المقتدر
كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
إذا حرّم الرب -تعالى- شيئاً، وله طرق ووسائل تفضي إليه؛ فإنّه يحرمها، ويمنع منها تحقيقاً لتحريمه، وتثبيتاً له، ومنعا أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه كان ذلك نقضا للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى تأبى ذلك كل...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وقفت قبل فترة على مقالة في إحدى الصحف، تناول فيها صاحب المقالة موضوعا أصوليا فقهيا، وهو: قاعدة سد الذرائع، وذهب ينتقد بشدة ما سماه بالتوسع في فهم وتطبيق هذه القاعدة، على نحو يتناقض مع القاعدة الأصل.
ما هي القاعدة الأصل عنده؟
قاعدة فتح الذرائع لا سد الذرائع!.
وهو مصطلح موهم، لم يستخدمه علماء الأصول بشكل دارج؛ لأن ذرائع المباح، يعني وسائل المباح أصلا مفتوحة للناس، لا داعي لفتحها، وإلا ذهب الظن إلى أن مقصده فتح ما سد من الذرائع مما هو محذور، ويرى أنه ينبغي الفتح.
ولو وجه في مقالته إلى الاعتدال بإعمال قاعدة سد الذرائع لكان خيرا له.
لكنه واصل في شدة نقده إلى أن قال مستهزئا: يكاد بعض الناس أن يسأل هل أكل التفاح حلال؟
هل التحديق في النجوم التي زين الله بها السماء الدنيا حلال؟
هل عسل النحل حلال إذا ثبت أن ما شمه النحل من شجر غير المسلمين؟
أيها الإخوة المسلمون: هذا النوع من المقالات لا يخرج في سياقه عما استجد في مجتمعنا في السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد وفاة الشيخين ابن باز وابن عثيمين -رحمهما الله- من محاولات جادة لتغيير الطابع المحافظ التي يتميز به أفراد المجتمع، وقد اتخذت وما زالت تتخذ هذه المحاولات صور متنوعة من الكيف.
إما على هيئة مقالات صحفية؛ كهذا المقال وغيره، أو مقابلات تليفزيونية، أو قرارات هنا وهناك، أو جرأة عجيبة نراها في كثرة خروج نساء بلدنا في التليفزيون، كاشفات ليس للوجه المزين فقط، بل حتى لجزء من الشعر في كثير من الأحيان بمظهر مكشوف، وهيئة لم يعهدها النساء في هذا البلد المحافظ من قبل، ومع أن هذه الفئة من النساء اللاتي خرجن بتلك الهيئة هن الأقل في المجتمع إلا أن الأضواء مسلطة عليهم، والفرص تعرض عليهن بغزارة للخروج بتلك الهيئة، وكأننا مقبلون على مرحلة جديدة، ناسخة للأخلاق، أخلاق الحياء والحشمة التي مضى عليها نساؤنا من قبل، ولابد أن نقبل بهذه المرحلة، ونخضع لهذا التغيير.
أسأل الله أن يرد كيد المفسدين من العلمانيين والمتحررين في نحورهم.
من هذا المنطلق سأتكلم اليوم -إن شاء الله- عن تلك القاعدة الفقهية الجليلة التي انتقدها صاحب المقال الآنف الذكر، تلك القاعدة الفقهية التي تشكل عظما في حلق كل إباحي ومفسد.
إخوة الإسلام: الذريعة هي: الوسيلة، أو الطريق الموصل إلى الشيء المقصود، هذه هي الذريعة.
وسد الذرائع هو منع الطرق والوسائل التي ظاهرها الإباحة لكن تفضي إلى الممنوع.
وهذه القاعدة الحكيمة البعيدة النظر ما جاءت من فراغ، بل لها أدلتها من الكتاب والسنة، قال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا) [النساء: 97].
ففي هذه الآية: نهى الله عن الإقامة في أرض الكفر، وترك الهجرة إلى بلد الإسلام، مع أن مجرد الإقامة لا يلزم منها في ظاهرها كفر ولا نفاق مجرد الإقامة، ولا حتى دون ذلك، ولكن لما كانت الإقامة الدائمة بين ظهراني الكفار تؤثر في سلوك المسلم واعتقاده بتلك الفترة، وتعرضه للفتن ولو بعد زمن أصبحت الإقامة ذريعة أو وسيلة للحرام، فنهى الله عنها سدا للذريعة المفسدة.
دليل آخر: قال سبحانه: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام: 108].
مع أن سب آلهة الكفار في أصله مشروع؛ لأن فيه مصلحة منها بيان عجز تلك الآلهة، وإهانتها إعزازا لله، إلا أنه لما أفضى سب ألهتم: هُبل واللات والعزى إلى سبهم لله -تعالى- نهى الله -تعالى- سبهم سدا لتلك الذريعة المفسدة.
أما الدليل من السنة، فقد نهى صلى الله عليه وسلم خلوة الرجل بالمرأة، قال عليه الصلاة والسلام فما صح في سنن الترمذي وغيره: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهم الشيطان".
مع أن الخلوة في ظاهرها لا محظور فيها، ولا يلزم منها الوقوع في الفاحشة الضرورة، لكنها لما كانت ذريعة إلى الفاحشة، أو مقدمات الفاحشة غالبا ذريعة إليها حرمها الشرع.
فتحريم الخلوة بالمرأة من تحريم الوسائل، ولذلك قرر أهل العلم: أن كل ما أفضى إلى الحرام فهو حرام، وأن الوسائل تأخذ أحكام المقاصد، وهو فضلا عن كونه قاعدة شرعية، فهو أيضا أمرا منطقيا، كيف ينهى عن شيء ثم يسمح بالوسائل المفضية إليه؟!
هذا تناقض، ومثال ذلك يقال: كيف يكون ضمن اللوائح العامة حفظ كرامة المرأة وعفافها، ثم يكون التنظيم فيه من الإجراءات ما يؤدي لاختلاطها بالرجال واتصالها بهم مباشرة.
يقول ابن القيم: "إذا حرّم الرب -تعالى- شيئاً، وله طرق ووسائل تفضي إليه؛ فإنّه يحرمها، ويمنع منها تحقيقاً لتحريمه، وتثبيتاً له، ومنعا أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه كان ذلك نقضا للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى تأبى ذلك كل الإباء".
إذاً، فإن الذين يعترضون على هذه القاعدة لا يعترضون على منطقيتها؛ لأنهم لا يستطيعون نفي تلك المنطقية، وإنما يعترضون على التضييق الذي سببته لهم، لما وقفت حائلا أمام شهواتهم وأهوائهم.
ونراهم وهم في محاولاتهم للقضاء على هذه القاعدة الفقهية الجليلة، يزعمون أن باب سد الذرائع أصبح مانعا للإبداع والفن والتقدم، وأصبح حجر عثرة أمام المساواة، وحقوق المرأة، وما شابه ذلك من المبالغة التي لا صحة لها، إلا فيما حرم الله.
وحتى يكون كلامنا علميا لا عاطفيا، كغالب كلامهم وأساليبهم، نقول: إن العلماء قاطبة ذهبوا إلى وجوب العمل بقاعدة سد الذرائع إذا كانت الذريعة أو الوسيلة ستوصل قطعا إلى الحرام.
وإن جمهور العلماء ذهبوا أيضا إلى وجوب العمل بسد الذرائع فيما يفضي إلى الحرام غالبا، أي غالبا ما يفضي إلى الحرام وليس قطعا كل حين، واستدلوا على ذلك بنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، وبنهيه عن سفر المرأة بلا محرم، فهذه الصور لا تفضي إلى الحرام والمفسدة قطعا، بل أحيانا لا تقع فيها فتنة ولا فاحشة، ومع ذلك حرمها صلى الله عليه وسلم؛ لأنها تفضي إلى الحرام في الغالب.
لماذا الغالب؟
لأن الشيطان كما ذكر صلى الله عليه وسلم يجري من ابن آدم مجرى الدم، وهو يحضر بالذات إذا خلا رجل بامرأة أجنبية ليست من محارمه، وهاهنا يأتي التشريع الحكيم ليقطع الطريق على الشيطان، ويغلق باب الفساد والفتنة قبل حدوثه.
فمثل هذه الأوضاع التي يغلب فيها حدوث الفساد تسد الوسائل الموصلة إليها، أما ما تردد فيه الأمر من المسائل هل يفضي إلى الحرام أم لا أو تساوى فيه الاحتمالان ففيه خلاف بين العلماء منهم من يعمل القاعدة فيه، ومنهم من لا يعملها، فإذا اجتهد المجتهد وسعه وأعمل فكره وقاس ونظر وراع المقاصد، ووازن بين المصالح والمفاسد، ثم خرج برأيه إما بإعمالها، أو عدم إعمالها، فلا بأس.
مسائل الاجتهاد تختلف فيها المدارك والأفهام، وتتباين فيها الأقوال، ولا بأس في ذلك ما دام المنهج على هدي النبوة، والسلف الصالح.
أيها الإخوة: إن من مظاهر البلوى في عصرنا، واجتهاد عوام الناس في مسائل الدين، وكأنما أصبحوا مجتهدين يناقشون أصول المسائل، ويناقشون فروعها، وينتقدون الأحكام الشرعية، ويخضعون الدين للفلسفة العقلية، متأثرين في ذلك بأسلوب كثير من الفضائيات في طرح المسائل الشرعية للتصويت عليها من الناس، فينبغي أن نذكر هنا بأن المجتهد الذي ينظر في مسائل الاجتهاد ليس هو الصحفي، أو الكاتب، أو من يسمى بالمفكر الإسلامي.
المجتهد هو: من كانت له ملكة علمية يقدر بها على استخراج الأحكام الشرعية من مآخذها، فيكون عالما في الكتاب وتفسيره، عالما بالسنة، ومصطلح الحديث، عالما باللغة العربية، عالما بأصول الفقه، عالما بمقاصد الشرع، عالما بمواضع الإجماع، عالما بأحوال عصره.
هذا هو المجتهد المؤهل للنظر في الذرائع في كونها تفضي إلى الحرام أم لا تفضي.
إن الذريعة التي يجب أن تسد، هي: التي تفضي إلى المنكر يقينا، أو في غلبة الظن، أما التي يستعبد إفضائها إلى الحرام فتحريمها بحجة سد الذرائع التي يستبعد إفضائها إلى الحرام هي نفسه ذريعة إلى التشديد والتضييق والتشديد والتضييق منهي عنه في الإسلام.
فمثلا: يحرم الإسلام من الاختلاط ما هو مظنة المزاحمة والخلوة، لكن يجوز أن يحل الإسلام أن يمشي الناس جميعا رجالا ونساء في طريق واحد مثلا دون أي حرج إذا كانوا بطريق واحد كالطريق العام، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يمنع الناس من المرور بطريق يمر به الرجال، وإنما أمرهن بالبعد عن مزاحمتهم منعا من تماس الأجساد.
فقد صح في السنن: أنه عليه الصلاة والسلام قال للنساء لما خرج الرجال والنساء من مسجده جميعا، قال لهن: "استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق" أي لا تمشين في وسط الطريق عليكن بحافات الطريق، يقول الراوي: "فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به".
فنهيه صلى الله عليه وسلم للنساء أن يمشين وسط الطريق ليس من أجل ذات المشي مع الرجال في طريق واحد، وإنما سدا لذريعة المزاحمة والاختلاط الذي يفضي إلى الفتنة.
أيها الإخوة: إن تحريم الذرائع التي تفضي إلى الحرام قطعا أو غالبا هو من قبيل تحريم الوسائل لا المقاصد.
ولذا فإن من سماحة الشريعة أن ما حرم من هذا القبيل فإنه يباح عند الحاجة، ولو لم تكن ثمة ضرورة.
قال ابن تيمية: "ثم إن ما نهى عنه لسدّ الذريعة يُباح للمصلحة الراجحة كما يُباح النظر إلى المخطوبة".
مع أن الأصل أن النظر إلى المرأة حرام، لكن يباح النظر إلى المخطوبة؛ لأن الغاية هنا الزواج.
"والسفر بها -أي بالمرأة الغريبة- إذا خيف ضياعها، كسفرها من دار الحرب، مثل سفر أم كلثوم" يقصد أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط لما أسلمت دون زوجها وهاجرت لوحدها هربا منه إلى المسلمين، ولا الأصل أن المرأة لا تخرج إلى سفر إلى مع ذي محرم.
"وكسفر عائشة لما تخلفت مع صفوان بن المعطل؛ فإنه لم ينه عنه إلا لأنه يفضي إلى المفسدة، فإذا كان مقتضياً للمصلحة الراجحة لم يكن مفضياً إلى المفسدة".
إذاً مثل ابن تيمية -رحمه الله- ببعض الأمثلة التي يمكن أن يفتح بها باب الذريعة المسدود، من أجل مصلحة شرعية راجحة، كالنظر إلى المخطوبة، والسفر بالأجنبية، إذا خيف ضياعها، ونحو ذلك.
ويلحق بذلك كشف المرأة عورتها للطبيب عند الحاجة، وعدم وجود طبيبة.
ومن الأمثلة المعاصرة اليوم: دخول رجال الأمن والدفاع المدني على المغيبات التي غاب عنهن محارمهن عند الحاجة لذلك؛ كحدوث حريق مثلا، أو نحو ذلك.
ومن المعلوم: أن الدخول على المغيبات لا يجوز في الأصل، لكن لما كانت المصلحة في الدخول أعظم من مفسدتها انتقل الحكم من الحرمة إلى الجواز، بل إلى الوجوب في حالات الضرورة التي تتعرض فيها النفوس للتلف والتهلكة؛ هذه هي الشريعة الحكيمة.
أسأل الله -تعالى- أن يهدينا سبل السلام.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
فلا تزال أصالة المجتمع المسلم المحافظ تظهر عند الأزمات، عندما يتجاوز المفسدون الحد، إذا بالمجتمع يصرخ قائلا:
كل امرئ في سبيل الموت مرتهن | فاعمل لذلك إني شاغل بالي |
أصون عرضي بمالي لا أدنسه | لا بارك الله بعد العرض بالمال |
ألا ما أجمل شريعة الإسلام وأحكمها! وما أشقى شرائع الجاهلية في الأرض وأبلدها!: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50].
(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الجاثية: 18].
يا لكمال الإسلام، كيف ترعى شريعة الإسلام مصالح العباد، وتصلح أحوالهم، وتدفع عنهم كل سوء؟!
إن الذي أوقع الغرب في المصائب الأخلاقية والصحية التي يعانون منها اليوم وإغفالهم لقاعدة سد الذرائع، لماذا؟
لأنهم مهدوا للزنا، وللفاحشة بمباركتهم للعلاقات المحرمة والشذوذ، ثم ذهبوا يعتمدون ملايين الملايين لعلاج أمراض العصر الجنسية القاتلة التي مهدوا لها في الأصل.
ولأنهم أضاعوا نظام الأسرة بحمايتهم لعقوق الأولاد وتمردهم، ثم انهمكوا في فتح المصحات النفسية، والاجتماعية، لعلاج آثار ذلك العقوق، وتلك الوحشة الأسرية التي هم أسبابها.
وتفننوا في صناعة وبيع الخمور، فامتلأت بلادهم من ملاجئ المجرمين، وارتفعت معدل الجريمة والحوادث المرورية؛ بسبب إدمان الخمور أضعاف مضاعفة، فأعدوا البرامج الإعلامية الكثيرة لترشيد شرب الخمر.
يحفرون الحفرة بأيديهم ويعمقونها، ثم إذا وقعوا تفجروا وتأففوا وألفوا المؤلفات في كيفية الخروج من تلك الحفرة!.
أي بلاهة بعد هذه البلاهة؟!
لماذا لم يسدوا ذرائع الفساد، فيمنعوا أسباب الفواحش التي حرمها الله الحكيم العليم بداية، كي لا تنتشر فيهم الأمراض النفسية والجسدية التي يعانون منها: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)[الأعراف: 33].
في صحيح البخاري عن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش".
لماذا لم يعيشوا في ظل الأمان التي توفره قاعدة سد الذرائع؟ أتدرون لماذا؟
لأنهم قدسوا ما يسمى حرية الفرد، تلك الحرية التي ينادي بها العلمانيون في بلادنا اليوم، وهي في حقيقة الأمر ليست حرية فرد، وإنما هي فوضى شهوانية.
لقد أشرك الغربيون في المناداة بالحقوق على حساب الدين والأخلاق والمروءة والفطرة، فضاعوا أخلاقيا وأسريا، وضاعت أعراضهم، وانتشر فيهم الأمراض والأوجاع التي طفحت في مجتمعاتهم، حتى صدروها إلى غيرهم من شعوب العالم.
أيها الإخوة: إنه ليس للغريزة حرية في الإسلام بلا تهذيب، ولا للشهوة انفلات، بلا قيود راشدة، ولو ترك الأمر للبشر يدبرون أمورهم، بدون هدي إلهي لآل أمرهم إلى ما هم عليه اليوم: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ) [المؤمنون: 71].
أسأل الله -تعالى- أن يحفظ أعراضنا وأعراض المسلمين، وأن يرد كيد المبطلين.