البحث

عبارات مقترحة:

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

النوايا وجزيل العطايا

العربية

المؤلف هلال الهاجري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. تجليّاتُ رحمةِ الله تعالى في محاسبة الأعمال .
  2. تحصيلُ الإنسان بنيَّتِهِ الأجور العالية .
  3. نصوص تُبيِّن الإثابة بالنية على بعض الأعمال .
  4. العطاءُ المُضَاعَفُ لمن حقَّقَ نيَّتَه وفَعَلَ الخيْرات .
  5. تفقُّد نية الخير في نفوسنا .

اقتباس

بل قد يبلغُ المرءُ منازلَ الشهداءِ، الذين قدّموا أرواحَهم وأموالَهم لربِهم فِداءً، إذا صدقَ النيةَ والدعاءَ، كما قالَ -عليه الصلاةُ والسلامُ-: "مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ".

الخطبة الأولى:

إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيئَاتِ أعْمَالنَا، مَنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70].

أما بعدُ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضِي اللهُ عنهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ -عزَّ وجَلّ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ؛ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً".

إذا كانَ التعاملُ مع الكريمِ سبحانَه، فإن الحسابَ مختلفٌ تماماً، فمن يتوقعُ أن يأتيَ بحسناتٍ كثيرةٍ يومَ القيامةِ سببُها النوايا؟.

تأملوا في: "فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً"، فإنه لما علمَ أن له رباً، يثيبُ على الصالحاتِ، ويضاعفُ الحسناتِ، فهمَّ له بطاعةٍ، يتقربُ بها إليه، وينالُ بها محبتَه، ثم منعه منها مانعٌ، فإنه لا يحرمُه فضلَها، ولا يُنقِصُه أجرَها، فيكفي أنه ذَكَرَ خالقَه ومولاه، وذلك عندَ اللهِ عظيمٌ.

وتفكروا في: "وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً"! فإنه لما علمَ أن له رباً، يعاقبُ على الحرامِ، ويُمهلُ أهلَ الإجرامِ، وأنه كانَ قد همَّ بمعصيةٍ، ثم تركَها حياءً من نظرِه، وخوفاً من عقابِه، فإنه يكتبُها له حسنةً كاملةً، فاللهُ يحبُ العبدَ الأوّابَ. فأيُ كرمٍ أعظمُ من هذا؟ وأيُ عطاءٍ أفضلُ من هذا؟.

عبادَ اللهِ: هل سمعتُم برجلينِ، أحدُهما أنفقَ مالاً عظيماً في طاعةِ اللهِ تعالى، ولم يترك باباً من أبوابِ الخيرِ إلا شاركَ فيه بمالِه، والآخرُ لم ينفقْ شيئاً، ومع ذلك هما في الأجرِ سواءٌ؟.

قالَ -عليه الصلاةُ والسلامُ-: "إنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةٍ -ثم ذكرَ منهم-: رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَمَالًا فَهُوَ يَتَّقِي فِي ذَلِكَ الْمَالِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ؛ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ"، فعجيبٌ أمر النيةِ، وكيفَ أن الإنسانَ قد يصلُ بها إلى المنازلِ العاليةِ، ويحصدُ بها الحسناتِ الغاليةَ.

يا أهلَ الإيمانِ: كثيرٌ منكم قد اشتاقَ للجهادِ في سبيلِ اللهِ تعالى، وذلك لعظيمِ أجرِ الجهادِ الذي هو ذروةُ سنامِ الإسلامِ -أي: أعلى وأشرفُ شيءٍ فيه-، والذي فيه عِزُّ الإسلامِ والمسلمينَ.

ومع ذلك؛ قد يأتيكَ أجرُ الجهادِ وأنت في بيتِك وبينَ أهلِك، بسببِ النيةِ الصادقةِ فيه والعذرِ الذي حالَ بينَك وبينَه.

جاءَ بعضُ الصحابةِ -رضِي اللهُ عنهُم- للنبيِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ليخرجوا معه إلى غزوةِ تبوكَ، فردّهم؛ لأنه لا يجدُ ما يحملُهم عليه في الغزوِ، فرجعوا وهم يبكونَ، كما وصفَهم اللهُ تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) [التوبة:91-92].

فماذا حدثَ في عودةِ الجيشِ من تبوكَ؟ قال أَنَسٌ -رضِي اللهُ عنهُ-: لما رجعنا من غزوةِ تبوكَ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا وَلَا سِرْتُمْ سَيْرًا إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ (شَرَكُوكُمْ فِي الْأَجْر)"، قَالُوا: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ"، فما أجزلَ العطايا! وما أعظمَ الهدايا!.

بل قد يبلغُ المرءُ منازلَ الشهداءِ، الذين قدّموا أرواحَهم وأموالَهم لربِهم فِداءً، إذا صدقَ النيةَ والدعاءَ، كما قالَ -عليه الصلاةُ والسلامُ-: "مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ".

             سبحانَ مَن يُعطي بغير حسابِ

ملك الملوكِ ووارث الأربابِ

قيامُ الليلِ هو شرفُ المؤمنِ كما جاءَ في الحديثِ، فهل تعلمُ أنك قد تحصلُ على أجرِ القيامِ وأنت نائمٌ؟ قالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ -عزَّ وجَلّ-"، فعجيبٌ أمر النيةِ! والأعجبُ فضلِ اللهِ تعالى، فله أجرُ الصلاةِ، والنومُ منه صدقةٌ! وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

الهجرةُ، وما أدراكَ ما الهجرةُ إلى اللهِ ورسولِه؟! عندما نزلت الآياتُ في وجوبِ الهجرةِ إلى المدينةِ، وبيانِ إثمِ من لم يهاجرْ مع استطاعتِه، كما قالَ -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا) [النساء:97-98].

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُخْبِرُ أَهْلَ مَكَّةَ بِمَا يَنْزِلُ فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ، فَكَتَبَ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ)، فَلَمَّا قَرَأَهَا الْمُسْلِمُونَ، قَالَ حَبِيبُ بْنُ ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ لِبَنِيهِ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا: احْمِلُونِي، فَإِنِّي لَسْتُ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَإِنِّي لَا أَهْتَدِي إِلَى الطَّرِيقِ، فَحَمَلَهُ بَنُوهُ عَلَى سَرِيرٍ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا بَلَغَ التَّنْعِيمَ، أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ، فَصَفَّقَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذِهِ لَكَ، وَهَذِهِ لِرَسُولِكَ،  أُبَايِعُكَ عَلَى مَا بَايَعَتْكَ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وَمَاتَ حَمِيدًا.

فَبَلَغَ خَبَرُهُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فَقَالُوا: "لَوْ وَافَى الْمَدِينَةَ لَكَانَ أَتَمَّ أَجْرًا"، فأنزلَ اللهُ تعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً) [النساء:100].

ومن كرمِه تعالى، أنه لا يحرمُك يا من عبدتَه وأنت صحيحٌ معافى، ولا ينساكَ يا من أطعتَه عندما كنتَ مقيماً في بلدكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا"، فها هي أعمالُك التي كنتَ تتقربُ إليه في صحتِك مكتوبةٌ، وها هي نوافلُك التي كنتَ تحافظُ عليها في إقامتِك محسوبةٌ.

أقولُ قولي هَذا، وأستَغفِرُ اللهَ العَظيمَ الجليلَ لي ولَكم ولسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه وتوبُوا إليه؛ إنّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ, أَهْلِ الْحَمْدِ وَوَلِيِّهِ, الْمَنَّانِ الْجَوَّادِ، الَّذِي ثَوَابُهُ جَزْلٌ, وَعَطَاؤُهُ فَضْلٌ, وَأَيَادِيهِ مُتَتَابِعَةٌ، وَنعْمَاؤُهُ سَابِغةٌ، وَإِحْسَانُهُ مُتَوَاتِرٌ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

أما بعد: هل رأيتَ ما أعطاكَ اللهُ تعالى من الفضلِ والأجرِ بمجردِ الهمِّ والنيةِ؟ فأينَ نحنُ من هذه العباداتِ العظيمةِ؟.

إن التعاملَ مع اللهِ تعالى هو تعاملٌ مع مَن يعلمُ ما في الصدورِ، الذي خلقَ الْإِنْسَانَ وَيَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، فهل نيةُ فعلِ الخيرِ حاضرةً في قلوبِنا؟ وهل الحرصُ على الطاعاتِ هو الذي توسوسُ به نفوسُنا؟.

فيا من أعطاهُ اللهُ تعالى تلكَ الأجورَ العظيمةَ دونَ عملٍ، كيفَ إذا عملتَ؟ ويا من أكرمَه اللهُ تعالى بهذا الفضلِ الكبيرِ دونَ سؤالٍ، كيفَ إذا سألتَ؟.

عبادَ اللهِ: إذا كانَ هذا عطاءُ الكريمِ على النوايا، فكيفَ هو عطاؤه لمن فعلَ الخيراتِ، واجتنبَ الخطايا؟.

جاءَ في الحديثِ: "فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا –أي الحسنةَ- فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ".

فلا إلهَ إلا اللهُ! (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:261].

هو القائلُ: "يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ".

فماذا تُنقصُ إبرةٌ صغيرةٌ صقيلةٌ ناعمةٌ لا يتعلقُ بها من الماءِ قطرةٌ؟.

فتقربوا إليه بالنوايا الطيبةِ، والأعمالِ الصالحةِ، عسى أن تُدركَك رحمةٌ من ربِك، لا تشقى بعدَها أبداً، (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15].

اللَّهُمَّ أقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا.

اللهم كما أعطيتَنا الإسلامَ من غيرِ أن نسألَك، فلا تحرمْنا الجنةَ ونحنُ نسألُك، يا ربَ العالمينَ.