البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
العربية
المؤلف | هامل لخضر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأديان والفرق |
أما اليوم وتحت تأثير عوامل كثيرة وأساليب متنوعة استطاع النصارى أن يضعوا أقدامهم من جديد في بلدنا، لكن بصبغة غير صبغة الاستعمار، إنها صبغة التنصير والتبشير، استخدموا فيها كل الأساليب ليجلبوا الشباب لدينهم، ويبعدوهم عن دين الآباء والأجداد. جرّب هؤلاء الأعداء أبوابًا كثيرة ومسالك خطيرة في تشويه الإسلام وتقويض حصونه من الداخل، سلكوا مسالك شتى لضرب الإسلام وعرقلة انتشاره وظهوره، فما كان من بعض الأغرار إلاّ أنهم أصغوا إليهم، بل وانساقوا معهم إلى هاوية الكفر والضلال...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه، واللجوء إليه في السرّاء والضراء والسَّعَة والضيق، فما خاب من اتقاه، ولا أيِس من رجاه، ولا ذلّ من اعتصم به، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
أيها المسلمون: أعظمُ نعمةٍ منَّ الله بها على عبادِه هدايتُهم للإسلام، فالإسلامُ أعظمُ النّعم وأجلّها وأكبرُها قدرًا، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينًا).
دينُ عقيدةٍ وعمل، (وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُواْ الصَّلاةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ).
دينُ دعوة وعلمٍ وهدى، (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
دينُ العدلِ والإحسان، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
دينٌ جاء ليبقَى، فقد كُتِب له الخلود والبقاء، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ).
دينٌ محفوظ بحِفظ الله له من أن تتطرَّقَ له أيدي العابثين زيادةً أو نقصانًا، تحريفًا أو تغييرًا، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
دينٌ ضمِن الله لأهلِه أن يكونَ في الأرض من يقيم حجَّةَ الله إلى أن يرِث الله الأرضَ ومن عليها، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) [النور: 55]. وفي الحديث الصحيح: "ولا تزال طائفةٌ من أمّتي ظاهرين على الحقّ، لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفَهم حتى يأتيَ أمرُ الله".
دينٌ شرعَه الله -جلّ وعلا-، وبعث بِه عبدَه ورسولَه محمّدًا، ليس هذا الدين نتيجةً أفرزتها عقولُ البشَر ولا تجاربُها، وليست حضارةً مرّت فعبرت وانقطع ذكرُها، وليس هذا الدينُ فقرةً ثقافيّة أملاها التِقاء العقولِ والثقافات، ليست طفرةً فكرية أنشأها التقاءُ العقول والثقافات، ولكنّه التشريع من الحكيم الحميد.
أيها الإخوة الكرام: كان العربُ قبلَ الإسلام يعيشون جاهليّة جهلاء وضلالةً عمياء، لا يعرِفون حقًّا من باطل ولا هدًى من ضلال، ولا يميِّزون بين معروفٍ ومنكر، غارقين في الوثنيّة، في جهالة وضلالةٍ وعمى: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال: 26].
لم تستطِع لغتُهم يومًا من الأيّام أن توحِّد صفوفَهم، لم تستطِع أن تجمعَ شتاتَهم، فالحروب الطّاحنة بين العرب قائِمة، لم تستطِع عاداتُهم وأخلاقهم أن تجمعَهم تحت لواءٍ واحِد، عصبيّةٌ وحميّة جاهليّة، فلمّا جاء الله بالإسلام هداهم به من الضّلال، وجمعَهم به بعدَ الفُرقة، وأعزَّهم به بعدَ الذلّة، وهداهم به من الغوايَة، فكانوا ملوكَ الأرض بهذا الدّين وحدَه لا بسِواه: (وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا)، قال عمر بن الخطاب: "نحن قوم أعزنا الله بإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"، وقال قتادة -رحمه الله-: "كان هذا الحيّ من العرَب أذلَّ الناس ذلاًّ، وأعراهم جلودًا، وأجوعَهم بطونًا، وأبينَهم ضلالة، قومٌ يُظلَمون ولا يَظلِمون، وقومٌ بين فارسَ والروم لا وزنَ ولا قيمةَ لهم، فجاءَ الله بالإسلامِ، فأعطى بِه ما رأيتُم، فاشكروا الله على نعمة الإسلام".
(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ أيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أظهر دينه المبين، ومنعه بسياج متين، فحاطه من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سخَّر لدينه رجالاً قام بهم وبه قاموا، واعتزَّ بدعوتهم وجهادهم وبه اعتزّوا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، كان يربّي ويعلّم ويدعو، ويصوم ويقوم ويغزو، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: تنوعت أساليب أعداء المسلمين في محاولة القضاء على دينهم، ووجهوا إليه ألوانًا من الأسلحة، وغزوا المسلمين من كلّ وجه، غزوا المسلمين بالسلاح العسكري والقتال الدمويّ، وغزوهم بالسلاح الفكري والخلقي والعاطفي، غزوا المسلمين بالسلاح العسكري، فأعلنوا الحرب على المسلمين، وأغاروا عليهم بأقوى الأسلحة التي تمكّنوا من استعمالها، وغزوا المسلمين بالسلاح الفكري، فأفسدوا أفكارًا من المسلمين، يحاولون تشكيك المسلمين في دينهم وزعزعة العقيدة من قلوبهم؛ بما ينشرونه من كتب ورسائل، وما يلقونه من خطب ومقالات بالطعن في الإسلام وقادته أحيانًا، وبتذليل ما هم عليه من الباطل والكفر أحيانًا أخرى، فإن اعتنق المسلم ما هم عليه من الكفر والضلال فذلك غاية مناهم وتمام رضاهم، يقول سبحانه: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89]، وقال -جل وعلا-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة: 120].
وإذا لم يعتنق المسلم ما هم عليه من الكفر والضلال اقتنعوا منه بالشك في دينه والارتياب، وفي ذلك خروجه من الدين؛ لأن الشك في الدين كفر، ولقد صرّح بعض هؤلاء الأعداء بذلك فقالوا: "إننا نستبعد من المسلم أن يدخل في ديننا، ولكن يكفينا أن يشكّ في دينه ثم يخرج منه إلى أي دين شاء".
أيها الإخوة الكرام: إنّ أعداء الإسلام يعلمون علم اليقين أنّ عزّ الإسلام هو ذلُّهم والقضاء عليهم، وأن انتصار الإسلام خذلانهم، وأن قيام دولته سقوط دولهم.
لقد غزا أعداء الإسلام المسلمين بالسلاح الخلقي، فنشروا بين المسلمين ما تفسد به أخلاقهم، وتفسد به آدابهم، وتفسد به قيمهم، نشروا في المسلمين ما يثير الغرائز والشهوة، إما بالأغاني والألحان، وإما بالكلمات الماجنة والقصص الخليعة، وإما بالصور، حتى يصبح المسلم بها فريسة لشهوته، يتحلل من كل خلق فاضل، وينزل إلى مستوى البهائم، وحتى لا يكون للمسلم أي همّ سوى إشباع غريزته من حلال أو حرام، وبذلك ينسى دينه ويهجر كل فضيلة، وينطلق مع شهواته ولذاته إلى غير حدود شرعية ولا عرفية، فيتنكّر للشرع والعادة.
غزَوا المسلمين بالسلاح العاطفي، فيتظاهرون بمحبة المسلمين والولاء لهم، والعطف عليهم ومراعاة مصالحهم، حتى يغترّ بهم من يغتر من المسلمين، وتُنزعُ من قلوب المؤمنين العاطفة الدينية، فيميلون إلى هؤلاء الأعداء بالمودة والإخاء والقرب والولاء، وينسون قول ربهم -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) [الممتحنة: 1]، ونسي هؤلاء المائلون إلى أولئك الأعداء نسوا قول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) [المائدة: 51، 52]، ونسي هؤلاء المائلون إلى الأعداء قول الله -عز وجل-: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) [المجادلة: 22].
أيها الإخوة الأفاضل: لقد اشتدت حملة النصارى على المسلمين عمومًا وعلى بلدنا خصوصًا، فلقد استطاع النصارى في الفترة الأخيرة تحقيق ما عجزت عنه إبان الاحتلال والاستعمار، لقد استطاع النصارى أن يبدّلوا دين بعض الشباب اليوم، ولم يستطيعوا أن يبدلوا دين آبائنا وأجدادنا ومن كانوا يعيشون معهم إبان الاحتلال، فرغم كل الجهود التي بذلوها لاستمالة الجزائريين للنصرانية ورغم ما أنفقوا من أموال طائلة ليزينوا المسيحية في أعين الناظرين إلاّ أنّ كيدهم ردّ في نحورهم، ولم نسمع بشخص بدّل دينه تحت أيّ ضغط أو إغراء، حتى الذين فقدوا الروح الوطنية وأخطؤوا في حق وطنهم وأعانوا المستعمر لم يبدّلوا دينهم.
أما اليوم وتحت تأثير عوامل كثيرة وأساليب متنوعة استطاع النصارى أن يضعوا أقدامهم من جديد في بلدنا، لكن بصبغة غير صبغة الاستعمار، إنها صبغة التنصير والتبشير، استخدموا فيها كل الأساليب ليجلبوا الشباب لدينهم، ويبعدوهم عن دين الآباء والأجداد.
جرّب هؤلاء الأعداء أبوابًا كثيرة ومسالك خطيرة في تشويه الإسلام وتقويض حصونه من الداخل، سلكوا مسالك شتى لضرب الإسلام وعرقلة انتشاره وظهوره، فما كان من بعض الأغرار إلاّ أنهم أصغوا إليهم، بل وانساقوا معهم إلى هاوية الكفر والضلال، تحت دعوى وأسباب كثيرة وشبهات واهية، سنتكلم عنها في الجمع القادمة إن شاء الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) [الأنفال: 36].