القيوم
كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
شُرُوط الرُّقْيَةِ ثَلاثَةٌ: الأَوَّلُ: أَلَّا يَعْتَقِدَ أَنَّهَا تَنْفَعُ بِذَاتِهَا دُونَ اللهِ، فَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّهَا تَنْفَعُ بِذَاتِهَا مِنْ دُونِ اللهِ فَهُوَ شِرْكٌ مُحَرَّمٌ.. الثَّانِي: أَلا تَكُونَ مِمَّا يُخَالِفُ الشَّرْعَ.. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنَ اللُّغَاتِ الْمَفْهُومَةِ الْمَعْلُومَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الطَّلَاسِمِ وَالشَّعْوَذَةِ فَإِنَّهَا لا تَجُوزُ.
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وعَلِمَ السِرَّ وَالنَّجْوَى، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى حُلْوِ النِّعَمِ وَمُرِّ الْبَلْوَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى وَالرَّسُولُ الْمُجْتَبَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ لِسُنَّتِهِ اقْتَفَى.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ شَرِيعَتُنَا الغَرَّاءُ وَمِلَّتَنَا السَّمْحَاءُ الرُّقْيَةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَالنَّاسُ فِي حَاجَتِهَا دَوْمًا، وَنَحْنُ نَتَنَاوَلُهَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ عَلَى هَيْئَةِ مَسَائِلَ لِتَكُونَ أَيْسَرَ فِي الْفَهْمِ.
أَوَّلاً: مَا مَعْنَى الرُّقْيَةُ؟ الْجَوَابُ: مَعْنَاهَا الْقِرَاءَةُ، وَالْمُرَادُ الْقِرَاءَةُ عَلَى النَّفْسِ أَوِ الْغَيْرِ بِقَصْدِ الشِّفَاءِ مِنَ الْمَرَضِ.
ثَانِياً: بِمَاذَا تَكُونُ الرُّقْيَةُ؟ الْجَوَابُ: تَكُونُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْكَلَامِ الصَّحِيحِ، وَأَنْفَعُ ذَلِكَ مَا كَانَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
ثَالِثاً: مَا الدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الرُّقْيَةِ؟ الْجَوَابُ: أَمَّا مِنَ الْقُرْآنِ فَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[الإسراء:82].
وَأَمَّا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ فَسَيَمُرُّ بِنَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ.
رَابِعاً: هَلِ الرُّقْيَةُ تَكُونُ قَبْلَ الْمَرَضِ أَوْ بَعْدَ وُقُوعِهِ؟ الْجَوَابُ: تَكُونُ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَبَعْدَ وُقُوعِهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ يَرْقِي نَفْسَهُ، فَفِي صَحِيح ِالْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقرَأَ فِيهِمَا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. وَهَذِهِ سُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ غَفَلَ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَجَهِلُوهَا.
خَامِساً: مَا شُرُوطُ الرُّقْيَةِ لِتَكُونَ شَرْعِيَّةً؟ الْجَوَابُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ شُرُوطَ الرُّقْيَةِ ثَلاثَةٌ: الأَوَّلُ: أَلَّا يَعْتَقِدَ أَنَّهَا تَنْفَعُ بِذَاتِهَا دُونَ اللهِ، فَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّهَا تَنْفَعُ بِذَاتِهَا مِنْ دُونِ اللهِ فَهُوَ شِرْكٌ مُحَرَّمٌ، والوَاجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهَا سَبَبٌ لا تَنْفَعُ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ. الثَّانِي: أَلا تَكُونَ مِمَّا يُخَالِفُ الشَّرْعَ، كَمَا إِذَا كَانَتْ مُتَضَمِّنَةً دُعَاءَ غَيْرِ اللهِ، أَوِ اسْتِغَاثَةً بِالْجِنِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا شِرْكٌ. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنَ اللُّغَاتِ الْمَفْهُومَةِ الْمَعْلُومَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الطَّلَاسِمِ وَالشَّعْوَذَةِ فَإِنَّهَا لا تَجُوزُ.
سَادِساً: مَا الْأَمْرَاضُ التِي تَنْفَعُ مِنْهَا الرُّقْيَةُ؟ الْجَوَابُ: هِيَ نَافِعَةٌ -بِإِذْنِ اللهِ- مِنْ كُلِّ مَرَضٍ، لَكِنَّهَا أَنْفَعُ مَا يَكُونُ مِنَ الْعَيْنِ وَالْمَسِّ وَالسِّحْرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَمْرَاضَ الثَّلاثَةَ لا يَنْفَعُ فِيهَا الطِّبُّ الْحَدِيثُ.
سَابِعاً: مَنِ الذِي يَرْقِي؟ هَلْ هُوَ إِمَامُ الْمَسْجِدِ أَمِ الْخَطِيبُ أَمْ مَنْ؟ الْجَوَابُ: لَيْسَ هُنَاكَ أَحَدٌ مُعَيَّنٌ هُوَ الذِي يَرْقِي، بَلْ كُلُّ مُسْلِمٍ يَصْلحُ أَنْ يَرْقِي، وَأَنْفَعُ مَا يَكُونُ أَنْ يَقْرَأَ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ. وَأَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لا يَصْلَحُ لِلْقِرَاءَةِ إِلَّا أَشْخَاصٌ مُعَيَّنُونَ فَهَذَا خَطَأٌ، بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِغَيْرِ اللهِ.
ثَامِناً: مَا صُوَرُ الرُّقْيَةِ وَكَيْفِيَّتُهَا؟ الْجَوَابُ: لَيْسَ لَهَا كَيْفِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ لازِمَةٌ وَلَكِنْ هُنَاكَ كَيْفِيَّاتٌ تَنْفَعُ بِإِذْنِ اللهِ؛ فَمِنْهَا: أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الْمَرِيضِ وَيَنْفُثَ كُلَّمَا قَرَأَ بَعْضاً مِنَ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ كَانَتْ آيَةً أَوْ صَفْحَةً، فَلَيْسَ هُنَاكَ حَدٌّ مُعَيَّنٌ لابُدَّ مِنْهُ. وَمِنْهَا: أَنْ يَقْرَأَ وَيَمْسَحَ بِيَدِهِ عَلَى الْمَكَانِ الذِي يُؤْلِمُ الْمَرِيضَ. وَمِنْهَا: أَنْ يَقْرَأَ فِي مَاءٍ وَيَشْرَبُهُ الْمَرِيضُ أو يَغْتَسِلُ بِه.
تَاسِعَاً: مَا السُّوَرُ أَوِ الآيَاتُ التِي يُرْقَى بِهَا الْمَرِيضُ؟ الْجَوَابُ: لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ مُحَدَّدٌ، فَكُلُّ الْقُرْآنِ نَافِعٌ -بِإِذْنِ اللهِ-، وَلَكِنْ قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ فِي الْقُرْآنِ كَالْفَاتِحَةِ وَسُورَةِ الصَّمَدِ وَالْفَلَقِ وَالنَّاسِ، وَمِنْهَا: آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَآخِرُ آيَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، بَلْ كُلُّ سُورَةِ الْبَقَرَةِ نَافِعَةٌ -بِإِذْنِ اللهِ-، وَكَذَلِكَ آخِرُ ثَلاثِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْإِنْسَانِ سِحْرٌ فَإِنَّهَا تُقْرَأُ عَلَيْهِ الآيَاتُ التِي فِيهَا ذِكْرُ السِّحْرِ، كَمَا فِي سُوَرِ الْبَقَرَةِ وَالْأَعْرَافِ وَيُونُسْ وَطَهَ.
وَمِنْ صُوَرِ الرُّقْيَةِ: أَنْ تَمْسَحَ بِيَدِكَ اليُمْنَى وَتَقُولُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا". وَمِنْهَا أَنْ تجْعَلَ يَدَكَ الْيُمْنَى عَلَى الْمَكَانِ الذِي تَأْلَمُ وَتَقُولُ "بِسْمِ اللَّهِ" ثَلاثاً و"أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ، وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ، وَأُحَاذِرُ" سَبْعَ مَرَّاتٍ.
عَاشِراً: كَمْ مُدَّةُ الْقِرَاءَةِ باِلرُّقْيَةِ؟ الْجَوَابُ: لَيْسَ هُنَاكَ أَيَّامٌ مُحَدَّدَةٌ يَقْرَأُ فِيهَا ثُمَّ يَنْتَهِي، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَاضَ تَخْتَلِفُ قُوَّةً وَضَعْفاً، فَقَدْ يَحْتَاجُ الإِنْسَانُ أَنْ يَرْقِي نَفْسَهُ مَرَّةً وَيَزُولُ الْمَرَضُ -بِإِذْنِ اللهِ-، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ لِأَيَّامٍ وَرُبَّمَا لِشُهُورٍ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ حَتَّى فِي الْعِلَاجَاتِ الْحِسِّيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ فيِ الْمُسْتَشْفَيَاتِ وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، فَبَعْضُ الأَمْرَاضِ يَأْخُذُ لَهَا حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ، وَبَعْضُ الْأَمْرَاضِ يُعْطِيهِ الطَّبِيبُ عِلَاجاً يَسْتَمِرُّ عَلَيْهِ شَهْراً، بَلْ بَعْضُ الْأَمْرَاضِ يَكُونُ عِلَاجُهَا مُسْتَمِراً طُولَ الْحَيَاةِ، فَهَكَذَا الرُّقْيَةُ قَدْ تَحْتَاجُ لِأَيَّامٍ وَقَدْ تَتَطَلَّبُ شُهُوراً مِنَ الرُّقْيَةِ الْيَوْمِيَّةِ.
وَلِذَلِكَ يُخْطِئُ بَعْضُ النَّاسِ جِدًّا حِينَ يَرْقِي نَفْسَهُ مُدَّةً قَصِيرَةً ثُمَّ يَسْتَبْطِئُ الشِّفَاءَ، ثُمَّ يَقُولُ: الرُّقْيَةُ لَا تَنْفَعُ، ثُمَّ يَذْهَبُ لِلسَّحَرَةِ وَالْمُشَعْوِذِينَ؛ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَنَّهُ صَبَرَ وَوَاصَلَ الرُّقْيَةَ لَحَصَلَ لَهُ بِإِذْنِ اللهِ النَّفْعُ، فَإِمَّا أَنْ يَزُولَ مَا يُعَانِي بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ يَخِفَّ وَيَشْفَى بَعْضَ الشَّيْءِ وَلا بُدَّ، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ -تَعَالَى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى إِمَامِ الْمُتَّقِينَ وَخَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصْحَبْهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ الحَادِيَةَ عَشْرَة أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَتَعَوَّدَ أَنْ تَرْقِيَ نَفْسَكَ بِنَفْسِكَ وَلا تَبْحَثْ عَمَّنْ يَرْقِيكَ، وَذَلِكَ لِعِدَّةِ فَوَائِدَ:
أَوَّلاً: أَنَّ هَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ فَقَدْ كَانَ رَسُولُنَا وَقُدْوَتُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْقِي نَفْسَهُ. وَثَانِياً: أَنَّ رُقْيَتَكَ لِنَفْسِكَ أَعْظَمُ فِي التَّعَلُّقِ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، لِأَنَّكَ تَرْقِي نَفْسَكَ وَأَنْتَ تَرْجُو مِنْ رَبِّكَ الشِّفَاءَ. ثَالِثاً: أَنَّ رُقْيَتَكَ لِنَفْسِكَ أَقْوَى مِنْ رُقْيَةِ غَيْرِكَ؛ لِأَنَّكَ تُحِسُّ بِالأَلَمِ وَتَرْجُو أَنْ يَرْتَفِعَ مِنْكَ السَّقَمُ، وَقَدْ قِيلَ: مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثْلُ ظُفُرِكَ.
رَابِعاً: أَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكَ، فَبَدَلاً مِنْ ذَهَابِكَ وَإِيَابِكَ لِلرَّاقِي والبَحْثُ عَنْه، تَبْقَى فِي بَيْتِكَ أَوْ مَسْجِدِكَ وَتَرْقِي نَفْسَكَ، وَرُبَّمَا تَجِدُ عِنْدَ الرَّاقِي زِحَاماً وَأُنَاساً غَيْرَكَ. خَامِساً: أَنَّكَ تَحْفَظُ تَوْحِيدَكَ وَدِينَكَ، فَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ إِذَا رَقَاهُمْ أَحَدٌ تَعَلَّقُوا بِهِ، وَرُبَّمَا نَسُوا اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، ونَسَبُوا الفضلَ لِغَيرِه، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي صِفَاتِ السَّبْعِينَ أَلْفَاً الذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ "أَنَّهُمْ لا يَسْتَرْقُونَ"؛ أَيْ: لا يَطْلُبُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنْ يَرْقِيَهُمْ.
سَادِساً: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ: أَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَأَبْعَدُ عَنِ الْفِتْنَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثانيَةَ عَشْرَة: التَّنْبِيهِ عَلَى بَعْضِ الْأَخْطَاءِ التِي تَقَعُ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْفَضِيلَةِ الرُّقَاةِ، فَمِنْ ذَلِكَ اتْخَاذُ الرَّقْيَةِ مِهْنَةً وَمَصْدَرَ رِزْق... وَأَخْذُ الْمَالِ عَلَى الرُّقْيَةِ جَائِزٌ لَكِنْ لَا يُتَّخَذُ وَظِيفَة.
وَمِنْ ذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي الأَمْوَالِ الَّتِي يَأْخُذُونَهَا مِنَ الْمَرضَى، سَواءٌ كَانَ لِلْقِرَاءةِ أَوْ لِمَا يَبِيعُوْنَهُ. وَمِنْهَا الضَّرْبُ الْمُبَرِّحُ لِلْمَرِيضِ، وَاسْتِخْدامُ أَدَوَاتٍ فِي ذَلِكَ كَالْعُصِيِّ، وَالْكَيِّ بِالْكَهْرَبَاءِ. وَمِنْهَا اقْتِصَارُ الْبَعْضِ عَلَى إِسْمَاعِ الْمَرِيضِ آيَاتِ الرُّقْيَةِ مِنْ شَرِيطٍ مُسَجَّلٍ، دُونَ الْقِرَاءَةِ الْمُبَاشِرَةِ عَلَى الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ الرُّقْيَةَ لابُدَّ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمَرِيضِ مُبَاشَرَةً، وَلا تَكُونُ بِوَاسِطَةِ مُكَبِّرِ الصَّوْتِ وَلا بِوَاسِطَةِ الْهَاتِفِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- فِي الرُّقْيَةِ المبَاشِرَةِ، وَقَد قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْه فَهُوَ رَدٌّ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنَ الْأَخْطَاءِ الْخَلْوَةُ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَمَسُّ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا، بِأَيِّ حُجَّةٍ كَانَتْ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ"(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَمِنَ الْأَخْطَاءِ التَّعَامُلُ مَعَ الْجِنِّ فِي فَكِّ السِّحْرِ، أَوْ فِي عِلَاجِ الْمَسْحُورِ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَأَمَّا اللُّجُوءُ إِلَى الْجِنِّ فَلَا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى عِبَادَتِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ؛ لِأَنَّ فِي الْجِنِّ مَنْ هُوَ كَافِرٌ وَمَنْ هُوَ مُسْلِمٌ وَمَنْ هُوَ مُبْتَدِعٌ، وَلا تُعْرَفُ أَحْوَالُهُمْ، فَلا يَنْبَغِي الاعْتِمَادُ عَلَيْهِمْ وَلا يُسْأَلُونَ.
فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَ كُلَّ مُبْتَلَى وَأَنْ يَشْفِيَ كُلَّ مَرِيضٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، اللَّهُمَّ إِنَّا نعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَمِنْ قُلُوبٍ لَا تَخْشَعُ وَمِنْ نَفُوسٍ لَا تَشْبَعُ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَناَ الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهُم يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ المُسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسْلمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللهم احْمِ حَوْزَةَ الدْينِ. اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَ بِلَادِ المسْلِمِينَ وَاحْقِنْ دِماءَهُم، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الكُفَّارِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ واجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.