البحث

عبارات مقترحة:

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

التعليق والإشارة على الشرك والتوحيد والزيارة

العربية

المؤلف خالد بن علي أبا الخيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التوحيد
عناصر الخطبة
  1. التوحيد دين الأنبياء جميعا .
  2. أهمية كلمة التوحيد .
  3. حقيقة التوحيد .
  4. أهمية التوحيد وفضله .
  5. المقصود بالتوحيد والشرك .
  6. من صور الشرك ومظاهره .
  7. شروط الاستغاثة والاستعانة والاستعاذة بالمخلوق .
  8. أقسام زيارة القبور وحكم كل قسم .
  9. آداب زيارة قبر الرسول والسلام عليه وعلى صاحبيه .
  10. أمور محرمة تفعل عند القبور .

اقتباس

اعلم –يا رعاك الله-: أن شهادة التوحيد قامت لها الأرض والسماوات، وخلقت من أجلها جميع المخلوقات، ولها أرسل الله الرسل، وأنزل كتبا، وشرع شرائع، ولأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخلقية إلى المؤمنين والكفار، هي منشأ الأمر والخلق، والثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة، وعليها أسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، وهي...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مجيدا.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله واعبدوه ووحدوه.

أيها الإخوة المسلمون: اعلموا -وفقني الله وإياكم-: أن الله أرسل الرسول ليدعو إلى توحيده، وإخلاص العبادة له، ولهذا كانت دعوته مبدأها وأصلها، أولها وآخرها أن: (اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: 65].

وكما قال عز وجل: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)[النحل: 36].

وقال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 25].

وفي الصحيحين: "نَحْنُ مَعَاشِر الْأَنْبِيَاء أَوْلَاد عَلَّات، دِيننَا وَاحِد، وشرائعنا مختلفة".

(لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)[المائدة: 48].

فالدين في التوحيد دين واحد

لم يختلف منهم عليه اثنان

دين الإله اختاره لعباده

ولنفسه هو قيم الأديان

إذا عرفت ذلك -أخي في الله- فاعلم -يرعاك الله-: أن شهادة التوحيد قامت لها الأرض والسماوات، وخلقت من أجلها جميع المخلوقات، ولها أرسل الله الرسل، وأنزل كتبا، وشرع شرائع، ولأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخلقية إلى المؤمنين والكفار، هي منشأ الأمر والخلق، والثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة، وعليها أسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، وهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وعنها يسأل الأولون والآخرون.

أيها المؤمنون: إذا عرفتم ذلك، فحقيقة التوحيد، هي: تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك، والبدع والمعاصي.

عباد الله: إن الإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله سواه، ولا يقبل من العبد صلاة ولا صوما، ولا زكاة ولا حجا، ولا غير ذلك إلا به: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85].

لأن غير الموحد مشرك، والمشرك عمله حابط، وذنبه غير مغفور، ومأواه النار، والجنة عليه حرام، إن مات على ذلك -عياذا بالله من المهالك-: (وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[الأنعام: 88].

وقال سبحانه: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا)[الفرقان: 23].

(إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)[المائدة: 72].

والشرك لمن يريد تعريفه ليكون منه على بينه، فهو: دعوة غير الله مع الله، فيما هو من خصائص الله، أو هو عبادة غير الله مع الله، وهو أعظم المنهيات، وأكبر الموبقات والمهلكات.

وأما التوحيد، فهو: إفراد الله بالعبادة، هو إخلاص العبادة لله وحده، وإفراده بالربوبية والألوهية، والأسماء والصفات.

والتوحيد هو أول المأمورات، وأعظم الواجبات، والتوحيد هو الأساس والأصل، وعليه تبنى الأعمال وتقبل، والموحد مآله إلى الجنة -بإذن الله-.

إخوة العقيدة: العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه.

ثم العبادة اسم جامع

لكل ما يرضى الإله السامع

والعبادة كلها لله: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن: 18].

ومن فرض شيء من العبادة لغير الله فقد أشرك بالله: (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)[المؤمنون: 117].

والعبادة مبناها على الذل والخضوع والخشوع، قال ابن القيم -رحمه الله-:

وعبادة الرحمن غاية حبه

مع ذل عابده هما قطبان

وعليهما فلك العبادة دائر

ما دار حتى قامت القطبان

ومما فشا وانتشر، وفي بقاع شتى من البشر: الدعاء لغير الله، وهو سؤال مغفرة الذنوب، وستر العيوب، وشفاء المريض، ورد الغائب، وطلب الولد، وسعة الرزق، وتفريج الكروب، وكشف الهموم، وهذا وأمثاله من المطالب، وسؤال غير الله وطلب الرغائب من المسائل والشرك الأكبر المنافي للتوحيد، ومن فعل ذلك فقد فعل لله ندا وشريكا.

ومن الأنواع التي تصرف لغير الله مما فشا وذاع: الذبح لغير الله، كمن يذبح لقبر، أو ولي، أو جني، أو شيطان، أو سيد، أو ضريح، أو غير ذلك، فقد أشرك بالله: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ)[الأنعام: 162- 163].

ومنها: النذر؛ كمن ينذر لغير الله، كالنذر للقبور والشياطين والأولياء، كم يقول: إن شفى الله مريضي لأذبحن كذا وكذا، أو إن تزوجت لأذبحن شاة لفلان أو علان.

ومن نذر لغير الله فقد أشرك لله، وجعل معه إله آخر.

وكذا منها: الاستعانة والاستعاذة والاستغاثة، والرجاء والمحبة، والتوكل والخشوع والخشية، والخضوع والإنابة، والسجود والانحناء، والتعظيم والحكم والتشريع، كل ذلك لله وحده لا شريك له.

فمن صرف شيئا من ذلك لغير الله فقد أشرك بالله.

وصرف بعضها لغير الله

شرك وذاك أقبح المناهي

ومما ينبغي الانتباه إليه: أن الاستغاثة والاستعانة والاستعاذة بالمخلوق جائزة بشروط ثلاثة إذا توفرت جازت، وإذا اختلت أو أحدها فهي شرك.

الأول: أن يكون حيا، فخرج الميت، كمن يستعيذ ويستعين بالأموات، وأصحاب القبور.

الثاني: أن يكون حاضرا يسمع، أو في حكم الحاضر؛ كمن يخاطب أخاه بالهاتف، أو النت، أو المكاتبة، أو المفاكسة، فمن استغاث بالغائبين، أو ناد الغائبين والشياطين، أو الجن، أو غير ذلك، فقد أشرك برب العالمين.

الثالث: أن يكون قادرا على ما يطلب منه؛ كأن يكون قادرا على حمل المتاع، أو شفاعة، أو قضاء دين، أو كفاية عدو، أو إنقاذ من غرق، أو حرق، ومن استعان أو استغاث بالعاجزين، وغير المستطيعين، فقد أشرك برب العالمين.

فالاستغاثة والاستعانة والاستعاذة بالأموات والشياطين من الشرك الصراح، والكفر البواح؛ لأن الميت قد انقطع عمله، وهو بحاجة إلى الدعاء لا أن يٌدعى.

ومما يعبد من دون الله كالجن والشياطين والدنيا والهوى.

ومن ذلك: ارتكاب نواقض الإسلام، أو بعضها، والردة في فعل، أو كلام.

والشرك نوعان فشرك أكبر

به خلود النار إذ لا يغفر

وهو اتخاذ العبد غير الله

نداً به مساويا مضاهي

والواجب: إخلاص العبادة لله، وأن لا يدعى إلا الله، وأن لا يسأل إلا الله.

وعلينا صرف العبادة، وتحقيق "لا إله إلا الله" فهي تنفي جميع ما يعبد من دون الله، وتثبت العبادة لله وحده؛ كالآلهة الباطلة، والمعبودات الضالة كلها تهوي بصاحبها إلى جهنم، وبئس المصير، والإله الحق هو الله، والمستحق للعبادة هو الله: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)[الحج: 62].

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

وبعد:

عباد الله: ومما له علاقة بالموضوع واتصال بما سبق مما هو مسموع: زيارة القبور، وهي على ثلاثة أقسام، فانتبهوا لها يا ذوي العقول والأفهام.

الأولى: سنة مشروعة، وعن الرسول مرفوعة، وهي زيارة القبور لتذكر الآخرة، ووعظ النفس بما ستؤول إليه، وتذكر الوحدة والانفراد في الغربة، وكذا الدعاء للأموات، ولم يشد الرحال لها، وزيارة القريب والبعيد، والدعاء له.

وقد ثبت في الصحيح: "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة".

وثبت الزيارة من فعله عليه الصلاة والسلام ومن قوله: "استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي".

فإن نوى الزائر فيما أضمره

في نفسه تذكرة بالآخرة

ثم الدعا له وللأموات

بالعفو والصفح عن الزلات

ولم يكن شد الرحال نحوها

ولم يقل هجرا كقول السفها

فتلك سنة أتت صريحة

في السنن المثبتة الصحيحة

وصفة الزيارة -أيها الإخوة-: إذا زار المرء أخا، أو أبا، أو قريبا، أو حبيبا، فليأت عند رأسه مستقبلا رأسه، ويقول: السلام عليك يا والدي، أو يا والدتي، وإن سماهما فلا بأس.

وكذا: السلام عليك يا صديقي، أو يا قريبي، أو يسميهما.

ثم إذا أراد أن يدعو له ينحرف ويستقبل القبلة، ويدعو له فقط، لا يدعو لنفسه حماية لجناب التوحيد، وسدا لذرائع الشرك.

وإن سلم لمن يريد السلام عليه دون الذهاب إلى قبره وحده فله ذلك، فالأمر في ذلك واسع، أو خص أو عمَّ، فله ذلك.

وأما بالنسبة لزيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيأتي إليه ويستقبله، ويقول: "السلام عليك يا رسول الله"، ثم يتقدم قليلا، ويقول: "السلام عليك يا أبا بكر"، ثم يتقدم قليلا، ويقول: "السلام عليك يا عمر"، ولا يتحرى الدعاء عند قبره، حتى وإن استقبل القبلة.

ومما هو أشنع وأفظع: أن يدعو الله مستقبلا رسول الله.

ويسلم عليه إذا قدم من سفره في مرة واحدة، وأما تكرار زيارته في سفرة واحدة، أو المقيم في المدينة يكررها، فهذا مما لا أصل له، فلم يكن الصحابة يترددون على قبره، أو يخصون زيارته بيوم أو ساعة، وكذا لم يكن للنساء تخصيص للزيارة.

ومما ينبغي أن يعلم: أنه لا يجوز تخصيص القبور والزيارة بيوم مخصوص؛ كالعيدين وعرفة وعاشوراء، والخميس والجمعة، وهكذا، أو غير ذلك من الأيام.

إذ التحديد والتخصيص يحتاج إلى دليل، فزر متى شئت، أو سنح لك وقت.

وعند الزيارة: إياك أن تتحرى الدعاء عند القبور.

وليعلم: أن الزيارة لبها وفائدتها تليين القلب القاسي، والردع عن المعاصي، وإيقاظ النفس عن الغفلة، والاستعداد للآخرة.

القسم الثاني: أن يقصد بزيارته الدعاء، والتوسل عند القبور، ورجا تحري الدعاء عند القبور، أو الرجل الصالح، أو شد الرحال لها، والسفر إليها، أو فعل عبادة عندها رجا قبولها، فهذا القسم من الزيارة المبدعة المحدثة.

أو قصد الدعاء والتوسلا

بهم إلى الرحمن جل وعلا

فبدعة محدثة ضلالة

بعيدة عن هدي ذي الرسالة

والقسم الثالث: أن يقصد بزيارته دعاء المقبور، وسؤال الميت، والاستغاثة به، وطلب الحوائج، وسؤاله النفع، ودفع الضر، فهذه زيارة شركية مخرجة من الملة.

وإن دعا المقبور نفسه فقد

أشرك بالله العظيم وجحد

لن يقبل الله تعالى منه

صرفا ولا عدلا فيعفو عنه

إذ كل ذنب موشك الغفران

إلا اتخاذ الند للرحمن

وختاما: فمما يفعل عند القبور، وهو من المحرمات، ومحدثات الأمور، والقول المأثور؛ كالتمسح بالقبور، والطواف بها، وحولها للتبرك، وبناء عليها القباب والأضرحة، وتجصيصها، وتزويقها، وإلقاء الستور عليها، وتنويرها، والكتابة عليها، ورفعها وتشيدها، وتعظيمها، ووضع الأشجار والأحجار والورود والزهور، وتعظيم المقابر برفعها وتشجيرها، ووضع البرادات داخلها، أو سقيا ماء فيها، بقصد القربة، واحتساب الأجر، وقراءة القرآن فيها، والصدقة والصلاة عندها، أو داخل أسوارها، فهذا وأمثاله من البدع المحدثة، المخالفة للسنة المطهرة.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...