البحث

عبارات مقترحة:

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

نقض دعوى حرية الرأي

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. احتكام البشر إلى ما يرتضونه من شرع أو عرف أو قانون .
  2. بطلان القول بوجود ما يسمى بالحرية المطلقة .
  3. تقييد الإسلام لحرية الكلمة بالضوابط .
  4. خطورة الكلمة في الإسلام .
  5. تقييد جميع القوانين الوضعية لحرية الرأي .
  6. صور وقصص تبين تقييد الغرب لحرية الرأي .
  7. فكرة ملاحدة الغرب من قولهم بِحُرية الرأي .
  8. تلقف ملاحدة العرب لفكرة الغرب في حرية الرأي .
  9. تناقض ملاحدة العرب فيما يحملونه من حرية الرأي .
اهداف الخطبة
  1. ترهيب الناس من خطر الكلام
  2. توضيح حقيقة الملاحدة من حرية الرأي

اقتباس

ولو صاح بالناس إنسان في أكبر بلاد الدنيا حرية أن حريقا قد اشتعل بالقرب منهم، أو أن قنبلة قد وضعت في طائرتهم وكان كاذبا متعمدا للكذب - لعوقب على ذلك؛ لأنه من باب الأذى للناس وترويعهم، والإزعاج للسلطات المسئولة، ولا تشفع دعوى حرية الرأي، أو محبة المزاح لصاحبها في مثل ذلك، مع أنه لم يعتد على أحد لا بقول ولا بفعل

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين؛ خلق الخلق فأحاطهم بقدرته وعلمه، وقضى فيهم بحكمه وحكمته ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ الله وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [القصص:68] نحمده على جزيل عطائه، ونشكره على عظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ( لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآَخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [القصص:70]، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله؛ أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وقضى بهيمنة دينه على كل الأفكار والملل، والآراء والنحل ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ ) [المائدة:48] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أنقى هذه الأمة قلوبا، وأزكاهم أعمالا، أخلصوا لربهم، واتبعوا نبيهم، ونصروا دينهم، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فإنكم في زمن كثرت فتنه، واشتدت محنه، وازدادت غربة الدين وأهله فيه، فتمسكوا بدينكم ولو تفلت الناس منه، والزموا هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم ولو أحدثوا فيه؛ فإن العبد يسأل يوم القيامة عن عمله لا عن عمل غيره ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) [الزُّخرف:43-44].

أيها الناس: يحتكم البشر فيما بينهم في كل زمان ومكان إلى ما يرتضونه من شريعة أو عرف أو قانون؛ فأتباع الشريعة الربانية لا يرضون بغير شريعة ربهم حكما بينهم، فهي قانونهم ونظامهم، يقفون عند حدودها، ويلتزمون قيودها. وأهل الشرائع المحرفة أو المبدلة يفعلون ذلك فيما ارتضوه من شرائعهم، والملاحدة لهم قانون يلتزمونه فيما بينهم، بل إن جهلة الناس من أعراب الصحراء، ومن يعيشون في الأدغال، ولم يطلعوا على شيء من الحضارات والمعارف لهم أعرافهم وأنظمتهم التي ينظمون بها شئونهم، ويعرف أفرادهم بواسطتها حقوقهم، ولا يوجد بشر مهما كانوا ليس لهم نظام ولا قانون يلتزمونه، وهذا من أبين الأدلة على أن الإنسان مفتقر للعبودية؛ فإما أن يكون عبدا لخالقه سبحانه، وإما أن يكون عبدا لمخلوق مثله، ولا يوجد شيء في الأرض يسمى حرية مطلقة لا في الأفعال ولا في الأقوال. خلافا لما يزعمه الزاعمون من أن الإنسان ولد حرا بلا قيود عليه فله أن يدين بما يشاء، وأن يفكر كيف يشاء، وأن يقول ويفعل ما شاء، ويكتب وينشر ما شاء، وهذه كلها دعاوى عريضة ليس لها وجود في واقع البشر لا في زماننا هذا ولا قبله، ولا في دول الشرق ولا في دول الغرب، بل الموجود في كل زمان ومكان وفي كل الدول وعند كل البشر أنظمة وقوانين تضبط أقوال الناس وأفعالهم، وليس من حق أحد في أي جزء من الأرض أن يقول ما يشاء، أو يفعل ما يشاء، أو ينشر ما يشاء. هذا هو الواقع المشاهد.

وفي شريعة الإسلام للعبد حدود في أقواله وأفعاله لا يجوز له تجاوزها وإلا حوسب عليها في الدنيا والآخرة ( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ) [البقرة:187] وفي آية أخرى ( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [البقرة:229] وفي آية ثالثة ( وَتِلْكَ حُدُودُ الله وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) [الطَّلاق:1] .

وفي الإسلام ليس للإنسان أن يقول ما يشاء، أو يكتب ما يشاء، أو ينشر ما يشاء؛ فقد يقول كلمة أو يكتبها أو ينشرها فيكفر بها، ويستحق القتل بسببها، وقد يقول السوء في شخص فيجلد حدا أو تعزيرا. فإن لم يكن مسلما فليس له أن يسب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو دين الإسلام وإلا استحق القتل. وليس له أن يقذف بالسوء أحدا من المسلمين وإلا عوقب. هكذا يؤاخذ الإنسان بما يقول وبما يكتب مسلما كان أم كافرا.

والرأي أو الكلمة التي يزعم بعض الناس أن الإنسان حرٌ فيها قد تودي بالإنسان إلى النار، وتستجلب غضب الجبار جل وعلا وهي مجرد كلمة أو رأي قاله؛ كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب " رواه مسلم، وفي لفظ للترمذي " يهوي بها سبعين خريفا في النار ".

ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يكفوا ألسنتهم عما لا ينفع من الكلام قال له معاذ رضي الله عنه: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: " ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم " رواه الترمذي وصححه.

وفي كل قوانين البشر الوضعية المعاصرة ضوابط لما يقال وما يكتب وما ينشر، وعقوبات لتجاوز هذه الضوابط خلافا لما يزعمه دعاة الحرية بأثوابها الغربية في بلاد المسلمين؛ ولذا قرنوا في تعريفاتهم للحرية بين الحرية والمسئولية، وجعلوا حرية الشخص تنتهي عند حرية الآخر، وجعلوا من ضمن الأذى الممنوع في باب حرية الرأي: الأذية بالقول أو الكتابة؛ كالكذب على الأشخاص، أو النميمة فيما بينهم، أو نشر إشاعة مغرضة تضر ببعضهم، وقوانينهم تعاقب على كل هذه التصرفات التي يسمونها غير مسئولة، ولا يجيزونها بدعوى حرية الرأي أو حرية الكتابة والنشر. وكم سمعنا من قضايا رفعت على أقوام تسمى دعاوى التشهير.

ولو صاح بالناس إنسان في أكبر بلاد الدنيا حرية أن حريقا قد اشتعل بالقرب منهم، أو أن قنبلة قد وضعت في طائرتهم وكان كاذبا متعمدا للكذب - لعوقب على ذلك؛ لأنه من باب الأذى للناس وترويعهم، والإزعاج للسلطات المسئولة، ولا تشفع دعوى حرية الرأي، أو محبة المزاح لصاحبها في مثل ذلك، مع أنه لم يعتد على أحد لا بقول ولا بفعل.

وكل دولة فيها من القوانين ما يُجَرِّم إفشاء الأسرار للدول الأخرى، وقد تصل عقوبة ذلك إلى القتل، مع أن مفشي الأسرار لم يتجاوز إلا أن قال قولا، أو كتب كتابا نبذه إلى من ينتفع منهم.

ولو شهد شاهد على قضية ثم اتضح كذبه في شهادته لعاقبته كل قوانين القضاء في الأرض، شرعية كانت أم وضعية، مع أنه بشاهدته لم يخرج عن إطار القول، وبعض الناس قد يكون مولعا بشهادة الزور، أو يتأكل بها، ولم يقل أحد من العالمين إن شهادة الزور تجوز من باب حرية الرأي.

وفي البلاد الغربية تمنع الكتب، وتحجب المقالات، وتُقَيَّدُ حرية الرأي والكتابة والنشر - إذا خالفت سياسة المهيمنين على الأحزاب المتنفذة، أو كان فيها فضح لممارساتهم، أو تجييش للجماهير ضدهم، أو كان فيها ما يعكر على مشاريعهم الاستعمارية..

وفي الدولة الليبرالية الأولى في العالم منعوا كتاب الخديعة الكبرى؛ لما فيه من تشكيك فيما يسمى بأحداث سبتمبر، مع أنه لا يعدو أن يكون رأيا رآه صاحبه، وحلل الحدث بموجب رأيه.

ولما وقفت الصحفية الأمريكية ريتشل كوري أمام بلدوزر يهودي في محاولة منها لمنع سائقه من تدمير منزل فلسطيني، فدهسها البلدوزر عن عمد ثم عاد إلى الخلف ليدهسها مرة أخرى، لمّا فعلت ذلك وفقدت حياتها -ثمنا لموقفها الشجاع- تفاعلت معها زميلة لها فأرادت أن تعمل مسرحية باسمها، فمنعت من ذلك في بلاد الحرية التي يؤمها دعاة الحرية عندنا، وهذا المنع الذي يعد اغتيالا لحرية الرأي علق عليه أشهر الصحفيين الإنجليز ساخرا وهو يقول: كانت شجاعة ريتشل من النوع الخطأ، وكانت تدافع عن حرية الشعب الخطأ.

وباحثة أمريكية نصرانية درست كتب الشيخ المجدد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وخلصت في مقابلة لها إلى أن كتب الشيخ رحمه الله تعالى لا علاقة لها بما يجري في الأرض من عنف وإرهاب، خلافا لما يروجه زنادقة العصر، فاتهمت بأنها وهابية وهي نصرانية، ولم تشفع لها حرية الرأي، وكونها باحثة متجردة في ذلك.

ولن يجد أي سائح أو باحث في كل البلاد الغربية التي هي قبلة حرية الرأي في هذا العصر أي كتاب يشكك في المحارق النازية لليهود، أو يقلل من خسائرها، أو يوجد مسوغات لها، ولو سولت لكاتب غربي نفسه أن يبحث عن حقيقة ذلك، وينشره على الناس لكان مصيره المحاكمة والسجن، ولحوسبت دار النشر التي تنشر له، ولسحب كتابه من الأسواق تحت دعوى معاداة السامية، مع أن ذلك لا يخرج عن مجرد الرأي والبحث. وقد أوذي في سبيل ذلك عدد من الباحثين والمؤرخين والصحفيين الغربيين.

وفي البلاد الأولى في الحرية فصلت مؤرخة أمريكية من مجلس النواب لمجرد أنها قالت: وجهة نظر النازيين بصرف النظر عن عدم شعبيتها لا تزال وجهة نظر، ولا تأخذ حقها في التعبير.

وفي كندا حكم قاض على امرأة بالسجن مدى الحياة؛ لأنها ذبحت زوجها بسكين، ثم علق على بشاعة جريمتها بقوله: لقد ثبت أن المرأة تستطيع أن تكون أكثر عنفا من الرجل، حتى النازي لم يعذب ضحاياه اليهود قبل قتلهم. فثارت ثورة الجمعيات النسوية واليهودية عليه حتى أفقدته منصبه بسبب هذا التعليق البسيط الذي لا يخرج عن كونه رأيا رآه.

وحوسب أستاذ جامعي في فرنسا؛ لأنه أنكر أن يكون الأرمن قد تعرضوا لإبادة جماعية على أيدي القوات العثمانية في القرن الفائت.

وكم من كتب في بلاد الغرب صودرت، ومقالات حجبت، ومسرحيات ألغيت..

وكم من كُتَّاب حوسبوا وسجنوا على قضايا فكرية، وآراء رأوها، ولا سيما إذا تعلق ذلك باليهود وتاريخهم.

وقد بان بهذه الحوادث -وغيرها كثير- أنه لا يوجد حرية مطلقة في الكتابة والنشر والرأي في أي مكان في الأرض، وأن الإنسان في الغرب قد يجرم ويعاقب على رأي رآه، أو كتاب أصدره، أو مقال نشره، أو قول أذاعه - إذا خالف قوانينهم، أو أزعج المتنفذين في بلادهم.

والمسوقون لبضاعتهم الرديئة في بلاد المسلمين يرددون خلفهم كالبله والمعاتيه ما يلقونه عليهم من دروس الحرية دون نظر أو مناقشة أو سؤال عما ينتهكونه هم من حريات الرأي والنشر إذا لم تتوافق مع أهوائهم.

وبهذا يتبين حجم من يزعمون أنهم مفكرون ومثقفون، وينتفخون على الناس بألقابهم التي لا تساوي شيئا أمام الحقائق، وهم يستوردون أسوأ البضائع الغربية؛ ليفرضوها في بلاد المسلمين بالاستبداد والكذب والتخويف.

حمى الله تعالى بلادنا وبلاد المسلمين من شرهم وكيدهم، وردهم على أعقابهم خاسرين؛ إنه سميع قريب.

وأقول ما تسمعون ...

 

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله؛ اصطفانا من عباده مؤمنين، وجعلنا من خير أمم العالمين، نحمده على ما اصطفانا واجتبانا، ونشكره على ما أولانا وأعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ( وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ ) [البقرة:223].

أيها المسلمون: يعتقد المؤمن أن الله تعالى هو الخالق المدبر، له الأمر وله الحكم في خلقه، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه، وأما البشر فهم عبيد مخلوقون؛ فوجب أن يكون لهم حدود ينتهون إليها ولا يجاوزونها في أقوالهم وأفعالهم وأفكارهم، ولكن الزنادقة يرفضون ذلك؛ لأنهم جعلوا الإنسان مركز الكون والمتصرف فيه بما يشاء، وتلك هي الفكرة التي انطلق منها ملاحدة الغرب، ثم تلقفها عنهم ملاحدة العرب؛ ليبيحوا للإنسان بها فعل ما يشاء، وقول ما يشاء، واعتقاد ما يشاء، وأي قيود دينية أو أخلاقية أو عرفية على ذلك فهي مرفوضة عند هؤلاء الملاحدة؛ لأنها تعارض الحرية المقررة عندهم المبنية على فكرة تأليه الإنسان، وكونه مركز الكون.

إنهم يصيحون في مجتمعاتهم وعلى حكوماتهم يطالبونهم بحرية الرأي، وحرية النشر، وتحطيم القيود الرقابية على ما ينشرونه من قيح أفكارهم، وردغة شهواتهم؛ سواء كانت قيودا دينية أم سياسية أم أخلاقية، مستشهدين بدساتير الغرب ومنظماته الحقوقيه، وكأنها الحق الذي لا باطل فيه، مع أنه قد بان لنا أن حرية الرأي والنشر في البلاد الغربية لا تخلو من انتقائية ظالمة، وليست مطلقة من كل القيود.

ثم إن هؤلاء المنحرفين الذين ابتليت بهم أمة الإسلام يمارسون ما هو أبشع من انتقائية الغرب، فلا يسمحون لأحد بانتقادهم ولا مناقشة أفكارهم، ولا منع خبالهم، ويفرضون فكرهم الخبيث على جمهور المسلمين بأشد جرائم التزوير والاستبداد، والإقصائية والإرهاب.

إنهم يزعمون أنهم لا يرتضون في باب حرية الرأي الكذب على الناس، والتشهير بهم، وبث الشائعات المغرضة ضدهم، وهم يفترون الكذب على العلماء والدعاة والصالحين، ويشهرون بهم، ويختلقون الإشاعات عليهم.

ويزعمون أنهم لا يبيحون في باب الحريات أذية الغير ولو بالرأي، وأي أذى أعظم من أذيتهم للمؤمنين في ربهم جل جلاله وقد روجوا لكتب إنكاره، وزعم موته والانتصار عليه؛ تعالى الله عن إفكهم علوا كبيرا، وآذوا المؤمنين في الملائكة والرسل عليهم السلام ففسحوا لكتب السخرية بهم، وتكذيبهم، وآذوا المؤمنين في شريعة ربهم فملئوا معرضهم بكتب الطعن فيها وانتقاصها وردها وتكذيبها وتحريفها.

ناهيكم عن روايات الإثم والفجور، وكتب العهر والشذوذ، ودواوين الفسق والمجون لأشهر زنادقة العرب والعجم، تعرض للمراهقين والمراهقات والنساء والرجال، وكأنهم يسوقون بضاعتهم الفاسدة في قوم لا يؤمنون بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكأنهم لا يعرفون من الناس إلا أنهم شهوانيون منحرفون لا يطفئ سعارهم إلا كتبهم ودواوينهم ورواياتهم المنحلة الهابطة؛ فأي إهانة أهانوها لجمهور المسلمين؟

وأي جريمة اقترفوها في حق البلاد والعباد باسم حرية الرأي وحرية النشر؟

وأي استبداد أعظم من استبدادهم حين فرضوا حرية غربية شوهاء عرجاء معارضة للإسلام على جمهور المسلمين الذين لا يرضون بغير الإسلام بديلا؟!

وأي إرهاب فكري أشد من إرهابهم حين صادروا حرية الناس في الرأي والاختيار، وألزموهم برؤاهم الضيقة وهم الأقلية المتنكرة لدينها ووطنها وأمتها؟! عاملهم الله تعالى بما يستحقون.

إنهم باسم حرية النشر، وحرية الرأي قد روجوا للكتب والروايات والدواوين التي تطعن في جلال الله تعالى وعظمته، وتسخر من ملائكته ورسله، وتكذب كتبه وشرعه، وتبيح الفواحش بأنواعها.

إن هؤلاء المنحرفين الشهوانيين يعظمون البشر أشدَّ من تعظيم الله سبحانه تعالى -هذا إذا كانوا يعظمونه-، ويظهرون احترامهم للإنسان كإنسان أكثر من احترامهم للملائكة والرسل والصحابة وسلف هذه الأمة، فهم يزعمون أنهم لا يجيزون شتيمة الناس بعضهم لبعض، ولا الكذب عليهم، ولا السخرية بهم، ولا بث الشائعات المغرضة عنهم، ولو من باب حرية الرأي وحرية النشر، ولكنهم يجيزون الكذب على الله تعالى وعلى ملائكته ورسله عليهم السلام، ويجيزون الطعن في خيار هذه الأمة وسلفها الصالح، ويكذبون بالثوابت والمسلمات، ويسفهون النبوءات والديانات، ويدمرون الفطرة والأخلاق.

وإذا كان الله تعالى قد نهى عن سب آلهة المشركين مع استحقاقها للسب؛ لئلا يسبوا الله تعالى ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) [الأنعام:108]؛ فكيف إذاً بفسح الكتب التي تسب الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله لتأخذ مواقعها في بيوت المسلمين ومكتباتهم. نعوذ بالله تعالى من الهوى والضلال، ونسأله الهدى والرشاد.

اللهم إنا نبرأ إليك مما قالوا ومما فعلوا ومما نشروا، اللهم إن أنزلت عذابا بسبب ما فعلوا فخصهم به ولا تجعله عاما على عبادك.

اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين، وفساد المفسدين، وتربص المتربصين، وردهم على أعقابهم خاسرين، أنت مولانا فنعم المولى ونعم النصير.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ...