العربية
المؤلف | علي عبد الرحمن الحذيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
فبيَّن الحقوق التي لربِّ العالمين على عباده؛ لأن حقَّ الله علينا أعظم مما افترضَه علينا وأكبر مما أوجبَه، ولكنَّ الله برحمته فرضَ علينا بعضَ ما في وُسعِنا، وإلا فحقُّ الله أن يُذكَر فلا يُنسَى، ويُطاعَ فلا يُعصَى، ويُشكَر فلا يُكفَر. وبيَّن الله حقوقَ العباد بعضِهم على بعضٍ لتكون الحياةُ آمنةً مُطمئنَّة، راضِيةً مُبارَكة، تُظِلُّها الرحمة، وتندفِعُ عنها النِّقمة، ويتمُّ فيها التعاوُن، ويتحقَّقُ فيها التناصُر والمودَّة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلقَ من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصِهرًا وكان ربُّك قديرًا، والذي جعل بين العباد وشائِجَ ووصائِلَ ووصَّى بها خيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا ضدَّ لربِّنا ولا نِدَّ وكان الله سميعًا بصيرًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه بعثَه الله بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا مُنيرًا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ وعلى آله وصحبِه صلاةً وسلامًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وأدُّوا الحقوق لأربابها، وأوصِلُوها لأصحابِها، يكتُب اللهُ لكم عظيمَ الثواب، ويُجِركم من أليم العقاب.
واعلموا -عباد الله- أن ربَّكم -بمنِّه وكرمِه- فصَّل في كتابِه كلَّ شيءٍ، وأرشدَكم رسولُ الهُدى -عليه الصلاة والسلام- إلى ما يُقرِّبُكم من الجنة، ويُباعِدُكم من النار، ويُسعِدكم في هذه الدار.
فبيَّن الحقوق التي لربِّ العالمين على عباده؛ لأن حقَّ الله علينا أعظم مما افترضَه علينا وأكبر مما أوجبَه، ولكنَّ الله برحمته فرضَ علينا بعضَ ما في وُسعِنا، وإلا فحقُّ الله أن يُذكَر فلا يُنسَى، ويُطاعَ فلا يُعصَى، ويُشكَر فلا يُكفَر.
وبيَّن الله حقوقَ العباد بعضِهم على بعضٍ لتكون الحياةُ آمنةً مُطمئنَّة، راضِيةً مُبارَكة، تُظِلُّها الرحمة، وتندفِعُ عنها النِّقمة، ويتمُّ فيها التعاوُن، ويتحقَّقُ فيها التناصُر والمودَّة.
فبيَّن حقوقَ الوالدَيْن على الولد، وحقوق الولد على الوالدَيْن، وحقوق ذوي القُربى والأرحام بعضِهم على بعضٍ. وكلٌّ يُسألُ عن نفسِه في الدنيا والآخرة عن هذه الحقوق والواجِبات؛ فإن أدَّاها وقامَ بها على أحسن صفةٍ كان بأعلى المنازِل عند ربِّه، وقام بأداء هذه الأمانة التي أشفقَت منها السماواتُ والأرضُ والجبالُ.
ومن ضيَّع هذه الحقوقَ كان بأخبث المنازِل عند ربِّه الذي هو قائمٌ على كل نفسٍ بما كسَبَت، لا يعزُبُ عنه مِثقالُ ذرَّةٍ في الكون.
عباد الله: إن صِلةَ الرَّحِم حقٌّ طوَّقَه الله الأعناق، وواجبٌ أثقلَ الله به الكواهِل، وأشغلَ به الهِمَم. والأرحامُ هم القراباتُ من النَّسَب، والقراباتُ من المُصاهَرة.
وقد أكَّد الله على صِلَة الأرحام وأمرَ بها في مواضِع كثيرة من كتابه، فقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) [الإسراء: 26].
وجعل الرَّحِمَ بعد التقوى من الله تعالى، فقال -عز وجل-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
ولعِظَم صِلَة الرَّحِم، ولكونِها من أُسُس الأخلاقِ وركائِز الفضائِل وأبواب الخيرات فرضَها الله في كل دينٍ أنزلَه، فقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) [البقرة: 83].
وفي حديثِ عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أوَّلَ مقامٍ بالمدينة: "أيها الناس: أفشُوا السلامَ، وأطعِموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناسُ نِيام؛ تدخُلُوا الجنةَ بسلامٍ". رواه البخاري.
وثوابُ صِلَة الرَّحِم مُعجَّلةٌ في الدنيا مع ما يدَّخِرُ الله لصاحبِها في الآخرة؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقِه، وأن يُنسَأَ له في أثَره فليصِلْ رَحِمَه". رواه البخاري والترمذي، ولفظُه قال: "تعلَّموا من أنسابِكم ما تصِلُون به أرحامَكم؛ فإن صِلَة الرَّحِم محبَّةٌ في الأهل، مثْرَاةٌ في المال، منسَأةٌ في الأثَر".
وعن عليٍّ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سرَّه أن يُمدَّ له في عُمرِه، ويُوسَّع له في رِزقِه، ويُدفَع عنه ميتةُ السوء، فليتَّقِ اللهَ وليصِلْ رَحِمَه". رواه الحاكم والبزار.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن اللهَ ليُعمِّر بالقوم الديارَ، ويُثمِّرُ لهم الأموال، وما نظرَ إليهم منذ خلقَهم بُغضًا لهم". قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟! قال: "بصِلَتهم أرحامهم". رواه الحاكم والطبراني. قال المُنذريُّ: "بإسنادٍ حسنٍ".
وعن أبي بَكْرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من ذنبٍ أجدرَ أن يُعجِّل الله لصاحبِه العقوبةَ في الدنيا مع ما يدَّخِرُ له في الآخرة من البَغي وقطيعة الرَّحِم". رواه ابن ماجه والترمذي والحاكم.
وعن أبي بَكْرة أيضًا قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أعجلَ البرِّ ثوابًا لصِلَة الرَّحِم، حتى إن أهلَ البيت ليكونون فَجَرة فتنمُو أموالُهم، ويكثُر عددُهم". رواه الطبراني وابن حبَّان.
وصِلَةُ الرَّحِم لها خاصِّيَّةٌ في انشراحِ الصدر، وتيسُّر الأمر، وسَماحة الخُلُق، والمحبَّة في قلوب الخلق، والمودَّة في القُربَى، وطِيبِ الحياة وبركتها وسعادتها.
والمسلمُ فرضٌ عليه صِلَةُ الرَّحِم وإن أدبرَت، والقيام بحقِّها وإن قطعَت ليعظُمَ أجرُه، وليُقدِّم لنفسِه، وليتحقَّقَ التعاوُنُ على الخير؛ فإن صِلَة الرَّحِم وإن أدبَرَت أدعَى إلى الرجوع عن القطيعة، وأقربُ إلى صفاء القلوب.
فعن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: "أوصَانِي خليلي -صلى الله عليه وسلم- بخِصالٍ من الخير: أوصَانِي ألا أنظُر إلى من هو فَوقِي وأن أنظُر إلى من هو دُوني، وأوصَانِي بحبِّ المساكين والدنُوِّ منهم، وأوصَانِي أن أصِلَ رَحِمِي وإن أدبَرَت، وأوصَانِي ألا أخافَ في الله لومةَ لائِمٍ". رواه الإمام أحمد وابن حبَّان.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله: إن لي قرابةً أصِلُهم ويقطَعوني، وأُحسِنُ إليهم ويُسيئُون إليَّ، وأحلُمُ عليهم ويجهَلون عليَّ. فقال: "إن كنتَ كما قلتَ فكأنَّما تُسِفُّهم المَلَّ -أي: الرماد الحارّ-، ولا يزالُ معك من الله عليهم ظَهيرٌ ما دُمتَ على ذلِك". رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس الواصِلُ بالمُكافِئ، ولكنَّ الواصِل الذي إذا قُطِعَت رَحِمُه وصَلَها". رواه البخاري.
وقطيعةُ الرَّحِم شُؤمٌ في الدنيا ونكَدٌ، وشرٌّ وحرجٌ، وضيقٌ في الصدر، وبُغضٌ في قلوب الخلق، وكراهةٌ في القُربَى، وتعاسةٌ في أمور الحياة، وتعرُّضٌ لغضب الله وطردِه.
وتكون الرَّحِمُ والأمانةُ على جانِبَيْ الصِّراط تختطِفُ من ضيَّعَها فتُردِيه في جهنَّم، كما في الحديث الذي رواه مُسلم.
فعقوبتُها أليمةٌ في الآخرة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله خلقَ الخلقَ حتى إذا فرغَ منهم قامَت الرَّحِم فقالت: هذا مقامُ العائِذِ بك من القَطيعة. قال الله: نعم، أما ترضَين أن أصِلَ من وصَلَكِ، وأقطعَ من قطعَكِ؟! قالت: بلى. قال: فذاك لكِ"، ثم قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقرؤوا إن شِئتُم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22، 23]". رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أيضًا قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أعمالَ بني آدمَ تُعرضُ كلَّ خميسٍ ليلة الجُمعة، فلا يُقبَلُ عملُ قاطِعِ رَحِمٍ". رواه أحمد.
وعن الأعمَش قال: كان ابن مسعود -رضي الله عنه- جالِسًا بعد الصبح في حلقَةٍ، فقال: "أنشُدُ الله قاطِعَ رَحِمٍ لمَّا قامَ عنَّا، فإنا نريدُ أن ندعُوَ ربَّنا، وإن أبوابَ السماء مُرتَجَة دون قاطعِ رَحِمٍ". رواه الطبراني.
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثةٌ لا يدخُلون الجنة: مُدمِنُ الخمر، وقاطِعُ الرَّحِم، ومُصدِّقٌ بالسِّحر". رواه أحمد والطبراني والحاكم.
أيها المسلمون: إن صِلَة الرَّحِم هي بذلُ الخير لهم، وكفُّ الشرِّ عنهم. هي عيادةُ مريضِهم، ومُواساةُ فقيرهم، وإرشادُ ضالِّهم، وتعليمُ جاهِلِهم، وإتحافُ غنيِّهم والهديةُ له، ودوامُ زيارتِهم، والفرحُ بنعمتهم، والتهنِئةُ بسُرورهم، والحُزنُ لمُصيبَتهم، ومُواساتُهم في السرَّاء والضرَّاء، وتفقُّدُ أحوالهم، وحِفظُهم في غيبَتهم، وتوقيرُ كبيرهم، ورحمةُ صغيرِهم، والصبرُ على أذاهم، وحُسنُ صُحبَتهم والنُّصحُ لهم.
وفي مراسِيل الحسن: "إذا تحابَّ الناسُ بالألسُنِ، وتباغَضُوا بالقلوب، وتقاطَعُوا بالأرحام؛ لعنَهم الله عند ذلك فأصمَّهم وأعمَى أبصارَهم".
وإن القطيعةَ بين الأرحام في هذا الزمانِ قد كثُرَت، وساءَت القلوب، وضعُفَت الأسبابُ، وعمت هذه القطيعَة على الدنيا الحقيرة، وعلى الحُظوظ الفانِية.
فطُوبَى لمن أبصرَ العواقِب، ونظرَ إلى نهاية الأمور، وأعطَى الحقَّ من نفسِه، وأدَّى الذي عليه، ورغِبَ إلى الله في الذي له على غيرِه، وأتَى إلى الناسِ ما يُحبُّ أن يأتُوه إليه.
وإن القطيعةَ المشؤومةَ قد تستحكِمُ وينفخُ الشيطانُ في نارِها، فيتوارَثُها الأولادُ عن الآباء، وتقعُ الهلَكةُ، وتتسِعُ دائرةُ الشرِّ، ويكونُ البغي والعُدوان، وتدومُ هذه القطيعةُ بين ذوِي الرَّحِم حتى يُفرِّق بينهم الموتُ على تلك الحالِ القبيحة.
وعند ذلك يحضُرُ الندَم، وتثُورُ الأحزان، وتتواصَلُ الحسَرات، وتتصاعَدُ الزَّفَرَات، وعند ذلك لا ينفعُ النَّدَم، ولا يُداوِي الأسفُ جِراحاتُ القلوب، ويترُكون جيفَةَ الدنيا بعدَهم، فلا لقاءَ إلا بعد البعثِ والنُّشورِ. فيجثُو كلٌّ أمام الله الحكَم العدل فيقضِي بينَهم بحُكمِه وهو العزيزُ العليمُ.
والصبرُ والاحتِمالُ والمعروفُ والعفوُ خيرُ الأمور، وأفضلُ دواءٍ لما في الصدور؛ عن عُقبة بن عامرٍ -رضي الله عنه- قال: لقيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فأخذتُ بيدِه، فقلتُ: يا رسول الله: أخبِرني بفواضِل الأعمال. فقال: "يا عُقبةَ: صِلْ من قطَعَك، وأعطِ من حرَمَك، وأعرِض عمَّن ظلَمَك". وفي روايةٍ: "واعفُ عمَّن ظلَمَك". رواه أحمد والحاكِمُ.
أيها المسلمون: إن المرأةَ قد تكونُ من أسبابِ القطيعة بنقلِها الكلام، وبثِّها المساوِئ، ودفنِها المحاسِن، وتحريشِها للرِّجال، وقد ترى لحماقتِها أن لها في ذلك مصلَحة، وقد تدفعُ أولادَها في الإساءَة لذوِي القُربَى، فعليها يكونُ الوِزرُ، والله لها بالمِرصَاد.
وقد تكونُ المرأةُ من أسبابِ التواصُل بين الأرحام، وتوطِيد المودَّة بينَهم بصبرِها ونصيحَتها لزوجِها، وحثِّها على الخير، وتربية أولادها، والله سيُثيبُها، ويُصلِح حالَها، ويُحسِنُ عاقِبَتها.
فيا أيتها المُسلِمات: اتَّقينَ اللهَ تعالى، وأصلِحن بين ذوِي القُربَى، ولا تكُن القطيعةُ من قِبَلكنَّ؛ فإن الله لا يخفَى عليه خافيةٌ.
قال الله تعالى: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الروم: 38].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، أحمدُ ربِّي وأشكُرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشكرُه على فضلِه العَميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليمُ الحكيم، وأشهد أن نبيِّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه الهادِي إلى صِراطٍ مُستقيم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه ذوِي النَّهج القويم، اللهم صلِّ وسلِّم عليه كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله؛ فتقوى الله أربَح بِضاعة، والعُدَّةُ لكل شِدَّةٍ في الدنيا ويوم تقومُ الساعة.
أيها المسلمون: عظِّموا أوامرَ الله بالعمل بها، وعظِّموا ما نهى الله عنه باجتِنابه: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281]، وأدُّوا حقوقَ ربِّكم، وحقوقَ عباده؛ فذلك هو الفوزُ العظيم.
واعلموا -عباد الله- أن الله -تبارك وتعالى- لا تخفَى عليه خافِية، يُحصِي عليكم، فاعمَلوا للدار الآخرة صالِحَ الأعمال؛ فإنها دارُ القرار لا ينفَدُ نعيمُها، ولا يبلَى شبابُها، ولا تخرمُ دارُها، ولا يموتُ أهلُها.
واتَّقوا نارًا وقودُها الناسُ والحِجارة، عذابُها شديدٌ، وقعرُها بعيدٌ، وطعامُ أهلها الزقُّوم، وشرابُها المُهلُ والصَّديد، ولِباسُهم القَطِرانُ والحديد.
واعلَموا أن لله عملاً بالليل لا يقبَلُه بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبَلُه بالليل، وأعمالُ العباد هي ثوابُهم أو عقابُهم، قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [الجاثية: 15].
وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربِّه أنه قال: "يا عبادِي: إنما هي أعمالُكم أُحصِيها لكم، ثم أُوفِّيكم إياها، فمن وجدَ خيرًا فليحمَد الله، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يلُومنَّ إلا نفسَه". رواه مسلم من حديث أبي ذرٍّ -رضي الله عنه-.
وتذكَّروا تطايُرَ صُحُف الأعمال، فآخِذٌ كتابه بيمينه، وآخِذٌ كتابه بشِماله، وما ربُّك بظلاَّمٍ للعبيد.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا".
فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.
اللهم صلِّ على سيِّدنا ونبيِّنا محمدٍ وعلى آله وأزواجه وذريَّته، اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.