البحث

عبارات مقترحة:

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

مضى ثلث رمضان .. والثلث كثير

العربية

المؤلف عبد الله اليابس
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الصيام
عناصر الخطبة
  1. هنيئا لمن استغل رمضان في طاعة الله .
  2. تعاسة من فرط في ما مضى من أيام شهر رمضان .
  3. رمضان شهر القرآن .
  4. حال السلف مع القرآن في رمضان .
  5. بعض فضائل رمضان .

اقتباس

إليك يا من فرط في ما مضى من أيام هذا الشهر، وتساهل في استغلال أيامه ولياليه، مازال في الشهر سعة، وما زال في العمر بقية، ولعلك لا تدرك رمضان بعد عامك هذا. بقي في الشهر ثلثيه، وبقيت العشر الأواخر، وبقيت ليلة القدر، ومن حرم خيرها فقد حرم. إلحق بركب الصالحين، وعد إلى مولاك الكريم، والزم ...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران : 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].  

أما بعد:

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: مضى الثلث، والثلث كثير، بالأمس القريب كنا ننتظر إعلان دخول شهر رمضان، واليوم قد مضى ثلث الشهر، والثلث كثير.

سلام من الرحمن كل أوان

على خير شهر قد مضى وزمان

سلام على شهر الصيام فإنه

أمان من الرحمن أي أمان

فإن فنيت أيامك الغر بغتة

فما الحزن من قلبي عليك بفان

نعم، هذا شهر الصيام، وشهر القيام، وشهر تلاوة القرآن، شهر تاقت له أفئدة الصالحين، واشتاق إليه قلوب المتقين، ونصبت فيه أبدان العابدين، قد مضى ثلثه، والثلث كثير.

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: يا لهناءِ من استغل ليالي وأيام رمضان بالأعمال الصالحة، فجد وشد، وبالصدقات يده تمتد، وبالقيام جسده اشتد، فنال الخير والسعد، وقد مضى الثلث، والثلث كثير.

سَعِد أناس فيما مضى من ليالي وأيام؛ جاء عند الترمذي وابن ماجه وصححه الشيخ الألباني من حديث أبي هريرة -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة".

أفلح من أعتقه الله من النار في الثلث الذي انتهى، أفلح من أقبل على الخير في الثلث الذي انقضى، أفلح من انتهى عن الشر في الثلث الذي مضى، والثلث كثير.

وإليك يا من فرط في ما مضى من أيام هذا الشهر، وتساهل في استغلال أيامه ولياليه، مازال في الشهر سعة، وما زال في العمر بقية، ولعلك لا تدرك رمضان بعد عامك هذا.

بقي في الشهر ثلثيه، وبقيت العشر الأواخر، وبقيت ليلة القدر، ومن حرم خيرها فقد حرم.

إلحق بركب الصالحين، وعد إلى مولاك الكريم، والزم عتبة العبودية، فإن رمضان فرصة لإصلاح النفس، وتهذيب الذات، وإصلاح ما قطعته من حبالٍ مع الله، وقد مضى الثلث والثلث كثير.

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: قرن الله - تعالى -رمضان بالقرآن، قال الله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)[البقرة: 185].

فرمضان شهر القرآن، والقرآن شهره الأخص رمضان، خرج الإمام أحمد في حديث حسن من حديث بريدة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "إن القرآن يَلقى صاحبه يوم القيامة حتى ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب، فيقول: هل تعرفني؟ أنا صاحبك الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وكل تاجر من وراء تجارته، فيعطي المُلك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هذًا، كان أو ترتيلا".

قال وهيب بن الورد: "قيل لرجل: ألا تنام؟ فقال: إن عجائب القرآن قد أطرن نومي".

وقال أحمد أبي الحواري: "إني لأقرا القرآن، وأنظر في آية، فيحير عقلي بها، وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا، وهم يتلون كلام الله، أما إنهم لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه، وتلذذوا به، واستَحْلَوا المناجاة به، لذهب عنهم النوم فرحا بما قد رزقوا".

منع القران بوعده ووعيده

مقل العيون بليلها لا تهجع

فهموا عن الملك العظيم كلامه

فهمًا تذل له الرقاب وتخضع

فيا من فرط في قراءة القرآن في رمضان، مضى الثلث، وبقي الثلثان، والثلثان أكثر.

كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة، وغيرها.

كان الأسود: يختم في كل ليلتين في رمضان.

وكان النخعي: يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة؛ وفي بقية الشهر في ثلاث.

وكان قتادة: يختم في كل سبع دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة.

وكان للشافعي: في رمضان ستون ختمة.

وعن أبي حنيفة نحوه، وكان قتادة: يَدرُس القرآن في شهر رمضان.

وكان الزهري: إذا دخل رمضان قال: "إنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام".

قال ابن عبد الحكم: "كان مالك إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث، ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف".

قال عبد الرزاق: "كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن".

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ

بارك الله لي ولكم بالقرآن، ونفعنا بما فيه من المواعظ والبيان.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الكريم الوهاب، خلق خلقه من تراب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خير من صلى لربه وأناب، صلى الله عليه وعلى آله والأصحاب، ومن سار على نهجهم واتبع طريقهم إلى يوم الحساب، وسلم تسليما كثيرا.

عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: بقي من رمضانَ أغلبَه، وويحَ من شيطانُه قد غَلَبه، يا من كنت مفرطًا فيما فات، عد إلى ربك قبل أن يقال قد مات.

في رمضان فضائل عظيمة: من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، ومن قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة، ومن فطر صائمًا فله مثل أجره، ومن تصدق بصدقة فأخفاها أظلَّه الله في ظله، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم، والله ذو الفضل العظيم.

قال ابن رجب -رضي الله عنه-: هذا عباد الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفي بقيته للعابدين مستَمتَع، وهذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم ويسمَع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يتصدع، ومع هذا فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يصان عن الحرام فينفع، ولا قيام استقام فيُرجى في صاحبه أن يشفع، قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع، وتراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر ولا تسمع، كم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، لا الشاب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة، أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبَهم جلوة، وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والأبصار أفما لنا فيهم أسوة؟ كما بيننا وبين حال أهل الصفا أبعد مما بيننا وبين الصفا والمروة.

يا نفس فاز الصالحون بالتقى

وأبصروا الحق وقلبي قد عمي

يا حُسنَهم والليلُ قد جَنَّهُمُ

ونورهم يفوق نور الأنجمِ

ترنموا بالذكر في ليلهمُ

فعيشهم قد طاب بالترنمِ

قلوبهم للذكر قد تفرغت

دموعهم كلؤلؤ منتَظِمِ

أسحارهم بهم لهم قد أشرقت

وخِلَعُ الغفران خير القِسَمِ

ويحك يا نفسُ ألا تيقظٌ

ينفع قبل أن تزلَّ قدمي

مضى الزمان في توانٍ وهوىً

فاستدركي ما قد بقي واغتنمي

ثم اعلموا -عباد الله- أن الله -تبارك وتعالى- قد أمرنا بالصلاة والسلام على نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم فضلاً على غيره، فاللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وارض اللهم عن آله وأصحابه وأزواجه وذريته أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويهدى فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك سميع قريب.

اللهم أيقظ قلوبنا من الغفلات، وطهر جوارحنا من المعاصي والسيئات، ونق سرائرنا من الشرور والبليات.

اللهم باعد بيننا وبين ذنوبنا كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقنا من خطايانا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد..

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، إنك أنت الغفور الرحيم.

عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].