الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
جعل في سنته أن يكون هنالك ثلاثة أصناف: فريق يحرص حدود الله، هنيئا له، فريق يقع فيها، أسأل الله لهم الهداية، وفريق يستطيع التغيير ولكنه يتفرج لا يقع فيها ولا يحرصها، وهنا مع الأسف نضيف إليهم صنف رابع وهم الذين...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102 ].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
نتوقف قليلا عن سلسلة اليوم الآخر هذه الجمعة، ونقول ما أحوجنا إلى أن نتعلم فقه التقرب إلى الله تعالى، والمقصود ما أحوجنا أن ندرك أكثر ما يحبه ربنا ويرضاه من العبادات، فنحرص عليها أكثر من غيرها، فالعبادات متفاضلة، والعبد الفطن هو الذي يقدم من العبادات ما يلتمس به مرضات الله تعالى، لا مرضاة نفسه.
ولذلك قال تعالى: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ)[البقرة: 271].
وقال أيضا جل وعلا: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
وقال أيضا جل من قائل: (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) [الأنفال: 7].
فليس ميل المسلم بالضرورة حاكما على اختيار العبادة، فمن العبادات التي يغفل عنها البعض، ولا تنشط إليها بعض النفوس "إيصال الخير للآخرين".
فالنفع المتعدي في الجملة أفضل من النفع القاصر، والعبادات المتعدي نفعها للغير أفضل من العبادات التي نفعها قاصر على العبد، أي تلك الذي ينحصر نفعها على العبد.
فالإحسان إلى الآخرين والقيام بحوائجهم، والعمل على اجتماعهم على الهدى، ومنع الفساد عنهم، وإزالة أسباب الفرقة والعداوة من أفضل القرب إلى الله تعالى؛ فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟" قالوا: بلى، قال:"صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة" [رواه الترمذي].
فالعبادة المتعدية أثارها المتعدية نفعها أثارها الدنيوية أسرع وأقوى وأشمل، وأثارها الأخروية أحب إلى الله، ولذلك طغت العبادات المتعدية على حياة الأنبياء، فالأنبياء أنوار الدعوة والإصلاح أنجا الله بهم خلقه من النار، وكان عملهم أحسن الأعمال: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا)[فصلت:33].
فكانوا في أعلى عليين، وقد جاء في السلسلة من حديث ابن عمر بسند حسن: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله وأي الأعمال أحب إلى الله؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم إلى الناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه دينا، أو يطرد عنه جوعا، ولو أن أمشي مع أخي لي في حاجة أحب إلي أن أعتكف في هذا المسجد شهر-يعني مسجد المدينة - ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه و لو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل".
فالاشتغال بمصالح الناس وقضاء حوائجهم، وتعليمهم ما يصلح أحوالهم، ومساعدتهم بالمال والجاه والنفع العام عبادات بالغة الأجر عند الله تعالى محبوبة عنده، في حديث ابن مسعود رضي الله عنه بسند صحيح قال: قال صلى الله عليه وسلم: "الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله".
ولهذا كان فضل العالم الذي يسعى جهده لرفع الجهل عن الناس فضل هذا العالم على العابد الذي التفت إلى خاصة نفسه دون غيره؛ كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب كما صح ذلك في الأثر.
فالمقرر عند أهل العلم أن المتعدي من العبادات بالجملة أفضل من القاصر، لكن ليس هذا على إطلاق، وبالتالي تعطل العبادات القاصرة.. لا، قد شرع الله تعالى في بعض أوقات عبادات قاصرة لا متعدية، فالاعتكاف مثلا من العبادات القاصرة ومع ذلك فإنه في رمضان يقدم على عبادة متعدية كتعلم العلم مثلا الذي هو من أفضل الأعمال المتعدية؛ لأن الاعتكاف هو الأقرب إلى الله تعالى في أجواء رمضان، ولذلك كان الإمام مالك إذا دخل رمضان يترك قراءة الحديث والتعليم ويقبل على قراءة القرآن من المصحف.
كان سفيان الثوري أيضا إذا دخل رمضان ترك العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
وكذلك يقال في صلاة الفريضة الركن الثاني من أركان الإسلام فإنها عبادة قاصرة، ومع ذلك فهي مقدمة على الركن الثالثة الذي هو الزكاة مع أن الزكاة عبادة متعدية، إذاً فليست هذه القاعدة على إطلاقها في كل حال، وإن كان أهل العلم يطلقونها من باب الغالب.
معاشر المسلمين: النهي عن المنكر عبادة متعدية يتقرب بها إلى الله تعالى فما قيمة فريضة النهي عن المنكر في الإسلام؟ يقول تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)[آل عمران: 110].
ألا ترون أيها الإخوة: الآية أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدم على الإيمان: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ).
ونحن نعلم بالضرورة أن شيء لا يتقدم الإيمان، وأن الإيمان مقدم على كل شيء، فما السبب في تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن الإيمان في هذه الآية؟
قال أهل العلم: "السبب في ذلك هو خصوصية الأمة فنحن أمة اختصت بهذه الميزة دون غيرها من الأمم، فالإيمان مشترك بين جميع الأمم لكن التميز بالمعروف والنهي عن المنكر هذا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالآية تتحدث عن أسباب الخيرية والأفضلية، وعن الميزة والخصية التي تتميز بها هذه الأمة ولله الحمد، وقدم بها هذا الخاص ثم ذكر بعد ذلك الأمر الأساس الذي لا يقبل بدونه أي عمل، فقال: (وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) ".
ولهذا عقب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بوصف حال أهل الكتاب الذين كان من صفاتهم وطبعهم ترك النهي عن المنكر وذم هذه الصفة بقوله: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)[المائدة: 78-79].
وفي آية أخرى قال عنهم: (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)[آل عمران: 113-114].
فبين الله سبحانه أنهم ليسوا سواء كلهم بهذه المسافة، وإنما فيهم أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وترى أنه قدم الإيمان في حقهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ).
فقدم الإيمان في حقهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لماذا؟ لأنهم لا يتميزون بذلك ولهذا وصفوا بالإيمان ثم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه هي الحالة الطبيعية والحال العادي الذي تصف به جميع الأمم ما عدا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أمتنا هذه أخرجت للناس لا لتكتفئ على نفسها دون الناس، بل أخرجت للناس لتخرجهم من الظلمات إلى النور؛ ولأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة للعالمين شأنها في المقام الأول أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أي أنها بعد إيمانها لا تقعد، بل تنطلق في رسالتها آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، هذا ما يميزها، وهذا ما تختص به دون غيرها من الأمم التي قصرت في ذلك أو كانت دونها.
فارتباط النهي عن المنكر بأمة محمد ارتباط عريق في أصل منهجها، ولهذا نرى القرآن في آية أخرى وهو يصف مؤمني ومؤمنات أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقدم فيهم صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الصلاة والزكاة، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].
وجاء بهذه الصفات الجميلة للمؤمنين بعد أن ذم منافقي الأمة، وقدم في مطلع ذمهم أولئك المنافقين قدم في أولى صفاتهم ذمهم بها مناقضتهم لهذه الفريضة بالذات، وهذا في قوله تعالى: (وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ ..) أول صفة: (.. وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة: 67].
هنالك أثنى على المؤمنين بنهيهم عن المنكر، وهنا ذم المنافقين بأمرهم بالمنكر، فأول مقياس حدد الخيرية أو الفساد في الطرفين هو موقف كليهما من المنكر، هذه هي قيمة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومكانتها في الإسلام.
ونحن أيها الإخوة: إذا انطلقنا في تحديد الأولويات، فإنما ننطلق في ذلك بحسب أولويات ديننا، فما عظمه الله تعالى نعظمه، وما قدمه الله تعالى نقدمه، فموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أولى وأوجب ما ينبغي أن تعتني به أمتنا، وأن تخصص له أكبر الإمكانات، وترقى به إلى أعلى المقامات، لماذا؟ لأن الله تعالى عظمه، بل جعله من خصائص الأمة التي تميزت بها عن غيرها من الأمم وصار مفتاح خيريتها.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب من الواجبات التي شرعها الله تبارك تعالى على الأمة أجمع، بل هو واجب يترتب على تحقيقه واجبات كثيرة، بل كل الواجبات لو تأملنا لا تحقق وكل المنهيات لا ينتهي عنها إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى هذه الأمة: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفروه فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إن الله تبارك وتعالى ذكر لعن أنبياء الله داوود وعيسى بن مريم للذين كفروا من بني إسرائيل بسبب تركهم إنكار المنكر، نعم لقد استحقوا لعن أنبيائهم، وتأييد القرآن لذلك اللعن لمجرد تركهم الإنكار ، فقط الترك، فكيف بمن صد الناهيين عن المنكر وأهانهم أمام الشامتين من رواد الهز والرقص والطرب.. أي خزي بعد هذا الخزي؟!
لكن الله تعالى جعل في سنته أن يكون هنالك ثلاثة أصناف فريق يحرص حدود الله، هنيئا له، فريق يقع فيها، أسأل الله لهم الهداية، وفريق يستطيع التغيير ولكنه يتفرج لا يقع فيها ولا يحرصها، وهنا مع الأسف نضيف إليهم صنف رابع وهم الذين يحرصون المنكر ويمنعون من ينهى عن المنكر أولئك الذين لم يقفوا عند حد التفرج ولا الاعتداء؛ إنما جاوزا ذلك إلى الدفاع عن المنكر، فكان أن اقتربوا من المنافقين في قوله تعالى: (يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة: 67].
نسأل الله السلامة من ذلك والعافية.
أيها الإخوة: شأن النهي عن المنكر أخطر على الأمة من غيرها، ولذلك ينبغي أن نراجع موقفنا من الناهين عن المنكر سواء كانوا من الهيئة أو من غيرهم، وأن ندرك أن الله تعالى قد أكرمنا بهم، وتفضل علينا بوجودهم بيننا؛ لأنهم بعد الله صمام الأمان للأمة، فهم يسدون ثغرة عظيمة عز أن يلتفتوا إليها في هذا الزمان، ففي مسند الإمام من حديث قيس بن حازم في حديث صحيح قام أبوبكر رضي الله عنه فحمد الله ثم أثنى عليه، فقال: "أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة: 105] وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغِّيِروه، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ".
فالناهون عن المنكر حتى لو أخطئوا أحيانا فهم بشر غير معصومين، إلا إنها أخطاء تذوب في بحر حسناتهم أحسبهم كذلك والله حسيبهم، فهم مصدر اطمئنان للمؤمن؛ لأن المؤمن يعتقد أن للعقوبات الربانية أسباب شرعية تحركها المعاصي والمنكرات المعلنة، ولها أيضا أسباب طبيعية تحركها السنن الكونية الإلهية، وكلا الأسباب إنما هي بإذن الله تعالى العلي القدير، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[التغابن: 11].
والنهي عن المنكر إذا حُرب أو رفع من الأرض فقد تودع منها كوارث، زلازل، قحط، ظلم، حروب، قال تعالى: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: 25].
أسأل الله تعالى أن لا يأخذنا بما فعل السفهاء منا.