البحث

عبارات مقترحة:

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

وداع رمضان

العربية

المؤلف عبدالمحسن بن محمد القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. سرعة مرور الزمن واستغلاله .
  2. علامات الربح والخسارة في رمضان .
  3. مشروعية الصيام بعد رمضان .
  4. قيامَ الليل بعد رمضان .
  5. بعض الأعمال المستحبة في ختام رمضان .

اقتباس

مضَت ليالٍ غرٌّ بفضائلها، ونفحات ربّها، وأوشك باقيها على الرّحيل وكأنّها ضربُ خيال، لقد قطعت بنا مرحلةً من حياتنا لن تعود. هذا هو شهرُكم، وهذه هي نهايته، كم من مستقبلٍ له لم يستكمِله، وكم من مؤمِّلٍ أن يعودَ إليه لم يدرِكه، فاغتنِم ما بقي من الشّهر بمضاعفةِ الطّاعات، فأيّام...

الخطبة الأولى:

أمّا بعد:

فاتّقوا الله -عبادَ الله- حقَّ التّقوى، فخير الزّادِ ما صحِبه التّقوى، وخيرُ العملِ ما قارنه الإخلاصُ للمولى.

أيّها المسلمون: لقد يسّر الله طرقَ الخيرات، وتابع لعبادِه مواسمَ الحسنات، وربُّنا وحدَه هو مصرِّف الأيّام والشهور: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)[الحج: 61].

جعل لكلِّ أجلٍ كتابًا، ولكلّ عملٍ حسابًا، وجعل الدّنيا سوقًا يغدو إليها النّاس ويروحون، فبائعٌ نفسَه فمعتِقها أو موبِقها، والأيّام أجزاءٌ من العُمر ومراحل في الطّريق تفنى يومًا بعد يوم، مُضيُّها استنفادٌ للأعمار واستكمال للآثار وقربٌ من الآجال وغَلقٌ لخزائن الأعمال.

مضَت ليالٍ غرٌّ بفضائلها، ونفحات ربّها، وأوشك باقيها على الرّحيل وكأنّها ضربُ خيال، لقد قطعت بنا مرحلةً من حياتنا لن تعود.

هذا هو شهرُكم، وهذه هي نهايته، كم من مستقبلٍ له لم يستكمِله، وكم من مؤمِّلٍ أن يعودَ إليه لم يدرِكه، فاغتنِم ما بقي من الشّهر بمضاعفةِ الطّاعات، فأيّام رمضانَ تسارع مؤذنةً بالانصراف والرّحيل، وما الحياة إلاّ أنفاسٌ معدودة وآجال محدودة، وإنّ عمُرًا يقاس بالأنفاسِ لسريعُ الانصرام.

ومرورُ الأيّام يذكِّر بقربِ الرحيل، واحذَر الاغترارَ بالسّلامة والإمهالِ ومتابعة سوابغ المُنى والآمال، فالأيّام تُطوى والأعمار تفنَى، فاستلِفِ الزمن وغالِب الهوى، واجعَل لك في بقيّة الليالي مدَّخرًا فإنّها أنفس الذّخر، وابكِ على خطيئتِك واندَم على تفريطِك، واغتنِم آخرَ ساعاتِه بالدّعاء، ففي رمضانَ كنوزٌ غالية، وسلِ الكريمَ فخزائِنه ملأى ويداه سحَّاء الليل والنّهار، واستنزِل بركةَ المالِ بالصدقة، وحصِّن مالَك بالزكاة، وكن للقرآن تاليًا، وودِّع شهرَك بكثرةِ الإنابة والاستغفار وقيامٍ لله مخلصٍ في دُجى الأسحار، وإن استطعتَ أن لا يسبقَك إلى الله في بقيّة شهرك أحدٌ فافعل، فلحظاتُ رمضانَ الأخيرة نفيسة، ولعلّك لا تدرِك غيرَه، وافتَح صفحةً مشرقة مع مولاك، واسدِل الستارَ على ماضٍ نسيتَه وأحصاه الله عليك، وعاهِد نفسَك في هذا الشّهر بدوامِ المحافظةِ على الصّلوات الخمس في بيوتِ الله وبرِّ الوالدين وصلةِ الأرحام وتطهير مالِك عن المحرّمات والشّبهات وحفظِ لسانِك عن الكذب والغيبة وتطهير القلب من الحسَد والبغضاء وغضّ البصر عن المحرّمات والقيامِ بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستدرك هفواتِ الفوات، فالترحُّل من الدنيا قد دنا، والتحوّل منها قد أزِف، والرشيد من وقف مع نفسه وقفةَ حساب وعِتاب، يصحّح مسيرتَها ويتدارك زلّتها، يقول ابن حبّان -رحمه الله-: "أفضل ذوي العقولِ منزلةً أدومُهم لنفسه محاسبة، والسعيدُ من استودع صالحًا من عملِه، والشقيّ من شهِدت عليه جوارحه بقبيح زَلَله".

والطاعة ليس لها زمنٌ محدود، ولا للعبادةِ أجل معدود، ويجب أن تسير النفوسُ على نهج الهدى والرّشاد بعد رمضان، فعبادة ربِّ العالمين ليست مقصورةً على رمضان، وليس للعبد منتهى من العبادةِ دون الموت، وبئس القوم لا يعرفون الله إلاّ في رمضان.

أيّها المسلمون: إنّ للقبول والرِّبح في هذا الشّهر علامات، وللخسارة والرّدّ أمارات، وإنّ من علامة قبول الحسنةِ فعلُ الحسنة بعدها، ومِن علامةِ السيّئة السيّئة بعدها، فأتبِعوا الحسنات بالحسنات تكن علامةً على قبولها، وأتبِعوا السيّئات بالحسنات تكن كفارةً لها ووقايَة من خطرِها، قال جل وعلا: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هود: 114].

ويقول النبيّ –صلى الله عليه وسلم-: "اتّقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئةَ الحسنة تمحُها، وخالقِ الناسَ بخلقٍ حسن" [رواه الترمذي].

ومَن عزم على العودِ إلى التّفريط والتقصير بعد رمضان فالله يرضى عمّن أطاعه في أيّ شهر كان، ويغضَب على من عصاه في كلّ وقت وآن، ومدارُ السعادةِ في طول العمر وحسنِ العمل، يقول المصطفى –صلى الله عليه وسلم-: "خير النّاس من طال عمره وصلح عملُه".

ومداومة المسلمِ على الطاعة من غير قَصر على زمنٍ معيّن أو شهر مخصوص أو مكان فاضل من أعظم البراهينِ على القبول وحسنِ الاستقامة.

أيّها المسلمون: إن انقضى موسم رمضانَ فإنّ الصيام لا يزال مشروعًا في غيره مِن الشهور، فقد سنّ المصطفى –صلى الله عليه وسلم- صيامَ يوم الاثنين والخميس، وقال: "إنّ الأعمالَ تعرَض فيها على الله، فأحبّ أن يعرَض عملي وأنا صائم".

وأوصَى نبيّنا محمّد أبا هريرة -رضي الله عنه- بصيام ثلاثةِ أيّام من كلّ شهر وقال: "صوم ثلاثةِ أيّام من كلّ شهر صومُ الدهرِ كلّه"[متّفق عليه].

وأتبِعوا صيامَ رمضان بصيام ستّ من شوال، يقول عليه الصلاة والسلام: "مَن صام رمضانَ ثمّ أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدّهر"[رواه مسلم].

ولئن انقضى قيامُ رمضان فإنّ قيامَ الليل مشروع في كلّ ليلة من ليالي السّنة، وقد ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: أنّ الله ينزل إلى السّماء الدنيا كلَّ ليلة حين يبقى ثلثُ الليل الآخر، ويقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟

وأحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ، والمغبون من انصرَف عن طاعةِ الله، والمحروم من حُرِم رحمةَ الله، والخطايا مطوَّقة في أعناق الرّجال، والهلاك في الإصرارِ عليها، وما أعرَض معرضٌ عن طاعتِه إلا عثَر في ثوب غفلتِه، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبينَ الخلق، فإيّاك والمعاصيَ بعد شهرِ الغفران، فالعاصي في شقاءٍ، والخطيئة تذلّ الإنسانَ وتخرِس اللّسان، يقول أبو سليمان التّيميّ –رضي الله عنه-: "إنّ الرجلَ يصيب الذنبَ في السرِّ فيصبح وعليه مذلّته".

وأقبِح بالذّنب بعدَ الطاعة والبُعدِ عن المولى بعدَ القرب منه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو التواب الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا مزيدًا.

أمّا بعد:

أيّها المسلمون: فالأعمال بالخواتيم، وفي ختامِ شهركم اجتهِدوا في الإكثار من الاستغفار يُغفَر لكم ما اقترفتم من خللٍ وتقصير، ومَن أحسن وأصلح فيما بقي غُفر له ما أسلف، ومن داوم على التقصير أُخِذ بما سلف وبما بقي.

وإنّ مِن مسالك الإحسان في ختام شهركم إخراجَ زكاة الفطر، ففيها أُلفة القلوب وعطف الغنيّ على أخيه الفقير، فرضها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- طهرةً للصّائم، وطْعمة للمساكين.

ومقدارها صاع من طعامٍ من غالب قوتِ البلد، ووقتُ إخراجها الفاضلُ يوم العيد قبلَ الصلاة، ويجوز تقديمها قبل ذلك بيومٍ أو يومين، فأخرِجوها طيّبةً بها نفوسكم، وأكثروا من التكبير ليلةَ العيد إلى صلاة العيد تعظيمًا لله وشكرًا له على التّمام، قال عز وجل: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].

واشكروا ربَّكم على تمامِ فرضكم، وليكن عيدُكم مقرونًا بتفريج كربةٍ وملاطفةٍ ليتيم، وابتهجوا بعيدكم بالبقاء على العهدِ وإتباع الحسنةِ بالحسنة، وإيّاكم والمجاهرةَ في الأعياد بقبيح الفعال والآثام، يقول أحد السلف: "كلّ يوم لا يُعصَى الله فيه فهو عيد، وكلّ يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره فهو عيد".

ثمّ اعلموا أنّ الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيّه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

اللهمّ صلّ وسلّم وزد وبارك على نبيّنا محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الراشدين.