البحث

عبارات مقترحة:

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

الهلاك في أربعة أمور

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. وصية نبوية جامعة .
  2. كَلِمات مُخيفات ومُهلكات .
  3. معنى لعنُ اللهِ لِلعبد والعياذ بالله .
  4. حكم من ذبح لغير الله .
  5. خطورة لَعْن الوالدينِ .
  6. تجريمُ العدوانِ على الآمنينَ .
  7. حُكم من يبدل علامات حدود الأراضي وإرشادات الطرق .

اقتباس

حَدَّثَ رسولُ اللهِ عليَّ ابنَ أبي طالِبٍ -رضيَ اللهُ عنهُ وأرضاهُ- حَديثًا من أربَعِ كلماتٍ، ولكِنَّها كَلِماتٌ مُخيفاتٌ ومُهلكاتٌ طارداتٌ من رحمَةِ اللهِ تعالى! فنعم المُحدِّثُ -عليه الصلاةُ والسلامُ- ونعمَ المُحدَّثُ -رضيَ اللهُ عنهُ وأرضاهُ-، فما هي تلكَ الكلماتُ التي ظَنَّ بعضُ الصَّحابِةِ الكرامِ -رضوانُ اللهِ عليهم- أنَّها مِمَّا أسرَّهُ رسولُ اللهِ لِعليٍّ؟.. وسبحانَ الله: إنَّها كلماتٌ اشتملت على أربعِ لَعَنَاتٍ، لِما اشتملت عليهِ من شِركٍ باللهِ، وإجرامٍ في حقِّ المؤمنينِ، وعقُوقٍ للوالدينِ، واعتداءٍ على حقوقِ المُسلمينَ عامَّةً!...

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله منَّ علينا بالإسلامِ، ونوَّرَ قلوبَنا بالإيمانِ، اللهمَّ جنِّبنا الكُفرَ والفسوقَ والعصيانَ، اجعلنا من عبادِكَ الراشدينَ، واهدِنا صراطكَ المستقيمَ.

نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لهُ، بيدِه الخيرُ وهو على كل شيء قديرٌ، ألا له الخلقُ والأمرُ تبارك الله ربُّ العالمين. ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، وصَفِيُّهُ وخَلِيلُهُ، أظهرَ اللهُ شأنَهُ، وأعلى قدرَه، ورفعَ ذِكرَهُ، عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أفضلُ الصلاة وأتمُّ التسليمِ. ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدينِ.

عباد اللهِ: أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ وطاعتِهِ، وأُحذِّرُكم وإيايَّ من عصيانِهِ ومخالفةِ أَمرِهِ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت: 46].

حَدَّثَ رسولُ اللهِ عليَّ ابنَ أبي طالِبٍ -رضيَ اللهُ عنهُ وأرضاهُ- حَديثًا من أربَعِ كلماتٍ، ولكِنَّها كَلِماتٌ مُخيفاتٌ ومُهلكاتٌ طارداتٌ من رحمَةِ اللهِ تعالى! فنعم المُحدِّثُ -عليه الصلاةُ والسلامُ- ونعمَ المُحدَّثُ -رضيَ اللهُ عنهُ وأرضاهُ-، فما هي تلكَ الكلماتُ التي ظَنَّ بعضُ الصَّحابِةِ الكرامِ -رضوانُ اللهِ عليهم- أنَّها مِمَّا أسرَّهُ رسولُ اللهِ لِعليٍّ؟

دعونا نستمعُ إلى أَبِى الطُّفَيْلِ -رحمهُ اللهُ- حين قَالَ لِعَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ: أَخْبِرْنَا بِشَىْءٍ أَسَرَّهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: مَا أَسَرَّ إِلَىَّ شَيْئًا كَتَمَهُ النَّاسَ وَلَكِنِّى سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ الْمَنَارَ» (الحديثُ رواهُ الإمامُ مُسلِمٍ).

سبحانَ الله: إنَّها كلماتٌ اشتملت على أربعِ لَعَنَاتٍ، لِما اشتملت عليهِ من شِركٍ باللهِ، وإجرامٍ في حقِّ المؤمنينِ، وعقُوقٍ للوالدينِ، واعتداءٍ على حقوقِ المُسلمينَ عامَّةً!

أتدرونَ يا مؤمنونَ: ما معنى لعنُ اللهِ لِلعبدِ؟ معناهُ: أنَّ اللهَ قد أبعَدَهُ من رَحمتِهِ وطَرَدهُ من جنَّتِهِ. ومَن لعنَهُ اللهُ أعمى قَلبهُ وأشقَى حياتَه ونَغَّصَ عليهِ عيشَه ونَكدَّهُ، مَن لعنَهُ اللهُ غَضِبَ عليهِ، وقد قالَ: (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى)[طه: 81]، وقالَ عزَّ من قائِلٍ حَكِيماً: (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا)[النساء: 52]، فلا أحدَ يَتَولَّى أُمورَهُ أو يقومُ بِمصالِحِهِ ويحفظُهُ، وهذا غايةُ الخُذلان.

حقَّاً: (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)[الأعراف: 44]، الذينَ عَرَفُوا الحلالَ من الحرامِ والحقَّ من الباطلِ، فما قَدَروا اللهَ حقَّ قدْرِهِ، وما عظَّموا ما عظَّمَهُ اللهُ وحرَّمَهُ! فهل يَستَطِيعُ عبدٌ أن يقفَ أمامَ لَعنةِ اللهِ -جلَّ جلالَهُ-.

وتأمَّلوا يا مؤمنونَ: إذا حلَّت لعنةُ اللهِ على عبدٍ لم يبقَ شيءٌ في السمواتِ ولا في الأرضِ إلاَّ لَعَنَهُ: (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُون) [البقرة: 159]، فهل يَجرُؤ أحدٌ على القُربِ من كبائِرَ توَعَّدَ اللهُ عليها ورسُولُهُ بالَّلعنِ والطَّردِ من رحمةِ اللهِ تعالى؟!

عبادَ اللهِ: دعونا نتأمَّلُ ونتدَارسُ ما حذَّرَنا منهُ رسولُنا حينَ قالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ»، فالذَّبحُ نوعُ تَقَرُّبٍ وعبادةٍ لا يجوزُ صرفُها لغيرِ اللهِ ولو كانَ المَقصُودُ لحمُها قالَ اللهُ تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [آل عمران: 162- 163]، وقال سبحانه: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2].

فمن ذبحَ لغيرِ اللهِ أيَّاً كانَ مَقصِدُهُ فقد أشركَ باللهِ شِركاً أكبرا مُخرجاً من المِلَّةِ الحنِيفيَّةِ. كالذين يَذبَحونَ للأصنامِ أو لأصحابِ القبورِ تَقرُّبَاً إليهم، وكذا ما يَفعلهُ الجُهَّالُ من الذَّبح عندَ عَتَبَةِ المَنزِلِ الجَديدِ أو المَصنعِ الجَديدِ اتِّقَاءً لِشَرِّ العينِ أو الجِنِّ، أو لأجلِ أنْ تَحِلَّ البَركةُ، وكذا ما يُذبَحُ عند أقدامِ الأمراءِ والرؤساءِ تَعظِيمَا وتَرحيباً بِمقدَمِهم، فكلُّ ذالِكَ حَرامٌ وعبادَةٌ لِغيرِ اللهِ مَلعُونٌ فَاعِلُها. فَلَحمُها وأكلُها وحُضُورُها حرامٌ، لأنَّه مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغيرِ اللهِ تَعالى، فَمن أرَاقَ دَمَاً لِغيرِ اللهِ ولو تَقَّرَّبَ بَذُبابٍ فَقد كَفَرَ بِاللهِ وأشرَكَ. فَإن مَاتَ على اعتقَادِهِ هذا فإنَّ الجنَّةَ عليهِ حرَامٌ.

والذَّبحُ لغيرِ اللهِ قَد يَقَعُ بِصورَةٍ واضِحَةٍ، وقد يكونُ بِصورَةٍ خَفِيَّةٍ يُدلِّسُها الشَّيطانُ ويُلَبِّسُها! فَسبحانَ مَنْ بِيدِه مَلكوتُ كلِّ شيءٍ، وهو يُجيرُ ولا يُجارُ عليه؟ سُبحانَ الذي يُغيثُ ويُعيذُ، وغيرُهُ لا يَملِكُ نفعًا ولا ضَرًّا ولا حياةً ولا مَوتًا ولا نُشورًا.

عبادَ اللهِ: أمَّا الكبيرةُ الثانيةُ -والعياذُ باللهِ تعالى- فهي لَعنُ الوالدينِ! ومَن الذي يَستَطيعُ أنْ يلعنَ والدِيهِ؟ مَنْ يَجرؤ على ذالِكَ؟ أليسَ حقَّهما البِرُّ والبِشرُ والإحسانُ؟ فكيفَ يَنقلبُ إلى السَّبِّ والِّلعانِ؟ ولهذا لمَّا قالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ». قَالَ الصَّحابَةُ على وجهِ الاستغرابِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ وهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ» (رواه مسلمٌ).

ومعناهُ أنَّكَ بسببِ مشَاكِلِكَ مع النَّاسِ وسبِّهم وسبِّ والدِيهم فإنَّكَ تُعرِّضُ والدِيكَ إلى اللعنِ والسَّبِّ والشَّتمِ والنَّقِيصَةِ. ففرقٌ بينَ هذا وبينَ مَن يفعلُ للآخرينَ معروفاً ويقولونَ لهُ غفرَ اللهُ لكَ ولِوالِدَيكَ. فَحَقُّهما أنْ نَكونَ عليهما رحمةً وأمانَاً، لا نِقمةً ونَكالاً. قالَ عزَّ من قائلٍ: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [البقرة: 83]، فاللهمَّ اجعلنا رحمةً على أنفسِنا وذَرَارِينا ووالدِينا يا ربَّ العالمينَ. وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائر المُسلمين من كلِّ ذنبٍّ إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:  تجريمُ العدوانِ على الآمنينَ:

الحمدُ لله أمرَ بالاعتصامِ بحبلهِ المَتينِ، ونهى عن التَّفرُّقِ والاختِلافِ في الدِّينِ، واللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ أثيمٍ، نَشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لهُ المَلِكُ الحقُّ المُبينُ، ونَشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُ الله ورسولُهُ صاحبُ الخلقِ العظيمِ والقلبِ السَّلِيمِ صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدينِ.

أمَّا بعدُ فأوصيكم عبادَ اللهِ بِلزُومِ الكتابِ والسنَّةِ وجمَاعَةِ المُسلمينَ، وإيَّايَ وإيَّاكُم من التَّفرُّقِ والاختلافِ، والتَّطَرُّفِ والغلُوِّ والنَّزاعِ، وإيَّايَ وإيَّاكُم من تَضييعِ شرعِ اللهِ وارتِكابِ مَحارمِهِ والتَّعدِّي على حُدودهِ: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران: 101].

 عبادَ اللهِ: أمَّا الكبيرةُ الثَّالِثةُ فهي قولُهُ : «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا». والمُحدِثُ: هو المُجرمُ الذي أحدثَ الفسادَ في الأرضِ، يَستَوجِبُ إقامَةَ حَدِّ شَرعيٍّ عليه كالمرتَدِّ والزَّاني والسَّارقِ وقاطِعِ الطَّريقِ، أو القاتِلِ المُجرمِ الذي يَعيثُ في الأرضَ الفسادَ والإفسادِ. فكُلُّهم يَجبُ إقامةُ شرعِ اللهِ عليهم، لا يجوزُ لِكائِنٍ مَن كانَ أنْ يَعتَرِضَ على شرعِ اللهِ، أو يَمنعُ إقَامَة الحَدِّ على المُجرِمِينَ، أو أنْ يَحمِيَهم ويُخفِيَهم رجالِ الأمنِ المَسئولِين! كما كانَ أهلُ الجاهلِيَّةِ الأولى يَجتَمِعونَ حولَ قرَاباتِهم القاتِلينَ فَيحفَظُونَهم ويُدَافِعونَ دُونَهم حَمِيَّةً وعَصَبِيَّةً وظًلمًا وعًدوانًا.

عبادَ اللهِ: وإنَّ ممَّا يَستَحِقُ فاعِلهُ اللعنَ والطَّردَ من رحمةِ اللهِ، إيواءُ القتَلَةِ والمُتَطَرِّفينَ المُجرمينَ أصحابِ الأفكارِ الشَّاذَّةِ المَسمُومَةِ الذينَ هَمُّهم تَفرِقةُ المُؤمنينَ، وانتهاكُ حُرماتِ الآمنينَ، وإثارةُ العَدَواتِ والفتَنِ بينَ المسلمينَ، والعبثُ بِأمنِ ومُقَدَّراتِ المسلمينَ، ومع الأسفُ أنْ يكونَ ذالكَ باسمِ التَّدَيُّنِ والدِّينِ! وواللهِ إنَّ دَينَ اللهِ برآءٌ مِمَّا يفعلُهُ الخوارجُ المارِقونَ.

فكيف يجرؤ مَن قَدَرَ اللهَ حقَّ قَدرِه، على خيانةِ العهد والميثاق وإزهاق ِنفسهِ وغيرِهِ؟ أين هؤلاءِ الأغرارِ الخَوارِجِ من نصوص ِالكتاب والسنة؟ ألم يستَمِعوا لِقولِ اللهِ تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء: 93]؟!

 أينَ هم من قولِ رسولِنا –صلى الله عليه وسلم- : "ألا إنَّ الله حرَّمَ عليكم دماءَكم وأموالكم كحرمَةِ يومِكم هذا في بلدِكم هذا في شهرِكم هذا، ألا هل بلغت؟" قالوا: نعم، قال: "اللهم اشهد –ثلاثًا- ويلكم! انظروا لا تَرجعوا بعدي كفَّارا يضربُ بعضُكم رقابَ بعض" (البخاري).

 وإنَّ ما وقعَ في الأحساءِ قبلَ أيَّامِ وما تَبِعهُ من مُطارداتٍ ومُداهماتٍ في عددٍ من المُدنِ والمُحافظاتِ ولاستراحاتِ، وما حصلَ بِسببِهِ من قتلٍ للآمنينَ ورجالِ الأمن المُخلصينَ وترويعٍ للمسلمينَ لهو من هذا القبيلِ، فيا ويلَ مَنْ يُؤويهم أو يَتَستَّرُ عليهم فَضلاً عن الانضمامِ إليهم ومُعاوَنَتِهم فإنَّهُ مُتَوَعَّدٌ بِلعنةِ اللهِ والملائِكةِ والنَّاسِ أجمعينَ. وصَدقَ رسولُنا-صلى الله عليه وسلم- حين قال: "لَزَوالُ الدُّنْيَا أهونُ عِندَ الله مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ"، فهؤلاءِ لم يُرعوا حُرمَةً لِمُسلمٍ، ولم يُعظِّموا شهراً حراماً! وإنَّهُ لَعمَلٌ مُنكرٌ شرعاً وعقلاً.

 فيا شبابَ الإسلامِ: الزموا غرْزَ عُلمَائِكم النَّاصِحينَ واصدروا عنهم، وتَشبَّثوا بِجماعَةِ المُسلمينَ، وطاعَةِ وُلاةِ أُمورِكم المُخلِصينَ، فهم مَن أَمَرَنَا اللهُ بِطاعَتِهم: (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

عبادَ اللهِ: ورابِعُ المُهلِكاتِ والكبَائِرِ فهي قولُهُ : «وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ الْمَنَارَ». والمُرادُ بها المَراسيمُ التي تُبيِّنُ حُدُودَ الأرضِ وأملاكَ النَّاسِ، وقالَ بعضُ العُلماءِ: وتَشمَلُ كذلِكَ العلامَاتُ التي يَهتَدِي بِها النَّاسُ في أَسفَارِهم، وهي ما يُعبَّرُ عنها بالَّلوحاتِ الإرِشادِيَّةِ فَطَمْسُها أو تَحرِيفُها، أو تَبِديلُها، فاعِلُها مُستَحِقٌّ لِلعنَةِ اللهِ -عزَّ وجَلَّ-؛ لأنَّ فِعلَهُ أذِيَّةٌ لِلمؤمنينَ. واللهُ يقولُ: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58].

عبادَ اللهِ: هذهِ الَّلعناتُ لِمن غَيَّرَ مَنارَ أرضٍ فَكيفَ بِمنَ يَسرَقُ الأراضيِ، وَيَنتَهِبُ أملاكَ النَّاسِ، ويُحجِّرُ ويُشبِّكُ عليها؟ ! فيا وَيْلَهم من اللعَّنِ والتَّطويقِ فقد قالَ رسُولُ اللهِ : «مَنْ سَرَقَ من الأَرضِ شِبْرا طُوِّقَهُ يومَ القِيامَة مِن سَبعِ أَرَضِينَ» (رواه الترمِذيُّ وصحَّحهُ الألبانِيُّ).

ألا فاتَّقوا اللهَ -عبادَ اللهِ- واقدُروا لأوامِرِ اللهِ ونواهيهِ قدرها (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)[البقرة: 235]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[لقمان: 33].

فاللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدِّين والعقل، والدنيا والآخرة، اللهم ارزقنا إيماناً صادقا، ولسانا ذاكرا، وعلما نافعا، وعملا صالحا متقبلا، اللهم إنا نعوذ بك من مُضلاتِ الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وأمننا وبلادنا بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره وشتت شمله واجعله عبرة للمعتبرين يا رب العالمين.

 اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى وأعنهم على البر والتقوى وارزقهم بطانةً صالحةً ناصحةً يا رب العالمين. اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين وخذ بنواصيهم للبر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم جنبهم الفواحش والفتن. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.