الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج |
لقد اقتربت أيام الفضل والاغتنام, أيام الحج إلى بيت الله الحرام, قال تعالى:(فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) وقد وَرَدَت الأحاديثُ المتعددة, بأنه أحدُ أركان الإسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعًا ضروريًّا، وإنما يجب على المكلَّف في العُمْر مَرّة واحدة.
الحمد لله الذي فضَّل بحكمته البيت الحرام, وفرض حجه على من استطاع من أهل الإسلام, وغَفَرَ لمن حج واعتمر ما اكتسبه من الذنوب والآثام, أحمده وأستغفره, وأعوذ به من الخزي والهوان, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, المبعوث بأفضل الأديان, اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه البررة الكرام.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله فالْزموها, فإنها خير ذُخْرٍ يُدَّخر فاغتنموها.
أيها المؤمنون: لقد اقتربت أيام الفضل والاغتنام, أيام الحج إلى بيت الله الحرام, قال تعالى:(فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)
وقد وَرَدَت الأحاديثُ المتعددة, بأنه أحدُ أركان الإسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعًا ضروريًّا، وإنما يجب على المكلَّف في العُمْر مَرّة واحدة.
والواجب على كلِّ من كان مستطيعاً بماله وبدنه، أن يحج فريضة الإسلام إذا وجبت عليه, فربَّما لو أخِّره حال دون حجه ما يمنعه منه.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَعَجَّلُوا إلى الحَجِّ, فإنَّ أحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَا يَعْرضُ لَهُ "
وقد ورد في فضل الحج أحاديث كثيرة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ, رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". متفق عليه
والرفث: الجماع وما يتعلق به, والفسوق: هو الخروج عن الطاعة والعياذ بالله.
وقال صلى الله عليه وسلم « الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا, وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ ». متفق عليه ، فالحج المبرور -معاشر المسلمين- لا يقتصر ثوابه على تكفير الذنوب فحسب, وإنما يتعدى ذلك إلى إدخال الجنة.
فيا من مضت عليه الأيامُ والأعوام، وهو لم يرحل إلى بيت الله الحرام، ليُؤديَ فريضة الإسلام، ما عذرك أمام الله تعالى، وكلُّ شيءٍ مُيَسَّرٌ لك، والطُّرق مذلَّلَةٌ أمينة، ولا تستكثر على ربك بعض مالك, فإنما هو مال الله منَّ به عليك ، واسْأل نفسك: كم بذلت وأهدرت من الأموال الطائلة، في أشياء لا تنفعك، بل قد تضرُّك، من سفريَّات وكماليَّاتٍ وغيرها.
ولم تستكثرها في سبيل راحتك ولذَّتك، فلا ينبغي لك أنْ تتردَّد أبداً, في بذل ما عندك من مالٍ لتحج فريضتك.
أيها المسلمون: وهناك بعض الآداب التي ينبغي لمن عزم على الحج، أن يعمل بها ويُطبقها:
فمن ذلك: أنه يتأكد عليه أن يتعلم ما يحتاجه من أحكام الحج، فالكثير من الناس يذهب إلى الحج، ولم يتعلم شيئاً من المسائل, فيقع في المحظورات والمنهيات، وهذا بسبب تفريطه الذي لا يُعْذر به.
ومن الآداب: أن يكتب وصيته، وماله وما عليه من الدين، ويُشهدُ على ذلك.
ومن الآداب أيضاً: ردُّ المظالم إلى أهلها، أو تحلُّلُهم منها، وهذا واجبٌ في كل وقت، ويتأكد عند السفر، ويجب عليه التوبة من كل ذنب ومعصية، فإنه لا يدري هل يرجع من حجه أم لا؟ والله تعالى يقول: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ويجب عليه أن يصل من هجره وقطعة، وكيف يرجو أن يرجع من حجه كيوم ولدته أمه، وكيف يرجو أن تُغفَرَ له جميع ذنوبه، وهو مصِرٌّ على معصيةٍ من أعظم المعاصي والذنوب، فلا بد لمن أقبل على الكريم الرحيم، راجياً مغفرةَ الذنوب، وسترَ العيوب: أن يذهب بقلبٍ خاشعٍ خاضع، مخبتٍ منيب.
وممَّا ينبغي أنْ يتنبه له كلُّ من أراد الحج: أنْ لا يُضايق المسلمين أثناء حجه, وأنْ يحج برفقٍ وتُؤدة, وقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر أصحابه بذلك، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى لهم: «أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ» فلا يجوز أنْ يتسبَّب الحاج في أذى الحجاج, وأنْ يُضايقهم في الطرقات وغيرِها.
وممَّا ينبغي للحاج كذلك: أنْ يتقيَّدَ بالأنظمة والتعليمات, التي لم تُوضعْ إلا لتنظيم الحج وتيسيره, وتجنُّبِ أسباب الزحام بين الْمُسلمين, وخاصَّةً في هذه الأيام, التي نشهد أعمال توسعةٍ وصيانةٍ في بيت الله الحرام.
وينبغي أنْ نلْتزمَ - معاشر المسلمين- بما نظَّمه وليُّ الأمر, بعدمِ الحجِّ إلا بعد مُضيِّ خمس سنوات؛ لنتيحَ الفرصةَ لغيرنا من الحجاج, وخاصةً ممَّن يأتون من بلادٍ بعيدة.
واعلموا - معاشر المسلمين- أنَّ العشر الأوائل من ذي الحجة: هي من أفضل الأيام عند الله تعالى , وقد أقسم الله بها بقوله ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ﴾ , قال ابن كثير رحمه الله: "والليالي العشر، المراد بها عشر ذي الحجة ، كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف". ا.ه كلامه
وقد ثبت في صحيح البخاري , أَنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ».
قال ابن حجر رحمه الله: وَفِي الْحَدِيثِ :" تَفْضِيلُ بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ عَلَى بَعْضٍ كَالْأَمْكِنَةِ ، وَفَضْلُ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ, وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي اِمْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ, لِمَكَانِ اِجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ ، وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ" . ا.ه كلامه
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه (صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه) وسلم تسليما كثيرا.
أَمَّا بَعدُ: أيها المسلمون: ومن أعظم الأعمال في هذه العشر: التكبير لله تعالى، قال العلماء: يسنّ التكبير المطلق في كلِّ عشر ذي الحجة.
وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر اليوم التاسع، وسميت عشراً، وهي تسعٌ من باب التغليب.
ويشرع كذلك التكبيرُ المقيدُ بعد الصلوات المكتوبات، إذا صلاها مع الجماعات، ويبدأ لغير الحاج من فجر يوم عرفة، وللحاج من ظهر يوم النحر- الذي هو أول أيَّام العيد - ويستمر إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، قال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ: أَيَّامُ الْعَشْرِ, وَالأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.
قال البخاري في صحيحه: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما, يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ، يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا.
والقاعد لِعُذْرٍ شريكٌ للسائر في الأجر، وربما سبق السائر بقلبه السائرين بأبدانهم.
يا سائرين إلى البيت العتيق لقد | سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحاً |
إنَّا أقمنا على عذرٍ وقد رحلوا | ومَن أقام على عذرٍ كمن راحا |
فالغنيمةَ الغنيمةَ, بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عِوَضٌ ولا تُعادِلُها قيمة، والمبادرةَ المبادرةَ بالعمل، قبل أن يندم المفرط على ما فعل.
واعلموا عباد الله: أنه لا يحل لمن أراد الأضحية, أن يأخذ من شعره ولا ظفره ولا بَشَرَته شيئاً, من حين دخول الشهر حتى يذبح أضحيته، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا». رواه مسلم وفي روايةٍ: «فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ».
وإذا نوى الأضحية أثناء العشر، أمسك عن ذلك من حين نيته، ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية.
وهذا الحكم خاص بمن يُضحي، أما الْمُضَّحى عنه فلا يتعلَّق به.
وإذا أخذ من يريد الأُضحية شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته، فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ولا يعود، ولا كفارة عليه، ولا يمنعه ذلك عن الأضحية، وإذا أخذ شيئاً من ذلك ناسياً أو جاهلاً ، أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه، وإن احتاج إلى أخذه فله أخذه ولا شيء عليه، مثلُ أن ينكسر ظُفْرُهُ فيؤذيه فيقصُّهُ أو ينزل الشعر في عينيه فيزيله.
نسأل الله تعالى أنْ يُعيننا على ذكره وشكره, والتمسك بدينه وملَّته, إنه قريبٌ مُجيب.