المقتدر
كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - التوحيد |
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ السَّاحِرَ أَوِ السَّاحِرَةَ لا يَتَوَصَّلُ إِلَى عَمَلِ السِّحْرِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الأَدْيَانِ وَحَتَّى يَعْبُدَ الشَّيْطَانَ، فَيَبِيعُ نَفْسَهُ وَكُلَّ مَا يَمْلِكُ لِلشَّيْطَانِ، وَيَكُونُ مُعَادِيَاً لِلدِّينِ، سَاخِطَاً عَلَيْهِ مُسْتَهْزِئَاً بِهِ، مُتَبَرِّئَاً مِنَ الْقُرْآنِ؛ بَلْ وَمُهِينَاً لَهُ، جَاهِدَاً فِي حَرْقِهِ وَتَمْزِيقِهِ وَوَضْعِهِ فِي الأَمَاكِنِ الْقَذِرَةِ، فَيَضَعُهُ فِي الْمِرْحَاضِ يَبُولُ عَلَيْهِ، وَيُلَطِّخُهُ بِالْعَذِرَةِ وَدَمِ الْحَيْضِ، وَقَدْ...
الْحَمْدُ للهِ الذِي تَعَاظَمَ مَلَكُوتُهُ فَاقْتَدَر، وَتَعَالَى جَبَرُوتُهُ فَقَهَر، أَعَزَّ مَنْ شَاءَ وَنَصَر، وَرَفَعَ أَقْوَامَاً بِحِكْمَتِهِ وَخَفَضَ أَقْوَامَاً أُخَر، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمٍ تَرْبُو عَلَى ذَرَّاتِ الرَّمْلِ وَقَطَرَاتِ الْمَطَر.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ جَحَدَ بِهِ وَكَفَر، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّد الْبَشَر، الْمُؤَيُّد بِمُعْجِزَاتِ الآيَاتِ وَالسُّوَر، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْقَادَةِ الْخِيَر، وَالسَّادَاتِ الْغُرَر، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاحْفَظُوا عَقِيدَتَكُمْ وَتَوْحِيدَكُمْ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ الذِينَ يَتَعَاوَنُونَ فِي إِضْلَالِكُمْ عَنْ دِينِكُمْ بِطُرُقٍ مُتَنَوِّعَةٍ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهَا يَأْتِي بِصُورَةِ الصَّلاحِ أَوِ الإِصْلَاحِ، وَلَكِنَّ وَاقِعَهَا الفَسَادُ وَالضَّرَرُ وَقِلَّةُ الأَرْبَاح، وَمِنْ تِلْكَ الطُّرُقِ: السِّحْرُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ السِّحْرَ ظَاهِرُهُ جَمِيلٌ خَلَّابٌ، يَفْتِنُ قُلُوبَ الْبُسَطَاءِ وَيَخْدَعُ السُّذَّجَ وَالرِّعَاعَ، وَبَاطِنُهُ قَذِرٌ عَفِنٌ، يَتَجَافَى عَنْهُ أُولُوا الأَلْبَابِ، وَيَنْأَى عَنْهُ أَصْحَابُ الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ وَالْقُلُوبِ الْمُسْتَنِيرَةِ.
إنَّ السِّحْرَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عِبَارَةٌ عَمَّا خَفِيَ وَلَطُفَ سَبَبُهُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ آخِرُ اللَّيْلِ سَحَرَاً، لِأَنَّهُ خَفِيٌّ لا يُرَى مَا فِيهِ.
وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَالسِّحْرُ عِبَارَةٌ عَنْ عُقَدٍ وَرُقَىً وَكَلامٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ السَّاحِرُ أَوْ يَكْتُبُهُ أَوْ يَعْمَلُ شَيْئَاً يُؤَثِّرُ فِي بَدَنِ الْمَسْحُورِ أَوْ قَلْبِهِ أَوْ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَهُ.
وَالسِّحْرُ مِنْهُ مَا يَقْتُلُ، وَمِنْهُ مَا يُمْرِضُ، وَمِنْهُ مَا يَأْخُذُ الرَّجُلَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَيَمْنَعُهُ وَطْأَهَا، وَمِنْهُ مَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَمَا يُبَغِّضُ أَحَدهُمَا إِلَى الآخرِ أَوْ بِالعَكْسِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النَّتَائِجِ الْخَبِيثَةِ وَالثِّمَارِ الضَّارَّةِ، وَالْمَفَاسِدِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَالأُخْرَوِيَّةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ النُّصُوصَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ جَاءَتْ مُحَذِّرَةً مِنْ السِّحْرِ وَالسَّحَرَةِ أَشَدَّ التَّحْذِير، وَمُنَفِّرَةً مِنْهُ أَعْظَمَ التَّنْفِير، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- عَمَّن يَتَعَلَّمُ السِّحْرَ: (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) [البقرة:103]، أَيْ: لَيْسَ لَهُ نَصِيبٌ فِي الآخِرَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَافِرٌ.
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) [طه:69].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ؛ وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" رَوَاهُ الْبَرَّازُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، قَالَهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ السَّاحِرَ أَوِ السَّاحِرَةَ لا يَتَوَصَّلُ إِلَى عَمَلِ السِّحْرِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الأَدْيَانِ وَحَتَّى يَعْبُدَ الشَّيْطَانَ، فَيَبِيعُ نَفْسَهُ وَكُلَّ مَا يَمْلِكُ لِلشَّيْطَانِ، وَيَكُونُ مُعَادِيَاً لِلدِّينِ، سَاخِطَاً عَلَيْهِ مُسْتَهْزِئَاً بِهِ، مُتَبَرِّئَاً مِنَ الْقُرْآنِ؛ بَلْ وَمُهِينَاً لَهُ، جَاهِدَاً فِي حَرْقِهِ وَتَمْزِيقِهِ وَوَضْعِهِ فِي الأَمَاكِنِ الْقَذِرَةِ، فَيَضَعُهُ فِي الْمِرْحَاضِ يَبُولُ عَلَيْهِ، وَيُلَطِّخُهُ بِالْعَذِرَةِ وَدَمِ الْحَيْضِ، وَقَدْ يَضَعُهُ تَحْتَ حِذَائِهِ يَمْشِي عَلَيْهِ.
وَيَكُونُ السَّاحِرُ مِثَالاً فِي الْقَذَارَةِ وَالْوَسَاخَةِ وَدَنَاءَةِ النَّفْسِ، وَيَتْرُكُ الطَّهَارَاتِ، وَيُلابِسُ النَّجَاسَاتِ، وَيَأْوِي إِلَى الأَمَاكِنِ الْقَذِرَةِ وَالْمَوَاضِعِ الْمُوحِشَةِ؛ وَكُلُّ هَذَا مِنْ أَجْلِ أَنْ يُغْضِبَ الرَّحْمَنَ، وَيُرْضيَ الشَّيْطَان، لِكَيْ يُسَاعِدَهُ إِبْلِيسُ فِي إِيقَاعِ السِّحْرِ بِالضُّعَفَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.
وَلِذَلِكَ؛ فَكَيْفَ يَرْضَى مُؤْمِنٌ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهَ وَيَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ أَنْ يَتَعَامَلَ مَعَ هَؤُلاءِ الْفَجَرَةِ، وَيُطِيعَ أَولَئِكَ الْكَفَرَةِ؟.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِلسَّاحِرِ عَلامَاتٍ يَنْبَغِي أَنْ نَعْلَمَهَا لِنَحْذَرَ مِنْ كُلِّ مَنْ كَانَ مُتَّصِفَاً بِهَا.
فَمِنْ عَلامَاتِ السَّاحِرِ أَنَّهُ يَسْأَلُ مَنْ يَأْتِيهِ عَنْ اسْمِهِ وَاسْمِ أُمِّهِ، وَلَرُبَّمَا قَبْلَ أَنْ يُحَدِّثَهُ أَخْبَرَهُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أُمِّهِ! وَمِنْ أَيْنَ أَتَى، وَمَا هِيَ الْمُشْكِلَةُ التِي يُعَانِي مِنْهَا!.
وَمِنْ عَلامَاتِهِ أَنَّهُ يُتَمْتِمُ بِكَلِمَاتٍ لا تُفْهَمُ، وَأَلْفَاظٍ مَجْهُولَةٍ، وَلَرُبَّمَا يَأْتِي بِطَلاسِمَ وَعَبِارَاتٍ غَامِضَةٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ يَطْلُبُ مِمَّنْ قَصَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِمَلابِسَ خَاصِّةٍ أَوْ بِأَجْزَاءٍ مِنْ بَدَنِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُلْحِقَ بِهِ الضَّرَرُ كَالشَّعْر.
وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنَ السَّحَرَةِ مَنْ قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ مُصْحَفٌ أَوْ قَدْ عَلَّقَ فِي مَجْلِسِهِ آيَاتٍ قُرْآنِيَّةً أَوْ أَحَادِيثَ نَبَوِيَّةً، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا مِنْ أَجْلِ أَنْ يُعَمِّيَ أَمْرَهُ وَيُخْفِي سِحْرَهُ، فَاحْذَرُوهُمْ وَحَذِّرُوا مِنْهُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالذِّهَابَ إِلَيْهِمْ أَوِ الانْخِدَاعَ بِهِمْ!.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُون: اعْلَمُوا أَنَّ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- قَدْ حَكَمُوا بِقَتْلِ كُلِّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ سِحْرُهُمْ بِالأَدْوِيَةِ وَالْعَقَاقِيرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ ضَرَرِ السَّاحِرِ وَصُعُوبَةِ تَوْبَتِهِ، حَيْثُ إِنَّ الشَّيَاطِينَ التِي تَعَامَلَ مَعَهَا تُلاحِقُهُ وَلا تَتْرُكُهُ.
فَعَنْ جُنْدُبِ الْخَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ" بِالسَّيْفِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَعَنْ بَجَالَةَ بْنِ عَبَدَةَ أَنَّ عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَتَبَ إِلَيْهِمْ: أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَد شَاكِر.
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ: وَصَحَّ عَنْ حَفْصَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّهَا أَمَرَتْ بِقَتْلِ جَارِيَةٍ لَهَا سَحَرَتْهَا، فَقُتِلَتْ. وَكَذَلِكَ صَحَّ عَنْ جُنْدُبٍ. قَالَ أَحْمَدُ: عَنْ ثَلاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يُبْتَلَى بِأَمْرَاضٍ وَأَسْقَامٍ فَيَذْهَبُ إِلَى الأَطِبَّاءِ وَالْمُسْتَشْفَيَاتِ فَلا يَجِدُ عِنْدَهُمْ عِلاجَاً، فَرُبَّمَا نَصَحَهُ بَعْضُ ضِعَافِ الإِيمَانِ بِالذّهَابِ إِلَى أُنَاسٍ يُعَالِجُونَهُ لا تُدْرَى حَقِيقَتُهُمْ أَوْ رُبَّمَا يَعْرِفُ أَنَّهُمْ سَحَرَةٌ لَكِنْ يُعَلِّلُ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ فِي ضَرُورَةٍ.
وَهَذَا أَمْرٌ مُحَرَّمٌ لا يَجُوزُ؛ بَلْ هَوَ رِضَىً بِالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، حَيْثُ يَذْهَبُ إِلَى خَبِيثٍ مُشْرِكٍ كَافِرٍ يَعْبُدُ الشَّيْطَانَ.
ثُمَّ قَوْلُهُمْ: إِنَّهَا ضَرَورَةٌ: غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ السِّحْرَ يُعَالَجُ بِالطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا يَأْتِي بِإِذْنِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ.
ثُمَّ إِنَّ حَلَّ السَّاحِرِ لِلسِّحْرِ حَلٌّ مُؤَقَّتٌ، فَسرْعَانَ مَا يَرُدُّهُ السَّاحِرُ الأَوَّلُ، فَيَصِير النَّاسُ مَلْعَبَةً لِلسَّحَرَةِ، هَذَا يَعْقِدُ وَيَرْبِطُ وَهَذَا يَفُكُّ.
فَلا يَلِيقُ بِمُسْلِمٍ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ مِنْ مُشْكِلَةٍ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهَا إِلَّا بِبَيْعِ دِينِهِ وَإِيمَانِهِ وَعَقِيدَتِهِ، أَلَا فَلْنَتَّقِي اللهَ وَلْنُرَاقِبْهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِيمَا نَأْتِي وَنَذَرُ، وَلْنَعْلَمْ أَنَّ شَرِيعَتَنَا عِنْدَمَا حَرَّمَتِ السِّحْرَ حَرَّمَتْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الأَضْرَارِ الْخَطِيرَةِ وَالْمَفَاسِدِ الْعَظِيمَةِ، وَفِي مُقَدِّمَتِهَا انْهِدَامُ الدِّينِ وَفَسَادُ الْعَقِيدَةِ.
أَسْأَلُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يَحْفَظَ الْمُسْلِمِينَ بِحِفْظِهِ، وَأَنْ يُخَلِّصَهُمْ مِنْ شَرِّ الأَشْرَارِ وَكَيْدِ الْفُجَّارِ، إِنَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سَمِيعُ الدُّعَاءِ، وَهُوَ أَهْلُ الرَّجَاءِ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيل.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَظِيمِ الإِحْسَانِ، وَاسِعِ الْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالامْتِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَسَلّمْ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ السِّحْرَ مَرَضٌ عضَالٌ، وَدَاءٌ قَتَّالٌ، وَمَنْ تَعَامَلَ بِهِ خَسِرَ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ، وَأَوْبَقَ نَفْسَهُ وَبَاعَ أُخْرَاهُ، فَالتَّوْبَةَ التَّوْبَةَ يَا مَنْ تَعَامَلْتَ بِالسِّحْرِ! وَعَلَيْكَ بِالاسْتِغْفَارِ وَاللُّجُوءِ إِلَى الْجَبَّارِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ.
ثُمَّ أَنْتَ يَا مَنْ ابْتُلِيتَ فِي نَفْسِكَ أَوْ أَهْلِكَ بِالسِّحْرِ، اعْلَمْ أَنَّ الشِّفَاءَ مِنَ السِّحْرِ وَغَيْرِهِ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- عَنْ إَبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ-: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:80].
وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الْهَرَم" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي حَلِّ السِّحْرِ عَنِ الْمَسْحُورِ إِنَّهُ نَوْعَانِ: حَلٌّ بِسِحْرٍ مِثْلهُ، وَهُوَ الذِي مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَيَتَقَرَّبُ [السَّاحِرُ وَالْمَسْحُورُ] إِلَى الشَّيْطَانِ بِمَا يُحِبُّ، فَيُبْطِلُ عَمَلهُ عَنِ الْمَسْحُورِ. [يَعْنِي: فَهَذَا مُحَرَّمٌ، بَلْ مُعَاوَنَةٌ عَلَى الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ].
وَالثَّانِي [الْعِلاجُ] بِالرُّقْيَةِ وَالتَّعَوُّذَاتِ وَالأَدْوِيَةِ الْمُبَاحَةِ فَهَذَا جَائِزٌ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنَ السِّحْرِ فَعَلَيْهِ اللُّجُوءُ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَيُلِحُّ عَلَيْهِ بِالدُّعَاءِ، وَيَتَضَرَّعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُكْثِرُ مِنَ الإِلْحَاحِ بِأَنْ يَشْفِيَهُ اللهُ، وَلْيُبْشِرْ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبٌ لِلدُّعَاءِ.
ثُمَّ إِنَّ مِنْ أَنْفَعِ عِلاجٍ لِلسِّحْرِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ مَكَانِ السِّحْرِ فَيَفُكَّهُ وَيُبْطِلَهُ، وَالْغَالِبُ أَنَّ السِّحْرَ يُوضَعُ فِي مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْحُورِ.
وَمِنْ عِلاجِ السِّحْرِ الرُّقْيَةُ بِالآيَاتِ التِي فِيهَا ذِكْرُ السِّحْرِ وَإِبْطَالُهُ كَمَا فِي سُوَرِ الأَعْرَافِ وَيُونُسَ وَطَهَ.
ثُمَّ حَافِظْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ عَلَى الْقُرْآنِ، فَاقْرَأْهُ دَائِمَاً، وَلا سِيَّمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: "اقْرَؤوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ" أَيْ: السَّحَرَةُ.
وَحَافِظْ عَلَى الأَذْكَارِ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ، وَعِنْدَ النَّوْمِ وَالاسْتِيقَاظِ، (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].
اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ فرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِينَ.
اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْغَلاءَ وَالْمِحَنَ، وَالزَّلازِلَ وَالْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا، وَلِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ.
اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا فَأَرْسِلِ السماءَ عَلينا مِدْرَارا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا غَدَقاً مُجَلِّلاً عَامًا سَحًّا طَبَقًا دَائمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغيثَ، ولا تجعلْنَا مِنَ القَانطِيِن، اللَّهُمَّ سُقْيَا رحمةٍ لَا سُقْيَا عذابٍ، ولا بَلاءٍ، ولا هَدْمٍ ولا غَرَق.
اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْع، وأَدِرَّ لَنَا الضَّرْع، واسْقِنَا مِنْ بركاتِ السماءِ، وأَنْزِلْ علينَا مِنْ بَرِكاتِك.
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى عبدِكَ وَرَسولِكَ نَبِيِّنَا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أَجْمَعينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.