الباسط
كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...
العربية
المؤلف | سعد بن عبدالله البريك |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
إن هذا التيار العلماني يبرر لسياسة الاستعلاء لدى الغرب التي تجعله يتجاهل الهويات والخصوصيات ويسعى إلى فرض ثقافته على العالم, ومن الخطأ أن نقيس تقدم الأمم بتفوقها التكنولوجي أو المالي أو حتى الثقافي فحسب؛ ونتجاهل سائر شعوب العالم وما أدته وتؤديه هذه الشعوب من رسالة حضارية إنسانية, ولا سيما المسلمون الذين كان هم الفضل الأكبر في وضع قواعد الحضارة المعاصرة ولا يزالون يدعمونها بفاعلية وبطرق ووسائل مختلفة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله وبعد:
لا تزال تقلبات الجزر والمد تعصف بالأمم, وما برحت الأيام تجري بين الناس دولاً, ولا يزال الزمن في أهله قُلب والحياة أدوار وأطوار، فالقوي لا يستمر أبد الدهر قوياً، والضعيف لا يبقى مدى الحياة ضعيفاً، وما هذه المداولة والأدوار وما تلك التقلبات والأطوار إلا ليجري الله حكمته من الابتلاء والتمحيص والتمييز (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) [آل عمران: 140].
وأمة الإسلام اليوم تعيش انحطاطاً وتخلفاً لم تعرفه من قبل، فالذل والصغار والخذلان يتنشقه المسلمون صباح مساء فضلاً عن الاحتلال العسكري وإراقة الدماء وتناثر الأشلاء وانتهاك الأعراض واستباحة المقدسات؛ مع عجز وشلل وقلة حيلة عند أمة تجاوزت المليار. ناهيك عن اكتوائها بنار التبعية للأخطبوط الغربي الذي يستمتع بخيراتها وثرواتها من الذهب والنفط ومصادر الطاقة. لقد تعرضت هذه الأمة منذ بزوغ فجرها للعديد من الأزمات والتحديات سواء من داخلها أو من خارجها, بدءاً بحروب الردة مروراً بالحروب الصليبية ثم الغزو المغولي ثم الاستعمار الأوربي لدول العالم الإسلامي, ولكن التاريخ شهد زوال الجميع وبقاء الإسلام, ويعيد التاريخ نفسه في أيامنا هذه, ونرى واقع الأمة الإسلامية الأليم والحق أنه واقع لا تاريخي لا يمكن أن يسجل في تاريخ أمتنا الإسلامية الذي عجَّ بالأمجاد والانتصارات. لقد عاش المسلمون أربعة عشر قرنًا، وقوى الكفر لم تغفل عنهم، فقد ولد الإسلام في قلب التحدي, والمخططات جاهزة معدة لتدميره والقضاء على أهله. وقد أنذرنا القرآن الكريم من ذلك وحذّرنا في أكثر من موضع من أن نغفل عن مواجهة التحديات، وأن نتقاعس عن حماية ثغورنا ومقدراتـنا, وفي أكثر من موقف خلال تاريخ الأمة كان العدو قادرًا على اقتحام ثغورها, وتدمير قواها, وتفريق وحدتها, ولكنها باعتصامها بدينها ردَّ الله عنها وكفاها شر أعدائها (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) [محمد: 7] إن إعراض المسلمين عن دينهم وضعف فقههم في أمور دنياهم أدى إلى تخلفهم. فعن طريق راحة الكسول وبسبب قلة العلم وانتشار الجهل, وباسم الزهد قعدوا وتكاسلوا حتى أصبحوا من القافلة في ذيلها, وبدعوى التوكل عطلوا العقل، وبدعوى الاستسلام للقدر هجروا العمل. عزلوا أنفسهم عن فقه الحياة المستقى من قوله تعالى (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا ) [البقرة: 200]، فبرزت دعوات إلى التواكل وترك العمل, وهذا تحريف وجهالة وبعد عن الفهم الصحيح للإسلام ؛ فالزهد لا يكون في المفقود، ولكنه في الموجود، أي أن تُوجِد حضارة وثروة وإمكانيات ثم لا تتعلق بها، بل تسخّرها في مصالح الأمة بعيداً عن الأثرة والأنانية. فليس الزهد أنك لا تملك شيئاً ولكن الزهد أن لا يملكك شيء.
لقد أصر الأعداء على تمزيق هذه الأمة ووضعوا خططاً لتفريقها وتداعوا لنهب حقوقها وقتل روح الدين والعزة فيها، تسلطوا على الشعوب والديار منذ ما يزيد على قرنين من الزمن ومزقوا الأرض قطعا، وصيروا الأهل شيعا, وفرضوا مناهج من التربية والتعليم مَسَخت العقل والفكر، فسادت ثقافة أفسدت السلوك والخلق، فلا ديناً حفظت ولا دنيا أقامت. في كثير من البقاع يعاني المسلمون أصناف الشقاء الغذاء غير موجود، والعمل غير ميسور، نفوسهم محطمة وآمالهم تائهة, بعد أن فقدوا الآباء والأمهات والأبناء والأزواج والقريب والعشير في مذابح جماعية وحمامات دم لا تعرف الرحمة ولا الشفقة, تمد إليهم كسرة الخبز وقطعة الكساء وجرعات الدواء، ملطخة بدم الأب والقريب, ومغلفة بغلاف المسخ من حقوق الإنسان.
إن الغرب في تقسيمه العالم الإسلامي ضمن اتفاقية سايكس بيكو نجح في إضعافه وجعله دولاً ودويلات متشرذمة ضعيفة, فبدأ باصطيادها واحدة تلو الأخرى فبدأ بفلسطين وثنى بأفغانستان ثم العراق, وها هو يتفرد بباكستان ويحاول تجريدها من أسلحتها النووية وصواريخها الاستراتيجية. ويضغط بكل قوة لمنع من تبقى من هذه الدول من امتلاك السلاح الضروري الذي تدافع به عن نفسها, بينما يقيم الجسور الجوية لدعم إسرائيل بأحدث التقنيات والمعدات اللازمة والكفيلة لتفوقها على جميع الدول الإسلامية. أما واقع الأمة مع نفسها, فلقد أصابها في كثير من ديارها خللٌ كبيرٌ في دينها واستمساكها بشرع ربها, وحكمت في كثيرٍ من البلاد القوانين الوضعية وأقصيت الشريعة الإسلامية واعتاضوا عن أخوة الإسلام بقوميات ضيقة، وتقوقعوا في قطع من الأرض محدودة فتصدع البنيان المرصوص، وانتشرت أدواء الجاهلية، افتتن مفكروهم وأصحاب الرأي فيهم بنماذج من الشرق والغرب في الفكر والسلوك، ولاحت لهم خيارات براقة كما تلوح للغريق القشة من اشتراكية، وتقدميةٍ وديموقراطية زعموا أنها طريق التقدم وسبيل الوحدة واستعادة المغتصبات، ولكنها فشلت الفشل الذريع، ولم يجني منها أهل الإسلام إلا الذل والهوان والفرقة والشتات وألوان الانحطاط والفساد والخذلان والهزائم. فضلاً عن ضعف التنمية وخلل الاقتصاد وتراجع الإنتاج، بل لقد أحكموا في أعناقهم ربقة التقليد والتشبه للعدو الكافر في آدابه وفنونه وغير المفيد من مناهجه وعلومه، فتبعوا سننهم حتى دخلوا جحر الضب الخرب, تقليدٌ واستخذاء، أفسدوا رجولة الرجال كما أفسدوا أنوثة النساء كل على حد سواء، وما درى هؤلاء المغفلون من أبناء قومنا أن هذا التقليد اللاهث ما هو إلا مشاكلةٌ تؤدي إلى اندماج الضعيف في القوي وضياع الحق وأهله، بل لقد أهلكتهم التبعية حتى أذهبوا أنفسهم وألغوا عقولهم، ووصل الحال في بعض البلاد أن اعتبر الانتساب إلى الإسلام والاستقامة عليه تهمة أو جريمة يؤاخذ عليها القانون. لقد بات العالم الإسلامي بتفرقه وانقسامه إلى عدد كبير من الوحدات السياسية لا يجمع بينها أية رابطة من أي نوع. اقتصادياتها مفكّكة, بينها فروق كبيرة في مستويات النمو والدخل, وأعداد السكان, وأحجام الأسواق, تنخرط في السوق العالمية وتواجه التحديات التي تطرحها تطورات النظام العالمي الجديد, بغير تنظيم اقتصادي يوحِّد جهودها, ويعبئ إمكاناتها, ويدعم قوتها التفاوضية إزاء التجمعات والتكتلات الاقتصادية الجديدة التي باتت تُشَكِّل أبرز ملامح النظام العالمي الجديد.
ومما زاد في واقع الأمة الأليم هجرة الأدمغة والعقول. فغير خاف أن قدرة هذه الأمة على إنجاب العباقرة لا حدود لها, ولكن إبداع هؤلاء العباقرة يصب في نهر الحضارة الغربية. ففي أمريكا وحدها نجد أن50% على الأقل من المخترعين والمبدعين في شتى مجالات العلوم والمعرفة هم من أصول إسلامية, لم يجدوا أمامهم سبيلاً سوى الهجرة إلى حيث هُيَّأت لهم أجواء حرية العمل وتيسير الحياة؛ فوجدوا ما يحتاجونه من أدوات وإمكانيات لتفريغ عبقريتهم التي أثمرت تلك الإنجازات الباهرة والمخترعات العظيمة التي قامت عليها الحضارة الغربية. ولا يدري أحد إلى متى سيستمر هذا الاستنزاف لعقول أبنائنا التي تشكل كنوزاً من الذكاء والعبقرية, لا تقل أهمية عن ثروات النفط والذهب والثروة المعدنية. تقول الإحصائيات أن صادرات العالم الإسلامي تشكل في الأغلب والأعم السلع الخام غيــر المصنعــة أو نصف المصنعة وتباع بأسعار زهيدة, وتبقى مستودعًا وتابعًا للدول الصناعية وفي نفس الوقت عالمًا مستهلكاً, وبذلك تزيد الفجوة بين العالمين بين العالم الإسلامي المستهلك والعالم الصناعي المنتج ومالك التقنية والثروة.
ولا تقتصر معاناة الأمة من أعدائها في الخارج بل إن أعداء الداخل أشد فتكاً بها وأشرس عداوة, إنهم قوم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والإلحاد (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) [البقرة: 14]. ليس للدين قيمة في حياتهم, فلا يحلون حلالاً ولا يحرمون حراماً، همهم وغايتهم خلخلة ثوابت المجتمع الإسلامي ووحدته وتكاتفه والقضاء على الطهر والعفاف, ووأد شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستبدال كل ذلك بالقطيعة والتفرق والإباحية ونشر الرذيلة في المجتمع الإسلامي، وتسخير ما في أيديهم من وسائل إعلامية لتحقيق مخططاتهم. يجعلون الدين وتعاليمه سخرية يتلاعب بها كتابهم، بل ولربما أظهروا سنن المصطفى -عليه الصلاة والسلام- كاللحية وغيرها بصورة طرائف بأشكال كاريكاتيرية, لتنفير الناس عن الإسلام وعن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-. إنما تظهر معادن الناس ويتميز الصادق من الكاذب والمخلص من المنافق في الفترات العصيبة والأزمات. فأهل العلم والعقل والحجى يلتفون حول ولاة أمرهم إذا حزبت الأمور, يشدون أزرهم ويناصحوهم ويبينوا لهم مكامن الخلل ومواطن الزلل بصدق وولاء ومحبة وطاعة امتثالاً لأمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-. أما أهل العلمنة والتغريب فإنهم في الأزمات يجعلون منابرهم الإعلامية منصات لإطلاق صواريخ تضرب في كل اتجاه, وتستهدف الاستقرار والوحدة والثوابت والطهر والعفاف وكل مظاهر الخير في المجتمع, مستغلين الظروف لشن حرب شرسة على الدين والقيم والهوية.
لقد وصلت الجرأة بهم إلى أن ينادي بعضهم بوجوب استبدال أحكام الحلال والحرام, مع أن الحلال والحرام هما من أهم الأمور التي جعلها الله سبباً للحفاظ على حياة الناس. فالحياة الإنسانية منذ أن وجد الإنسان على هذه الأرض, تدور على قاعدة الحلال والحرام, ولولا هذه القاعدة لهلك الإنسان وانمحى العمران. وبعض هؤلاء يذهب إلى القول بأن ما يمنع الشعوب الإسلامية من التجديد والتحديث والتطوير والاختراع هو المناهج الدراسية, متجاهلاً أن الدين لا يمانع من التجديد بل إنه يدعو إليه, ويحض عليه من خلال الاجتهاد وإعمال العقل, وتلاقح الآراء والأفكار مع الغير، بل إن الإسلام نفسه عندما جاء ؛ جاء بجديد، وإذا كان الله تعالى قد أكمل الدين كما جاء في قوله تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) [المائدة: 3], فإنه لم يقل أنه قد أكمل لنا العلم أو المعرفة, بل إن القرآن الكريم مليء بالآيات التي تدعو إلى التفكر والنظر والتأمل والبحث والاستكشاف, ولم يقل أحد من علماء المسلمين أن باب الاجتهاد قد أغلق, أو أن الحجر على العقل يعد ضرورة شرعية، كما لم ترد آية واحدة في القرآن تذم العقل أو المتعقلين.
إن فصل الدين عن الدولة يشكل حجر الزاوية في الفكر العلماني, وبضاعة العلمانيين في موقفهم من الدين مزجاة وقليلة ورديئة ولو أنهم أنصفوا مع أنفسهم ونظروا بعقلانية رشيدة إلى الإسلام الذي ولدوا في حجره, ونشأوا في كنفه, لتحولوا من الهجوم عليه إلى الدفاع عنه, فالإسلام لم يوجِد أي عداء بين العقل والوحي, أو بين الوحي والعلم، ولقد نزل قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق: 1], قبل قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) [البقرة: 43], فالعلم هو قاعدة الدين والدنيا جميعاً, والوحي إنما جاء لإرشاد العقل وتسديده. والمسلمون أخذوا العلوم على أنها يكمل بعضها بعضاً, فقد حفظوا القرآن وجودوه ودرسوه ونشروه في كل مكان, وأنشأوا الكتاتيب في المساجد وفي البيوت, ثم بنوا المكتبات وصنفوا وترجموا الكتب الكثيرة, وإلى جانب ذلك كانوا يبنون المراصد الفلكية والمستشفيات واخترعوا الآلات العلمية الكثيرة, ولم يعادوا تراث الأمم السابقة, أو الأمم المعاصرة لهم, ولم يعملوا بعقلية الصدام بين الحضارات, بل تواصلوا معهم علمياً وفكرياً وثقافياً, فقد ترجم العرب كتباً عن اليونانية الهندية والصينية وعن لغات أخرى كثيرة, ولم يفرضوا ثقافتهم أو علومهم على الآخرين, بل تركوا الباب مفتوحا لمن أراد أن يتعلم أو ينقل من هذه العلوم دون ضن أو إكراه.
ومن الحرب النفسية التي يشنها العلمانيون ضد الإسلام والمسلمين, ما قاله أحدهم من أننا لسنا أنداداً للغرب, حتى نطالب الغرب بأن يعاملنا من موقع الندية, إن ثقافتنا للأسف تغالط إذ تضعنا في هذا الموقف, والحقيقة أننا لسنا بهذا الوزن الذي يضعنا في مواجهة الغرب لأن الثقافة الإسلامية هزمت في المعركة منذ وقت طويل.
إنه من الواضح أن العلمانيين يتكلمون عن شيء غير الإسلام, ولكن عداوتهم للإسلام ورغبتهم في عزله عن حياة الناس جعلتهم يقصدونه بسهامهم المسمومة بوعي وبدون وعي, ولكنهم لن يصلوا إلى تحقيق أهدافهم (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) [فاطر: 43], فالإسلام أكبر منهم ومن أشياعهم في الماضي والحاضر والمستقبل (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) [التوبة: 32، 33].
إن هذا التيار العلماني يبرر لسياسة الاستعلاء لدى الغرب التي تجعله يتجاهل الهويات والخصوصيات ويسعى إلى فرض ثقافته على العالم, ومن الخطأ أن نقيس تقدم الأمم بتفوقها التكنولوجي أو المالي أو حتى الثقافي فحسب؛ ونتجاهل سائر شعوب العالم وما أدته وتؤديه هذه الشعوب من رسالة حضارية إنسانية, ولا سيما المسلمون الذين كان هم الفضل الأكبر في وضع قواعد الحضارة المعاصرة ولا يزالون يدعمونها بفاعلية وبطرق ووسائل مختلفة.
إن العلمانيين في نعيقهم إنما يريدون أن يشغلوا الأمة عن أمجادها الماضية, وعن محاولاتها للخروج من هذه الأزمة ليدخلوها في متاهة عبثية, أو في جدلية مستفزة ومستنزفة من نوع جديد يتسق مع وسائل الحصار الجديدة التي تدفع الأمة نحوها دفعاً, وهم بذلك يحسبون إنهم يحسنون صنعا (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 103، 104].
إن ما أصاب المسلمين من ذل وهوان بعد عز ومجد, إنما سببه ابتعادهم عن هذا الدين بعد أن قلبوا له ظهر المجن, واستبدلوه بنفايات الغرب وحثالة أفكار المشركين التي لم تزدهم إلا ضعفاً. لقد نجح الغزو الفكري الغربي بالتأثير على الكثرة الكاثرة من المسلمين، وساقهم إلى الانسلاخ عن دينهم إلا من رحم الله منهم. وآثار هذا الغزو الفكري القبيح أوضح من أن تذكر, وحسبك من ذلك أنك تجد أكثر شبابنا وأبناء جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا, قد أقبلوا بوجوههم شطر حظيرة الغرب, واشرأبت أعناقهم إليها, وتاقت نفوسهم إلى الانكباب عليها ولعق قاذوراتها والتعرض لعدواها واستجلاب أمراضها, ساعدهم في ذلك هوى متبع, وجهل بالإسلام، وثمن بخس زهيد في طلب متاع الدنيا الفانية باعوا به عزتهم وكرامتهم وأمتهم. وإن مما ينذر بالخطر أن طلائع هذا الغزو وصلت إلى مناهج التعليم في كثير من بلاد الإسلام, وبدأ هذا الأخطبوط في مد أذرعه المسمومة إلى هذا المعقل الحصين, فأفسد وأتلف وغير وبدل, فحري بأمة الإسلام أن تحفظ هذا المعقل من السقوط وأن تبرز للمسلمين حقيقة الإسلام وخصائصه. وكم هو غنيٌ بالحقائق والخصائص, ومع كل هذا المكر وهذا الكيد، فإن الله -عز وجل- حافظ دينه ومعلٍ كلمته, ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. فأمل المؤمن بربة متصلٌ ليس مبنياً على سراب، وليس أماني عجزة ولا تسالي يائسين، ولكنه حرص على ما ينفع واستعانة بالله، وبراءة من العجز والكسل وبعدٌ عن اللوم والتلاوم, فإن الفأل الجميل والأمل العريق جزٌ من عقيدة المؤمن.
لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سمع أسماء مثل: نجيح وراشد، يُسَرُّ ويعظم أمله في ربه لينجح في مقصده، ويرشد في أمره، وكان يعجبه الفأل، ويكره الطيرة والتشاؤم، وهذا التفاؤل الذي يؤمن به المؤمن ويدعو إليه المخلص ليس تفاؤل التغافل، ولكنه تفاؤل مع إدراك واقع الأمة في ضعفها الحقيقي في نفسها وقوتها واقتصادها والتصارع الداخلي فيما بينها، وهو في ذات الوقت تفاؤل لا يعمى عن مكر الأعداء وسعي بني قومهم ضد هذه الأمة والتهوين من أمرها؛ ليملؤوا صدورهم على أمة الإسلام غيظاً وحقداً، إن تفاؤل المؤمن منطلق من عقيدته بأن الإسلام لا ينام وليس له أن ينام فهو دين الله الخالد، وهو دين الله المحفوظ، وإذا قصر فيه أقوام استبدل الله غيرهم (وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـالَكُم).
إن الأمة وقد مرت بمراحل الضعف والهوان وذاقت من الذل ألوان وتجرعت من القهر كيزان أو جربت حلولاً ومخارج باءت بالفشل، وزادت من الهزائم والضياع، إن الأمة وقد مرت بكل ذلك, قد بدأت تعود لوعيها، وتوقن أن الحل في إسلامها، بل توقن عين اليقين وحق اليقين وعلم اليقين بأنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فهذه المساجد التي كانت خاليةً في بعض البلاد إلا من شيخٍ هرم أو رجلٍ همل أو يائس قعيد، تعاظم روادها، وصلاة الجماعة تكاثر مقيموها، عمرت بيوت الله بالشباب والكهول والشيوخ في حرصٍ على السنة وفقه في العبادة وخشوع في الأداء واستمساك في أداء الحشمة والعفاف والحجاب, ومن البشائر صيحات النداءات المتعالية لتطبيق شرع الله على عباد الله في شؤونهم كافة، والتخلص من تحكيم الدساتير البشرية، وقبل ذلك وبعده فإن المسلمين رغم واقعهم الأليم، ورغم ضعفهم الظاهر فإنهم رقمٌ محسوب في السياسة الدولية.
إن الحرب العسكرية والإعلامية على الإسلام ورجاله ودياره دليل كبير على تعاظم قوته وشعور الأعداء بخطره. إن كل قذيفة توجه وكل يدٍ تغتصب وكل جرحٍ ينزف مطارق وموقظات توقظ الأمة من غفلتها، وتوجهها نحو الصحيح من مسارها ومسيرتها. لا زالت الجماهير المسلمة التي تعرضت لكل أنواع المسخ وغسل المخ، تعود إلى رياض دينها وتستعصي أن ترضى بالدنية من دينها، ما أثمر العنف الدولي إلا عنفاً أشد منه، ولم تزد شراسة الأعداء وعصية الغلاظ إلا استمساكاً بالدين وقناعة بالحق. لقد كتب الله عز وجل لهذه الأمة البقاء إلى أن تقوم الساعة، فهي أفضل الأمم على الإطلاق ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
لها القيادة والسيادة في الدنيا, وهذا تكليف وتشريف لم تنله أمة من قبل, فهو تشريف من الله حيث اختار هذه الأمة من دون الأمم الأخرى لتقود العالم أجمع. فأي شرف بعد هذا؟ وأي عز بعد ذاك؟. وهو كذلك تكليف؛ لأنها مسؤولية عظيمة ومهمة جسيمة تحتاج إلى بذل وعطاء, وتضحية بسخاء لكي تؤدي هذه الأمة ما أسند إليها من تلك المهمة. فيا لعلو المكانة, ويا لثقل الأمانة.
ولمعرفة دور الأمة الريادي ليرفع كل واحد منا رأسه وليخرق حجب التاريخ ثم لينظر ويتأمل فيما فعله الآباء والأجداد في سابق العصور وما قدموا لهذه الدنيا على مر الدهور. لقد أخرجوا الناس من ظلمات الكفر والشرك إلى نور التوحيد, ونشروا العدل بين الناس وأشاعوا العلم وفاقوا أهل الدنيا في علومهم حتى تعلمت كل الحضارات منهم وأصبحت تنهل من علومهم. هكذا تقدمت تلك الأمة في كل مجالات الحياة بعد أن ضحى المسلمون في سبيل دينهم بكل شيء. وهل هناك تضحية أعظم من روح يجود بها صاحبها راضياً مطمئناً بل فرحاً مسروراً.
مـن ذا الـذي رفع السـيوف ليرفع | اسمك فوق هامات النجوم فخارا |
كنا جبـالاً في الجبال وربمـا | سـرنا على مـوج البحـار بحـارا |
لم نخـش طاغوتـا يحاربنـا ولو | نصب المنايـا حولنـا أسـوارا |
ورؤوسنا يا رب فـوق أكفنـا | نرجــو ثوابـك مغنمـاً وجـوارا |
ندعو جهارا لا إله سوى الـذي | خلـق الوجـود وقـدر الأقــدارا |
كنا نرى الأصنام من ذهــب فنهدمهــا | ونهـدم فوقهـا الكفـارا |
لو كان غير المسلمين لحازها ذهبـا | وصـاغ الحلـي والدينـارا |
وكأن ظل السيف ظل حديقـة خضـراء | تنبت حولهـا الأزهـارا |
إن هذه الأمة أكرم الأمم قاطبة عند الله -عز وجل-, كما جاء في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعاً : "إنكم تُتِمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله". وهذه الخيرية ما جاءت إلا عن طريق الدين والشرع, لأن دين هذه الأمة وشريعتها أكمل الشرائع, فاكتسبت هذه الأمة هذه الخيرية. فلهذا لا غرابة من محاولة أعداء الدين من الخارج وأذنابهم العلمانيين من الداخل, أن يحاولوا أن يضعفوا تمسك الناس بالشريعة. كما جاءت خيرية هذه الأمة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكلما قوى هذا الجانب في الأمة, زاد ذلك من خيريتها على باقي الأمم. ولهذا يعلم المنافقون والعلمانيون بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا انتشر وتمكَّن فإنه لا مُقام لهم في الأرض, ولهذا يسعون جادين في التضييق على هيئاته وأصحابه بكل سبل التضييق. فخيرية هذه الأمة بدينها وشرعها, وإلا لو تساوينا معهم في المعصية، لكانت الغلبة لهم علينا بالقوة.
إن هذه الأمة أمة الغيث كما وصفها وشبهها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمطر الذي ينتفع به الناس فقال: "ومثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خيرٌ أم آخره" رواه الترمذي وغيره وهو صحيح. فهذه الأمة أمة الغيث لا يدري أوله خير أم آخره, لأن الغيث كله خير وفي كله خير, في أوله وفي وسطه وفي آخره, فكل نوبة من نوبات المطر لها فائدة في النماء لا يمكن إنكارها. فكذلك هذه الأمة, كل فرد من أفرادها بمقدوره أن ينفع وأن يقدم الكثير لأمته ولدينه ولو لم يكن بمقدوره إلا أن يتمسك بدينه ويربي من تحت يده على ذلك لكان في هذا خيراً كثيراً.
أيها المسلمون: إن أعداءكم لا يخشون على أنفسهم إلا من دينكم ولا يخيفهم إلا إسلامكم، وإن الإسلام خير لهم لو كانوا يعلمون, ولكنهم يأبون إلا أن يبعدوا الإسلام من المواجهة، لأنه الحل الحاسم، والعلاج الشافي لأمراض الأمة كلها، عقيدة تنطلق منها مناهج التربية والتعليم لتنشئة أبناء المسلمين تنشئة تعيد فيهم بناء الثقة بدينهم وبأنفسهم فتمتلئ قلوبهم إيماناً تضيء جوانحهم هدىً ونوراً هذه معالم في طريق الإصلاح وهو طريق ليس باليسير ولكنه جليّ واضح وهو الطريق الوحيد ولا طريق غيره عرف ذلك العدو قبل الصديق. إن المستعرض لتاريخ الخلفاء الراشدين وسيرة لسلف الصالح ليجد فيها من المواقف التي تبين مقدار اتباعهم لدينهم وتمسكهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم لا يحيدون عنها, مما جعلهم في عز وتمكين ففتحوا بلاد العالم ونشروا العلم والدين وأقاموا شعائره في مشارق الأرض ومغاربها (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 41], ولن تعود الأمة الإسلامية إلى ذلك المجد والعز والتمكين إلا بالسير على نفس الخطى وعلى نفس المنهج الذي سار عليه الصحابة -رضي الله عنهم-.
إن هذه الأمة لا تزال بخير ما دامت خلف علمائها, فحاجتها إليهم فوق كل حاجة، فهم مصابيح الدجى وعلامات الهدى, فلولاهم كانت ظلاما بأهلها، وهم فيها بدور وأنجم، فالعلماء في الناس كالشمس للدنيا والعافية في الناس, فما لهم من خلف ولا عنهم من عوض، فالناس لا يعرفون كيف يعبد الله إلا ببقاء العلماء، فإذا مات العلماء تحير الناس واندرس العلم وظهر الجهل والنفاق. ففي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء [أي بوفاتهم]، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوساء جهالا فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها | متى َيمُتْ عالم منها يَمُتْ طرف |
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها | وإن أبى عاد في أكنافها التلف |
إن الدنيا بغير اهل العلم همود وجمود، وإذا أقفرت الديار من الرجال فهي إلى الوراء تتقهقر، ومن الوجود تتلاشى, وإذا نامت الأمة شق إيقاظها وعسر بعثها إلا بعد أجيال وأجيال. فإلى العلماء الرجوع عند التباس الأمر وخفائه، فما حكموا به فهو المقبول المسموع فكتاب الله عدتهم والسنة حجتهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتهم. فحق العلماء على الأمة أن تجود لهم بثقتها، وأن تكون مطواعة لأمرهم ذائدة عنهم, مضحية بالنفس والمال إذا دعوها إلى التضحية، وأن تكون ملبية لندائهم، إذا ما دعوها لما فيه صلاحها ورشدها. وانظروا أيها المسلمون حال الأمة اليوم لما خرجت عن هدي علمائها، وجعلت قدواتها فنان أو راقصة أو مغن, وصارت مراكز النفوذ والقوة فيها لأذناب القردة والخنازير، انظروا كيف تردّت فانتشرت فيها المنكرات، وأنكر فيها المعروف، واتهم الدين وأهله، وحُورب فيها الإسلام باسم الإسلام، وضيّعت حدود الله وأحكامه، ونخر اليهود والنصارى والمنافقون في جسم الأمة نخراً، ثم أغاروا عليها بخيول الإعلام الهدام، وسلاح العولمة الفتاك, فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن الواجب على أمة الإسلام -والفتن تمد أعناقها- أن يكونوا صفًا وحدًا، مجتمعَ الكلمة، أمام رياح التغيير التي تهب على العالم، والتي تتمنى تغيير عقيدة أهل الإسلام، والنيل من شريعته، وقيمهم الدينية وأخلاقهم، وثوابتهم ومناهجهم، فدينكم الإسلامي يوجب الاجتماع والائتلاف، ويحرم عليكم الفرقة والاختلاف، قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) [آل عمران: 103], وقال تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].
الله الله في التوبة الصادقة من كل ذنب, فإن سبب كل خير في الدنيا والآخرة هو طاعة الله عز وجل، وسبب كل شر وعقوبة في الدنيا والآخرة معصية الله، والتوبة من الذنوب تُكثر الخير وتقلل الشر، وما أهلك الله الأمم الخالية إلا بكثرة عصاتها، وقلة الطائعين فيها، وقد تكون معصية فرد واحد سببًا في هلاك أمة، فقد أهلك الله ثمود بقتل واحد منهم الناقة، وفتك الطاعون ببني إسرائيل بين ظهراني موسى وهارون -عليهما السلام- لما وقع بعض بني إسرائيل في الزنا، قال الله تعالى عن الأمم الهالكة (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40].
وفي حديث زينب بنت جحش -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه". وحلق بين الإبهام والسبابة، قالت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: " نعم، إذا كثر الخبث ". رواه البخاري ومسلم. فلا ينبغي التهوين من شأن التوبة، فهي المخرج في الشدائد، فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة. واعتصموا ـ معشر المسلمين ـ بكتاب ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم, فهما نور لكم في الظلمات، وهداية من الضلالات. واعلموا أن رياح التعيير لا تهبُّ عليلةً دون كدرٍ أو قتر، كما أنها لا يمكن أن تهبَّ إلا من داخل صفِّ المسلمين أنفسهم، ومستقبل المسلمين لا يمكن أن يصنعَه من لا يخاف الله ولا يؤمن بشِرعته، بل لا بد أن يصنعَه المسلمون أنفسُهم انطلاقاً من شِرعتهم الغرّاء، وخارجاً عن إطار القوميَّات والإقليميات والعبِّيَّات الجاهلية، وأن المسلمين متى ما أرَوا اللهَ من أنفسهم صدقاً في التصحيح وعَلِم الله فيهم خيراً في حسن المقصد وصدق اللجوء إليه مهما كان الواقع الأليم الذي يعيشونه ويعانون فيه الأمرَّين، فإن ذلك ليس بمانِعهم أن يقلبَ الله كربَهم فرجًا، وترحَهم فرحًا.
والحمد لله رب العالمين