الحكم
كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأديان والفرق - أهل السنة والجماعة |
رمضان شهر برٍّ وإحسان، وعطفٍ وتراحم، وبذلٍ وإكرام، ولكن -عباد الله- عندما تتلوث العقول وتفسد القلوب يتحول الحال إلى أمرٍ على النقيض من ذلك تمامًا، ولاسيما -عباد الله- عندما يتلوث عقل الإنسان بفكر الخوارج الخبيث؛ وهو فكرٌ -عباد الله- خطيرٌ أشد ما يكون من الخطورة، اتفق أئمة الإسلام وعلماء الدين على ذمِّه والتحذير منه وبيان شدة خطورته على الناس، وجاءت الأحاديث متكاثرةً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذمِّه وبيان خبثه وعظيم شره في الصحيحين وفي غيرهما.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وأمينُه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعَه، ما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى ربكم، وراقبوه -جلَّ في علاه- مراقبة من يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه.
وتقوى الله جل وعلا: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون عباد الله: إن رمضان شهر برٍّ وإحسان، وعطفٍ وتراحم، وبذلٍ وإكرام، ولكن -عباد الله- عندما تتلوث العقول وتفسد القلوب يتحول الحال إلى أمرٍ على النقيض من ذلك تمامًا، ولاسيما -عباد الله- عندما يتلوث عقل الإنسان بفكر الخوارج الخبيث؛ وهو فكرٌ -عباد الله- خطيرٌ أشد ما يكون من الخطورة، اتفق أئمة الإسلام وعلماء الدين على ذمِّه والتحذير منه وبيان شدة خطورته على الناس، وجاءت الأحاديث متكاثرةً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذمِّه وبيان خبثه وعظيم شره في الصحيحين وفي غيرهما.
ومن ذلكم ما رواه البخاري ومسلم عن علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ؛ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ".
وجاء في الصحيحين في ذِكر خبر الرجل الذي اعترض على النبي -صلى الله عليه وسلم- في قسْم المال، وقال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "اتق الله يا محمد"، فاستأذن بعض الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- في قتله فلم يأذن، وقال: "إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا-أي: من ذريته وعقبه- قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ".
والأحاديث -عباد الله- في ذم الخوارج والتحذير منهم، وكذلكم الآثار المروية عن السلف -رحمهم الله- كثيرةٌ جدًّا.
عباد الله: وعوْدًا على بدء؛ عندما يتلوث فكر الإنسان بهذا الفكر الخبيث يتحول الحال في شهر رمضان إلى حال أخرى من شرٍ وعدوان، ومكرٍ وخبثٍ وإجرام. وقد كان في الزمن الأول زمن الصحابة بداية أرباب هذا الفكر؛ استغل عددٌ منهم هذا الشهر الكريم العظيم المبارك لتنفيذ مخططاتهم الآثمة وإجرامهم وعُدوانهم.
ومن ذلكم عباد الله: قتل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على يد رأس من رؤوس الخوارج؛ وهو عبدالرحمن بن ملجم، قتل عليًا -رضي الله عنه- في شهر رمضان المبارك في السابع عشر منه وقت خروجه -رضي الله عنه- لأداء صلاة الفجر، وكان ذلك الآثم يظن ويعتقد في عمله أنه من أعظم القُرَب إلى الله، ولهذا قتل عليًا، وهو يقرأ قول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[البقرة:207]، معتقدًا هذا الآثم أن صنيعه ذلك من شراء نفسه، ومن ابتغاء وجه الله -سبحانه وتعالى- وطلب مرضاته.
ثم -عباد الله- مضى هذا الأمر سنَّة مُلْجَمِيَّة سنَّها هذا الرجل لأتباعه والسائرين على نهجه على مر التاريخ في اختيار هذا الشهر المبارك الذي تقبِل فيه القلوب والنفوس على الله طاعةً وإيماناً، وعبادةً وإحساناً، وتقرباً وفعلاً للخيرات؛ يتحول إلى ضرب عظيم من ضروب العدوان عند هؤلاء، ومن ذلكم -عباد الله- ما وقع في الجمعة الماضية على إثر صلاة الجمعة مباشرة في الحدود في الوديعة في محافظة شرورة؛ من دخول عددٍ من هؤلاء الذين يحملون هذا الفكر، ثم ماذا كان من إثر صنيعهم وإجرامهم في تلك اللحظات المباركات والساعات الفاضلات ؟! كان إثر صنيع هؤلاء أن ارتكبوا أعظم جريمتين بعد الكفر والشرك بالله ألا وهما: قتل المرء لنفسه.
والجريمة الأخرى: قتل النفس المعصومة.
وفي الجريمة الأولى يقول الله: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء:29] وجاء في الصحيحين "مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا".
وفي الجريمة الأخرى يقول الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا)[النساء:93]، والنصوص فيما يتعلق بهاتين الجريمتين وعظم أمرهما وفداحتهما كثيرة في كتاب الله وسنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه.
أيها المؤمنون عباد الله: مَن عُوفي من البلاء فليحمد الذي عافه جل في علاه، فإن هؤلاء عندهم غيْرة على الدين لكنها ليست مضبوطة بضابط شرع، ولا زمام تقوى، ولا مراقبةٍ لله جل في علاه، مع حداثة السن، وقلة البصيرة، وعدم التجربة والخبرة، ومع قلة الفهم بدين الله -تبارك وتعالى-.
وسبَق ذلك عزلٌ لهؤلاء عن الأئمة الأعلام والعلماء المحققين؛ فخرجوا بهذا الفكر المُنْبَت والعدوان والإجرام وارتكاب كبير أنواع الإجرام في عباد الله تبارك وتعالى، فكان من شأنهم كما وصف النبي -عليه الصلاة والسلام-: " يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ "، يقرءون القرآن ويدَّعون التحاكم إلى القرآن، ولكنهم من أبعد الناس عن فهمه والقيام به، لأن شأنهم كما وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تراقيهم"؛ أي: لا حظ لقلوبهم منه فهمًا وعقلاً وتدبراً.
نسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبأنه الله الذي لا إله إلا هو أن يحفظ علينا وعلى المسلمين أمْننا وإيماننا، وإسلامنا وسلامنا، اللهم من أرادنا أو أراد ديارنا أو أرد غيرنا من المسلمين بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدميره تدبيره يا سميع الدعاء.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى.
عباد الله: لنغْنم شهرنا المبارك وموسمنا الكريم فإنه قارب على الانتصاف، ولنجاهد أنفسنا على حُسن التقرب إلى الله وحُسن التعبد له جل وعلا بما يرضيه؛ فإن وقتنا وقتٌ ثمين للغاية، وموسمنا موسمٌ مبارك ينبغي أن تُغتنم أوقاته وتُستغل لحظاته المباركات، ولنتذكر -يا معاشر المؤمنين- أن لله عز وجل مناديًا ينادي في كل ليلة من ليالي رمضان "يا باغي الخير أقبِل، ويا باغي الشر أقصِر"؛ نسأل الله عز وجل المعونة والتوفيق والهداية والتسديد، وأن لا يكِلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يجعل موسمنا هذا المبارك لنا أجمعين إلى الخير مرتقًى ومغنما، وأن يصلح لنا شأننا كله.
واعلموا - رعاكم الله - أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهُدى هُدى محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعِينًا وحافظًا ومؤيِّدا، اللهم وعليك بأعداء الدِّين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال، اللهم يا ربنا ارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقَّه وجلَّه، أوله وآخره، علانيته وسرَّه. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.