الغني
كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...
العربية
المؤلف | خالد بن مسعود الذيابي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة - التوحيد |
إن الحديث في هذه الخطبة، محاولة للإجابة على سؤال لربما خطر في البال: لماذا كانت الصلاة قرة عين النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! لماذا كانت الصلاة راحة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى إنه إذا اجتمعت عليه الخطوب، وتجمعت عليه الكروب، قال: "أرحنا بها يا بلال"؟ بينما نجد الكثير يجدون راحتهم خارج الصلاة، فإذا صلى أحدهم فكأنما يحمل عبئا ثقيلا يريد أن يلقيه في أسرع وقت، ويصدق أن يكون حاله...
الخطبة الأولى:
من شرائع الدين العظيمة، ومن أركان دين الإسلام الجليلة، تقرر عند عامة المسلمين: أن الحفاظ عليها عنوان الخير والفلاح، وإهمالها والتكاسل عنها عنوان الخيبة والهلاك.
سلوة الصالحين، وراحة قلوب المتقين، بقدر الإتيان بها يكون قدر الإيمان والدين: إنها الصلاة -أيها المؤمنون-، الحديث عنها في هذه الخطبة، ليس عن حكمها، وحكم تاركها، ولا عن فضلها، وذكر بعض أحكامها، وحكم تاركها، ولا عن ذكر بعض صفاتها، وذكر بعض أحكامها، وإن كان كل ذلك خير ومهم، ونحتاج أن نقرع به الآذان بعد كل حين وحين، ولكن الحديث -أيها الإخوة- في هذه الخطبة، محاولة لغوص في أعماق الصلاة، ومحاولة للدخول في بعض أسرارها، والوقوف مع بعض دقائقها ولطائفها.
إن الحديث في هذه الخطبة، محاولة للإجابة على سؤال لربما خطر على البال: لماذا كانت الصلاة قرة عين النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! لماذا كانت الصلاة راحة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى إنه إذا اجتمعت عليه الخطوب، وتجمعت عليه الكروب، قال: "أرحنا بها يا بلال"؟
بينما نجد الكثير يجدون راحتهم خارج الصلاة، فإذا صلى أحدهم فكأنما يحمل عبئا ثقيلا يريد أن يلقيه في أسرع وقت، ويصدق أن يكون حاله يقول: "أرحنا منها يا إمام!".
إن الصلاة -أيها الإخوة-: ليست مجرد أقوال وأعمال ظاهرة من قيام وقعود وركوع وسجود، إنما الصلاة كما قيل صلة بين العبد وربه، إنما الصلاة خشوع وخضوع بين يدي الله العلي العظيم، وعلى قدر هذا الخشوع والخضوع يكون نصيب الإنسان من صلاته، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل لينصرف من صلاته وما كتب له إلا عشر صلاته، ما كتب له إلا تسعها، أو عشرها، أو سدسها، ربعها، أو ثلثها، أو نصفها..." بتصرف في الحديث.
أيها الإخوة: إن الصلاة فيها من معاني تعظيم الله -عز وجل- الشيء العظيم؛ فهي تعظيم لله من مبتداها إلى منتهاها، تعظيم لله من التكبير إلى التسليم، تعظيم من القيام والقعود، والركوع والسجود، فإذا انتصب العبد قائما لله شاهد بقلبه قيومية الله -سبحانه وتعالى-، وإذا ابتدأ العبد صلاته، وقال: الله أكبر، شاهد كبرياء الله وعظمته، وأن الله أكبر من كل شيء في الوجود [انظر: كتاب الصلاة لابن القيم].
وإذا استفتح صلاته، فقال: "سبحانك الله وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك ولا إله غيرك" شاهد بقلبه معان عظيمة من تسبيح لله والثناء عليه!.
"سبحانك اللهم وبحمدك" إذا قالها شاهد بقلبه ربَّا منزها عن كل عيب، إذا قالها شاهد بقلبه ربَّا سالما من كل نقص، إذا قالها شاهد بقلبه ربَّا محمودا بكل حمد، فحمده سبحانه يتضمن وصفه بكل كمال، ويستلزم براءته من كل نقص!.
"تبارك اسمك" فلا يذكر اسم الله على قليل إلا كثره، ولا يذكر اسم الله على خير إلا أنماه وبارك فيه، ولا يذكر اسم الله على خير آفة إلا أذهبها، ولا على شيطان إلا رده خاسئا داحرا[انظر: كتاب الصلاة، لابن القيم].
وكمال الاسم من كمال المسمى، فإذا كان هذا شأن اسم الله الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء، فشأن المسمى لا ريب أنه أعلى وأجل.
"تعالى جدك" تعالى جدّ الله ارتفعت عظمته وجلَّ فوق كل عظمة، وعلا شأنه على كل شأن، وقهر سلطانه على كل سلطان، فتعالى جدَّه أن يكون معه من شريك في ملكه وربوبيته، وتعالى جدّه أن يكون معه شريك في ملكه وربوبيته، وتعالى جدَّه أن يكون معه شريك في أفعاله أو صفاته.
فكم في هذه الكلمات من تجلِّ لحقائق أسماء الله وصفاته، وعلى قلوب العارفين بها، المثبتين لحقائقها.
وإذا قال العبد: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" يكون قد أوى إلى ركن الله الشديد، والمعتصم بحول الله وقوته من عدوِّه الذي يريد أن يقطعه عن ربه! ويحول بينه وبين صلاته، والمعتصم بحول الله وقوته من عدوِّه الذي يريد أن يباعده عن قرب ربه، والمعتصم بحول الله وقوته من عدوِّه الذي يريد أن يجعله يتقلب من حال سيء إلى أسوأ.
ثم إذا قال العبد: "الحمد لله رب العالمين" يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب التي لا صلاة إلا بقراءتها، إذا قال: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: 2] وقف ينتظر جواب ربه: "حمدني عبدي" ثم إذا قال: (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة: 3] انتظر الجواب من ربه: "أثنى علي عبدي" ثم إذا قال: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة: 4] انتظر الجواب من ربه: "مجدني عبدي" فيا لذة القلب، ويا قرة العين، ويا سرور النفس، بقول الرب لعبده ثلاث مرات: "حمدني عبدي، أثنى علي عبدي، مجدني عبدي".
فو الله لولا ما على القلوب من دخان الشهوات، وران الذنوب والخطيئات، لاستطيرت القلوب فرحا وسرورا، بقول ربها وفاطرها ومعبودها: "حمدني عبدي، أثنى علي عبدي، مجدني عبدي".
ثم إذا قال العبد: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5] ففيها سر الخلق والأمر، والدنيا والآخرة!.
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ) متضمنة للأجل الغايات عبودية لله..
(وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5] متضمنة لأفضل الرسائل!.
فلا معبود يستحق العبادة إلا الله، ولا معين على عبادته غيره سبحانه وتعالى.
ثم إذا قال العبد: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) [الفاتحة: 6] شاهد بقلبه فاقته وضرورته إلى هذه المسألة: الهداية إلى الصراط المستقيم.
فالعبد أشد فاقة وحاجة للهداية إلى الطريق الموصل إلى الله -سبحانه وتعالى-.
وهو أشد فاقة وحاجة للهداية إلى الطريق على الوجه المرضي المحبوب للرب -سبحانه وتعالى-، وهو أشد فاقة وحاجة؛ لن يحفظه الله على الطريق حالة الهداية بعد الهداية.
(اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) [الفاتحة: 6] يشاهد العبد بتلاوتها أنه مفتقر إلى الهداية في جميع ما يأتي ويذر، فهو محتاج إلى الهداية في أمور قد أتاها على غير هداية من الذنوب والمعاصي، فهو في أمس الحاجة إلى أن يهدى بالتوبة منها والإقلاع عنها، والعبد مفتقر إلى الهداية في أمور قد أهدى إليها من وجه دون وجه من أمور الطاعات والباقيات الصالحات، وهو في أمس الحاجة أيضا إلى إتمام الهداية ليكون ممن ازداد هدى على هدى!.
وهو في أمس الحاجة إلى الهداية إلى الثبات عليها إلى يوم يلقى الله -سبحانه وتعالى-، إلى غير ذلك من أنواع الهدايات التي هو في أمس الحاجة اليها -نسأل الله أن يهدينا إليها أجمعين-.
روى الإمام مسلم –رحمه الله- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله -تعالى-: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: 2] قال الله: "حمدني عبدي" فإذا قال: (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة: 3] قال الله: "أثنى علي عبدي" فإذا قال: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة: 4] قال الله: "مجدني عبدي" فإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة: 5] قال الله: "هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل" فإذا قال: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) [الفاتحة: 6- 7] قال الله: "هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".
أيها الإخوة: ثم إذا خر العبد راكعا لله -عز وجل-، وكان في هيئة ذل وخضوع وتطامن وانخفاض يشرع له أن يصف الله بعظمته، وأن ينزهه عما يضاد كبرياءه، وجلاله وعظمته: "سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم".
ثم إذا رفع رأسه من الركوع، قال: "سمع الله لمن حمده" فإذا انتصب قائما، قال: "ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد" أي نحمد الله ملء العالم العلوي: "ملء السماوات" ونحمد الله ملء العالم السفلي: "ملء الأرض" ونحمد الله ملء الفضاء الذي بين السماوات والأرض، بل نحمد الله ملء ما شاء أن يخلقه بعد ذلك".
هذا الذكر البسيط المتضمن لهذه الحقائق الجليلة، طار له بضع وثلاثون ملكا، كلهم يريد أن يصعد به إلى الرب -سبحانه وتعالى-؛ روى البخاري عن رفاعة الزرقي -رضي الله عنه- قال: "كنا نصلي وراء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما رفع رأسه من الركعة، قال: "سمع الله لمن حمده" فقال الرجل وراءه: "ربنا ولك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فلما انصرف قال صلى الله عليه وسلم: "رأيت بضع ثلاثون ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول"[انظر: صفة الصلاة للألباني، ص138].
أيها الإخوة: ثم لا يزال العبد يتقلب في صلاته بين مواضع الذل والخضوع، فإذا سجد كان في أبلغ موضع، وهيئته في العبودية لله -عز وجل-، لذلك كان السجود أقرب ما يكون فيه العبد من الله، وأكد لإجابة سؤاله، لأجل ذلك شرع الإكثار من الدعاء في السجود.
ولو نظرنا إلى جلوس العبد للتشهد والتحيات لله، لرأينا حقائق عظاما يحير العقل أن يلم بها، وبكل لسان أن ينطق بما يليق بها، ويقف تبعا لهما من الكتابة والتعبير عنها.
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: إن الصلاة عمود دين الإسلام، ولا يقوم دين المسلم بالتفريط والتكاسل عنها.
ولقد حف الإسلام الصلاة بفضائل كثيرة، وأمور عظيمة، وأكثر من ذكرها تحفيزا للعباد؛ فالوضوء للصلاة يكفر الخطايا، والمشي إليها يرفع الدرجات، ويزيل الذنوب والسيئات، والدعاء بين الآذان لها وإقامتها مستجاب، وانتظارها يجعل الملائكة تصلي عليك، وتدعو لك بالمغفرة والرحمات، وإقامة ركوعها وسجودها وخشوعها، فيه الأجر العظيم، والجزاء الجليل، ولذلك كانت الصلاة محط نظر الرب يوم الحساب، فمن كان في صلاته محسنا فما بقي من أعماله أحسن، ومن كان في صلاته مسيئا، فما بقي من أعماله أسوأ، والجزاء من جنس العمل،،
أيها الإخوة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، مالم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله".
فهذا جزاء من أقام ركوع الصلاة وضوءها وخشوعها، ويزداد عليه أنه يجد لذة الصلاة، ويحس بأثرها في حياته، حيث تنهاه عن الفحشاء والمنكر.
وأما من كان ينقر الصلاة نقر الغراب، فليس جزاؤها إلا على قدر ما يحصل الغراب من نقرته، بل ولن يجد لذة للصلاة، ولا أثر لها في حياته، بل ستكون عبئا ثقيلا على كاهله، يود لو أن يلقيها عنه متى شاء!.