصليب على صدره بعد تسجيل الهدف!.

بل قد يترك الرفقة الصالحة لمتابعة مباراة من المباريات.

يحب بعض الأطفال عيد النصارى الكرسمس لأن بابا نويل يوزع عليهم الهدايا!.

وفتاة تتابع المصارعة الحرة التي تكون فيها السوءة المغلظة هي المستورة فقط، مع وضوح تحجيمها للمشاهد.

يا للعار!  وتباً لهذه الترهات!.

والكثير الكثير من ما يؤلم القلب ويفطر الكبد، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! إنا لله وإنا إليه راجعون!.

حذرت دراسة اجتماعية أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة في الأردن... حول البرامج الموجهة للأطفال العرب في الفضائيات العربية من آثار العنف المتلفز على شخصياتهم ومستقبلهم، وعلى أمن واستقرار مجتمعاتهم.

وأكدت الباحثتان أن "للعنف المتلفز تأثيرات كثيرة على شخصية الطفل ومستقبله"، مضيفتين أن "الطفل المشاهد للتلفاز دون رقابة أو انتقائية يصبح أقل إحساسا بآلام الآخرين ومعاناتهم، وأكثر رهبة وخشية للمجتمع المحيط به، وأشد ميلا إلى ممارسة السلوك العدواني، ويزيد استعداده لارتكاب التصرفات المؤذية".

وتفيد الدراسة المعنونة: "مواد وبرامج الأطفال في القنوات الفضائية العربية" أن ذروة المشاهدة في الفترة المسائية تعرض خلالها مشاهد عنيفة بمعدل خمسة مشاهد في الساعة، "وهذا يعني أن الطفل في عمر أحد عشر عاما يكون قد شاهد نحو عشرين ألف مشهد قتْل أو موت، وأكثر من ثمانين ألف مشهد اعتداء".

وتضيف، مستعينة بدراسات علمية أجرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) لمعدلات مشاهدة الأطفال العرب للتلفزيون أن الطفل وقبل أن يبلغ ثمانية عشر عاما من عمره يقضي أمام شاشة التلفاز اثنتين وعشرين ألف ساعة، مقابل أربع عشرة ألف ساعة يقضيها في المدرسة خلال المرحلة نفسها، مشيرة إلى انه مع بدء القرن الواحد والعشرين زاد المعدل العالمي لمشاهدة الطفل للتلفزيون من ثلاث ساعات وعشرين دقيقة يوميا إلى خمس ساعات وخمسين دقيقة نتيجة الانتشار الواسع للفضائيات التلفزيونية.

وتؤكد الدراسة أن مشاهدة الأطفال لبرامج التلفزيون لفترات غير محددة ودون رقابة وانتقائية "تفرز سلوكيات أبرزها السلبية والأنانية وعدم التعاون مع الآخرين، وعدم الإحساس بمشاعرهم؛ بل والسخرية منهم، إلى جانب التقليد الأعمى للآخرين في الملبس والمأكل والمشرب والسلوك الاجتماعي، وتطوير نمط حياة استهلاكي".

كما تؤدي مشاهدة الأطفال برامج التلفزيون بإفراط ودون ضوابط إلى تأثيرات سلبية عليهم تتمثل بالعجز عن ضبط النفس واللجوء إلى العنف بدل التفاوض، والافتقار إلى الأمان والشعور الدائم بالخوف والقلق، وترسيخ صور نمطية في عقل الطفل حول المرأة والرجل والمسنين والطفل وأصحاب المهن والمسؤولين ورجال الأمن وغيرهم، إضافة إلى قتل روح الإنتاج والإبداع لدى الأطفال.

ننتقل بكم أيها المستمعون الأعزاء إلى نوع آخر من أنواع الشاشات التي في بيوتاتنا، ألا وهي الشاشة المقيدة.

هذه الشاشة سامة كسابقتها في بيت الرجل، وهو -كما يزعم- يحتاج إلى متابعة الأخبار العالمية ويتفاعل معها ويتصل بالمسؤولين ويسهم في إيجاد الحلول لها، وهو يعلم أنها شاشة سامة وسبعٌ ضار؛ لكن صاحبها أدرك خطرها عليه وعلى أهل بيته، وهو يعلم ما رواه مسلم  في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ".

ويقرأ قوله -تعالى-: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36]، وقوله-تعالى-: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النور:24]، وقوله -تعالى-: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ) [فصلت:20-22].

فأدرك بعقله الذي حباه الله له، أن هذا خطر لا بد من تداركه، ومارس القوامة التي ميزه الله بها عن النساء: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34].

فعمد إلى هذه الشاشة وقيدها بالسلاسل والقيود كي لا تنفث سمها، وخفَّفه قدر المستطاع عنه وعن أهل بيته.

وفي نفس الوقت قام وتحكم فيما يخرج وما يغلق من القنوات فأخرج المفيد، وحجب الضار،

وقد فعلها كثير من الناس فأثمرت لهم خيراً كثيراً، فهو يسير على قاعدة: "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، تخفيف الضرر أفضل من تركه كله.

لكن الخطر فيه، وقد ينفجر في أي لحظة، والحي لا تؤمن عليه الفتنة.

اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

وبعد: ثم ننتقل إلى النوع الثالث من الشاشات، الشاشة المباركة، وما أدراكم ما الشاشة المباركة؟ تلك الشاشات التي صنعت خصيصا لكم أيها المسلمون حقاً، للمسلمين الذين يحفظون دينهم وأسماعهم وأبصارهم وعقولهم عما يشينهم.

يكفي من تلك الشاشات المباركة التي ليس فيها مجال للسموم أبداً، إن البركة تحل في هذا المنزل الذي امتلأ كله بالقرآن والسنة، يكفي أن تكون سبباً في صلاح البيت، ووسيلة تربوية ناجعةً في تقويم سلوك الأبناء بإذن الله.

أبشركم -أيها المستمعون الأكارم- أنه يوجد من النساء من يفتين من كثرة متابعة برامج  الإفتاء الدينية.

طفل صغير عمره ثماني سنوات، مريض بالتوحد، أجلسه والده أمام قناة يتلى فيها كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، فحفظ القرآن كله حتى بالرسم.

قد يتوقف البعض عند مسألة دفع اشتراك لمثل هذه القنوات الإسلامية التي لا تساوي ربع اشتراك في قناة رياضية، ثم هو يبخل على نفسه وأولاده في مثل هذه القنوات الفاضلة.

ولو سألته وقلت له: بكم تبيع دينك وخلقك؟ لاستغرب هذا السؤال، وعدّه شيئاً من الجنون، إذ إن دينه وخلقه لا يساوم عليهما ولو حتى بملايين الريالات؛ فكيف بدين زوجته وأبنائه؟.

هل استرخصنا فعلاً هذه القيم التي ليس لها ثمن بشراء السلعة الرخيصة التي تدمر ديننا وخلقنا نحن وأولادنا؟.

بل القيم والدين والأخلاق عندنا في الإسلام ليس لها ثمن أبداً، وتهون في سبيلها الأموال

أصونُ عِرْضِي بمالي لا أُدَنِّسُهُ

لا باركَ اللهُ بعد العِرْضِ بِالمالِ

فكيف إذا عرض عليك أن تحفظ دينك وخلقك وعرضك بأتفه الأثمان؟ كان الخلفاء والوزراء والعلماء في وقت ليس بالبعيد يربون أولادهم تربية الملوك، فكما أن هناك تربية للدواجن والأغنام فهناك تربية للصقور ولأشبال الأسود.

كان الخليفة والوزير والعالم في السابق يأتي إلى المربي والمعلم فيقول: هذه خمسة آلاف درهم، علم ابني القرآن والدين والأخلاق والفروسية ومكارم الأخلاق، فما هي إلا أيام وأعوام فيخرج من ذلك البيت خليفةٌ ووزير وقائد وعالم، نتيجة تلك التربية الفائقة.

هل تعلمون أيها الأفاضل -وليس الأمر سراً- أن كثيرا من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة وغيرها تحظر استقبال القنوات إلا عن طريق الاشتراكات في الكيابل حتى لا يختنق فضاؤها بما يعكر صفوهم وتوجهاتهم السياسية والدينية؟ ألسنا نحن أصحاب القيم والمبادئ الإسلامية أولى بتحصين أنفسنا من هذه الأخطار المحيطة بنا؟.

ناهيك عن الأجور التي ستحصلها عند لقاء الله لكل من استفاد من تلك الشاشة من أهل أو ضيف؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "مَنْ دَعَا إلى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إلى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا" رواه مسلم.

يكفي فيها -والله!- أنك تكون مستعدا للقاء الله؛ بل محبا له، و"مَن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه".

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

عن مَعْقِل بْن يَسَارٍ قال: ... حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهْوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" رواه البخاري.

فأنت، يا صاحب الشاشة المباركة، قد سلمت من الغش لرعيتك بإذن الله تعالى.

ويكفى قبل كل ذلك ارتياحك وطمأنينتك النفسية والقلبية، ثواب تطبيق أمر الله سبحانه وتعالى.

هذا وصلوا وسلموا...