السلام
كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...
العربية
المؤلف | عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
إن الواجبَ على المسلم أن يفرح بهذا العيد، وأن يكون هذا الفرحُ مضبوطًا بشريعة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فلا يكون فرحُه ذلك داعِيًا له إلى أن يتجاوزَ حُدُودَ الشَّرع, فلا يجوزُ للمسلم أن يُسبِلَ ثيابَه، ولا يجوز للمسلم أن يسمعَ الأغاني الماجنة، أو أن ينظر إلى أفلام خليعة، أو أفلام تَبُثُّ كُلَّ سُوءٍ وفساد؛ بل واجب عليه أن يحمد الله في هذا العيد، وأن يسأل الله تَعَالَى المزيدَ من فضله، وأن يسأل الله تَعَالَى أن يَعُمَّهُ بِعَفْوِهِ وفضلِه...
الخطبة الأولى:
هناك مناسبات شرعية يفرح فيها المسلم بفضل الله تَعَالَى وكَرَمِه، وقد كان أهلُ الجاهلية يجعلون لهم أيَّامًا يفرحون فيها ويطربون، فجاء الإسلام مُبَدِّلاً هذه العادة إلى شريعة محمودة هي يومي عِيد الفِطْرِ والأَضْحَى؛ مَكْرُمَةً من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقول أنس: قَدِم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ ولأهلها يومان يلعبون فيهما في الجاهلية؛ فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: "قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ وَلَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الأضْحَى".
عباد الله: لقد شرَع الله -سُبْحَانَهُ- وَتَعَالَى في العيد سننًا وآدابًا ينبغي للمسلم أن يلتزمها، وأن يحرص عليها، فمن ذلك: يستحب للمسلم أن يتطيب، وأن يغتسل، وأن يلبس أجمل ثيابه ليوم العيد، وأن يُبَكِّر إلى الصلاة، وأن يدنوَ من الإمام؛ ليشهدَ دعوةَ المسلمينَ وخيراتِهم، ويستحبُّ أن يخرج النساء والأطفال إلى الأعياد، "وَلْتَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى" كما أمر بذلك النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-.
وصلاةُ العيد فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، ويستحب للمسلم أن يسابق إليها، وأن يحرص عليها؛ لأنها شعيرة من شعائر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فالحرص عليها دليلٌ على تعظيمها في الصدر.
وصلاة العيد -كما تعلمون- ركعتان، يفتتحهما الإمام بتكبيرة الإحرام، ثم بعد ذلك بست تكبيرات متتالية، يستحب للمسلم أن يقول بين كل تكبيرة من هذه التكبيرات الست: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرًا وأصيلاً، وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا. روي ذلك عن ابن مسعود. فإن قال المسلم ذلك فحَسَن، وإن لم يقله فلا شيء عليه؛ لأن هذا سنة، بل إن التكبيرات الزوائد سنة أيضًا؛ لو تركها فلا شيء عليه.
ثم يقرأ الفاتحة وما تَيَسَّر من القرآن، ثم يركع ركعة معتادة، ثم إذا قام إلى الرَّكعة الثانية كبَّر خمس تكبيرات متتالية، يقول بين كل تكبيرة ما سبق أن ذكرنا: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، وصلى الله وسلم على محمد النبي وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
ويلاحظ أنه لا يشرع الجهر من المأمومين بهذه التكبيرات؛ فإن كثيرًا من المأمومين في هذه الأزمان الأخيرة إذا قال الإمام: (الله أكبر) كَبَّرُوا قائلين: (الله أكبر)؛ بل السنة أن يخفض المسلم صوته بهذا التكبير؛ فلا يُسْمِعُ غَيْرَهُ به.
كذلك يستحب في العيد أن يذهب المسلم من طريق وأن يرجع من طريق آخر، وأن يكون ذلك مشيًا على الأقدام إذا كان ذلك متيسرًا له؛ فقد كان نبيكم -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- يذهب إلى العيد ماشيًا، يذهب من طريق ويرجع من طريق آخر.
وكذلك يشرع للمسلمين في هذا اليوم أن يُهَنِّئ بعضُهم بعضًا بهذا اليوم العظيم؛ فقد كان أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كما قال جبير بن نفير -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "كانوا إذا صلوا العيد أقبل بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم لبعض: تَقَبَّل اللَّهُ مِنَّا ومِنكُم".
أيُّها المسلمون: إن الواجبَ على المسلم أن يفرح بهذا العيد، وأن يكون هذا الفرحُ مضبوطًا بشريعة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فلا يكون فرحُه ذلك داعِيًا له إلى أن يتجاوزَ حُدُودَ الشَّرع, فلا يجوزُ للمسلم أن يُسبِلَ ثيابَه، ولا يجوز للمسلم أن يسمعَ الأغاني الماجنة، أو أن ينظر إلى أفلام خليعة، أو أفلام تَبُثُّ كُلَّ سُوءٍ وفساد؛ بل واجب عليه أن يحمد الله في هذا العيد، وأن يسأل الله تَعَالَى المزيدَ من فضله، وأن يسأل الله تَعَالَى أن يَعُمَّهُ بِعَفْوِهِ وفضلِه.
عباد الله: لقد علمتم جميعًا أن غدًا يوم عرفة، وقد استحب الشارع للناس في الأمصار غير الحجاج أن يصوموا هذا اليوم؛ تقربًا لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، يقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ بِهِ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالسَّنَةَ الْمُقْبِلَةَ"، يعني ما يقع فيهما من صغير الذنوب دون كبيره؛ لأن الكبائر يشترط لها التوبة.
عباد الله: لقد كثر الحديث عن تعدد الأضاحي من قبل الناس؛ فأكثرَ الناس في ذلك وتكلموا. وإن تجلية المسألة يكون في أن الأضحية الأصل في مشروعيتها للحي، ويجوز للمسلم أن يضحي عن الأموات؛ لأن عندنا معشرَ الحنابلة أن مَن عَمِل قُرْبَةً وَنَوى ثوابها لميت بلغه ذلك الثواب، وهذا هو أصح أقوال أهل العلم في هذه المسألة, ولَيْكُنِ المسلمُ حريصًا على تطبيق سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فيضحي عن نفسه أولاً، ثم عَمَّن شاء من أهل بيته أو من المسلمين.
ولا حصر للأضاحي فمن كان موسرًا وأراد أن يضحي بعشرات الأضاحي فلا حرج عليه، بل هو محمود؛ لأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يحب إراقة الدماء في مثل هذا اليوم المبارك، وما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله -جَلَّ وَعَلاَ- من إراقة دم، ونبيُّكم محمد -صلى الله عليه وسلم- ذبح من الهدي مائة من الإبل، مع أنه كان يكفيه سُبْع بدنة, ولكنه -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- رأى الأفضل، واستحب الإكثار من إراقة الدماء؛ تعظيمًا لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
فمن اقتصر على شاة واحدة عنه وعن أهل بيته أحياء كانوا أو أمواتًا فلا حرج عليه، وقد وافق فعلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن زاد فلا حرج عليه، بل هو مصيب لعموم السنة القولية عنه -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-.
أما ما شوَّش به بعض الأغمار في بعض الصحف من أن الوصايا التي كتبها الأموات يطالبون فيها من بعدهم بتنفيذ وصاياهم, وفي هذه الوصايا ذبح أكثر من أضحية فإن هذه الوصايا يجب أن تُنَفَّذ، ومَن قال: إنها لا تنفذ لأنها عمل غير مشروع فقد ضلّ السبيل، وقال غير الحق، فواجب على المسلم أن يلتزم بالوصايا التي جاءت عن الأموات، (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) [البقرة: 181].
فاتقوا الله، واحفظوا الوصايا، ولا تُغَيِّرُوا فيها شيئًا، ولا تنخدعوا بمن ليس معروفًا بالعلم والتحرير.