القادر
كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن ناصر السعدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
قد فاتهم مرادهم ومطلوبهم، واعترفوا بذنوبهم، وأحاطت بهم ذنوبهم, يدعون بالويل والثبور, يا ثُبوراه.. يا حسرتا على ما فرَّطنا في جنب الله، واحزننا من فظيعة العذاب والشقا، واكربنا من دار العقاب وتجدُّد العنا، وافجيعتنا من الخلود في الجحيم ...
الحمد لله الذي جعل النار مثوى للكافرين، وعاقبة المجرمين والمتكبرين والمتجبرين, فهو الحكم العدل, شديد العقاب, وأحكم الحاكمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحقُّ المبين، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله الذي حذَّر وأنذر، وأخبر أنّ جهنَّم مثوى الظالمين، اللهم صلي وسلم على محمد, وعلى آله وأصحابه أئمة المتقين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
أيُّها الناس, اتقوا ربكم, واتقوا النار التي أعدت للكافرين، وأطيعوا الله ورسوله, إن كنتم مؤمنين؛ فإن الله أخبر أنه لا يصلى النار إلا الأشقى، الذي كذّب وتولى، وجمع فأوعى، ونسي المبتدأ والمنتهى، فهي دار من طغى وبغى، وتجبر على الخلق وآثر الحياة الدنيا.
دار الشقاء الأبدي، والعذاب الشديد السرمدي، دار جمع الله فيها للطَّاغين أصناف العذاب، وأحل على أهلها سعيرها.
قعرها بعيد، وعذابها شديد، ولباس أهلها القطران والحديد، وطعامهم الغسلين, وشرابهم الصديد، يتجرعه المجرم، ولا يكاد يسيغه, ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت, فيستريح من التنكيد.
يتردد أهلها بين الزمهرير المفرط بردُه، وبين السعير، ويلاقون فيها العنا والشقا. فيا بئس المثوى, ويا بئس المصير.
ويلقى عليهم الجوع الشديد المفظع، والعطش العظيم الموجع، فيستغيثون للطعام والشراب، فيغاثون من هذا العذاب، بأفظع عذاب، يغاثون بماء كالمهل وهو: [الرصاص المذاب] خبيث الطعم, منتن الريح, حره قد تناهى. إذا قرب من وجوههم أسقط جلدها ولحمها, وإذا وقع في بطونهم صهرها, وقطع أمعاءها، يغلي طعامهم الزقوم في بطونهم، كغلي الحميم، فشاربون عليه من الحميم، فشاربون شرب الإبل العطشان الهيم، هذا نزلهم, فبئس النزل غير الكريم، ينادون مالكاً خازن النار: (لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) فيقول: (إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [الزخرف:78]، وينادون مستغيثين بربهم: (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون:106-108]. فحينئذ ييأسون من كل خير، ويأخذون في الزفير والشهيق، وكلما رفعهم اللهب، وأرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها, وقيل لهم: ذوقوا عذاب الحريق. لا يفتر عنهم من عذابها, وهم فيه مبلسون, ويبكون دما بعد الدموع، فلا يرحمون، جزاء بما كانوا يكسبون.
قد فاتهم مرادهم ومطلوبهم، واعترفوا بذنوبهم، وأحاطت بهم ذنوبهم, يدعون بالويل والثبور, يا ثُبوراه.. يا حسرتا على ما فرَّطنا في جنب الله، واحزننا من فظيعة العذاب والشقا، واكربنا من دار العقاب وتجدُّد العنا، وافجيعتنا من الخلود في الجحيم, ويا عظيم البلا، فما لنا من شافعين، ولا أولياء وأخلاء دافعين.
قد نسِيَنَا الرحمنُ في العذاب كما نسيناه، وكما جحدنا آياته وجزاءه ولقاءه.
فو الله إن أفئدتنا لتُفتَّتُ من قوَّة العقاب، وأن قلوبنا لتنقطع من الكروب وعظم المصاب، سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا, فالعذاب دائم, وسواء دعونا أو سكتنا, فليس لنا مشفق, ولا ولي ولا راحم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.