الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
لعل البعض منكم في هذه الأيام سمع من يطالب بإسقاط ولاية الرجل على المرأة, وفي هذا الأمر جرمٌ وجنايةٌ على الأسرة وعلى المجتمع, ذلك أنَّ ولاية الرجل على المرأة ولايةَ حفظ وتكريم وصيانة, وليست كما يدَّعيه أولئك القوم تلبيساً وتدليساً وتغريراً؛ من أنها ولاية...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلقنا من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساء, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- وتوبوا إليه توبة نصوحاً.
عباد الله: إنَّ تماسك الأسرة المسلمة مطلب مهم في المجتمع, وهو عنوان قوة وصلاح؛ لذلك حرص الأعداء على تفكيك الأسرة؛ لتصبح متفرِّقة, يتمرد فيها الابن على أبيه وأمه, وتتمرَّد البنت على أبيها وأمها ووليها, وتتمرَّد المرأة على زوجها باسم الحريَّة وكمال الأهلية, وغيرها من الدوافع التي يتعلقون بها.
أيها المسلمون: لعل البعض منكم في هذه الأيام سمع من يطالب بإسقاط ولاية الرجل على المرأة, وفي هذا الأمر جرمٌ وجنايةٌ على الأسرة وعلى المجتمع, ذلك أنَّ ولاية الرجل على المرأة ولايةَ حفظ وتكريم وصيانة, وليست كما يدَّعيه أولئك القوم تلبيساً وتدليساً وتغريراً, من أنها ولاية تسلط وإذلال وكبت، فينجرف مع دعوتهم من ليس يعلم خطورة ما يدعون إليه من مخالفة لأوامر الله وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلمَ-.
أيها المسلمون: يقول الله -تعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) [النساء: 34]، قال الإمام الطبري: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) يعني أمراء, عليها أن تطيعه فيما أمرَها الله به من طاعته، وطاعته: أن تكون محسنةً إلى أهله، حافظةً لماله، وفضَّله عليها بنفقته وسعيه، وعن السدي قال: "يأخذون على أيديهن ويُؤدّبونهن" [تفسير الطبري (8/ 290)]، وقال الإمام البقاعي -رحمه الله- عند هذه الآية: "أي قيامَ الولاةِ في التأديبِ والتعليم وكلِّ أمرٍ ونهي [نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (5/ 269)]، وقال الإمام السمعاني -رحمه الله- عند قوله تعالى: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) يعني فضَّلَ الرِّجَال على النساء بالعقل، والعلم، والحلم [تفسير السمعاني (1/ 423)]، وقال ابن كثير -رحمه الله-: "الرجل قيِّمٌ على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوج [تفسير ابن كثير (2/ 292)]، وقال السعدي -رحمه الله-: "أي قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله -تعالى-، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهن بذلك، وقوامون عليهن أيضا بالإنفاق عليهن، والكسوة والمسكن" [تفسير السعدي، ص: 177(].
وقال صلى الله عليه وسلمَ: "لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا" [أخرجه الترمذي وصححه الألباني]، قال المباركفوري -رحمه الله-: "أي لكثرة حقوقه عليها وعجزها عن القيام بشكرها، وفي هذا غاية المبالغة لوجوب إطاعة المرأة في حق زوجها فإن السجدة لا تحل لغير الله" [تحفة الأحوذي (4/ 271)].
أيها المسلمون: إنَّ أدلة الكتاب والسنة تدل على حق الرجل في ولايته على المرأة تكريماً وصيانة وحفظا, ثم يأتي دعاة يريدون إسقاط تلك الولاية, ولكنَّ السؤال: من هم الذين يطالبون بذلك؟ ولماذا في دولة تحكم بالشريعة الإسلامية؟
فنقول: إنَّهم إمَّا جهلة لا يعلمون المغزى من مطالبة إسقاط الولاية فيجب تعليمهم والإيضاح لهم, وإما أعداء يريدون ببلادنا وأهلها شرَّاً, فيجب صدّ هجمتهم إعلاميَّاً دفاعاً عن ديننا وأنظمة بلادنا, فالمسلمون بحاجة ماسة إلى الإعلامي الذي يجاهد بقلمه ولسانه كل من يريد المساس بالأمور الدينية أو الأنظمة المرعية.
أيها المسلمون: إنَّ الأعداء دائما يدندنون حول المرأة ويثيرون شبهاتهم حولها, فهل هم يريدون بها خيراً؟
كلا -والله- فهم لا يريدون بها إلا الشر, يريدونها دميةً يتلاعبون بها, يريدون إخراجها من وظيفتها الحقيقية وهي تربية الأبناء وخدمة الزوج والقرار في البيت، إلى أن تكون خادمة للأجانب عنها، مطيعة أوامرهم.
ماذا جنت المرأة الغربية من الحرية المزعومة التي تتجرع ويلاتها, فأبناؤها يعقونها, وزوجها لا يهتم بشأنها, فهي تسرح وتمرح وهو يتفرج عليها, تسافر أنِّى شاءت بدون إذنه ومع من شاءت.
وهكذا بعض من يطالب بإسقاط الولاية يريدون أن تستخرج المرأة جواز سفرها بدون موافقة وليها زوجا كان أو أبا أو أخا, وأن تسافر بدون إذنه, وأن تتزوج بدون ولي يتولى تزويجها بدعوى أنَّها كاملة الأهلية، ورسول الله -صلى الله عليه وسلمِ- يقول: "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ" [أخرجه الترمذي وغيره وصححه الألباني]، وقال صلى الله عليه وسلمَ: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ" [أخرجه مسلم].
أيها المسلمون: إنَّ ما يدَّعيه المطالبون بإسقاط الولاية: أنَّ فيها تسلُّطا على المرأة وكبتا لها إدعاءٌ باطل؛ ذلك أنَّ الشريعة الإسلامية شريعة سمحة, تدعو لكل خلق فاضل وتنهى عن كل خلق سيء, فما من خير إلا دلتنا عليه، وما من شرٍّ إلا حذرتنا منه, فالمرأة في الإسلام معزَّزة مكرَّمة، محفوظة مصانة، ومن كمال الشريعة: أن جعل عليها وليَّاً يصونها ويرعاها، ويحفظ لها حقها، وينفق عليها, وأوجب على الزوج أن يعاشرها بالمعروف، وأن يحسن إليها، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19]، وقال صلى الله عليه وسلمَ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" [أخرجه الترمذي وغيره وصححه الألباني]، وقال صلى الله عليه وسلمَ: "أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ" [أخرجه الترمذي وغيره وحسنه الألباني].
فالإسلام -يا عباد الله- جعل الرجل على المرأة ولياً، وأوصاه بالإحسان إليها، وإكرامها, لحكم عظيمة, فما أعظم الإسلام وتشريعه.
أيها المسلمون: إن على الأولياء أن يتقوا الله في نسائهم، ويحسنوا إليهن، ولا يؤذونهنَّ، ولا يعضلونهن, وعلى المرأة المسلمة أن تعتز بدينها، وتلزم أوامر ربها، وتعيَ الخطر الذي يراد بها.
اللهم احفظ نساءنا، واكفهن شر كل ذي شر.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.