الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | توفيق الصائغ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أعلام الدعاة - فقه النوازل |
الرزء الأعظم، والمصاب الجلل، الذي دعاني اليوم؛ لأن أصعد على درجات المنبر، دون أن أرتدي عباءة، وعلى أي شيء يرتدي الخطيب اليوم عباءة، ودماء المسلمين تملأ ثرى ذلك الميدان. لو قتل المسلم يهوديا أو نصرانيا، فإن ذلك دما مستباحا أحالت الشريعة في حال الحرب إصابته، لكن أن يقتل المسلم مسلما، فهذا الرزء، وهذا الهرج الذي...
الخطبة الأولى:
(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)[الفرقان:61-62].
أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه الخير كله واستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد لله حق الجهاد حتى أتاه اليقين.
بلغ العلا بكماله، كشف الدجي بجماله، حسنت جميع خصاله، صلوا عليه وآله.
اللهم صل وسلم وزد وأنعم عليه، وعلى آله وصحابته وعطرته، وعد يارب عليه بالصلاة والتسليم كلما ذكره الذاكرون، وكلما غفل عن ذكره الغافلون.
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
وآيات التقوى عظيمة كثيرة تملأ دفتي المصحف من أوله إلى آخره -جعلني الله وإياكم من المتقين-.
ما أشد هذا الموقف على خطيب الجمعة في أسبوع، لا أشك أنه من أشد الأسابيع وقعا على الأمة في تاريخها، أو إن شئت قل في حاضرها.
أيها الإخوة:
دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ | هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ |
ليست الرزية في فقد المال، والمقدرات والسيارات، إنما الرزية هي في فقد النفس البشرية التي هي عند الله عظيمة جد عظيمة.
وحين تكون هذه النفس ليست كسائر الأنفس يكون الرزء عظيما، والوقع كبيرا، فالناس درجات، يصطفي الله –عز وجل- منهم أناسا ليكونوا رقما في واحد.
الناس ألف منهم كواحدٍ | وواحد كالألف إن أمر عنا |
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ)[النحل: 120].
إذاً، لا يتساوى الناس أبدا في وقعهم، في تأثيرهم، في نفعهم، فإذا ما أصيب رؤوس الناس، إذا ما أصيب العباد، إذا ما أصيب العلماء، كان الرزء عظيم على الأمة.
إذا ما مات ذو علم وتقوى | فقد ثلمت من الإسلام ثلمه |
وموت الحاكم العدل المولى | بحكم الشرع منقصة ونقمه |
وموت العابد لقوام ليلاً | يناجي ربة في كل ظلمه |
وموت فتى كثير الجود محل | فإن بقاءه خير ونعمه |
وموت الفارس الضرغام هدم | فكم من شهدت له بالصبر عزمه |
فحسبك خمسة يبكي عليهم | وباقي الناس تخفيف ورحمه |
وباقي الناس هم همج رعاع | وفي إيجادهم لله حكمه |
أيها الإخوة: حين تمنى الأمة في رجل ليس كسائر الرجال، يكون الخطب جلالا، والرزء عظيما.
لعمرك ما الرزية فقد مال | ولا شاة تموت ولا بعير |
ولكن الرزية فقد حُرٍّ | يموت بموته خلق كثير |
أتحدث تحديدا عن "عبد الرحمن بن حمود السميط" اسم لطالما سمعتموه، هذا الاسم لم يكن رجلا واحدا يمشي على رجلين، وإنما كان جيشا، أو أمة، أو رقما صعبا في تاريخ الأمة، وحاضرها، أو قل ما شئت عن هذا الرجل.
"عبدالرحمن سميط" الذي لفظ سماعة الطبيب، وخلع عنه بالطو الطبيب، ليعارك أفريقيا بما فيها من معترك، وبما فيها من خضم، من جوع وجهل ومرض، ترك الكويت وثرائها، والاستثمار وأموالها، كما يفعل أبناء جلدته ليستثمر في دينه وفي آخرته.
لمن لم يعرف "عبد الرحمن السميط" إنه مؤسس جمعية العون المباشر، وواضع أساس، واللبنات الأولى للجنة مسلمي أفريقيا.
لمن لم يعرف "عبد الرحمن السميط" إنه الرجل الذي يأتي في صحيفته -كما أحسب- أزيد من عشرة ملايين دخلوا الإسلام، وعرفوا النور، واستمتعوا بالشهادتين من خلال بوابة هذا الرجل أزيد من 10 ملايين مسلم في أفريقيا.
إنه الرجل الذي بنى أكثر من خمسة آلاف مسجدا، ووزع أكثر من سبعة ملايين مصحفا باللغة العربية، واللغات الإفريقية، وكفل أزيد من خمسين ألف يتيم، في إفريقيا، وبنى ما يزيد عن ثمانمائة منشئة تعليمة، وطبع وأعاد طباعة أكثر من تسعة ملايين كتاب، باثنين وعشرين لغة، وحفر أكثر من اثني عشر ألف بئر ماء، وأقام مائة وخمسين مخيما طبيا، وتسعين مستوصفا ومستشفى، وكفل أكثر من مائتين معلما، وأقام أكثر من عشر محطة إذاعية، تنشر عبر الأثير، ذكرا وقرآنا ودعوة.
صدق النبي -عليه الصلاة والسلام-: "الناس كإبل مائة لا تكاد تجد منهم راحلة".
هؤلاء الرواحل قليل في عدد الأمة، والأكثر غثاء كغثاء السيل، لكن القلة المؤثرة؛ كـ" عبد الرحمن السميط" يكون رزء للأمة، وهدا لبعض أركانها.
نال عددا من الأوسمة، الأوسمة الدنيوية، ودعت له ألسنة بالدعوات، حين مرض ورقد على فراش الموت، لكن الوسام الذي ناله، وألقى من خلاله خطبة عصماء، ودرس لي ولك كان عام 96 حين اختير في جائزة الملك فيصل -رحمه الله تعالى- لخدمة الإسلام والمسلمين، فماذا صنع أبو صهيب "عبد الرحمن السميط" أخذ قيمة الجائزة برمتها 750 ألف دولار، وهو رقم ربما عبث بي أو بك، وغير كثيرا من الأمزجة والحسابات.
لكن "عبد الرحمن السميط" الذي أنشأ نفسه على هذا العمل، وجند نفسه لخدمة الإسلام والمسلمين، ما كان منه إلا أن جعل من هذا المبلغ نواة لتأسيس الوقف العلمي في أفريقيا.
واذا كانت النفوس كبارا | تعبت في مرادها الأجسام |
تردى ثياب الموت حمراً فما أتى | لها الليل إلا وهي في سندس خضر |
كأنه يخاطبنا وهو يقول:
يذكروني قومي إذا جد جدهم | وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر |
اللهم اغفر لعبدك "عبد الرحمن السميط" اللهم أعظم أجره، وأعظم مثوبته.
اللهم اغفر له في المهديين، وألحقه في عبادك الصالحين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، والذكر والمواعظ.
أستغفر الله، أستغفر اله، أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، فقد أفلح المستغفرون.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إنعامه، والشكر له على تفضله وامتنانه، ولا إله الله تعظيما لشانه، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه، محمد وعلى آله وصحابته وإخوانه.
أما بعد:
أن يموت فضيلة الشيخ الدكتور "عبدالرحمن السميط" بعد معاناة من هذا المرض، فتلك شهادة تضاف إلى شهاداته، وتلك حسنة تضاف إلى حسناته، ولا أخال الله -تبارك وتعالى- إلا كفاه باليد العليا، وهو أحسن المكافئين سبحانه وتعالى، وفي موته رزء وأي رزء.
لكن الرزء الأعظم، والمصاب الجلل، الذي دعاني اليوم؛ لأن أصعد على درجات المنبر، دون أن أرتدي عباءة، وعلى أي شيء يرتدي الخطيب اليوم عباءة، ودماء المسلمين تملأ ثرى ذلك الميدان.
لو قتل المسلم يهوديا أو نصرانيا، فإن ذلك دما مستباحا أحالت الشريعة في حال الحرب إصابته، لكن أن يقتل المسلم مسلما، فهذا الرزء، وهذا الهرج الذي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه تلك مصيبة، وأي مصيبة أن يقتل المصري مصريا، وطامة وأي طامة؟
وحين تكون طريقة القتل بشعة لا تتحملها النفوس، هنا يبقى المسلم مغادرا لطعامه وشرابه، مجافيا حتى لنومه، ما أصعب أن تتحدث في خطبة، أو قصيدة، والصورة أبلغ منك، كائن من كنت، شاعرا، أو خطيبا، أو صاحب معلقات، فإن الصورة التي لجثت محترقة، أو لأشلاء متناثرة، أو صورة الأم التي تسنتهض ابنها، لعله أن ينطق، تظل أقوى وقعا، وأشد مصابا.
في مثل هذا الموقف لا يسع مثلي وفي فمه ماءا، إلا أن يذكر فقط بالنصوص العامة، النصوص الكبيرة التي جرمت هذا الأمر.
الله -تبارك وتعالى- يقول: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32].
الله -تبارك وتعالى- يقول: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
الله -تعالى- في وصايا القرآن الخالدة التي لو ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- وصية جامعة ما ترك أجمع منها، يقول: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151].
وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحاح والسنن والمسانيد والموطئات مكتظة بجعل هذا الأمر خطا أحمرا.
اختلف مع من شئت، أدر الحديث والنقاش مع من شئت، أدر ظهرك، اهجر من شئت، لكن يبقى الدم الأحمر الغاني، والنفس التي حرم الله -تعالى-، تبقى هذه الأمور خطوطا حمراء، يقررها النبي -عليه الصلاة والسلام- في أعظم جمع قط شاهدته الكرة الأرضية، حين خطب في الناس، فقال: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا".
يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث البراء بن عازب، قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق" [أخرجه ابن ماجة].
وفي حديث ابن عمر يقول: رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- يطوف بالكعبة، ويقول: "ما أطيبك، وما أطيب ريحك، ما أعظمك، وما أعظم حرمتك، والذي نفس محمدا بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك ماله ودمه" [أخرجه ابن ماجة].
والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت مشركا، أو يقتل مؤمنا متعمدا".
وهذا حبر الأمة، وترجمان القرآن، ابن عباس يقول: سمعت نبيك -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يَأْتِي الْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقًا رَأْسُهُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ مُتَلَبِّبًا قَاتِلَهُ بِيَدِهِ الأُخْرَى، تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، حَتَّى يَأْتِيَ الْعَرْشَ، فَيَقُولُ الْمَقْتُولُ لِلَّهِ: رَبِّ، هَذَا قَتَلَنِي؟ فَيَقُولُ اللَّهُ -تعالى- لِلْقَاتِلِ: تَعِسْتَ، وَيُذْهَبُ بِهِ إِلَى النَّارِ" .
قال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما".
قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".
بل كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أبعد في تحريم الوسائل دون الوصول إلى المقاصد، ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع، وإن كان أخاه لأبيه وأمه" [أخرجه الإمام مسلم في صحيحه].
والأبعد من ذلك في تجريم هذا الشأن حين قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
أيها الإخوة: قد لا أكون أنا وأنت ممن باشر القتل، ولا ممن دهس، ولا ممن حرق، لكن اعلم أن من يبارك القتل، ومن يرضاه، ومن يشارك فيه فإنه شريك في الدم، هذا ما أستطيع عرضه في خطبة الجمعة، وليس بعد كلام الله، ولا بعد كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلاما.
قالت الضفدع قولاً فسرته الحكماء | في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء |
اللهم لا إله إلا أنت، أنت الحي الذي لا يموت والقيوم الذي لا ينام، أنت من جل جلاله، وعظم سلطانه، أنت من تبارك اسمه، ومن تعال جده، أنت الملاذ حين ينقطع كل ملاذ، أنت الملجأ حين لا يكون للمسلم ملجئاً، اللهم يا غوث المستغيثين...