البحث

عبارات مقترحة:

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

الحافظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

الصلة بين اللسان والقلب والجوارح

العربية

المؤلف أسامة بن عبدالله خياط
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. لا اعتبار في الإسلام بأقوال لا تصدقها الأفعال .
  2. من علامات المنافقين .

اقتباس

وهذا الفريقُ موجودٌ في كل أمة، ظاهرٌ في كل عصر، ويشتدُّ ضرره، ويعظُم خطرُه باختِلاف الخِلابَة اللِّسانية في الأُمم، وإذا سهُل له أن يغُرَّ بزُخرُف القول أفرادًا أو قِلَّةً من الناس في زمانٍ؛ فإنه يسهُل له أن يغُرَّ الأمةَ قاطِبةً في أزمِنةٍ أُخَر. ولذا جاء في القرآن الحديثُ الضافِي الكاشِفُ عن حال هذا الفريق، المُبيّن صفاته؛ ليدلَّ بذلك على أن الأقوالَ لا اعتِبارَ بها، ولا تعويلَ عليها، ولا رُكونَ إليها، إلا...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتمَّ علينا النعمة، وأكرَمَنا ببعثة سيد المُرسلين، أحمده -سبحانه- والحمدُ حقٌّ واجبٌ له في كل حينٍ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الحق المُبين، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله المبعوثُ رحمةً للعالمين، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن آله وصحابتِه أجمعين، وعن التابعين وأتباعِهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-، واذكُروا أنكم مُلاقُوه موقوفون بين يدَيه: (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى) [النازعات: 35].

أيها المسلمون: لئن كان في الناس من يشرِي نفسَه ابتِغاءَ مرضات الله فهو نقيُّ القلبِ، صادِقُ القول، مُخلِصُ العمل، لا يسعَى إلا إلى خيرٍ، ولا يقصِدُ إلا إلى سبيلِ نفعٍ؛ فإن من الناسِ من يُعجِب السامِعَ قولُه، ويروقُ له كلامُه، ويلَذُّ له حديثُه، لاسيَّما حين يقرِنُ ذلك بالحلِف بالله على صِدق ما يدَّعِيه، ومُوافقَة قلبِه لظاهر كلامِه. لكنَّ البراهِين لا تُسنِدُه، والأعمالَ لا تُصدِّقُه.

وهذا الفريقُ موجودٌ في كل أمة، ظاهرٌ في كل عصر، ويشتدُّ ضرره، ويعظُم خطرُه باختِلاف الخِلابَة اللِّسانية في الأُمم، وإذا سهُل له أن يغُرَّ بزُخرُف القول أفرادًا أو قِلَّةً من الناس في زمانٍ؛ فإنه يسهُل له أن يغُرَّ الأمةَ قاطِبةً في أزمِنةٍ أُخَر.

ولذا جاء في القرآن الحديثُ الضافِي الكاشِفُ عن حال هذا الفريق، المُبيّن صفاته؛ ليدلَّ بذلك على أن الأقوالَ لا اعتِبارَ بها، ولا تعويلَ عليها، ولا رُكونَ إليها، إلا إذا جاءت الأعمالُ مُصدِّقةً لها، فقال -سبحانه-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة: 204- 206].

عباد الله: إن شدَّة الخُصومة واللَّجاجة، وقوةَ العارِضة في الجِدال، والمُخاصَمة لمن تودَّدَ إليهم هذا الفريق هي أُولَى علامات افتِضاح أمرِه، وتبيُّنِ كذِبِه في معسُولِ قولِه وحُلوِ منطقِه؛ إذ هو كما قال بعضُ أهل العلم: "لا يُحسِنُ إلا الكلامَ في الدنيا ليُعجِبَ السامِعَ ويخدَعَه، فيزعُم أن قلبَه مع الله، وأنه حسَنُ السَّريرة.

وإنك لَترى هذا في سيرة المُجرِمين ظاهرًا جلِيًّا، كما وصفَ الله تعالى؛ فهم يترُكون الصلاة، ويمنَعون الزكاة، ويشرَبون الخُمورَ، ويتسابَقون إلى الفُجور، ويأكُلون أموالَ الباطل، ثم يُفضِّلون أنفسَهم في الدين على أهل الإيمان والتقوى، زاعِمين أن هؤلاء المُتَّقين قد عُمِرَت ظواهِرُهم بالعمل والإرشاد، ولكنَّ بواطِنَهم خرِبةٌ بسُوء الاعتِقاد".

وقد جرَت سُنَّةُ الله تعالى في خلقِه، ودلَّت هدايتُه في كتابِه على أن سلامةَ الاعتقاد، وإخلاصَ السَّريرة هما ينبُوع الأعمال الصالِحة، والأقوال الصادِقة النافِعة.

والعلامةُ الثانية: هي سعيُه في الأرض بالإقدامِ على الإفسادِ فيها بقطع الطريق، وإخافَة السبيل، أو بِحرب المُسلمين أو إرهابِهم، أو الوَقيعة بينهم بإيقاظ الفِتن، وإذكاءِ نار التدابُر والعداوة والبَغضاء، وقطعِ ما أمرَ الله به أن يُوصَل، والجُرأة على سَفك الدمِ الحرامِ، وانتِهابِ الأموال، وانتِهاك الأعراض.

وهو إفسادٌ في الأرض يُؤذِنُ بمَحق البركات، وذهاب الخيرات في الزُّروع والأنعام، وكل ما بِه قِوام الحياة، ولذا فإن اللهَ لا يُحبُّه، ويُبغِضُ كل مُفسِدٍ ولو كان قولُه حسَنًا؛ فإن فسادَ عملِه دليلُ فساد قلبِه وكذِبِ دعواه.

ومن فساد هذا الفريق أيضًا -يا عباد الله-: ردُّه الحقّ، ورفضُه النُّصح؛ فإنه إذا ذُكِّر بالله، وخُوِّف من عقابِه عظُمَ عليه الأمر، وأسرعَ إليه الغضب، واستخَفَّه الشيطانُ فأصرَّ على إفسادِه، وتشبَّثَ بِباطِلِه، وأبَى الرُّجوعَ عن غَيِّهِ.

وذلك هو الكِبر الذي بيَّن حقيقتَه، وتوعَّد صاحبَه رسولُ الهُدى -صلوات الله وسلامه عليه- في الحديث الذي أخرجه مسلمٌ في صحيحه -واللفظ له- وأبو داود والترمذي في سننهما عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخلُ الجنةَ من كان في قلبِه مِثقالُ حبَّةٍ من كِبرٍ". فقال رجلٌ: إن الرجلَ يحبُّ أن يكون ثوبُه حسنًا، ونعلُه حسنة، قال: "إن اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمال؛ الكِبرُ بَطَرُ الحق". أي: دفعُه وعدم القَبول به "وغَمطُ الناس"، أي: احتِقارهم وانتِقاصهم.

فيكون جامِعًا بين سُلوك سبيل العِصيان، وبين التكبُّر على الناصِحين الذين يسعَون إلى إصلاح ما فسَدَ من أمرِه، وردِّه إلى الجادَّة، واستِنقاذِه من الهلَكة.

وقد يجُرُّه التكبُّرُ على الناصِحين إلى شُرورٍ أُخرى؛ فإن في طبع كل مُفسِدٍ -كما يقول بعضُ أهل العلم-: "إن في طبع كل مُفسِدٍ النُّفورَ ممن يأمرُه بالصلاح ويحثُّه على التقوى؛ لأنه يرَى أمرَه له بالتقوى والخير تشهيرًا به، وصرفًا لعيون الناس إلى مفاسِدِه التي يستُرُها بزُخرُف القول وخِلابَته.

وقد يبلغُ نفورُ المُفسِدين في الأرض من الحق والدَّاعِين إلى الخير حدَّ استِثقالِهم، والحِقدِ عليهم، والسعيِ في إيذائِهم وإن لم يأمُروهم بذلك؛ إذ يرَون أن الدعوةَ إلى الخير والنهيَ عن الشرِّ كافِيان في فضيحَتهم، وذاهِبان بخِلابَتهم، فلا يُطيقُون رؤيةَ دُعاة الخير، ولا يرتاحُون لذِكرهم؛ بل يتتبَّعون عوراتِهم وعثَرَاتهم ليُوقِعوا بهم، وليُنفِّرُوا الناسَ من دعوتِهم. فإن لم يظفَروا بزلَّةٍ ظاهرةٍ التمَسُوها بالتحريف والتأويل، أو الاختِراع والتقوُّل".

فلا عجَبَ إذًا أن توعَّدَ الله هذا الفريقَ من الناس بعذابٍ بئيسٍ في نار جهنَّم التي جعلَها الله مُستقرًّا لهم يوم القيامة وبِئسَت النارُ دارًا وقرارًا.

فاتقوا الله -عباد الله-، وحذَارِ من اغتِرارٍ بمعسُولِ قولٍ لم يُصدِّقْه عملٌ، وبدعوَى لم تقُم عليها بيِّنة، وبشِعاراتٍ وأُطرُوحاتٍ ورُؤى لم يُؤيِّدها دليلٌ هادٍ ولا بُرهانٌ.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسُنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنبٍ، إنه كان غفَّارًا.

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه.

أما بعد:

فيا عباد الله: إن فيما ذكرَه الله تعالى في هذه الآيات التي وصفَ بها هذا الفريقَ الذي يُعجِبُ الناسَ قولُه دليلاً على أن الصفات الظاهرة لا تكونُ محمودةً ولا مرضيَّةً عند الله تعالى إلا حين يصلُحُ عملُ صاحبِها، ويستقيمُ قلبُه؛ لأن الله تعالى لا ينظُرُ إلى صُور العباد ولا إلى أقوالِهم، وإنما ينظُرُ إلى قلوبِهم وأعمالِهم، كما جاء في الحديث الذي أخرجَه مُسلمٌ -رحمه الله- في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله لا ينظرُ إلى صُوركم وأموالِكم، ولكن ينظُرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم".

وفيها حثٌّ على التمييز بين الناس بحسَب أعمالِهم وسِيَرهم، وعلى الحَذَر من الاغتِرار بزُخرُف القول ومعسُول الكلام الذي لا رصيدَ له من الأعمال.

ألا وصلُّوا وسلِّموا على خاتم النبيين، وإمام المُتَّقين، ورحمة الله للعالمين؛ فقد أُمِرتم بذلك في الكتاب المُبين؛ حيث قال ربُّكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خيرَ من تجاوزَ وعفا.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم انصر دينكَ وكتابكَ، وسُنَّةَ نبيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.