الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن ناصر السعدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
فتبين بهذا أن النصيحة تشمل الدين كله أصوله وفروعه..
فأين النصيحة ممن تهاون بحقوق الله، فضيعها، وعلى محارمه، فتجرأ عليها؟
وأين النصيحة من أهل الخيانات، وأصحاب الغش في المعاملات؟
وأين النصيحة ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؟ ومن يتتبعون ...
الحمد لله الذي أوجب على عباده النُّصح في العبادات والمعاملات، وحذرهم من الغش والغل والخيانات، وأشهد أن لا إله إلا الله المعروف بجميل الهبات, وعظيم الصفات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, سيد الرسل, الذي رفعه الله درجات، اللهم صل وسلم وبارك على محمد, وأصحابه, ومن تبعهم في كل الحالات.
أمَّا بعد:
أيها الناس, اتقوا الله بفعل أوامره, واجتناب نواهيه، وبترك مساخطه والإقبال على مراضيه، وتقرّبوا إليه بالنصيحة فيما يُظْهره أحدكم أو يخفيه، قال صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة" ثلاثاً. قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: " لله ولكتابه ولرسوله, ولأئمة المسلمين وعامتهم". فأخبر صلى الله عليه وسلم خبراً متضمناً للحثِّ على النصيحة والترغيب فيها, أنّ الدين كله منحصر في النصيحة، أي: ومن قام بالنصيحة كلها؛ فقد قام بالدين، وفسَّره تفسيراً يزيل الإشكال، ويعمُّ جميع الأحوال.
" أما النصيحة لله" فهي: القيام بحقه وعبوديته، وذلك يشمل ما يجب اعتقاده من أصول الإيمان، وما يتعين القيام به من شرائع الإسلام, وحقائق الإحسان، من أعمال القلوب والجوارح, وأقوال اللسان، وهو فعل المأمور من الفرائض والنوافل, ونيَّة القيام بما يعجز عنه منها.
وأمّا النصيحة لكتاب الله، فهي: الإقبال بالكلية على تلاوته وتدبّره, وتعلم معانيه وتعليمها, والتخلُّق بالأخلاق والأعمال التي دعا إليها القرآن.
وأما النصيحة للرسول, فهي: الإيمان الكامل به, وتعظيمه وتوقيره, وتقديم محبته وأتباعه على كل أحدٍ, وتحقيق ذلك باتباعه باطناً وظاهراً، والحرص على تعلُّم سنته وتعليمها.
وجملة ذلك وحاصله، هو: الإيمان بالله ورسوله وطاعة الله ورسوله.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين وهم ولاتهم من السلطان الأعظم، إلى الأمير، إلى القاضي، إلى جميع من لهم ولاية كبيرة أو صغيرة.
فهؤلاء لما كانت مهمتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم؛ وذلك باعتقاد إمامتهم، والاعتراف بولايتهم، ووجوب طاعتهم في المعروف، وحث الرعية على طاعتهم، ولزوم أمرهم، وبذل ما يستطيعه الإنسان من نصيحتهم، وتوضيح ما خفي عليهم، مما يحتاجون إليه في رعايتهم- كل أحد بحسب مرتبته- والدعاء لهم بالتوفيق والصلاح؛ فإن صلاحهم صلاح للرعية، وصلاح للأمور، واجتناب سبهم والقدح فيهم، وإشاعة مثالبهم؛ فإن في ذلك شراً وضرراً، وفساداً كبيراً.
ومن رأى منهم ما لا يحل؛ فعليه أن ينبههم سراً لا علناً، بلطف وعبارة تليق بالمقام؛ فإن هذا مطلوب في حق كل أحد، وبالأخص ولاة الأمور، فتنبيههم على هذا الوجه فيه خيرٌ كثير.
أما النصيحة لعامة المسلمين، فبمحبة الخير لهم، وإيصاله إليهم بحسب الإمكان، وكراهة الشر لهم، والسعي في دفعه بحسب القدرة، وتعليم جاهلهم، ووعظ غافلهم، ونصحهم وإرشادهم في أمور دينهم ودنياهم. وكلما تحب أن يفعلوه معك من الإحسان؛ فافعله معهم، ومعاونتهم على البر والتقوى، ومساعدتهم في كل ما يحتاجونه، فمن كان في حاجة أخيه؛ كان الله في حاجته.
فتبين بهذا أن النصيحة تشمل الدين كله أصوله وفروعه، وحقوق الله، وحقوق عباده.
فأين النصيحة ممن تهاون بحقوق الله، فضيعها، وعلى محارمه، فتجرأ عليها؟
وأين النصيحة من أهل الخيانات، وأصحاب الغش في المعاملات؟
وأين النصيحة ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؟ ومن يتتبعون عورات المسلمين وعثراتهم؟
فهؤلاء عن النصيحة بمعزل ومنزلهم منها أبعد منزل..
طوبى للناصحين، ويا خسارة الغشاشين، منّ الله عليّ وعليكم بالقيام بالنَّصيحة، وحفظنا من أسباب الخزي والفضيحة.
]أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) [الزلزلة:7-8.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.