الحكم
كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...
العربية
المؤلف | محمد بن أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنِ الحورِ العينِ، فلأهل ِ الجنات فيها زوجات، قال -تعالى-: (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) [الدخان:54]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ-صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَب" رواه مسلم.
الخطبةُ الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَّمَ بِالقَلَمِ، عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ، عَلَمَهُ البَيَانَ، والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى، إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى.
أَمَا بَعْدُ: فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنِ الحورِ العينِ، فلأهل ِ الجنات فيها زوجات، قال -تعالى-: (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) [الدخان:54]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ-صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَب" رواه مسلم.
والحوراءُ: هيَ المرأةُ البيضاءُ، والعيناءُ هيَ المرأةُ واسعةُ العين،ِ شديدةُ بياضِها، شديدة ُ سوادِها، فيهنَّ مِنَ الحُسْن ِ والجمال مالا يعلَمُهُ إلا الله؛ قَالَ -تعالى-: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ) [الرحمن:70]، وردَ في الأثر: ِ خيّراتُ الأخلاقِ، حِسَانُ الوجوه.
قالَ بنُ القيم -رحمه الله-:
فِيهِنَّ حُوْرٌ قَاصِرَاتُ الْطَّرْف ِ خَيـ | ــراتٌ حِسانٌ هُنَّ خَيْرُ حِسانِ |
خيْراتُ أخلاقٍ حِسانٌ أوجُهاً | فالحُسْنُ والإحسانُ مُتَّفِقانِ |
والمرأة في الجنَّه كأنَّها في الصفاء والرِّقَة الغشاوة ُ التي تأتي على ظهر ِ البيض ِ مما يلي القشرَ إذا سُلِقَ وكُسِرَ، سواء مِنَ الحور ِ في الأخرى، أو مِنْ المؤمنات ِفي الدنيا، قَالَ -تعالى-: (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ) [ الصافات:48-49].
وكأنَّها في الحُسْن ِ والبهاءِ والجمال ِ والصفاءِ الياقوتُ والمرجان، سواء مِنَ الحور ِ في الأخرى، أو مِنَ المؤمنات ِفي الدنيا؛ قَالَ -تعالى-: (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) [الرحمن:58].
قال ابن القيم -رحمه الله-:
الرِّيحُ مِسْكٌ والجُسُومُ نواعِمٌ | واللَّونُ كالياقوتِ والمـَرْجانِ |
وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ في تفسيرِ: (كأنهنَّ الياقوتُ والمرجانُ)، قالَ: "ينظرُ إلى وجهِهِ في خدِهِا أصفى مِنَ المرآةِ، وإنَّ أدنى لؤلؤةٍ عليها لتضيءُ ما بينَ المشرقِ، والمغربِ، وإنَّها يكونُ عليها سبعونَ ثوباً ينفذُها بصرُهُ حتى يرى مخَ ساقِهِا مِنْ وراءِ ذلك" رواه الحاكمُ، وقالَ: صحيحُ الإسنادِ، ولمْ يخرجاه.
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وَكِلاهُما مِرْآةُ صاحِبِهِ إذا | ما شاءَ يُبْصِرُ وجهَهُ يرَيانِ |
فيرى محاسنَ وَجْهِهِ في وَجْهِها | وتَرى محاسِنَهَا بِهِ بِعَيَانِ |
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَال: "لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنْ الْحُسْنِ" رواه البخاري.
فا لمؤمن ُ يَرَى مخَّ ساقِ زوجتِهِ من وراءِ سبعينَ ثوباً.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً يَبْدُو مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَائِهَا" رواه الترمذي وصححه الألباني.
ويَرَى مخَّ ساقِ زوجتِهِ منْ وراءِ اللحم والعظم ِ كما نَرَي الشرابَ الأحمرَ منْ وراءِ الزجاجةِ البيضاءِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ" رواه البخاري.
وعَنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: " يُرَى مُخُّ سَاقِها مِنْ وراءِ اللحم ِكما يُرَى الشراب ُ الأحمر ُفي الزجاجةِ البيضاءِ" رواه الطبراني.
وقالَ ابنُ مَسْعُودٍ-رضي الله عنه-: "إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ لَيُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ، وَالْعَظْم ِ، وَمِنْ تَحْتِ سَبْعِينَ حُلَّةٍ، كَمَا يُرَى الشَّرَابُ الأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ" رواه الطبراني.
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
سَبعونَ مِنْ حُلَلٍ عليها لا تعُو | قُ الطَّرْفَ عن مُخٍّ ورا السِّيقانِ |
لكنْ يراهُ مِنْ ورا ذا كُلِّهِ | مثلَ الشّرابِ لدى زُجاجِ أواني |
والمرأة ُ في الأخرى لو خرجتْ إلى الدنيا لَأضأتْ ما بينَ السماءِ والأرض، ولملأتْ ما بينَهما ريحاً طيبا، ولَنصيفُها على رأسِها خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها؛ سواء مِنَ الحُور ِ في الأخرى أو مِنَ المؤمناتِ في الدنيا؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" رواه البخاري.
وقالَ ابنُ القيمِ -رحمه الله-:
ونَصِيْف ُ إِحْدَاهُنَّ وهْوَ خِمَارُهَا | لَيْسَتْ لَهُ الدُّنْيَا مِنَ الأَثْمَان |
والمرأة ُ في الجنَّةِ، سواء مِنَ الحورِ في الأخرى أومِنَ المؤمناتِ في الدنيا، قدْ طَهُرَتْ مِنَ الحيض ِ والنُّفاس ِ والبول ِ والغائط ِ والبصاق ِ وكلِّ أذىً وقذىً؛ قَالَ -تعالى-: (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:25]، قالَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ وابنُ مسعود ٍ -رضيَ الله ُ عنهما-: "قدْ طهُرْنَ منَ الحيضِ والبصاقِ وغيرِ ذلكَ"
قالَ ابنُ القيمِ -رحمه الله-:
لاَ الحَيْضُ يَغْشَاهَا وَلاَ بَوْلٌ وَلاَ | شَيءٌ مِنَ الآفَاتِ فِي النِّسْوَان ِ |
وكلامُ الحوراءِ سِحْرٌ بلا مِراء. قالَ بنُ القيمِ -رحمه الله-:
وكلامُها يسبي العقولَ بنغْمَةٍ | زادتْ على الأوتار والعيدانِ |
وتتغنى الحوراء للزوجِ بغناء: تطربُ لهُ القلوبُ، وتلتذُّ بِهِ الأرواح، جعلَهُ اللهُ للمؤمنينَ في الأخرى الذينَ تركوا الغناءَ في الدنيا.
قالَ ابنُ القيمِ -رحمه الله-:
قال ابنُ عبَّاسٍ ويُرسِلُ ربُّنا | ريحاً تهُزُّ ذوائب الأغصانِ |
فتُثيرُ أصواتاً تلَذُّ لمَسْمَعٍ الْـ | إنسانِ كالنَّغَماتِ بالأوزان |
يا لَذَّةَ الأسماعِ لا تتعوّضي | بلذاذةِ الأوتار والعيدانِ |
والمؤمنُ يجامعُ زوجتَهُ في الجنَّةِ كما يجامعُ زوجتَهُ في الدنيا؛ قَالَ -تعالى-: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ) [يس:55- 57].
وعَنْ أبي هريرةَ-رضي الله عنه- قالَ: سُئِلَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هلْ يَمَسُ أهلُ الجنَّةِ أزواجَهُمْ؟ فقالَ: "نعمْ، بِذَكَرٍ لا يملُ، وفرجٍ لا يحفى، وشهوةٍ لا تنقطعُ" رواه البزار والطبراني وأبو نعيم.
وقالَ ابنُ القيم ِ -رحمه الله-:
ولقد روينا أنَّ شغْلَهُمُ الّذي | قد جاءَ في ياسينَ دونَ بيانِ |
شُغْلُ العروسِ بعرْسِهِ من بعد ما | لعبتْ به الأشواقُ طولَ زمان |
والشوقُ يُزعجه إليه وما له | بوصالِهِ سببٌ من الإمكان |
غاب الرّقيب وغاب كُلُّ مُنَغِّصٍ | فهُما بثوبِ الوصْلِ مشتملان |
وليسَ لأهلِ الجنَّةِ عملٌ سوى الطعامِ والشرابِ وفكِ الأبكارِ على شواطىءِ الأنهار؛ قَالَ -تعالى-: (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ* إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ) [ص:50-54]
أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم
الخطبةُ الثانية:
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
أَمَا بَعْدُ: قَالَ -تعالى-: (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ) [الصافات:61].
وَعَنْ أسامةَ بن ِ زيد ٍ -رَضِيَ الله ُ عَنْهُ- أنَّ رسولَ الله ِ -صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ- قالَ: "ألا مُشَمِّرٌ إلى الجنَّةِ؟! فإنَّ الجنَّة َ لا حظرَ لها، هيَ -وربِّ الكعبةِ!- نورٌ يتلألأ، ورَيْحَانَة ٌ تَهتزُّ، وقَصْرٌ مشِيدٌ، وثمرة ٌ نضيجة ،ٌ وزوجة ٌ حسناءُ جميلة، ٌ وحُلَلٌ كثيرة، ٌ في دار ٍ سليمةٍ، وفاكهةٍ، وخَضْرَةٍ، وحَبْرَةٍ، ونَعْمَةٍ، ومَحَلَةٍ عَالِيةٍ بَهِّيةٍ"، قالوا: نعمْ يا رسولَ اللهِ! نحنُ المُشَمِّرُون. فقالَ: "قولُوا: إنْ شاءَ الله"، فقالَ القومُ: إنْ شاءَ الله. رواهُ البزارُ وابنُ ماجة.
فمنْ رَغِبَ في الحوراء فليقدمْ مهرَ الحسناء.
قالَ ابنُ القيمِ -رحمه الله- في الميمية:
يا خاطبَ الحسناء إنْ كنتَ راغباً | فهذا زَمَانُ المهر ِ فهو المقدَّمُ |
وكُنْ مُبْغِضَاً للخائنات لحُبِّها | لتحظى بِها منْ دونِهِنَّ وتَنْعَمُ |
وقالَ -رحمه الله- ُ في النونية:
يا خاطبَ الحورِ الحِسانِ وطالباً | لوصالهِنّ بجنة الحيوانِ |
لو كنت تدري مَنْ خطَبْتَ ومن طلبْـ | ــتَ بذلْتَ ما تحوي من الأثمان |
أو كنت تدري أين مسكنُها جَعلْـ | ــتَ السعيَ منك لها على الأجفان |
ومهرُ النِّساءِ في الجنَّات هو الأعمالُ الصالحات:
فاسمُ بعينيكَ إلى نِسوةٍ | مُهورُهُنَّ العملُ الصالحُ |
وحدِّثِ النفسَ بعِشْقِ الألى | في عشقهنّ المتجر الرابح |
واعملْ على الوصْلِ فقد أمْكَنَتْ | أسبابُهُ ووقتُها رائح |
ألا وصلوا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.