البحث

عبارات مقترحة:

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

الاستقامة على الطاعة

العربية

المؤلف عبدالمحسن بن محمد القاسم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. استغلال العمر في الطاعة .
  2. ثمرات الاستقامة على الطاعة .
  3. ترك الاغترار بكثرة الأعمال .
  4. الحث على المداومة على العمل الصالح بعد رمضان . .
اهداف الخطبة
  1. الحث على الاستقامة على العمل الصالح كل وقت وخاصة بعد رمضان
  2. بيان الآثار الحسنة للاستقامة .

اقتباس

ولقبول العمل علامات، وللكذب في التوبة والإنابة أمارات، فمن علامة قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها، ومن علامة السيئة السيئة تتبعها، فيتبع الحسنات بالحسنات تكن علامة على قبولها وتكميلاً لها، وتوطينًا للنفس عليها، حتى تصبح من سجاياها وكريم خصالها، ويتبع السيئات بالحسنات تكن كفارة لها ووقاية من خطرها وضررها

أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، فالتقوى هي وصية الله لجميع خلقه، ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم لأمته.

أيها المسلمون:

لقد يسر الله طرق الخيرات، وتابع لعباده مواسم الحسنات، وربنا وحده مصرف الأيام والشهور، يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، جعل لكل شيء سببًا، ولكل أجل كتابًا، ولكل عمل حسابًا، وجعل الدنيا سوقًا يغدو إليها الناس ويروحون، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، والأيام أجزاء من العمر ومراحل في الطريق، تفنى يومًا بعد يوم، مُضِيُّها استنفاد للأعمار، واستكمال للآثار، وقرب من الآجال، وغلق لخزائن الأعمال، مضت أيام مباركات قطعتم بها مرحلة من مراحل العمر، من أحسن فيها فليحمد الله وليواصل الإحسان، ومن أساء فليتب إلى الله وليصلح العمل، ومن طلب أدلج، قيل للإمام أحمد رحمه الله: متى الراحة؟ قال: عند وضع أول قدم في الجنة.

في استدامة الطاعة وامتداد زمانها نعيم للصالحين، وقرة عين للمؤمنين، وتحقيق آمال المحسنين يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "خير الناس من طال عمره وحسن عمله" رواه الترمذي.

ولقبول العمل علامات، وللكذب في التوبة والإنابة أمارات، فمن علامة قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها، ومن علامة السيئة السيئة تتبعها، فيتبع الحسنات بالحسنات تكن علامة على قبولها وتكميلاً لها، وتوطينًا للنفس عليها، حتى تصبح من سجاياها وكريم خصالها، ويتبع السيئات بالحسنات تكن كفارة لها ووقاية من خطرها وضررها، (إِنَّ الْحَسَنَـاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيّئَـاتِ ذالِكَ ذِكْرَىا لِلذكِرِينَ) [هود: 114]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" رواه أحمد، وفي لفظ: "وإذا أسأت فأحسن" .

إن الاستقامة على الطاعة والاستمرار على التقيد بامتثال الأوامر واجتناب النواهي والزواجر هي صفات عباد الله المؤمنين، (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) [فصلت: 30].

ولقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالاستقامة وحثهم على ملازمتها، فقال سبحانه: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ) [هود: 112].

والاستقامة مفتاح للخيرات، وسبب لحصول البركات، واستقامة الأحوال، قال عز وجل: (وَأَلَّوِ اسْتَقَـامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـاهُم مَّاء غَدَقاً) [الجن: 16]، روى مسلم في صحيحه عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك قال: "قل: آمنت بالله، ثم استقم".

فاستقيموا على طاعة مولاكم في كل وقت وحين، فإن عمل المؤمن ليس له أجل دون الموت، كما قال عز وجل: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]، ولا تكونوا من الذين يقبلون على الطاعات في زمن، ويعرضون عن ربهم في سائر الأوقات.

أيها المسلمون:

دأب الصالحين خوفهم من عدم قبول الأعمال الصالحات، يقول الحسن البصري: "أدركت أقوامًا لو أنفق أحدهم ملء الأرض ما أمن لعظم الذنب في نفسه".

فلا تثقوا بكثرة العمل؛ فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا؟، ولا تأمن ذنوبك فإنك لا تدري أكُفِّرت عنك أم لا؟ والمعجب بعمله مخذول، وكم من عابد قد أفسده العجب، ومن المهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، ومن لم يتفقد آفات الأعمال كان عمله إلى البوار، والأعمال الظاهرة إذا لم تكن خالصة عن الشوائب لم تكن عند الله نافعة، بالعجب اغترار النفس، وأمنٌ من مكر الله، وتقصيرٌ في العمل، ونسيانٌ للذنوب وإهمالها، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (الهلاك في اثنتين: القنوط والعجب)، وما أهون إحباط الأعمال بالمّن والأذى تبطل الصدقة، وبترك صلاة العصر يبطل العمل، لذا كان من دعاء الصالحين: اللهم إنا نسألك العمل الصالح وحفظه، والله عز وجل يقول: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَـانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ) [النحل: 92].

فاستعن بالله على نفي الإعجاب باحتقار الأعمال، وتذكر آلاء الله عليك، وبالوجل من زوال النعم عند تضييع الشكر، يقول سعيد بن جبير: "دخل رجل الجنة بمعصية، ودخل رجل النار بطاعة" قيل: وكيف ذلك يا سعيد؟! قال: "عمل رجل معصية فما زال خائفًا من فعلها، فأدخله الله الجنة بخوفه من الله، وعمل رجلٌ طاعة، فما زال معجبًا بها حتى أحبط الله عمله فدخل النار". فاحفظ ما عملته من صالحات في الشهر المبارك بالإخلاص، والإقرار بالتقصير، وطلب المغفرة والرضوان.

أيها المسلمون:

الخطايا مطوقة في أعناق الرجال، والهلاك في الإصرار عليها، وما أعرض معرض عن طاعته إلا عثر في ثوب غفلته، ومن أصلح ما بينه وما بين الله أصلح الله ما بينه وبين الخلق.

روي عن أبي جعفر السائح أنه قال: "كان حبيب أبو محمد تاجرًا يكري الدراهم، فمر ذات يوم فإذا هو بصبيان يلعبون، فقال: بعضهم لبعض قد جاء آكل الربا، فنكَّس رأسه وقال: يا رب أفشيت سري إلى الصبيان، فرجع فجمع ماله كله، وقال: يا رب إني أسيرٌ، وإني قد اشتريت نفسي منك بهذا المال فأعتقني، فلما أصبح تصدق بالمال كله وأخذ في العبادة".

فإياك والمعاصي بعد شهر الغفران، فالعاصي في شقاء، والخطيئة تذل الإنسان، وتخرص اللسان، يقول أبو سليمان التيمي: "إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته". وأقبح بالذنب بعد الطاعة، والبعد عن المولى بعد القرب منه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَـاواتُ وَالاْرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

  

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا مزيدًا.

أما بعد:

أيها المسلمون، مضت تلك الليالي الغرُّ بفضائلها، ونفحات ربها، فهنيئًا للذين أطاعوا ربهم، وعظموا شهرهم، وأخلصوا العمل لخالقهم، ومن فاتته التوبة في شهر الغفران فليتداركها قبل فوات الأوان، وربنا تعالى يتودد إلى خلقه بالنعم، ويناديهم في الظُلَم، فكن متعلقًا بخالقك في كل لحظة من حياتك، وفي كل حركة وسكون من شأنك، والذي فضَّل رمضان هو الإله المعبود في كل زمان، واجعلوا الاستقامة شعاركم، وصالح الأعمال غايتكم، وتمسكوا بأخلاق القرآن، واتصفوا بصفات سيد الأنام، يحصل لكم الفلاح، وتتم لكم السعادة في الدارين، قال جل وعلا: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ).

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم على نبينا محمد...