الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
وقال الإمام أبو حامدٍ الغزاليُّ- رحمه اللّه-: إنّ الأمرَ بالمعروف والنّهيَ عن المنكر هو القطب الأعظم في الدّين، وهو المهمّ الّذي ابْتَعَثَ اللّهُ له النَّبِيٍّيْنَ أجمعين، ولو طُوي بساطه، وأُهملَ عِلْمُه وعَمَلُه؛ لتعطّلت النُّبوَّة، واضْمحلَّتِ الدِّيانة، وفشت الضّلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتّسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم...
الحمد لله الذي خلق كلَّ شيءٍ وقدَّر, وأتقن صُنعه بإحكامٍ ودبَّر, وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فيما خلق وقدَّر, أرسى شرائع الدينِ ويسَّر, ومِن أعظمِها شعيرةُ الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ المبعوثُ للأبيض والأسود والأحمرِ والأصفر، أدَّى رسالة ربِّه وبشَّر وأنذَر, صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله السادةِ الغُرَر، وأصحابِه ذَوِي السُّلوكِ الأطهر، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم العرضِ الأكبر.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون, واعلموا أنّ الأمرَ بالمعروف والنّهيَ عن المنكر مِن أعظم ركائز الدين, وأوجبِ الواجبات على الْمُؤمنين, به يدفع الله عنا البلاء, ويُؤَمِّنُنَا مِن العذاب والتفرقِ والشقاء.
قال الإمامُ النّوويُّ -رحمه اللّه-: "اعلم أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بابٌ عظيم, به قِوامُ الأمر ومِلاكه، وإذا كثر الخبث عمّ العقابُ الصّالح والطّالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظّالم أوشك أن يعمّهم اللّه تعالى بعقابه, (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)". اهـ.
وقال الإمام أبو حامدٍ الغزاليُّ- رحمه اللّه-: "إنّ الأمرَ بالمعروف والنّهيَ عن المنكر هو القطب الأعظم في الدّين، وهو المهمّ الّذي ابْتَعَثَ اللّهُ له النَّبِيٍّيْنَ أجمعين، ولو طُوي بساطه، وأُهملَ عِلْمُه وعَمَلُه؛ لتعطّلت النُّبوَّة، واضْمحلَّتِ الدِّيانة، وفشت الضّلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتّسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلّا يوم التّناد". اهــ.
ولقد أكَّد الله تعالى في كتابه هذه الشعيرةَ العظيمة, وعظَّم شأنها, وبيَّن منزلتها.
فأمر بأن تكون مِنَّا أمَّةٌ يقومون بها, ويُحيون أمرها فقال: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104].
وأخبر بأنَّنا خيرُ أمةٍ؛ لأجلها، فقال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110].
وأخبر -جل وعلا-, أنّهاَ مِن أبرز صفات المؤمنين, وأعظمِ سِماتِ أولياء الله المتقين, فقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71].
وأخبر -تعالى- أنَّ هذه الشعيرة العظيمة, هي مِن أعظم أسباب النّصر والتّمكين في الدّنيا فقال: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:41].
وهي وصية لقمان لابنه, (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان:17].
وهي أمانٌ من العقاب والعذاب في الدنيا والآخرة, وسرُّ البقاءِ، وعُنوانُ الرَّخاء, فقال -تعالى-: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ اْلقُرُوْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوْا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ اْلفَسَادِ فِيْ اْلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيْلاً مِمَّنْ أنَجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِيْنَ ظَلَمُوْا مَا أُتْرِفُوْا فِيْهِ وَكَانُوْا مُجْرِمِيْنَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ اْلقُرَىْ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُوْنَ) [هود:116-117].
وأخبر -تعالى-, أنه لعن بني إسرائيل بتركهم لهذه الشعيرة الجليلة فقال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) [المائدة:78], ما هو نوعُ معصيتهم واعتدائِهم؟ (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة:79].
وبعدما سمعنا -يا أمة الإسلام- أهميةَ ومكانةَ الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر, وشرف مَن يقومُ بها, والمنزلةَ الشريفةَ لمن اتَّصفَ بها, هل يليق بأُمَّةٍ أنْ تُهِين أصحابَها, أو تستهينَ برجالِها, أو تستخفَّ وتستهزأَ بجهودها؟! لا والله! فهم صمَّام الأمان لهذه البلاد, والساعون لِحْفظِ أعراضِ العباد.
كم ردّ الله بهم مِن مُصيبة, وحفظ بهم مِن فاجعة! كم عرضٍ حفظوه وستروه! وكم ذئبٍ خبيثٍ أدَّبوه!.
ولقد تأسس جهازُ الهيئة مُنْذُ تأسيس الدولة حرسها الله, وذلك عام ألفٍ وثلاثمائةٍ وستَّةٍ وخمسين, أي ما يُقارب الثمانين عاماً, وهو يَحْرُس أمننا, ويسعى في حفظِ أعراضنا, ويردُّ كيدَ الأعداء عنَّا.
ولقد اهتمت هذه الدولة المباركة بِجَاِنِبِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إنها تميَّزت وانفردت عن غيرها, من سائر الدول الإسلامية, في إيجادِ جهازٍ مستقلٍ كبير يُعنى بجانب الاحتساب والنصح والتَّوجيه، حتى أصبحت الرئاسةُ العامةُ لهيئةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر, جهازاً مستقلاًّ, يرتبط مباشرةً برئيس مجلس الوزراء, ويُعيَّن رئيسُه بأمرٍ ملكيٍّ برتبةِ وزير.
بل جاء في النظام الأساسيِّ للحكم, في المادة الثالثةِ والعشرين ما نَصُّه: "تحمي الدولةُ عقيدةَ الإسلام ، وتُطبِّقُ الشريعة، وتأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقومُ بواجب الدعوة إلى الله".
والمملكة -حرسها الله تعالى-, منذ تأسيسها وإلى وقتنا الحاضر, تلتزم في نهجها شرعَ الله تعالى؛ لأنها تُدْرك أن الإسلام هو السبيلُ الوحيدُ لعزِّها, وهو الكفيلُ وحده لقيامها وتوحيدِها ودوامها, ومِن أعظم ركائز ودعائمِ الإسلام: شعيرةُ الأمر بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر, فعملتْ على إقامتها, وجعلته من أساسيَّات نظامها.
ولذا؛ فالاعتداءُ على جهاز الهيئة أو أحدِ أفرادها, هو اعتداءٌ على الدولةِ ومُؤسَّساتِها, وأمنِها ونظامِها, واستخفافٌ بوليِّ أمرها, وأنظمتها وقوانينها.
والأمّة الَّتِيْ يقع فيها الفساد والشرور, ثم يوجد فيها مَن ينهض لمواجهته, والتقليلِ منه، هي أمّةٌ ناجيةٌ مهما كان عِظَم الفساد، فإنَّ اللهَ لن يأخذَها بالعذاب والعقاب؛ أمّا الأمّة الّتي يَظلم فيها الظّالمون, ويَعيثُ فيها المفسدون, وتسوسُهم الرُّويْبِضةُ والتَّافهون, ويُنتقَصُ فيها العلماءُ المصلحون, ثمّ لا ينهضُ من يدفع هذا الظّلم والفساد, ويسعى بالنصح والتوجيه بين العباد؛ فإنّ سنّة الله ماضيةٌ في عقابهم, وعادتُه جاريةٌ في مَحْقِهِم.
والعقابُ -معاشر المؤمنين- ليس مقصوراً على زلزالِ الأرضِ, أو إسْقاطٍ كِسَفٍ مِن السماء, بل بسلبِ الأمن عن هذه الأمة, وإحلالِ الخوفِ والفُرقةِ بينهم, وجعلِ بأسِهم بينهم, كما قال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ, انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام:65].
فهو القادر على إرسال العذاب من كل جهة على كلِّ أمَّةٍ تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأصرَّت على معصية الله: (مِنْ فَوْقِكُمْ) بالأمطار من السماء, أو بتسليطِ الأعداء, فيقذفون من طائراتهم صواريخَ تُدمرُ البيوت وتُقطِّع الأشلاء, (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) بالزلازل والبراكينِ وغيرِها, (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا) أي: يجعلَكم مُلْتَبِسين فِرَقاً مُتَخالفين, يلعنُ ويكره بعضُكم بعضاً, (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) أي: يسلط بعضُكم على بعض بالعذاب والقتل.
(انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ) أي: نبينها ونوضحها, (لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) أي: يفهمون ويتدبرون عن الله آياته وحججه وبراهينه.
فكلُّ جهات العذاب السابقة قد رأيناها فيمن حولنا, لكنَّ الله تعالى بمنِّه وكرمه سلَّمنا منها, فلْندفعها عنا بالحفاظِ على طاعة الله, والأمر بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر, والأخذِ على أيدي السفهاء والْمُفسدين.
اللهم احْفظ رجال الهيئات, وأعنهم على إزالةِ الْمُنكرات, واكفهم كيد الْمُفسدين والْمُفسدات, برحمتك يا أرحم الراحمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, ينزعُ الأمن عن الظالمين، ويُسْدلُه على الْمُصلحين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولُه النبيُّ الأمين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: انْظروا وتأملوا في مَنْ حولنا, وفي الدول والأممِ الْمُحيطةِ بنا, ألم تكن قبل عشرات السنين, مِن أفضل الأمم أمناً وطُمأنينةً واجتماعاً وتوحيداً للكلمة؟ كان دينُهم ومنهجُهم واحداً, وقلوبُهم صافيةً, فما الذي غيَّر حالَهَم, ومَحَقَ نِعْمَتَهم؟ إنه بسبب ذنوبهم ومعاصيهم, وانعدامِ أو قلَّةِ المصلحين منهم.
ولا تعتقدوا -يا عباد الله- أنَّ مُهمَّةَ رجالِ الهيئات, هي حثُّ الناس على الصلوات, وإغلاقِ الْمحلَّات, بل هذا جُزءٌ يسيرٌ من عملهم, فهمُ الذين ستروا العوراتِ، ودفعوا المنكرات, وهمُ الذين حاربوا الخمور والمخدِّرات, كم أنقذوا مِن فتاةٍ وقعت في شباك الْمُعاكسات! وكم هتكوا أستار الساحرين والساحرات!.
لا يرون شيئاً فيه صلاحُ العباد إلا سارعوا إليه, ولا شيئاً فيه ضررٌ عليهم إلا ردُّوه, ضحَّوا بأنفسهم وأوقاتِهم لأمْنِنَا وأعْراضنا, فكم وكْرٍ للسَّحرةِ والْمُشعوذين داهموه! وكم مصنعٍ للخمرِ والْمُخدِّرات أغلقوه! فقُتل الكثيرُ منهم جرَّاءَ ذلك وأُصيبوا.
واعلموا -معاشر المسلمين- أنَّ مِن أعظم بركاتهم ونفعهم أنَّ ذمَّتنا بريئةٌ بوجودهم؛ لأن الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر فرضُ كفاية, فقد كفونا هذه الشعيرةَ في الجملة.
ومن بركاتهم أيضاً أنَّنا في أمانٍ من عقاب الله وسخطه, ولو لم تكن من بركاتهم إلا هذه لكفتْ, قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ, وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ, أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ, ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ" رواه الإمامُ أحمد وحسنه الترمذيُّ والألباني.
فما دام فينا الآمرون بالمعروفِ والناهون عن الْمُنكر فنحن -والله- آمِنون على أعراضنا وأمننا وديننا, فإذا مُنعوا أو ضُيِّق عليهم, وسكت العلماءُ والْمُصلحون وتخاذلوا؛ فإنَّ الله تعالى سينزع عنا هذا الأمان, وسيجعلُنا كسائر البلدان, التي ينتشر فيها الخوفُ والاضطرابُ والإجرام.
اللهم أعذنا من سخطك, وآمنَّا من عقوبتك, اللهم لا تُؤاخذنا بما فعلنا ولا بما فعل السفهاء منَّا, برحمتك يا أرحم الراحمين.