العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن ناصر السعدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - المنجيات |
وأما قول الحق في الغضب والرضا: فإن ذلك عنوان على الصدق والعدل والتوفيق، وأكبر برهان على الإيمان, وقهر العبد لغضبه وشهوته؛ فإنه لا ينجو منها إلا كل صديق، فلا يخرجه الغضب والشهوة عن الحق، ولا يدخلانه في الباطل، بل الصدق عام لأحواله كلها وشامل
الحمد لله الواحد الفرد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وسلطانه، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته وإحسانه, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيد ببرهانه، اللهم صل وسلم على محمد, وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأعوانه.
أما بعد:
أيها الناس, اتقوا الله تعالى، واسلكوا سبيل السلام والنجاة، واحذروا سبل العطب والأمور المهلكات, فقد قال صلى الله عليه وسلم: " ثلاث منجيات, وثلاث مهلكات؛ فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات: فهوىً متبع, وشح مطاع, وإعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن ".
فيا له من كلام جامع لمسالك الخيرات، محذر عن موانع الهلكات.
أما تقوى الله في السر والعلانية: فهي ملاك الأمور، وبها حصول الخيرات, واندفاع الشرور، فهي مراقبة الله على الدوام، والعلم بقرب الملك العلام، فيستحي من ربه أن يراه حيث نهاه، أو يفقده في كل ما يقرب إلى رضاه.
وأما قول الحق في الغضب والرضا: فإن ذلك عنوان على الصدق والعدل والتوفيق، وأكبر برهان على الإيمان, وقهر العبد لغضبه وشهوته؛ فإنه لا ينجو منها إلا كل صديق، فلا يخرجه الغضب والشهوة عن الحق، ولا يدخلانه في الباطل، بل الصدق عام لأحواله كلها وشامل.
وأما القصد في الفقر والغنى: فإن هذا علامة على قوة العقل, وحسن التدبير، وامتثال لإرشاد الرب القدير، في قوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) [الفرقان:67].
فهذه الثلاث جمعت كلَّ خير متعلق بحق الله, وحق النفس, وحقوق العباد، وصاحبها قد فاز بالقدح المعلَّى والهدى والرشاد.
وأما الثلاث المهلكات, فأولها: هوىً متبع، قال تعالى: ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) [القصص: من الآية50].
إن الهوى يهوي بصاحبه إلى أسفل الدركات، وبالهوى تندفع النفوس إلى الشهوات الضارة المهلكات.
وأما الشح المطاع: فقد أحضرت النفوس شحها، قال تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: من الآية9].
ومن انقاد لشحه, فأولئك هم الخاسرون؛ فإن الشح يحمل على البخل, ومنع الحقوق، ويدعو إلى الضرر, والقطيعة والعقوق، أمر الشحُّ أهلَه بالقطيعة فقطعوا، ودعاهم إلى منع الحقوق الواجبة فامتثلوا، وأغراهم بالمعاملات السيئة من البخس والغش والربا ففعلوا، فهو يدعوا إلى كل خلق رذيل، وينهى عن كل خلق جميل.
وأما إعجاب المرء بنفسه: فإنه من أعظم المهلكات, وفظائع الأمور؛ فإن العجب باب إلى الكبر, والزهو والغرور، ووسيلة إلى الفخر والخيلاء, واحتقار الخلق الذي هو من أعظم الشرور.
فهذه الثلاث: الهوى المتبع, والشح المطاع, والإعجاب بالنفس, من جمعها فهو من الهالكين، ومن اتّصف بها، فقد باء بغضب من الله, واستحق العذاب المهين, فطوبى لمن كان هواه تبعاً لمراض الله، وطوبى لمن وُقي شح نفسه, فكان من المفلحين، وعرف نفسه حقيقة, فتواضع للحق, وحفظ جناحه للمؤمنين.
منَّ الله عليَّ, وعليكم بمكارم الأخلاق ومعاليها، وحفظنا من مضارها ومساويها، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.