السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
تخاصم أصحاب الباطل؛ يتخاصمون مع أصحابهم الذين زينوا لهم الفواحش، يتخاصون مع أصحابهم الذين دعوهم للمسكرات، يتخاصمون مع أصحابهم الذين ألهوهم عن القرآن والصلوات؛ فإذا صاروا في النار جميعًا: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا) [الأعراف: 38]. كانوا إذا دخلوا عليهم يحيونهم يضحكون في وجوههم، فصاروا في النار يتلاعنون، كانوا إذا...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
إن الله -تعالى- حكم بين العباد، فقضى عليهم بالموت والحساب يوم المعاد، يومٌ تشخص فيه الأبصار، وتبعث فيه الأرواح والأجساد: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [النحل: 111].
في هذا اليوم ينقسم الناس فريقين: (يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) [الروم: 14- 16].
يومئذ يوم الفوز والبوار، يتخاصم فيه أهل النار.
فأما أهل النار، ففي النار -أجاركم الله- يتخاصمون.
وأما أهل الجنة، ففي الجنة -هداكم الله- يتقابلون، فأيّ شيء يقولون؟ ولماذا يختصمون؟
يتخاصم أهل النار؛ كفرة وفجرة وعصاة ومستكبرون، يتخاصم أهل النار الذين لا يصلون، ولا من الله يخافون، يتخاصمون مع كبرائهم وأسيادهم وقدواتهم في الضلالة والعصيان والمجون.
إذا رأوا النار -عباد الله- أيقنوا أنهم كانوا على ضلال، أيقنوا أنهم صائرون إلى الأغلال، فتصايحوا: (رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) [فصلت: 29].
فلما يرونهم، يرون زعمائهم وشركائهم: (قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ) [النحل: 86].
يتبرؤون منهم، ويكفرون بشركهم، فإذا بهم يتخاصمون: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ) [غافر 47].
يترجونهم كما كانوا في الدنيا لهم عبيد من دون الله، يطيعونهم في معصية الله، أنتم الذين قلتم لنا في الدنيا: (اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ) [العنكبوت: 12]؟
(إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ) فتأتيهم الإجابة: (قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ) [إبراهيم: 21].
أضلوهم، ثم ضلوا عنهم، تبرأوا منهم: (وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ) [البقرة: 166].
فأي خصومة أعظم من هذه؟ (قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [الشعراء: 96- 98].
ثم رجعوا إلى أنفسهم يقولون: (وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء: 99 - 102].
(كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة: 167].
فأي حسرة؟ (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) [الأحزاب: 66 - 68].
فأما أصحاب الجنة، الذين أطاعوا الله والرسول، واتبعوا الكتاب والسنة، ففي الجنان يتقابلون، وعلى الأرائك يتكئون: (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الزخرف: 71].
أتدرون ماذا يقولون؟ وبأي شيء يتخاطبون؟
(وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف: 43].
(فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنعام: 81].
(أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) [مريم: 73]؟
ويعظم التنادي، فيسمع أهل النار أهل الجنة وهم ينادون: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 44].
اللهم فلا تجعلنا مع الظالمين، واحشرنا برحمتك مع المتقين.
أيها الإخوة: (إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) [ص: 64].
ويتخاصم أصحاب الباطل؛ يتخاصمون مع أصحابهم الذين زينوا لهم الفواحش، يتخاصون مع أصحابهم الذين دعوهم للمسكرات، يتخاصمون مع أصحابهم الذين ألهوهم عن القرآن والصلوات؛ فإذا صاروا في النار جميعًا: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا) [الأعراف: 38].
كانوا إذا دخلوا عليهم يحيونهم يضحكون في وجوههم، فصاروا في النار يتلاعنون، كانوا إذا دخلوا عليهم رحبوا بهم؛ فلما صاروا في العذاب قال بعضهم لبعض: (هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ) أتدرون ماذا قالوا؟ (لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ) [ص: 59].
اليوم يقول: أهلاً وسهلاً بالعاصين، وغدًا يقول: (يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [الزخرف: 38].
أيها الإخوة الكرام: (إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) [ص: 64].
فاسمعوا للمخاصمة، يوم الجميع بين يدي الله موقوفون، وعلى أعمالهم مسئولون، وبمعاصيهم يجازون، اسمعوا للمخاصمة: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سبأ: 31 - 33].
يبكون ويتحسرون؛ أنسيتم يوم قلتم لنا: لا تعقدوا أنفسكم ما زلتم شباب؟ أنسيتم يوم قلتم لنا: كلوا وتمتعوا وانسوا يوم العذاب؟ أنسيتم يوم منعتمونا من الهدى وصددتمونا من الطيبين؟ أنسيتم يوم أنسيتمونا يوم الدين؟ (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ * فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ) [الصافات 27- 32].
وتخاصموا بين يدي الله: (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ) [ق: 27-28].
فأين صحبة الباطل في الدنيا؟
(مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ) [العنكبوت: 25].
وأما أصحاب الجنة؛ فهنيئًا لكم يا أصحاب الجنة، يا من تصاحبتم على طاعة الله، يا من ترافقتم ابتغاء مرضاة الله.
هنيئًا لكم يا أهل المساجد والجماعة، هنيئًا لكم يا أصحاب القرآن والطاعة، هنيئًا أنتم أصحاب الجنة: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) [يس: 55 - 58].
أتدرون ماذا يقولون؟ وبأي شيء يتخاطبون؟
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) [فاطر: 34 - 35].
ويقبل صحبة الخير إلى بعضهم، ويتحاورن وهم على الأرائك متكئون: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ) [الصافات: 50 - 53].
أي هل سنحاسب على أعمالنا بعد الممات، قرين سوء يريد أن يصرفه عن طريق الجنة، ثم قال المؤمن لأصحابه في الجنة: (قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ)؟
كلمه هناك: (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)؟
أي لكنتُ معكم في العذاب، ثم التفت إلى أصحابه في الجنة، فقال لهم: (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ) [الصافات: 58 - 61].
ويعظم التنادي فيسمع أهل الجنة أهل النار، وهم ينادون: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) [الأعراف: 50].
اللهم فاجعلنا من أهل الجنة.
الخطبة الثانية:
أيها المؤمنون -عباد الله-: (أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [فصلت: 40].
ومن أعظم الخصومة يوم القيامة: يوم يتخاصم أهل النار مع أنفسهم، يتخاصمون مع أسماعهم التي استمعوا بها للحرام، يتخاصمون مع أبصارهم التي رأوا بها الحرام، يتخاصمون مع جلودهم التي متعوها بالحرام؛ فإذا صاروا عند الله رب العالمين تتبرأ منهم، وتشهد عليهم: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ) [فصلت: 19 - 22].
فاتقوا الله يا أولي الأبصار، لا تغرنكم الدنيا، فهذا مصير الفريقين: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى: 7].
نعم، قد كانوا في الدنيا كما علمتم: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) [المطففين: 29 - 33].
وليكونن يوم القيامة كما أخبر الله: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المطففين: 34 - 36].
فما أعظم تباين القريقين؟
(انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء: 21].
وتفصل الخصومة يوم القيامة، فيأمن أهل الجنة، وينقطع رجاء أهل النار، أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يؤتى بالموت يوم القيامة فيوقف على الصراط؛ فيقال: يا أهل الجنة فيطلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، ثم يقال: يا أهل النار فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت فيؤمر به؛ فيذبح على الصراط، ثم يقال للفريقين كلاهما: خلود فيما تجدون لا موت فيها أبدًا" [رواه أحمد].
وفي رواية الصحيحين: "ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) [مريم: 39].
وأشار بيده إلى الدنيا.
فاتقِ الله -يا عبد الله- ها أنت اليوم تسمع آيات الله، فلا تكن كمن أخبر الله عنهم، ثم توعدهم: (يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ) [الجاثية: 9 - 11].
اللهم فاجعلنا في أهل الجنة، وقنا برحمتك عذاب أهل النار.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك.