القهار
كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | الشيخ د عبدالرحمن السديس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
ها هو الضيفُ الحبيب، والشهرُ الزكيُّ الرَّطيب، قد غمرَ الكونَ بضيائِه، وعمرَ القلوبَ المُعنَّاة بحبِّه ببهائَه وسَنائِه. شهرٌ جرَت بالطاعات أنهارُه، وتفتَّقَت عن أكمام الخير والبرِّ أزهارُه، واسَّمَّع المسلمون في لَهيف شوقٍ لمقاصِده وأسراره، وأصاخُوا في خشوعٍ إلى مرامِيه المُستكِنَّة وأخباره. تفيضُ أيامُه بالقُربات والسرور، وتُنيرُ ليالِيه بالآيات المتلُوَّات والنور. موسمٌ باركَه الرحمن، وخلَّده القرآن: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185].
الخطبة الأولى:
الحمد لله مُوالِي البركات والنِّعَم، ومُغدِق الرحمات على أمة الصيام خيرِ الأُمم.
فلله حمـدٌ لا انقِضـاء لعَهدِه | على عدِّ ما أسدَى وقد قصُر الشكرُ |
ونسألُه الغُفرانَ عن كل فارِطٍ | وعمـن غفَا أو حطَّ من حظِّه الوِزرُ |
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفضَّل على الصائمين بمزيد الثواب وعمّ، فكم في شهر الصيام من البركات وكَم، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أزكَى من صام لله وقامَ حتى تفطَّر منه القدَم، وأجودُ بالخير من الرِّيح المُرسَلة في الكرَم، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه الذين جلَّوا بالحقِّ الدئادِئَ والظُّلَم، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ ما سعَى المُشمِّرون للقِمَم، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ فتقواه جوهرُ الصيام وفَحواه، ولُبُّه ومغزاه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
أيها المسلمون: في نجوَى عن الحياة النَّمطيَّة الرَّتيبة، ونَأْيٍ عن مألوف الزمان وتطابُقه، أناخَت أمتُنا الإسلامية مطاياها بين يدَي شهرٍ عظيمٍ، وضيفٍ مُبجَّلٍ كريمٍ.
وإنا لنزُفُّ لأمَّتنا الإسلامية التهنِئة الصادقةَ مُضمَّخةً بالعَبَق الفوَّاح، مع الدعاء الخالص المِلحَاح أن يُعيدَه الله عليها بالعزِّ والنصر والاستِقرار، والوحدة والرَّخاء والازدِهار.
هنيئًا يـا بني الإسلام طُرًّا | فقد وصلَ المُباركُ بالعطاءِ |
فحيُّوا شهرَكم بجميل صومٍ | فكم فرِحَت قلوبٌ باللقاءِ |
إخوة الإسلام، أمة الصيام والقيام: ها هو الضيفُ الحبيب، والشهرُ الزكيُّ الرَّطيب، قد غمرَ الكونَ بضيائِه، وعمرَ القلوبَ المُعنَّاة بحبِّه ببهائَه وسَنائِه. شهرٌ جرَت بالطاعات أنهارُه، وتفتَّقَت عن أكمام الخير والبرِّ أزهارُه، واسَّمَّع المسلمون في لَهيف شوقٍ لمقاصِده وأسراره، وأصاخُوا في خشوعٍ إلى مرامِيه المُستكِنَّة وأخباره.
تفيضُ أيامُه بالقُربات والسرور، وتُنيرُ ليالِيه بالآيات المتلُوَّات والنور. موسمٌ باركَه الرحمن، وخلَّده القرآن: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185].
أهلاً وسهلاً بشهر الصوم والذِّكرِ | ومرحبًا بوحيد الدهرِ في الأجرِ |
شهـرِ التـراويح يا بشر بطَلعتِه | فالكونُ من فرحٍ قد فاحَ بالنَّشرِ |
الله أكبر، يا لله؛ شهرُ رمضان نفحةٌ ربانية، ومنحةٌ إلهية، تُفعِمُ حياةَ المسلمين بالذِّكر والقُربات، وفيه تلهَجُ الألسنُ بعاطر التلاوات، وتبهَجُ الأنفسُ بأنداء الصيام وأنوار القيام.
إنه موسم الخير والعطاء، ومناسبة الطُّهر والصفاء، وفرصةُ البذل والنَّماء، وغرسُ المحبَّة والمودَّة والإخاء، وطريقُ البرِّ والسعادة والهناء.
أطلَّ سيدُ الشهور ليُوقِظَ رواقِد الخير في القلوب، ويُعطِّل روافِد الحوبِ ومساقِي الذنوب، وفَدَ ليُرهِفَ أحاسيسَ البرِّ في الشعور ومعانيَ الإحسان وبَسط الحُبور. فالأُذُن سامعةٌ، والعينُ دامعةٌ، والرُّوحُ خاشعةٌ، والقلبُ أوَّاهُ.
نُفوسُ أهل التُّقَى في حبِّكم غرِقَت | وهزَّنا الشوقُ شوقُ المُصلِحِ العَلَنِ |
نُحـبُّ فيك قيامًا طابَ مشرَبُه | نُحبُّ فيك جمالَ الذِّكرِ في الغَسَنِ |
في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا جاء رمضان فُتِّحَت أبوابُ الجنة، وغُلِّقَت أبوابُ النيران، وصُفِّدَت الشياطين".
في ليالِيه الزُّهر ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، الملائكةُ بالقانتين حافَّة، والرحماتُ فيها تَتْرَى كافّة، في رمضان لا ترمُقُ إلا الصوَّام والقوَّام في تبتُّلٍ وابتِهال، ودموعُهم من رَقدة الضَّراعة فيه مال، يرجُون الكبيرَ المُتعال غفْرَ الزلاَّت، ومحوَ الحَوبات، وكشفَ الكُربات، وإقالةَ العثَرات، والفوزَ بالجنَّات.
ويا لهناءِ هؤلاء، يا لهنائِهم كلما أبحَروا في لُجَج الشهر المُبارَك كلما انغمَروا في أثبَاج المِنَن الإلهية، والألطاف الربَّانيَّة.
فيا ليت شِعري؛ ما أعظمَه من شهرٍ اغدَودَقَت فيه أصولُ المِنَن، واخضَوضَرَت فيه قلوبُ النازِعين إلى أزكَى سَنَن!!
نعم، نعم -يا رعاكم الله-، أتاكم شهرُ المَرابِح بظِلاله ونوالِه، وجمالِه وجلالِه. فهو أجلُّ من أن تُعدَّ نفَحاتُه، وتُحصَى خيراتُه، وتُستقصَى ثمراتُه.
إخوة الإيمان: هذا شهرُ العِتقِ من النيران والجُود، هذا إبَّان الترقِّي والصُّعود. فيا خسارةَ أهل الرُّقُود والصُّدود. هذا زمان الإياب: (هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) [ص: 42]، رحمةً من الكريم الوهَّاب. فأسرِعوا بامتَاب، ولا تكونوا ممن أبَى وخرجَ رمضانُ ولم ينالُوا فيه الغُفرانَ والمُنَى.
يا أمتي استقبِلوا شهرًا برُوح تُقَى | وتوبة الصِّدقِ فالتأخيرُ إغواءُ |
ربَّاهُ عفـوًا وتـوفيقًا ومغفـرةً | وجُد بنصرٍ فإن النصرَ علياءُ |
أيها المؤمنون، أيها المسلمون الصائمون القائمون: ولم يقِف الشارِع الحكيم عند مظاهر الصوم وصُورِه من الإمساك عن تناوُل المُباحات والطيِّبات فحسب؛ بل إن ما عمِدَ إلى الرُّوح وما أكنَّت من رُعوناتٍ كيف يُرقِّيها، وصمَد إلى النفس وما اعتلقَت من أشَرٍ وبطَرٍ ليُنقِّيها، وشخَصَ إلى الجوارِح وما اجترحَت من آثامٍ ليُزكِّيَها، وإلى المدارِك والحواسِّ وما احتقَبَت من أوزارٍ فيُجلِّيَها.
في الحديث الصحيح: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كان يومُ صوم أحدِكم فلا يرفُث ولا يصخَب، وإن سابَّه أحدٌ أو قاتَلَه فليقُل: إني صائم".
وفي نهيٍ شديدٍ يقول -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه البخاري وغيره: "من لم يدَع قولَ الزُّور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامَه وشرابَه".
فالصيامُ -يا إخوة الإيمان- تُرسٌ للمُسلم من الخطايا والأوزار، ولأْمةٌ دون التلطُّخ بالأدران والأكدار، وجُنَّةٌ واقيةٌ من لَهيبِ النار.
يقول -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "من صامَ رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه".
ولكن، هل تحقَّقُ ذلك بصومِ زُرافاتٍ وفِئامٍ من الناس عن المُباحات والطعام، كلا؛ إنما بصوم الجوارِح عن المُوبِقات والفوادِح، وعِفَّة اللسان عن اللَّغو والهَذَيان، وحِفظِ الكَلام عن الكِلام، وغضِّ البصر عن الحرامِ، وكبح الأقدام عن قبيح الإقدام، وبَسط نَدى الكفِّ، والتورُّع عن الأذى والكفّ، والضراعة إلى الله بقلوبٍ وجِلَةٍ نقيَّةٍ، وطوِيَّاتٍ على صادق التوبة والإخلاص والتوحيد والسنَّة مطوِيَّة. وهل كِفاءُ ذلك كلِّه إلا المنازِلُ العُلَى في جنَّات النعيم؟! فيا طُوبَى للصائمين القائمين.
يا صائمًا تركَ الطعامَ تعفُّفًا | أضحَى رفيقَ الجُوع واللأْوَاءِ |
أبشِر بعيدِك في القيامة رحمةً | محفـوفةً بالبـرِّ والأنـداءِ |
في الحديث القُدسي: "كلُّ عملِ ابنِ آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي، وأنا أجزِي به".
الله أكبر، يا لَه من خيرٍ عميمٍ، ونعيمٍ مُقيم، من ربٍّ رحيمٍ، ومولًى حليمٍ كريمٍ. ولكنَّ الأسَى ليستعِرُ في الأحلاءِ من أقوامٍ لم يُراقِبُوا الديَّان، فشرَخوا حُرمةَ رمضان، وسامُوا النفسَ والجوارِح في حسَك المُنكرات والعِصيان عَبًّا من القنوات الخَليعة، وفضائيات الرَّذيلة الفظيعة، التي لا تضْري شِرَّةُ قرصَنتها للفضيلة والقِيَم النبيلة إلا في رمضان دُرَّة الزمان. فالله المُستعان.
لقد ارتكَسُوا في المآثِم والمهالِك، وأحالُوا الليالِي الغُرَّ حوالِك.
وأقوامٌ لا يجعَلون التصوُّنَ والفضيلةَ مِلاكَهم، قد عجَّلُوا هلاكَهم. فأنَّى وكيف ومتى يستفيق هؤلاء من رقدَتهم؟! وينهَضون من خدَرِهم وكبوَتهم؟! وهذا شهرُ النَّفَحات والهِدايات والبُطولات بين أيدينا يقودُنا إلى السُّؤدَد والعَلياء.
وإلى المُؤتمَنين على وسائل الإعلام: اتقوا الله في شهر القُرآن، راقِبوا اللهَ في أمة الصيام والقيام.
وإلى الأخوات المُسلمات: إن الصيامَ يُؤدِّبُ على الخير والفضيلة والحَياء، ويسلُكُ بالمرأة مسالِك العفافِ والحِشمة. فاتَّقِين اللهَ -أيتها المسلمات-، وتحلَّينَ بالحِجاب والعَفافِ والحِشمة، واحذَرنَ التبرُّجَ والسُّفورَ والاختلاطَ المُحرَّم.
والله المسؤولُ بمنِّه وكرمِه أن يُبارِك لنا في شهر رمضان، وأن يمُنَّ علينا جميعًا فيه بالعِتق من النيران، وأن يتقبَّل من الجميع صالِحَ الأعمال، إنه جوادٌ كريمٌ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
باركَ الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعَني وإياكم بما فيهما من الآيات والحِكمة، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافة المُسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ؛ فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعلَ الصيام وِقايةً من الآثام وجُنَّة، ومِعراجًا مُوصِلاً إلى الرِّضوان والجَنَّة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ التوحيد ومَئِنَّة، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أعظمُ رحمةٍ وأكرمُ مِنَّة، صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه وعلى آله وأصحابِه دُعاة الكتاب وحُماة السنَّة، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، وزكُّوا أعمالَكم وأقوالَكم في شهر القرآن بالصِّدق والإخلاص، واغتنِموا أوقاتَكم الشريفة في شهر الاختِصاص، قبل أن يُؤخَذ بالنواصي، ولاتَ حين مناص.
أمة الإسلام: ومع الإطلالة المُبارَكة لشهر البُطولات والأمجاد، والعِزَّة الراسِخة الأوتَاد، إلا أن أمتَنا الإسلامية لا تزالُ في تفرُّقٍ وشَتات، وتناثُرٍ وانبِتات؛ بل ومع اللَّوعَة والأسَى تفاقَمَت قضاياها ومآسِيها، واشتدَّ نزْفُ جِراحِها وتأبَّت عن مُداوِيها، وتكالَبَ عليها الظُّلاَّمُ من سائر نواحِيها.
فها هُم إخوانُكم في الأرض المُبارَكة فلسطين، وما يُعانُون من صَلَف الصهايِنة المُعتدِين.
وفي أراكان يستقبِلون شهرَ القرآن بالإبادة والتشريد، والطُّغيان والتهجير من قِبَل العدوِّ الغاشِم. وإننا لنُثمِّنُ ونُبارِكُ كلَّ الجهود الداخليَّة والخارجيَّة لنُصرتهم وحلِّ قضيَّتهم.
وها هي سُوريا الجريحَة، وحِمصُ الصُّمود والإقدام، تُسامُ التقتيل والإجرام، والحِصار والرَّزايا العِظام، من قِبَل جحافِلِ البَطشِ والاستِبداد، وكواسِرِ الطُّغيان والإفساد. في أبشَع انتِهاكٍ للحقوق الإنسانية، وأوضَع انتِهاكٍ للأعراف الدوليَّة، والأخلاقيَّات الحربيَّة، وفي منعٍ أرعَن لدخول المُساعَدات الإغاثيَّة والدوائِيَّة.
وهنا باسمِ الصائمين القائِمين مُناشدةٌ حرَّاء لوقفِ جميع أنواع الإبادة والتدمير حِيالَ الشعبِ السُّوري الأبِيِّ، مع التنادِي الفوريِّ العاجِل للسَّماحِ بدخولِ المَعونات الإغاثيَّة والإنسانيَّة، وخُصوصًا مع استِهلال شهر رمضان المُبارَك، وما يُلاقون من شدَّةٍ وعَوَزٍ ولأْوَاء.
وإخوةُ الدين في الأمصَار يلحَقُهم | بطشُ الطُّغاة على مرأًى من الأُمَمِ |
والمسلمـون على شُعَـبٍ مُمزَّقةٍ | اللهُ أكبرُ كـم في النفسِ من ألَمِ |
ولكنَّ الله ناصِرٌ أولياءَه، ومُتبِّرٌ أعداءَه، وعدًا حقًّا وإن طالَ الدُّجَى زمَنًا.
وكذا المرحلةُ العَصيبةُ التي تمُرُّ بها مصرُ الكِنانةُ الحبيبة، مما يقتضِي مزيدَ الحكمة والتعقُّل، ونَفاذ البصيرة، حِفظًا لأمن البلاد والعباد، ومُقدَّرات الوطن ومُكتسَبَاته، مع التحذير أيَّما تحذير من إراقة الدماء الفِداح، وإزهاقِ الأنفُس والأرواح.
في هذا الشهر العظيم -يا إخوة الإسلام- يُندَبُ اللَّهَجُ بالدَّعَوات الطيبات، في شهر النَّفَحات، فارفَعوا أكفَّ الضَّراعة لكم ولأهلِيكم وأمَّتكم، وألِحُّوا على المولَى -سبحانه- بالدعاء.
وارفَعوا إليه الشكوَى والنداء أن ينصُر إخوانَكم المُستضعَفين والمُشرَّدين، والمنكُوبين والمأسُورين، والمُحاصَرين والمُضطَهَدين في كل مكان، وأن يُفرِّج كروبَهم وهمومَهم، ويكشِف شدائِدَهم وغُمومَهم، إنه سميعٌ مُجيب.
أيها المسلمون، أيها الإخوة قاصِدو بيت الله الحرام: ومن القرارات الرَّشيدة المقاصِديَّة السديدة التي اتَّخذَتها ولايتُنا العَتيدة، والتي تُحقِّقُ أرجَى المصالِح وأعلاها للأمة الإسلامية، وما تفرِضُه الضرورةُ الشرعيَّة، لاسيَّما في الحرمين الشريفين، ومع كثرة أعداد المُعتمِرين والزائِرين، ذلك القرارُ الحكيم في تخفيف أعداد الحُجَّاج والمُعتمِرين، والتقليل من المَجِيءِ للحَرَم الشريف لمُدَّةٍ زمنيَّةٍ مُؤقَّتَة حتى اكتِمال مشروعِ توسِعَة المَطاف.
وذلك حِرصًا على أمن المُعتمِرين والزائِرين وسلامتِهم، وعونًا لهم على الطُّمأنينة في عبادتهم وطاعتهم أن تُشابَ بالمشقَّة والزِّحام، وإسهامًا في إنهاء المشروع على أكمل الوجوه، وبأرقَى الخدمات وأفضل التسهيلات التي تُحقِّقُ مآلات النَّفع العَظيم من السَّعَة والتيسير على قاصِدي بيت الله الحرام، مما يتطلَّبُ تعاوُن المُسلمين والمُعتمِرين والزائِرين، وتفهُّمَهم لطبيعة هذه المرحَلة الإنشائيَّة المُؤقَّتة.
مُؤمِّلين التفاعُل والتجاوُب مع هذا القرار الحكيم، لتحقيق أمن المُعتمِرين وسلامتِهم.
بارك الله في الجهود، وحقَّق أسمَى الأماني وأنبَل القُصود.
هذا، وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على سيِّد الأنام خيرِ من صلَّى وصام، وتهجَّد لله وقام، كما أمرَكم بذلك ربُّكم الملكُ العلاَّم، فقال تعالى قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا".
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيد الأولين والآخرين، ورحمة الله للعالمين: نبيِّنا وحبيبِنا وقُدوتنا محمدِ بن عبد الله، وارضَ اللهم عن الخُلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكر، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيِّك -صلى الله عليه وسلم- أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطُّغاة والمُفسدين وسائرَ أعداء الدين.