الكريم
كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...
العربية
المؤلف | ناصر بن يحيى الحنيني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله |
كفل الإسلام للمرأة كاملَ حقوقِها، فحرم ظلمَها والبغيَ عليها، والتعدي على حقها، وحرم عضلها، ومنعها من الزواج، وكفل لها حق المطالبة بأن تتزوج بالرجل الكفء الذي يصلح لمثلها إن منعها، وظلمها ولي أمرها، وأمر بإعطائها جميع حقوقها العاطفية من الرحمة والشفقة، والحنان والمحبة من زوجها، والإحسان إليها، وإشباع غريزتها، وحرم هجرها من غير ذنب ولا جريرة. ولهذا أعلن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي الخلق فسوى، وجعل من الزوجين الذكر والأنثى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى، والصلاة والسلام على خير ولد آدم وحوى، وعلى آله وأصحابه أولى النهى، وعلى زوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين النجباء، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم في السرائر تبلى.
أما بعد:
أيها المسلمون: إن الله -سبحانه- من صفاته: الحكيم العليم، ومن حكمته: أنه خلق الخلق، وشرع لهم ما يصلحهم كل على حسب خلقته، ومن بديع صنعه: أن جعل نسل بني آدم زوجين اثنين الذكر والأنثى، فظهرت حكمته، وظهر واسع علمه فيما شرع، فما سعدت البشرية في شتى مجالاتها، وتعدُّدِ اتجاهاتها، بغير هدي الإسلام، وشريعة الملك العلام، في كل نواحي الحياة: الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، وغيرها، وصدق الله إذ يقول: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [المائدة: 7].
أيها المسلمون: ومن القضايا التي أولاها الإسلام عناية كبرى، ومنحها مزيةً عظمى: "قضية المرأة".
نعم قضية المرأة التي لم يستطع أي دين أن ينصفها أو يسعدها غير دين الإسلام، بل إنني أقول: إن الإسلام جعل المرأة بشريعته الخالدة سرَّ نجاحٍ، وعامل بناء، وعنوان أمة رائدة، وصمام أمان، فالإسلام لم يقتصر على سعادتها، بل جعلها سببَ إسعادِ المجتمعِ كلِّه، فقد قص الله لنا في كتابه المقدس المبُرَّإِ من كل عيبٍ ونقص؛ كيف لا يكون كذلك، وكلامه أحسن كلام في الوجود، وهو صفته التي اتصف بها سبحانه قص لنا قصص نساء رائدات في عصرهن للعفة والطهر، وداعيات للخير والبر.
فمريم -عليها السلام-، قال سبحانه عنها: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 42].
وجاء في الحديث الصحيح كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: "خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد".
قال الحافظ [في الفتح6/543]: "خير نسائها مريم أي نساء أهل الدنيا في زمانها"أ. هـ.
وخذ مثالاً آخر، وهي: آسية امرأة فرعون المؤمنة الصابرة العاقلة الفطنة التي قدمت الباقي على الفاني، فرحمها الله ورضي عنها التي ابتليت بالطاغية فرعون، وضربت أروع الأمثلة في الجهاد والصبر على الأذى والثبات على المبدأ، قال سبحانه عنها: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[التحريم: 11].
وجاء في الصحيحين -واللفظ للبخاري- قال صلى الله عليه وسلم: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".
ويسطر لنا الكتاب العزيز عفةَ امرأةٍ ثالثة ما عرف التاريخ أعفَّ ولا أطهرَ منها، إنها الصديقة بنت الصديق زوجُ أحبِّ الخلق إلى الله أمُّ المؤمنين الحصان الرزان زوجته صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنها وعن أبيها-، يقول سبحانه ذاكراً أخصَّ صفاتها وهي الطهر والعفاف، فقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) إلى أن قال: (أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[النور: 23-26].
قال الحافظ ابن كثير عند هذه الآية: "هذا وعيد من الله -تعالى- للذين يرمون المحصنات الغافلات خرج مخرج الغالب المؤمنات، فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة، ولا سيما التي كانت سبب النزول، وهي عائشة بنت الصديق -رضي الله عنهما-، وقد أجمع العلماء -رحمهم الله- قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها به الذين ذكروا في هذه الآية فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن" أ. هـ.
وأما السنة المطهرة فطافحة بالأمثلة والنماذج من النساء اللاتي قدمن للمجتمع والأمة مشروعات ناجحة، وأعمال جليلة، ويكفي أن نشير إلى مثالين لم يهملا في سنة المصطفى، ولا في تاريخنا الإسلامي، فها هي: خديجة بنت خويلد سيدة نساء أهل الجنة، ضربت أروع الأمثلة في المرأة التي كانت عوناً لزوجها على أداء رسالته، ونجاحه في مهمته، وسبباً في ثباته على مبادئه، وقالت له قولتها المشهورة لما جاءها خائفاً ترعد فرائصه، لما بدأ نزول الوحي عليه، فقال لها كما في البخاري: "لقد خشيت على نفسي" فقالت: "كلا والله ما يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصلُ الرحم، وتحملُ الكل، وتكسبُ المعدوم، وتَقْري الضيفَ، وتعينُ على نوائب الحق" الحديث..
والمثال الثاني: أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين -رضي الله عنها وعن أبيها- التي ضربت المثال في البذل والجهد في نصرة الدين، ونصرة رسوله الكريم؛ جاء في البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- في حديث الهجرة الطويل: "فجهزناهما -تعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر -رضي الله عنه- أحث الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاق".
وفي رواية: "ذات النطاقين".
وتاريخ المسلمين حافل بذكر النماذج النسائية الناجحة اللاتي كن قدوات لغيرهن في شتى المجالات الحياتية، والتي نفخر بها على مر التاريخ.
وكذلك اعتنى الإسلام بالمرأة في كل تشريعاته، وجعل النساء شقائق الرجال في غالب أحكامه، فانتظم عقد المجتمع المسلم في سامق بنيانه، وتوطد البيت المسلم في ثابت أركانه، وافتخر المسلمون بين الأمم بجميل حلله وهباته.
أيها المسلمون: لا ينقضي عجب المسلم لما يعيش في مجتمع مسلم، يؤمن بالقرآن، وأنه كلام الله المنزل على رسوله الكريم، وبالنبي الكريم، وأن سنته تشريع للأمة، ومصدر من مصادر التلقي لدى أبناءها رجالاً ونساءً، وهو يسمع بين الحين والآخر من يتهم المرأة المسلمة بأنها لم تأخذ حقها، أو أنها مظلومة، أو أن القيود التي فرضت عليها سبب تخلفها، ويعنون بذلك ما من الله به عليها من الضوابط الشرعية، والأحكام السماوية.
وهنا لا بد أن نقول إن قضية المرأة هي من القضايا الأصيلة والمعتبرة، والتي يجب علينا كمسلمين أن نهتم بها كما اهتم بها سلفنا الصالح، ونعطيها حقها الذي أعطاها الله كاملاً، ولا نبخسها شيئاً من ذلك، ونراعي تغير الزمان والمكان الذي كفلته لها الشريعة بما يحفظها من الضرر، ويحفظ المجتمع من الزلل، ولا يعلم ذلك إلا أهل العلم الراسخون في العلم، وليس لكل أحد، فهم -أي العلماء- ممن ولاهم الله شؤون المسلمين، ومرجعهم فيما يشكل عليهم من نوازلهم وشؤونهم.
وسوف نتكلم في خطبة مستقلة -إن شاء الله- عن قضية مهمة لطالما سمعناها، أو شاهدناها، أو قرأناها في وسائل الإعلام المتنوعة من المطالبات التي يمكن أن نسميها مغالطات مكشوفة، ومزايدات مزيفة، وشبهات للغِرِّ مفضوحة.
وقبل أن نتحدث عن هذه المغالطات، وتلكم المزايدات، يحسن بنا في هذه الخطبة أن نذكر بقواعد مهمة، هي من الثوابت التي جاء بها القرآن صريحاً، وتواترت في سنة نبينا الكريم، والتي كفلت للمرأة السعادة في نفسها والإسعاد للمجتمع، فلا يحق لعالم ولا غيره ممن ينتسب إلى العلم والدعوة فضلاً عن أن يكون صُحُفياً مشهوراً، أو إعلامياً بارزاً، أن يشكك فيها، بلْه أن يطعن في نصوصها، فهؤلاء -أعني بعض الإعلاميين- لا ناقة لهم ولا جمل في العلم وأصوله، وقواعده ومقاصده، فهم أبعد ما يكونون عن العلم، فكما أن أهل الشريعة لا يتكلمون في الفنون الصحفية، وطرقها وأساليبها، فعليهم أن يحترموا تخصصاتهم، ولا يخوضوا بحر الشريعة، وهم لا يجيدون السباحة فيه، فيغرَقون ويُغرقون غيرهم.
ومن هذه القواعد الثابتة، والمسائل المسلمة، التي لا يجوز التشكيك ولا التلبيس فيها:
أولاً: أن الإسلام قد وفَّى وكفَّى بكل ما تحتاجه المرأة، إما تصريحاً بنص قاطع، أو جعل قاعدة عامة تندرج تحتها كلَّ المستجدات المعاصرة، فلا تحتاج بعدها المرأة إلا من يعلمها كيف تعيش في عصر العولمة، والله -سبحانه- يقول وهو العليم الخبير: (لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[المائدة: 3].
قال ابن عباس -رضي الله عنه وعن أبيه-: "أخبر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبداً، وقد رضيه فلا يسخطه أبداً"أ. هـ.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك".
وقال ذلكم الصحابي الجليل: "توفي رسول الله وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً".
بل علمهم كل شيء صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون: لا بد أن نعيش على هذه القناعة، ولتكن عقيدة مترسخة نحيا عليها، فلا تهزنا إرجافات المرجفين، ولا تأويلات المبطلين، فالخير كل الخير فيما شرع الله وسنَّهُ للمرأة، لا فيما تدعوا إليه الشرائع الأرضية.
ومع هذا لا يمنع أن تستفيد المرأة من كل مشروع يهدف إلى تعزيز هويتها، ويحافظ على كرامتها، ويجعلها عنصراً فعالاً في المجتمع، في إطار المسموح به في الشرع، ولا يكون في ذلك ذريعة ووسيلة إلى شر عظيم، يعود على المجتمع بالويل والثبور في العاجل والآجل.
ثانياً: أن الله -عز وجل- شرع أموراً تخص المرأة، لا يجوز لكائنٍ من كان أن يُشكِّكَ فيها، أو يطعنَ في نصوصها، أو يجرحَ مشاعرَ المسلمين بالدعوة إلى ما يناقضها، وخاصةً في بلدٍ الشريعةُ فيه ظاهرة، ودين الله فيه مهيمن؛ كالحجاب، وتحريم تبرجها وسفورها، والله -سبحانه- يقول عن أطهر نساء الدنيا، وهن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمهات المؤمنين، يقول عنهن: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الأحزاب: 53].
فإذا كان هذا في حق أطهر نساء العالمين، فما الظن بمن أتى بعدهن؟
فهذا أصل لا يجوز التخلي عنه ألا وهو الاحتجاب، والفصل بين الرجل والمرأة، حتى لا يقع الفساد ولا الإفساد، ويقول سبحانه بلفظٍ أشدَّ وضوحاً، وأكثرَ صراحة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)[الأحزاب59].
قال ابن عباس -كما جاء عند الطبري- في تفسير هذه الآية: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة"أ. هـ.
ولما فرَّطت المرأة في حجابها تعرضت للأذية من السفهاء والغوغاء جزاءً لتركها، أمر ربها وسبب سعادتها وهو حجابها، وقل مثل ذلك في خصوصيتها وانفصالها عن الرجال في الأعمال والدراسة، ونحو ذلك، فهذا أمر مجمع على عدم جواز الدعوة إلى ما يضاده؛ كالدعوة إلى الاختلاط مثلاً فضلاً عن السعي إلى هدمه -أي الفصل بين الجنسين- ونقضه وتزيين التنصل منه وهتكه.
ثالثاً: أن المرأة غير الرجل في طبيعتها وسلوكها وخلقتها، ولا يستطيع أحد أن يدعي خلاف ذلك من الكفار، فضلاً عن المسلمين، والله -سبحانه- قد بين ذلك، وهو الذي خلق الذكر والأنثى، فقال عز من قائل: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى)[آل عمران: 36].
وعليه فالمسؤوليات التي سوف تطالب بها المرأة يجب أن تتوافق مع طبيعتها وخلقتها، وهذا قد تكفل به دين الإسلام في شرعه وأحكامه، فلم يفرض عليها السعي لطلب الرزق ولا الاختلاط بالرجال، وتولي المسؤوليات العظام، مراعاةً لطبيعتها، ففيه إرهاق لها، فالحكمة وضع الشيء في موضعه، والظلم أن يوضع الشيء في غير موضعه، فليس من سعادتها الزجُّ بها في المصانع، ولا يصلح لها، ولا من الفخر لها أن تكون تاجرة تجوب البلاد شرقاً وغرباً، وتخالط الرجال الأجانب بدعوى هزيلة واهية أوهى من بيت العنكبوت، فأطلقوا عليها "سيدة أعمال" تغريراً وجراً لها إلى ميدان لا يوافق طبيعتها، بل يتكفل بتجارتها ومالها وكيلها الذي توكله من الرجال، فهو أقدر على ذلك؛ لأنه أليق بفطرته وفطرتها.
رابعاً: أن الإسلام قد شرع التدابير الواقية لكل ما يكون سبباً في الوقوع في الرذائل، أو يكون سبباً في ضياع المجتمع، أو تفككه وانهياره، فحرم الإسلام الزنا والفواحش، وكل ما يؤدي إليه من الخلوة بالمرأة الأجنبية، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".
أو ظهورها سافرة متبرجة، كما قال جل وعلا: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33] أو خضوعها بالقول؛ كما قال سبحانه: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) [الأحزاب: 32].
قال الحافظ ابن كثير: "هذه آداب أدب الله بها نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- ونساء الأمة تبع لهن في ذلك... ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها".
فأين هذا الأدب مما يحصل الآن من الكلام اللين والتكسر والتغنج في المقابلات المسموعة والمرئية عبر وسائل الإعلام؟
والأمر لم يقتصر على الخضوع بالقول، بل إلى الكلام الذي لا يليق أن تقوله المرأة إلا مع زوجها في بيتها؛ كعبارات الغزل والغرام التي عمت وطمت -ولا حول ولا قوة إلا بالله- وسائل الإعلام في بلاد المسلمين.
وكذلك أمر سبحانه بغض الأبصار، حتى لا تحصل الفتنة بالنساء الأجنبيات، فقال سبحانه: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى) [النــور: 30].
وقال للنساء: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) [النــور: 31].
قال الحافظ ابن كثير: "أي: ولا يُظْهرن شيئاً من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه".
وقال ابن مسعود-رضي الله عنه-: "كالرداء والثياب، يعني على ما كان يتعاناه نساء العرب من المَقْنَعة التي تُجَلِّلُ ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب، فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكن إخفاؤه" أ. هـ.
وكذلك حرم الإسلام غير ما ذكر من الأسباب المؤدية إلى الرذيلة مما يجد في عصر التقدم والحضارة، فيلحق الفرع بأصله، ويصبح الحكم واحداً، ولهذا لما حرم الزنا لم يقل سبحانه ولا تفعلوا الزنا، بل قال: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى) [الإسراء: 32].
فسبحان الحكيم الخبير، أي لا تفعلوا كل ما يقربكم، ويؤدي بكم إلى الزنا، والهداية للحق منة وفضل من الله يؤتيه من يشاء سبحانه وتعالى.
خامساً: أن الإسلام كفل لها كاملَ حقوقِها، فحرم ظلمَها والبغيَ عليها، والتعدي على حقها، وحرم عضلها، ومنعها من الزواج، وكفل لها حق المطالبة بأن تتزوج بالرجل الكفء الذي يصلح لمثلها إن منعها، وظلمها ولي أمرها، قال تعالى: (فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ)[البقرة: 232] أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف، وأمر بإعطائها جميع حقوقها العاطفية من الرحمة والشفقة، والحنان والمحبة من زوجها، والإحسان إليها، وإشباع غريزتها، وحرم هجرها من غير ذنب ولا جريرة.
ولهذا أعلن صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع للعالم كله حقوق المرأة التي كفلها الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيراً".
وقال أيضاً: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
وأمر الإسلام بحسن عشرة المرأة، والرفق بها، وأوجب النفقة عليها في كل مراحل حياتها، صغيرة أو كبيرة، متزوجة أو غير متزوجة، ولم يأمرها ولم يوجب عليها العمل والكدح؛ لأن ذلك خلاف طبيعتها التي خلقت من أجلها يبينه.
سادساً: أن الإسلام قد وجه المرأة إلى ما فيه صلاحها، وبين لها الصالح من الطالح، والفاضل من المفضول، فأمرها وحثها على القرار في بيتها، فهو أوفق لفطرتها، وأسعد لحياتها، وأنقى لبشرتها، فقال عز من قائل حكيم: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33] فهذا هو الأصل.
وجعل تربية أطفالها، والعناية بهم من أسمى وظائفها، وأشرف أعمالها، فهي التي تنتج الرجال، وتصنع الأبطال، وكل دعوة تناقض هذا الأصل، وتحرف المرأة عنه، يجب علينا كمسلمين أن نقف في وجه هذه الدعوات، رحمة وشفقة بالمرأة المسلمة، من الذين لا يريدون بها خيراً، وسوف نتحدث في خطب قادمة عن قضايا أخرى، تهم المرأة المسلمة تأصيلاً وبياناً وتوضيحاً، لكل ما يشكل من همومها وآمالها وطموحاتها، والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.