الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | سالم بن مبارك المحارفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
أرعوا سمعكم لهذه التنبيهات الستة التي تتعلق ببعض العادات والأعراف القبلية المخالفة للشرع المطهر: التنبيه الأول: ما يتعلق بالتحاكم إلى الأحكام العرفية والقبلية, وترك التحاكم إلى الشرع المطهر, وهذا منكر عظيم, بل بلغ الأمر عند بعض القبائل عقد ميثاق يسمونه (المذهب), وبناءً عليه يسنون لكل واقعة حكمًا مخالفًا لشرع الله -عز وجل-, ويسندون النظر فيها إلى شيخ القبيلة أو جماعة ينتخبون من بينهم, ثم...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- وأتمروا بأمر الله -عز وجل-, وانتهوا عن نهيه, واحذروا غضبه وسخطه, وإياكم والبدع والمنكرات ومحدثات الأمور, فإن الله -تبارك وتعالى- يأمركم أن تستقيموا على دينه, ولا تحيدوا عنه فتهلكوا, فقال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].
ولقد حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من المحدثات والبدع في الدين, وأخبر أن من جاء بشيء يخالف هذا الدين فإنه يردُّ عليه ولا كرامة, فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"متفق عليه, ولمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" أي: مردود عليه. وعن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم ومحدثات الأمور, فإن كل بدعة ضلالة" رواه أحمد وغيره.
فهذه الأصول العظيمة تحثنا -معشر المسلمين- على التمسك بأصل الكتاب والسنة, وعدم الحيد عنها والميل إلى غيرها مما هو من عصارة أفكار البشر القاصرة الضعيفة عن معرفة مصالح الإنسان في الحاضر والمستقبل.
أيها المسلمون: أرعوا سمعكم لهذه التنبيهات الستة التي تتعلق ببعض العادات والأعراف القبلية المخالفة للشرع المطهر:
التنبيه الأول: ما يتعلق بالتحاكم إلى الأحكام العرفية والقبلية, وترك التحاكم إلى الشرع المطهر, وهذا منكر عظيم, بل بلغ الأمر عند بعض القبائل عقد ميثاق يسمونه (المذهب), وبناءً عليه يسنون لكل واقعة حكمًا مخالفًا لشرع الله -عز وجل-, ويسندون النظر فيها إلى شيخ القبيلة أو جماعة ينتخبون من بينهم, ثم إنهم يلومون بل ويقاطعون كل من خرج عن هذا المذهب إلى المحاكم الشرعية, ويسمونه: (خارج عن المذهب) أو (قاطع مذهب), وفي زعمهم أن في هذا الميثاق حفاظًا على مجتمع القبيلة, وتسوية خلافها بينهم, ووصل الأبناء والأحفاد لموروث الآباء والأجداد, وحفاظًا للقبيلة وسمعتها.
ومن أمثل ما يحدث لدى بعض القبائل في تحاكمهم بغير ما أنزل الله -عز وجل- ما يأتي: فمنها ما يعرف بقانون "تثليث الدم", وصورته أنه إذا ضرب شخص وقدِّرَ دمه بعشرة آلاف ريال مثلاً, فإن صاحب الدم لا يحصل إلا على ثلاثة آلاف ريال فقط وفقًا لهذا القانون, فيخصمون ثلثًا لما يسمى "بالفراش", وهي الوليمة التي يجتمعون عليها, والثلث الثاني يهدر ويذهب مجانًا, والثلث الباقي يعطى لصاحب الدم.
ومنها أن بعضهم يحكم على الجاني المعتدي بأن يضرب رأسه بالجنبية حتى يسيل دمه, ولا يزال يضرب والدم يسيل حتى يقول صاحب الحق كلمة: "أبيض" فيتوقف.
ومنها الحكم بثمن الجنابي, فيقولون: نحكم بثمنها ولا داعي للاعتراض, فتقدر الجنبية مثلاً بألف ريال, أو أكثر أو أقل.
ومن هذه المحدثات ما يسمى بـ"الأسِيَّة", وهي أن يشرع لكل حادثة حكم, مثال ذلك: عليك يا فلان خمس من الغنم, أو ست جنابي, أو ثمنها في حادثة من الحوادث, وغدًا تقبل مني مثل هذا الحكم, وهذا أخذٌ للمال بغير حق, وفي الحديث: "لا يحل مال امرئٍ مسلم إلا بطيب نفس منه".
ومنها "أيمان الوَسِيَّة", وبيانها: أنه إذا اعتدى شخص على آخر في نفسه أو ماله فإن المعتدي أو وليّه يحلف أنه لو كان في محل المعتدى عليه لم يأخذ شيئا, ولا يطالبه بشيء. وهذا إلزام بحكم لم يشرعه الله ولا رسوله، فهو خداج خداج, وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل.
ومن المنكرات "اللاذة" أو "اللياذة", وهي أنه إذا اعتدى شخص على غيره فإنه يلوذ بشخص آخر, ويقوم المستلاذ به بردع صاحب الحق, ويطلب منه ترك المطالبة بحقه, فإذا فعل صاحب الحق وطلب حقه فإن مجير المعتدي يثور باثني عشر رأسًا من الغنم يسلمها للمعتدي, ويذهب المجير إلى شيخ القبيلة يطلب منه بتغريم صاحب الحق بدفع الاثني عشر رأسًا من الغنم, وبهذا يضيع حقه ويغرم الغنم, وهذا فيه ظلم مضاعف, وهو من أقبح الأعراف وأسوئها وأشدها ظلمًا وتحريمًا, وقد صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لعن الله من آوى محدثًا" رواه مسلم وغيره.
ومنها: اتفاق بعض القبائل على السكوت فيما بينهم عن المعتدين منهم, وعدم التبليغ عليهم, والستر على جرائمهم, ثم مقاطعة كل من يخالف هذا العرف, ولا يخفى ما في هذا العمل من الشر العريض, وفيه تعطيل لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ومشابهة اليهود في السكوت عن صاحب المنكر ومجالسته ومآكلته, والله تعالى يقول: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104], وقوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78، 79], وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.
ومن هذه المنكرات ما يعرف بـ"الخاتمة", أو: "الخاتمة العمياء", أو: "الكبارة", أو: "العتامة", وهو الحكم على المخطئ بمبلغ من المال يعرف بهذه الأسماء.
ومنها ما يسمى بـ"المنصوبة"، وهي ذبيحة أو أكثر تفرض على المخطئ, ويذهب بها إلى بيت المخطئ عليه.
ومنها: "البرهة"، وهي أن يفرض على صاحب الخطأ الكبير ذبيحتان أو أكثر, وعلى صاحب الخطأ الصغير ذبيحة واحدة مع بعض الأشياء, ثم تذبح ويحضر أكلها الجماعة ومن حكم في القضية.
ومن أقبح هذه المنكرات ما يسمى بـ"الثأر", وهو أخذ الثأر من قبيلة الجاني بقتل أيٍ منهم, والواجب أن لا يؤخذ أحد إلا بجريرته, وأن يدفع ذلك للمسؤولين.
ومنها: "العدالة"، وهي في حال طعن شخص بسكين أو إطلاق النار عليه, يجلس الطرفان عند شيخ القبيلة, ويمسح الطرفان لحاهم بقبول حكمه, فيحكم بما يراه على الجاني من الغنم عشرة رؤوس إلى خمسمائة رأس, ويكون مقبولاً عندهم, وهذا حكم جاهلي لا يجوز إقراره ولا العمل به.
ومنها: أخذ القبيلة ثلث دية المتوفى من أوليائه بحجة أنه حق القبيلة عليه, وهذا من أكل أموال الناس بالباطل, فليس للقبيلة حق في هذا, فيحرم أخذ هذا المبلغ من الورثة, وقد تعمد القبيلة إلى التفاوض في أمر القتيل مع الجاني أو قبيلته وإنهاء الأمر بالمطالبة بالقصاص أو الدية أو العفو مطلقًا دون اعتبار لرأي الورثة, وهذا خطأ وظلم واعتداء على حقوق الناس, فإن الشأن والأمر لهم وحدهم, اللهم إلا أن يكلوا ذلك إلى غيرهم كشيخ القبيلة أو غيره ويرضوا بذلك.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من البينات والحكمة, أقول قولي هذا وأستغفر الله.
الخطـبة الثانــية:
أيها المسلمون: ومن هذه البدع المحدثة, إلزام الجماعة أو القبيلة ذات الحلف إذا كان عددها كثيرًا بتحمل دية الخطأ عن ذات العدد القليل, والمشروع أن عاقلة الجاني هي التي تتحمل عنه دية الخطأ, وهم ذكور عصبته نسبًا وولاءً, قريبهم وبعيدهم, حاضرهم وغائبهم, حتى عمودي نسبه, فهؤلاء الذين يتحملون عنه دية الخطأ وليس غيرهم, فالزوج مثلاً والإخوة لأم وسائر ذوي الأرحام لا يتحملون من الدية شيئًا, والحكمة في إيجاب دية الخطأ على العاقلة لا على الجاني هو أن القتل خطأً يكثرُ فإيجاب الدية على القاتل يجحف به, ولأن العصبة يشدون أزر قريبهم وينصرونه حتى استوى بذلك قريبهم وبعيدهم في العقل.
ومن هذه المنكرات ما يعرف بـ"الغرم"، وهو أن يفرض على كل ذكر صغير أو كبير دفع ما يترتب على القبيلة من دية المتوفين, سواء بسبب حوادث السيارات أو القتل الخطأ أو الشجاج، وكذلك القتل العمد, وهذا إلزام باطل لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ولضيق الوقت فإني أرجئ بقية التنبيهات في الأعراف والعادات المبتدعات, والمنكرات البينات في الأسبوع القادم, وبالله التوفيق.
ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]...