البحث

عبارات مقترحة:

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

أيها المرجفون (وتلك الأيام نداولها بين الناس)

العربية

المؤلف أحمد بن عبد العزيز الشاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. أخذ الله للمسيئين سُنة لا تتبدل ولا تتخلف .
  2. دروس وعبر من قصة موسى وفرعون .
  3. سلطان العباد قاصر ومحدود .
  4. عواقب استقواء أهل الباطل على أهل الحق .
  5. ملجأ الضعفاء وحصن الخائفين .
  6. عاقبة الصراع بين الحق والباطل .
  7. فرح المسلم بانتصار إخوانه .
  8. شتان بين موقف المؤمنين الصادقين وموقف المرجفين .
  9. عبر وعظات مما حدث من تغيير في حكم مصر .
  10. هزيمة المشروع العلماني والتغريبي في أرض مصر. .

اقتباس

رئيسًا صار حبيسًا، وسجينًا صار رئيسًا، وأمة كانت تُحارب وتُظلم وصارت اليوم تسيطر وتحكم، ورجل كان بالأمس يُدَاهم ويُعتقل واليوم صار يقف عزيزًا أمام معتقِلِيه وهم أذلة، فسبحان من له الخلق والأمر.. وكأنما ضرب من الخيال لولا أن الله حدثنا بنهاية كل ظالم، وبعزة كل صابر، وبانفراج كل ضيق، وبثبات كل مستعصم، وبانتصار كل مستضعَف، ولو طال الزمان وجار الظالمون والمجرمون، وحُوصرت الكلمة الصادقة، ومُنع العلماء وهُجِّر...

الحمد لله الذي له الخلق والأمر وبيده الملك وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إنه هو السميع البصير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الهادي والسراج المنير، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولى التقى والنهي والعقل المستنير وسلم تسليمًا.

أما بعد: فيا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

بيان من الله للناس وهدى وموعظة للمتقين ، بيان هذا نصه (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 4- 5].

بيان الله للناس يقرر (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران: 140] بيان من مالك الملك الذي يؤتي الملك من يشاء ويعز من يشاء ويزل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

يعلن للناس كل الناس أن (الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128] سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والجبروت يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [العنكبوت: 4].

فلا يحسبن مفسدٌ أنه مفلت ولا سابق، ومن يحسب هذا فقد ساء حكمه وفسد تقديره واختل تصوره وأخذ الله للمسيئين سُنة لا تتبدل ولا تتخلف ولا تحيد، سبحان من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29] (وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ) [غافر: 81].

رئيسًا صار حبيسًا، وسجينًا صار رئيسًا، وأمة كانت تُحارب وتُظلم وصارت اليوم تسيطر وتحكم، ورجل كان بالأمس يُدَاهم ويُعتقل واليوم صار يقف عزيزًا أمام معتقِلِيه وهم أذلة، فسبحان من له الخلق والأمر (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) [آل عمران: 13].

التاريخ يعيد نفسه فمن قبل صبر موسى والمستضعفون من قومه على فرعون وجنده رغم الفرق الهائل بين القوتين في القوة والعتاد، وكان الفرعون قد علا في أرض مصر وفرّق أهلها شيعًا، وأصبح طاغية متجبرًا في الأرض محاربًا لدين الله وللمؤمنين من عباده يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم في سطوة بالغة وقسوة مشهودة..

وللرد على ذلك الظلم بعث الله موسى بن عمران طفلاً رضيعًا لا حول له ولا قوة يتهدد به فرعون وملكه فيغزو قصره رغم أنفه ويعيش فيه، ثم ينهار جبروت الفرعون أمام ما وضع الله - تعالى - في هذا الرضيع من أسرار.

وتكفي في ذلك الإشارة إلى أن الفرعون لم يتمكن من قتل هذا الرضيع على الرغم من ميلاده في عام كان القانون الفرعوني يحتم فيه قتل كل الذكور من مواليد المؤمنين. وكان ذلك لأن الله - تعالى – صنع هذا الرجل على عينه، وألقى عليه محبة من عنده، وساق تابوته إلى داخل قصر الفرعون، فلم يستطع قتله على الرغم من عداوته الشديدة لقومه، وخوفه منهم.
وبعد أن تلقى موسى - عليه السلام - رسالة ربه، تحدى بها الفرعون وجنده، فنصره الله - تعالى - عليهم نصرًا مؤزرًا.

وعرض القرآن الكريم لهذه القصة جاء ليؤكد لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين به في زمانه، ومن بعده إلى قيام الساعة حقيقة أنه لا سلطان في هذا الوجود لغير الله - تعالى -، ولا نجاة من مخاطر هذا الوجود إلا بإرادته ورحمته..

وذلك لأن سلطان العباد قاصر ومحدود، وقدراتهم على الإنفاذ محدودة، فعلى كل من يريد النصر والتمكين أن يكون مع الله، فمن كان في جانب الله- تعالى - وتمسك بإيمانه به، وتوكل عليه كان الله معه، ومنحه العزة والتمكين في الأرض. ومن كان الله معه كان دومًا منتصرًا على الرغم من ضعف قدراته المادية والبشرية ومحدوديتها. ومن ضحى بمعية ربه واستغنى عن تأييده، تركه ربه لضعفه الذي لا يغني عنه شيئًا. وإذًا يستحيل عليه أن يحقق لنفسه نصرًا, أو أمنًا, أو طمأنينة بال, ولو وقفت بجانبه كل قوى الأرض البشرية والمادية.

ولذلك فإنه كلما استقوى أهل الباطل على أهل الحق، وغرتهم قوتهم المادية على البطش بهم، ومحاولة القضاء عليهم، وإشاعة الفساد بينهم، تجلت قدرة الله- تعالى- التي تبطش بأهل الباطل وتقضي عليهم، وتمكن لأهل الحق في الأرض، ولذلك قال - تعالي: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) [القصص: 4].

لكم أوذي الصالحون والمصلحون في بلاد مسلمة، واستضعفوا وشردوا والآن يدور الزمان دورته وتصدق السنن الإلهية وتتهاوى عروش الظلمة المتجبرين الذين كانوا يكرهون رؤية المساجد والحجاب فيصبح الإسلاميون قوة معترفًا بها بل ويؤسسون أحزابًا ويلقون خطبًا ومحاضرات في فضاء مفتوح بلا رصد ولا مضايقة، ويُمَكن الله لهم ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين وكأنما ضرب من الخيال لولا أن الله حدثنا بنهاية كل ظالم، وبعزة كل صابر، وبانفراج كل ضيق، وبثبات كل مستعصم، وبانتصار كل مستضعف، ولو طال الزمان وجار الظالمون والمجرمون، وحُوصرت الكلمة الصادقة، ومُنع العلماء وهُجِّر المصلحون.

عسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ

يَكُونُ وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبٌ
فَيَأْمَنُ خَائِفٌ وَيُفَكُّ عَانٍ وَيَأْتِي أَهْلَهُ النَّائِي الْغَرِيبُ

إنما الصراع بين الحق والباطل ينتهي بمنة الله على عباده المستضعفين، ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين، إن ما يجري في بلاد مسلمة وإن كان في مراحله الأولى فهو نوع من التمكين للدعوة الإسلامية، التي كانت مُلاحَقة لعقود طويِلة، وقُمِعت قمعًا لا حدود له، حتى ظننا أن لن يكون للإسلام رجعته، ولا جيله الزاهر، أو شبابه اليانع.

إن الحياة مستودع لدروس كثيرة تجلى أكثرها في القرآن ولكن من يتعظ ويتدبر (لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص: 29].

إن المسلم ليسعد ويفرح وهو يرى عرش من عروش الطغيان قد هوى ونور من الحق قد علا، وإن المسلم الحق لينتشي زهوًا وطربًا وهو يرى المستضعفين المطاردين يعودون أعزة غالبين ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.

كيف لا يفرح المسلم بانتصار إخوانه ممن تربطه بهم رابطة الدين، وإن كان فيهم ما فيهم من مظاهر التقصير والتمييع فإن راية العصيان أخفّ من راية الكفر والطغيان.

وكما قال شيخ الإسلام: "لا ينبغي أن ينهى الرجل عن نور فيه ظلمة إلا إذا حصل نور لا ظلمة فيه".

لقد فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته بفوز الروم على الفرس وهم جميعًا كفار مخالفون وما ذاك إلا لشعور المسلمين أن هناك ما يربطهم بأهل الكتاب، أفلا يفرح المؤمنون بنصر إخوان لهم يرفعون راية كرياتهم وشعارات كشعاراتهم، ويكفيهم أن يكون شعارهم "الإسلام هو الحل ".

أفلم يفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلام شاب يهودي نطق الشهادتين قبل أن يموت فخرج من عنده يتهلل وجهه فرحًا أفلا يكون سقوط الطغيان ومحاربة الدين حقيقًا بالفرح!!

إن العجب لا ينقضي من قوم يستوي عندهم المسلمون والمجرمون، وسوء عندهم من نصيره النصارى والعلمانيون ومن نصيره صالح المؤمنين، فساءهم انتصار إخوانهم فبدؤوا ينقبون في الأسفار يبحثون عن الزلات ويتصيدون الأخطاء ويتهمون النوايا ويحملون الأفراد أخطاء جمعاتهم ويحكمون وشعارهم "الأصل في الإنسان أنه متهم حتى تثبت براءته"، ويحكمون قبل أن يروا فما أسوأ الجور واتباع الهوى !

إن من صفات الحكماء العلماء: مراعاة سنن الله الكونية في التدرج والصبر على الأشياء حتى تنضج وتبلغ مداها ذلك أن العجلة تجعل الكثيرين المتحمسين لدينهم يريدون أن يغرسوا اليوم ليجنوا الثمار من الغد أو يزرعوا في الصباح ليحصدوا في المساء.. جاهلين عن سنة الله الكونية التي تأبى هذا، وأمة وغل فيها العدو تغريبًا وإفسادًا وتخريبًا وتمييعًا وتضييعًا لا يصح أن نطالب المصلحين بأمة صالحة ودولة راشدة ما بين عشية وضحاها.

إن من العقل والعدل والدين ألا نبالغ في المديح ويجب أن نكون منصفين فلا نرفع القوم فوق مكانتهم أو نضعهم أعلى من حقيقتهم أو نصفهم بما ليس فيهم كمن شبّه حالهم بحال يوسف عليه السلام، أو من جعلهم منطلقًا لتوحيد الأمة وبداية الخلافة الراشدة.

ولا يصح أن نطالبهم بما ليس في مقدورهم كمن طالبهم بتحرير فلسطين، كما لا ننزلهم أدنى من مكانتهم أو نجحد جهدهم وعطاءهم.

لقد أثبتت الأحداث المفرحة حقيقة ربانية عنوانها (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران: 140] فإن الشدة بعد الرخاء والرخاء بعد الشدة هم اللذان يكشفان عن معادن النفوس وطبائع القلوب، ودرجة الغبش فيها والصفاء، ودرجة الهلع فيها والصبر، ودرجة الثقة فيها بالله أو القنوط، ودرجة الاستسلام فيها لقدر الله أو البرم به والجموح !

عندئذ يتميز الصف وينكشف عن: مؤمنين ومنافقين، ويظهر هؤلاء وهؤلاء على حقيقتهم، وتنكشف في دنيا الناس دخائل نفوسهم. ويزول عن الصف ذلك الدخل وتلك الخلخلة وذلك الدخن الذي يوضع خلالنا يريدنا الفتنة يبغينا الفتنة ولا يزيدنا إلا خبالاً.

مداولة الأيام وتعاقب الشدة والرخاء محك لا يخطأ وميزان لا يظلم، والرخاء في هذا كالشدة، وكم من نفوس تصبر للشدة وتتماسك ولكنها تتراخى بالرخاء وتنحل والنفس المؤمنة هي التي تصبر للضراء ولا تستخفها السراء وتتجه إلى الله في الحالين وتوقن أن ما أصابها من الخير والشر فإذن الله.

إذا كانت الأحداث ابتلاءً كشف الله به فئة من المخذلين الخلوف من سلالة المرجفين في المدينة ممن يتمسحون بالدين ويوالون المفسدين، وفئة أظهرت حقدها وحنقها على كل ما هو إسلامي فتقيأت كتابات سمجة تلمز المطوعين من المؤمنين وتراهن على فشل الصالحين فإن في الأحداث ابتلاءً لمن مكّن الله لهم في الأرض وأعزهم بعد ذلة وأمنهم بعد خوف وجعلهم الوارثين.

ابتلاء لهم أيشكرون أم يكفرون؟! أيوفون بالعهد أم لا؟! أيثبتون على المنهج الحق أم يتخاذلون (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف: 128].

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين وصل الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين..

أما بعد: أيها المسلمون: إن أحداث اليوم ومداولة الأيام وانقلاب الموازين حتى صار السجين المضطهد حاكمًا يخضع له من كان له بالأمس له ساجنًا، ويأتمر بأمره من كان بالأمس يسخر منه ويلمزه.

إن في هذا درسًا في تعزيز الثقة عند الصالحين بأن الله غالب على أمره ولا مبدل لكلمات الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

إن المؤمن مطمئن إلى نصر الله لأوليائه وتأيده لجنده وأصفيائه (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات: 171- 173] فيثق بهذا الوعد المؤكد من القوي العزيز الجبار الذي يفعل ما يريد ويطمئن إلى توفيقه بوعده كاطمئنان أم موسى وهي تلقي بفلذة كبدها في بحر تتخطفه المخاطر، وتخشاه المهالك من كل جانب؛ ثقةً منها بحفظ ربها له وتصديقًا لوعد الله لها.

وقد وعد الله عباده المؤمنين كما وعد أم موسى بالنصر والتمكين والظهور والغلبة على الأعداء فحريّ بمن يرون سنة من سنن الله تجري في بلاد المسلمين حكم فيها حبيسٌ وحُبس فيها رئيسٌ حري بهؤلاء أن يثقوا بهذا الوعد وأن يعملوا لاستكمال شروطه وأسبابه.

إن المؤمن يوقن أنه مهما تكالب الأعداء فإنهم مهازيل ضعفاء أمام قوة وبأس خالق الأرض والسماء (وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) [النساء: 84].

وهذا اليقين هو الثقة التي تعصمه بإذن الله من اليأس والقنوط وتقيه من النقوص والسقوط والميزان بيد الرحمن يرفع أقوامًا ويضع آخرين.

وأخيرًا.. فقد جلت الأحداث أن الشعوب تواقة لمن يمثل الإسلام وتريد تطبيقه واقعًا بعد أن سئمت من العلمانيين والقوميين وغيرهم فلم يحفظوا على الناس دينهم ولم يصلحوا لهم دنياهم بل غمسوهم في الكفر والذل والهوان.

لقد رأينا كيف أن الشعوب لا تريد إلا الإسلام ولا تثق إلا بمن يحمل راية الإسلام وتهتف في شعاراتها: "الناس يريدون تطبيق شرع الله".

في أرض مصر اليوم ذهب الشعار (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى) [طه: 71] وارتفع أمام الدعاة والمصلحين شعار (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ) [يوسف: 99].

على أرض مصر حيث نخر سوس التغريب وباضت ديدان العلمنة وفرخت، وسعى العدو بكل إمكاناته المادية والإعلامية والعسكرية لتحويل البلد إلى ماخور فساد ومنطلق إفساد ولكن يأبى إلا أن يتم نوره وتعود البلاد لتنادي قولا وفعلا (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ) [البقرة: 83].

فما بال يرقات التغريب على أرضنا لا تعي هذه الحقيقة، وأن الناس لا تريد سوى الإسلام، ولا تثق إلا بدعاة الإسلام، ولا ترضى بغير الفضيلة ولا تتطلع إلا إلى حياة كريمة في ظلال أخلاق الإسلام وتعاليم القرآن (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50].

إذا كان التيار الليبرالي التغريبي يخسر في أقوى دولة عربية حاضنة له وأعرقها تأريخا وفكرًا وثقافة وهي الصخرة التي تكسرت عليها الحملات الصليبية والغزو التتري والحملتان الاستعماريتان الفرنسية والإنجليزية وهي الدولة التي نخرها التغريب أكثر من مائة سنة ومع ذلك يعود شعبها أخيرًا يريد حكم الإسلام..

إذا كان ذلك كذلك فإن من الحماقة ومن الغباء المستحكم أن تضرب بعض الدول بالخيار الغالب الذي يريد الإسلام تضرب به عرض الحائط وتركب الموجة الليبرالية التغريبية وتفرضها على الناس بالقوة وهذا يعد انتحارًا سياسيًّا يؤدي إلى الاحتقان والانفجار.

وإذا كان القوة والمكر قد عجزا عن تحييد الخيار الإسلامي في بلد عانى من التغريب ما عانى فكيف ستقوى ليبرالية هشة على ترسيخ جذرها في بلاد رسخ فيها التوحيد والإيمان وامتلأت بالعلماء والدعاة والغيورين.

وختامًا: ليعتبر كل واحد منا بهذه الأحداث الكبيرة في نفسه وأهل بيته، وليرسخ الإيمان بالله تعالى في قلبه، فالذي قلب الأمور في مصر في عام واحد قادر على كل شيء، وعلينا ألا نغتر بالدنيا مهما ازدانت لنا، ولا نيأس من روح الله تعالى مهما تتابعت المصائب علينا، فذل عام واحد قد أنسى حاكمًا حلاوة الملك ثلاثين عام، وفوز سجين بالحكم قد أنساه مرارة السجن والذل..

وإذا كان هذا التقلب والانتزاع قد وقع في حق الزعماء والزعامة هي أعلى مناصب الدنيا فهو فيما هو أقل منها من وزارة أو إدارة أو مال أو نحوه أولى بالوقوع فاعتبروا يا أولي الأبصار.

نسأل الله تعالى أن يعلي كلمته وينصر أوليائه ويعز دينه ويظهره على الدين كله ولو كره المشركون والمنافقون.

اللهم صل وسلم على من بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده..