الوتر
كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
لقد غدا الطُّهر والعَفاف عندهم جريمة يُؤخذ بها من دعا إليها، وفي زمننا هذا نرى أبواقَ قوم لوط في الصَّحافة والإعلام تعود من جديد؛ لتؤصل للفواحش والمنكرات، وتنشرها في النَّاس، وتيسر الوصول إليها بنشر ثقافة الاختلاط والتبرُّج والسُّفور، وفرضها على النَّاس عبر إعلامهم المُضلل، مع مُحاربة دُعاة الطهر والعفاف، والافتراء عليهم، وتنفير النَّاس منهم، بالدعايات الزائفة، والقصص الواهية، و...
الحمد لله العليِّ الأعلى، خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، وكل شيء عنده بأجل مسمَّى، نحمده حمدَ الشاكرين، ونستغفره استغفار المُذنبين، ونسأله من فضله العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له؛ ابتلى عباده بالدين، وبه قسمهم فريقَيْن: فريقًا في الجنة وفريقًا في السعير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أعظم المحتسبين، وأفضل الخلق أجمعين، احتسب على أُمَّته، فهداهم إلى الحقِّ، وحذَّرهم من الباطل، ومات يوم مات وقد تركنا على بيضاءَ نقيَّة، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، أعلى هذه الأُمَّة منزلة وفضلاً، وأزكاها علمًا وعملاً، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، وقَدِّموا في دُنياكم ما تجدونه غدًا أمامكم، واعملوا في حياتكم ما يكون أنيسًا لكم في قبوركم، واعلموا أن الأيام تمضي، وأن الأعمار تنقص، ولا ينفع العبدُ إلاَّ الإيمان والعمل الصالح؛ ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ) [البقرة: 197].
أيُّها الناس: بعث الله -تعالى- رسوله محمدًا -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى الناس كافَّة؛ ليُخرجهم من الظُّلمات إلى النور، فيهدي ضالهم، ويعلِّم جاهلهم، ويأخذ على أيدي السُّفهاء والمفسدين منهم؛ لئلا يهلك الناس بسببهم؛ فإنَّ من سنة الله -تعالى- في عباده أنَّ المنكر إذا فشا فيهم، وأُعلن بينهم، ولم ينكره أحدٌ منهم - فقد استوجبوا العقاب، واستحقُّوا العذاب؛ ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ ) [الأنفال: 25].
لقد كانت حياة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كلها احتساب على الناس في تصحيح عقائدهم وعباداتهم ومعاملاتِهم، وتهذيب أخلاقهم وتقويم سلوكياتهم، وهدايتهم إلى ما يُصلحهم في الحال والمآل؛ ( يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [المائدة: 16]، وما من مجال من مجالات حياة الناس وشؤونهم إلاَّ وللنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- فيه احتساب؛ يصوِّب خطأهم فيه، ويُقوِّم اعوجاجهم، ويدلهم على الصواب فيه.
لقد شمل النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- باحتسابه كافَّة شرائح الناس، فاحتسب على المشركين، وعلى المنافقين، وعلى أهل الكتاب، كما احتسب على المؤمنين، واحتسب على الرِّجال والنِّساء، والكبار والصِّغار، وأشراف الناس وعامتهم؛ فهو رحمةُ الله -تعالى- المهداةُ للعالمين، وهو نعمته المسداة للناس أجمعين؛ ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [الأنبياء: 107].
وكما وسع -صلَّى الله عليه وسلَّم- باحتسابه النَّاس كلهم، فإنَّه كذلك شمل كافَّة المجالات المتعلقة بالدِّين والدُّنيا؛ فاحتسب على الناس في عقائدهم وعباداتهم يصححها، ويهديهم إلى أصوبها، واحتسب عليهم في أخلاقهم وسلوكياتهم يُقوِّمها ويهذبها، واحتسب عليهم في اقتصادهم وسياساتِهم ومعاملاتهم؛ ليرفعَ ظلم الظالمين، وينصف المظلومين، وكان -عليه الصلاة والسلام- قدوة للمصلحين المحتسبين من أمته.
لقد وقف -عليه الصلاة والسلام- في وجوه المشركين يَنهاهم عن الشرك، ويدعوهم إلى التوحيد، وضُرب في سبيل ذلك وجُرِحَ وأُدْمِي وخُنق، وأُخرج من بلده مهاجرًا إلى الله -تعالى- وأمضى -صلَّى الله عليه وسلَّم- عمره كله يُصحح العقائد، ويَدعو إلى التوحيد، وينهى عما يُذْهبه أو يذهب كماله.
وفي غزوة حُنَيْنٍ رأى أصحابه -رضي الله عنهم- سدرة للكفار يعكفون عندها، ويعلقون أسْلِحَتهم عليها، تُسمَّى "ذات أنواط"، فقالوا: يا رَسُولَ الله، اجْعَلْ لنا ذَاتَ أَنْوَاطٍ، فقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: " قُلْتُمْ والذي نفسي بيده، كما قال قَوْمُ مُوسَى: (اجْعَلْ لنا إِلَهًا كما لهم آلِهَةٌ قال إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ )، إنها لَسُنَنٌ، لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَن كان قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّةً "؛ رواه أحمد.
وحضر -صلَّى الله عليه وسلَّم- المشركين، وهم يشركون في تلبيتهم، فكان -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُنكر عليهم، ويقول: " وَيْلَكُمْ قَدٍ قَد ".
وما كان -صلَّى الله عليه وسلَّم- يرضى بالغُلُو، ولو في مدحه -عليه الصلاة والسلام- وأخطأت امرأةٌ، فقالت: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ ما في غَدٍ، فنهاها -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن ذلك، ولما أشركه رجلٌ مع الله -تعالى- في اللفظ، وقال: ما شَاءَ الله وَشِئْتَ، غضب النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وقال له: " أجعلتني وَاللهَ عَدْلاً، بَلْ ما شَاءَ الله وَحْدَهُ " رواه أحمد.
ومن احتسابه -صلَّى الله عليه وسلَّم- في العبادات: أن رَجُلاً تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ على قَدَمِهِ، فَأَبْصَرَهُ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: " ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ " رواه مسلم.
وأنكر -صلَّى الله عليه وسلَّم- على المسيء في صلاته عدمَ طمأنينته فيها، وأمره بإعادتها حتَّى أحسنها.
وأمَّا ما يتعلق بمعاملات النَّاس وعقودهم وتجاراتهم، فإنه -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنكر ما فيه ظلم منها، ونهى عن الغَرَر والغِشِّ والاحتكار، وعن كل ما يسبب الضرر للناس، وله -عليه الصلاة والسلام- مواقفُ عملية احتسب فيها على الغشاشين في بيوعهم، ومن ذلك ما رواه أبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مَرَّ على صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فيها، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً، فقال: " ما هذا يا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟! " قال: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يا رَسُولَ الله، قال: " أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ؛ كَيْ يَرَاهُ الناس؟! من غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي " رواه مسلم.
بل إنَّ الاحتسابَ على النَّاس في مُعاملاتهم، وإنكار ما يقع من المنكرات في أسواقهم، ومعاقبتهم على المنكر بالضرب - كان سلوكًا عامًّا، ونظامًا ظاهرًا في عهد النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما دلَّ عليه حديثُ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: إنَّهُمْ كَانُوا يُضْرَبُونَ على عَهْدِ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا اشْتَرَوْا طَعَامًا جِزَافًا أَنْ يَبِيعُوهُ في مَكَانِهِمْ، حتى يؤوُوه إلى رِحَالِهِمْ؛ رواه البخاري ومُسلم.
وأورد البُخاري -رحمه الله تعالى- عقب هذا الحديث حديثَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قالت: ما انْتَقَمَ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لِنَفْسِهِ في شَيْءٍ يُؤتى إليه، حتَّى تنتهك من حُرُمَاتِ الله فَيَنْتَقِمَ لله.
وإنَّما فعل البخاري ذلك؛ لِيُدلل به على أنَّ من هدي النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- معاقبةَ أهل المنكرات الذين ينتهكون مَحارم الله -تعالى- بما يردعهم عن غَيِّهم، ويحفظ المجتمعات من مُنكراتهم، خلافًا لما يدعو إليه المفسدون في الأرض، من ترك الناس أحرارًا يفعلون ما يشاؤون، زاعمين أن هيئات الحسبة تضايق النَّاس في أسواقهم، يقولون ذلك بدعوى الحرية الغربية التي أسكرتهم، وأفقدتهم صوابهم، وما هيئات الاحتساب في الأسواق وغيرها إلاَّ لحفظ أمن المسلمين وأعراضهم، ورَدْع أهل الغَيِّ والفساد؛ ولكن المفسدين يقدمون أهواءهم على شريعة ربِّهم - تبارك وتعالى - ويركبون من أهوائهم ما يشاؤون؛ ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ الله إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [القصص: 50].
يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- تعليقًا على حديث الضرب على الغِشِّ في الأسواق: " ويُستفاد منه جواز تأديب مَن خالف الأمرَ الشرعي، فتعاطى العقود الفاسدة بالضَّرب، ومشروعية إقامة المحتسب في الأسواق ".
ويقول العلامة السندي - رحمه الله تعالى -: " هذا أصل في ضرب المحتسب أهل الأسواق، إذا خالفوا الحُكم الشرعي في مُبايعاتِهم ومعاملاتهم ".
واحتسب النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- على النَّاس في إصلاح أخلاقهم وسلوكياتِهم وعاداتهم، كيف وهو القائل -صلَّى الله عليه وسلَّم-: " إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ " رواه أحمد؟!
ومن احتسابه -صلَّى الله عليه وسلَّم- في ذلك: ما رواه ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: كان الْفَضْلُ رَدِيفَ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ من خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إليه، فَجَعَلَ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ؛ رواه الشيخان، وجاء في رواية أخرى عند أحمد من حديث علي - رضي الله عنه -: فقال له الْعَبَّاسُ: يا رَسُولَ الله، ما لك لَوَيْتَ عُنُقَ ابن عَمِّكَ؟ قال: " رأيت شَابًّا وَشَابَّةً، فَخِفْتُ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا ".
وكان -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُنكر على الأفرادِ ما يَقع منهم، من خللٍ في الآداب والأخلاق والسُّلوك؛ كما في حديث المِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ - رضي الله عنه - قال: أَقْبَلْتُ بِحَجَرٍ أَحْمِلُهُ ثَقِيلٍ، وَعَلَيَّ إِزَارٌ خَفِيفٌ، قال: فَانْحَلَّ إِزَارِي وَمَعِيَ الْحَجَرُ، لم أَسْتَطِعْ أَنْ أَضَعَهُ حتى بَلَغْتُ بِهِ إلى مَوْضِعِهِ، فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: " ارْجِعْ إلى ثَوْبِكَ فَخُذْهُ، ولا تَمْشُوا عُرَاةً " رواه مسلم.
وأنكر -صلَّى الله عليه وسلَّم- على مَن أكل بشماله، ولما أَصرَّ على ذلك بدعوى أنَّه لا يستطيع، دعا عليه، فشلَّت يده،ولما رأى الغلامُ تطيش يده في الصَّحْفَة علمه كيف يأكلُ، ورأى رجلاً قد لبس خاتمًا من ذهب، فنزعه من يده وطرحه، ولم يستأذنه، وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: " يَعْمِدُ أحدكم إلى جَمْرَةٍ من نَارٍ فَيَجْعَلُهَا في يَدِهِ " رواه مسلم.
فأين دُعاة الحرية الشخصيَّة من هذه الأحاديث التي تدخَّل فيها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- في خصوصيَّات الناس، وهذَّب سلوكيَّاتِهم، ودلَّهم على ما ينفعهم، وحجزهم عمَّا يضرهم؟!
وهو يفعلُ ذلك عن الله - تبارك وتعالى -: ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ) [النَّجم: 3-4]، والإسلام دين العبودية لله -تعالى- والاستسلام له بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشِّرك، والبراءة منه ومن أهله، وما الحُرِّية الغربية التي طار كثيرٌ من النَّاس بها إلاَّ وثنًا يُعبد من دون الله -تعالى- وهي تُعارض الاستسلامَ له -عزَّ وجل- كفى الله المسلمين شرَّها وشر دُعاتِها، وردَّهم على أعقابهم خاسرين، وحفظ بلادَنا وبلاد المسلمين من ضلالِهم وإفسادهم؛ إنه سميع مجيب.
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده ونشكره، ونتوبُ إليه ونستغفره، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى -أيها المسلمون- وأطيعوه؛ ( وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [آل عمران: 131 - 132].
أيُّها الناس: حملات أهل الفساد، وأرباب المنكرات على أهل الصَّلاح والإصلاح - قديمةٌ في البشر، منذ أنْ كان فيهم إيمان وكفر، وخير وشر، وحق وباطل، وقديمًا قال المفسدون من قوم لوط -عليه السلام-: ( أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) [النمل: 56].
وما سبب هذا الإخراج إلاَّ لأنَّ لوطًا -عليه السلام- نهاهم عن الفواحش التي كانوا يأتونها، ودعاهم إلى الطهر والنقاء والعَفاف، فكانت دعوته هذه هي الجريمةَ التي أرادوا إخراجه -عليه السلام- بسببها.
لقد غدا الطُّهر والعَفاف عندهم جريمة يُؤخذ بها من دعا إليها، وفي زمننا هذا نرى أبواقَ قوم لوط في الصَّحافة والإعلام تعود من جديد؛ لتؤصل للفواحش والمنكرات، وتنشرها في النَّاس، وتيسر الوصول إليها بنشر ثقافة الاختلاط والتبرُّج والسُّفور، وفرضها على النَّاس عبر إعلامهم المُضلل، مع مُحاربة دُعاة الطهر والعفاف، والافتراء عليهم، وتنفير النَّاس منهم، بالدعايات الزائفة، والقصص الواهية، واختلاق الأكاذيب والأساطير على الحسبة والمحتسبين، ولو جُمعت كذبات دُعاة الرذيلة من الصَّحفيين والإعلاميين في الحسبة والمحتسبين في السنوات الأخيرة، لبلغت مجلدات من كثرتها، فما أكثر كذبهم! وما أشدَّ افتراءَهم! وما أعظم جرأتَهم على الله -تعالى- وشريعته!
إنَّه لا يُعادي الحسبة والمحتسبين إلاَّ مرضى القُلُوب، وصرعى الشَّهوات، وعبيد الملذات، يُعادونهم؛ لأنَّهم حالوا بينهم وبين شهواتهم المحرمة، إنَّهم يريدون هتك الأعراض، واللعب بالحرائر بلا رادع يردعهم، ولا وازع يمنعهم، ولا سلطان يزعهم، وسلوا المدمنين على المُخدِّرات: هل يُحبون أجهزة مُكافحتها أو يكرهونهم؟!
إنَّه لا يُعادي دُعاة الطُّهر والعفاف إلاَّ أرباب الرذيلة والشَّهوات، كما أنه لا يُعادي أجهزة مُكافحة المخدِّرات إلاَّ مهربوها ومُروِّجوها ومُتعاطوها، والمعادون للحسبة والاحتساب ما هم إلاَّ مُتعاطون للرذيلة ويروجون لها، كما عادى قومُ لوط لوطًا - عليه السلام - على طُهره وعَفافه، وفتِّشوا عن سير المعادين للحسبة والمحتسبين وجلسائهم، ورحلاتهم تُنبِئكم عن أحوالهم في خلواتهم.
ولكن العتب كلَّ العتب على عامَّة الناس، الذين يرون المُنافقين والشهوانيين يُحاربون الحسبة والمحتسبين، ويَتسلَّقون على الناس بيوتهم بأفكارهم الضَّالة، وآرائهم الكاسدة عبر الإعلام المفسد؛ ليهتكوا حرمات البيوت الآمنة، بعد أن انتهكوا حرمات الله -تعالى- وجاهروا بمنكراتهم - ولا ينكرون ذلك عليهم، ولا يظهرون ولاءهم للحسبة والمحتسبين، وهم مُحتاجون إليهم في رفع العقوبات، وردع المجرمين الشهوانيين عن محارم المسلمين، وكأنَّ الأمر لا يعنيهم؛ وربنا - جل في علاه - يقول: ( فَلَوْلا كَانَ مِنَ القُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ) [هود: 116 - 117].
ولا ينجو من عذابِ الله -تعالى- إلاَّ مَن انْحاز إلى المصلحين على المفسدين؛ كما قال الله -تعالى-: ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) [الأعراف: 165]، فليخترْ كلُّ عبدٍ لنفسه، ولْينظر أين نفعه، وغدًا عند الله -تعالى- تجتمع الخصوم.
وصلوا وسلموا على نبيكم...