الرفيق
كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
تربية الأبناء تقوم على ركائز عظيمة، وأسسٍ مهمة، لابد من العناية بها؛ ليتحقق للعبد هذا المقصود الجليل، والمطلب العظيم النبيل. ومن هم هذه الركائز: الدعاء لهم من قبل مجيئهم ومن بعدهم؛ من قبل مجيئهم بالهبة الصالحة، ومن بعده بالهداية والصلاح، ثم إذا...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه في السر والعلانية، والغيب والشهادة، مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون -عباد الله-: إن من الواجبات الجسيمة التي يجب على العبد رعايتها، والأمانات العظيمة التي يلزم الاهتمام بها ورعايتها: العناية بالأبناء، تربيةً وتأديبا، ونصحًا وتوجيها.
فإنها -يا معاشر المؤمنين-: أمانةٌ عظيمة، ومسؤوليةٌ جسيمة، وواجبٌ كبير، يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[الأنفال: 27-28].
والمعنى: أن الله -سبحانه وتعالى- وهب الآباء هؤلاء الأبناء امتحانًا وابتلاءا، وأتمن الأب على أبنائه وأتمن الوالد على أولاده وجعل لأولاده حقوقا، فإذا قام بها وأدَّاها كما أُمر، فإن له عند الله أجرًا عظيما، وثوابًا جزيلا، وإذا فرَّط عرض نفسه للعقوبة بحسب تفريطه.
ولهذا يقول الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
والآية أصل عظيم في تأديب الأولاد وتربيتهم، ووجوب ذلك، وتحتُّمه على الآباء.
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
وفي رواية: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
ومعنى مسئول: أي أن العبد إذا وقف بين يدي الله -جل في علاه- سأله عن ذلك.
وقد قال بعض العلماء: إن الله -جل وعلا- يوم القيامة يسأل الوالد عن ولده قبل أن يسأل الولد عن والده، فإنه سبحانه كما أوصى الأبناء بالآباء برًا وإحسانا، فقد أوصى الآباء بالأبناء تربيةً وتأديبا؛ فإنه جل في علاه؛ كما أنه قال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)[العنكبوت: 8].
فإنه قال جل في علاه: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)[النساء: 11].
وقال: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)[التحريم: 6].
نعم -يا معاشر المؤمنين-: إنها مسئوليةٌ جسيمة، وأمانةٌ عظيمة.
فالواجب على كل والد أن يتقي الله في أولاده، وأن يعمل على تأديبهم وتربيتهم وتنشئتهم على عقائد الدين، وأعمال الإسلام، وآدابه العظيمة.
وأن يعمل على تنشئتهم النشأة الصالحة على أساسٍ من تقوى الله -جل وعلا-، والقيام بحقوقه جل في علاه.
عباد الله: وتربية الأبناء تقوم على ركائز عظيمة، وأسسٍ مهمة، لابد من العناية بها؛ ليتحقق للعبد هذا المقصود الجليل، والمطلب العظيم النبيل.
ومن هم هذه الركائز: الدعاء لهم من قبل مجيئهم ومن بعدهم؛ من قبل مجيئهم بالهبة الصالحة، ومن بعده بالهداية والصلاح، ثم إذا شبُّوا على الهداية والصلاح يُدعى لهم بالاستقامة والثبات.
ومن دعوات النبيين في هذا الباب: دعاء خليل الرحمن -عليه السلام-: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)[الصافات: 100].
ومن دعائه: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)[إبراهيم: 35].
ومن دعائه: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)[إبراهيم: 40].
ومن دعوات زكريا -عليه السلام-: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)[آل عمران: 38].
ومن دعاء عباد الرحمن كما في أواخر سورة الفرقان: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74].
وليُعلم -يا معاشر المؤمنون-: أن دعوة الوالد لولده مستجابةٌ لا ترد، كما ثبت بذلكم الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وليُحذر أشد الحذر في هذا المقام أن يتعجَّل الوالد بدعوةٍ، ولاسيما في حال غضب على ولده بالشر، ثم تستجاب دعوته تلك فيندم على ذلك ندامة شديدة، والله يقول: (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا)[الإسراء: 11].
أيها المؤمنون: وإن من الركائز العظيمة في تربية الأبناء وتأديبهم: العدل بينهم، والبُعد عن الجور والحيف والظلم؛ فإن الأب إذا لم يعدل بين أبنائه أوجد بينهم العداوة والتحاسد والتباغض، وإذا عدل بينهم كان عدله من أعظم أسباب توادهم ومحبتهم، ومن أعظم أسباب برهم أجمعين له، وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- عندما نحله والده نحلة وطلبت أمه أن يُشهد على ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له عليه الصلاة والسلام: "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟" فَقَالَ: لَا، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ".
وفي رواية "لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ".
وفي رواية في صحيح مسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟" قَالَ: بَلَى، قَالَ: "فَلَا إِذًا".
تحذيرًا منه صلوات الله وسلامه عليه من عدم العدل بين الأبناء، لما يورثه من عقوقٍ وعدم برٍ وإحسان، وتقاطعٍ وتهاجر بين الإخوان.
أيها المؤمنون -عباد الله-: ومن ركائز تربية الأبناء: الرفق بهم، ومعاملتهم بالرحمة واللطف والإحسان، والبعد عن الغلظة والشدة والجفاء؛ فإن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه ولا نُزع من شيء إلا شانه.
وتبدأ هذه الرحمة وهذا التلطف، وهذا الرفق مع الأولاد منذ صغرهم ونعومة أظفارهم، وتمضي معهم دائمةً مستمرة رفقًا وحنوًّا وعطفًا من الآباء على أبنائهم، وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبَّل الحسن ابن علي، والأقرع بن حابس جالسٌ عنده، فقال: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وقَالَ: "مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ".
وفي الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ".
فإن هذه الرحمة -يا معاشر المؤمنين-: والرفق بالأبناء سببٌ لقرب الأبناء من آبائهم، ومحبتهم لهم؛ فإذا وُجد هذا القرب ووُجدت هذه المحبة تمكن الأب من التوجيه والنصح والبيان، مع تقبُّلٍ تام من الأبناء، واهتمامٍ بتوجيهات الآباء.
عباد الله: ومن الركائز العظيمة في تأديب الأبناء وتوجيههم: أن يحرص الأب دائمًا على التوجيه والنصح، والوصية بمعالي الأمور ورفيعها؛ وصيةً بالعقائد الدينية العظيمة، وفرائض الإسلام وواجباته المتينة، والنهي عن الحرام، والتحذير من الآثام.
وإن من بليغ وعظيم ونافع وصايا الآباء للأبناء؛ تلك الوصايا العظيمة، والمواعظ المسدَّدة؛ للقمان الحكيم، وهو يعظ ابنه، وقد ذكرها الله -تبارك وتعالى- في كتابه العظيم في سورة لقمان أنموذجًا رفيعًا، ومثالًا عليًّا، لتوصية الأبناء وتربيتهم وتأديبهم بالآداب الفاضلة، والأخلاق الكاملة.
وإن من أعظم ما يكون في هذا المقام تربية الأبناء منذ أول النشأة، وبداية الأمر، على الاعتقاد الصحيح، إيمانًا بالله، وبكل ما أمر عباده بالإيمان به وتوحيده جل في علاه، وإخلاص الدين له، قال الله -تعالى-: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[البقرة: 132].
وفي أوائل وصايا لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لقمان: 13].
ثم من بعد ذلك -من بعد الوصية بالتوحيد والإيمان- تأتي الوصية بفرائض الإسلام العظيمة، وواجباته المتحتمة، والنهي عن الحرام، والتحذير من الآثام.
ومن أعظم ما يكون في هذا الباب وصية الأبناء بالصلاة" (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)[طه: 132].
وفي المسند وسنن أبي داود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ".
وفي رواية: "مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ".
أيها المؤمنون: وإن من الركائز العظيمة في تأديب الأبناء وتربيتهم: تعاهدهم في باب الجليس والصاحب؛ فإن الصاحب ساحبٌ ومؤثر في جليسه ولابد، ويبين لهم ذلك المثال الرفيع الذي ذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- في بيان تأثير الصاحب على صاحبه في الخير أو الشر، ففي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً".
وقد قال عليه الصلاة والسلام: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ".
ثم -عباد الله- في هذا الباب -باب الأصحاب والجلساء- لقد استجدَّ في زماننا هذا نوعٌ من الأصحاب والجلساء لم يكن له وجودٌ في زمن سابق؛ ألا وهو عباد الله مجالسة القنوات الفضائية، ومواقع الأنترنت، ونحو ذلك من خلال الوسائل الحديثة التي استجدَّت في بيوت الناس، وفي أيديهم، في زماننا هذا؛ ولهذا يلزم الآباء متابعة أبنائهم في هذا النوع من الأصحاب؛ لأن له تأثيرا بالغا، وخطورةً عظيمة، على العقول والأديان والأخلاق والآداب.
فكم تاه من الشباب والشابات بسبب هذه الوسائل في أمورٍ عظيمة، وبلايا جسيمة، لا يعلم مداها إلا الله -تبارك وتعالى-.
أيها المؤمنون -عباد الله-: وإن من الركائز العظيمة في تأديب الأبناء وتربيتهم: أن يكون الوالد قدوةً لأبنائه، لا أن يأمرهم بالخير فلا يأتيه، ولا أن ينهاهم عن الشر فيأتيه؛ فيكون قدوة سيئة لأولاده، وتكون دعوته وتأديبه لهم في تناقض عظيمٍ، وتبايُن عجيب، فلسان حاله في واد وفعاله في وادٍ آخر؛ فينشأ الأبناء تحت مثل هؤلاء الآباء نشأةً متناقضة مضطربة، فيكون تأثيرهم على أبنائهم تأثيرًا وخيما.
ولهذا يجب على الوالد، وهو يؤدِّب أبناءه ويوجه أولاده أن يتذكر دومًا وأبدا، قول الله -تبارك وتعالى-: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ)[البقرة: 44].
وقول شعيب -عليه السلام- لقومه: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ)[هود: 88].
أيها المؤمنون: ومع عناية الوالد بهذه الأمور العظيمة في تأديبه لأبنائه وتوجيهه لأولاده، فعليه ألا يعلِّق قلبه بهذه الأسباب، وأن يفوض أمره إلى الله، متوكلا عليه، معتمدا عليه، راجياً منه وحده جل في علاه أن يصلح له أولاده، وأن يحفظهم بما يحفظ به عباده الصالحين.
اللهم يا ربنا نتوجه إليك في هذه الساعة المباركة وفي هذه اللحظات الكريمة، ونسألك يا ربنا بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا، وبأنك أنت الله يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم يا رب العالمين أن تصلح لنا أولادنا أجمعين.
اللهم منَّ عليهم بالصلاح والهداية والاستقامة والسداد، وجنِّبهم يا ربنا الفساد والردى والهلاك.
اللهم لا نرجو ذلك إلا منك، ولا نتوكل في ذلك، وفي أي أمر من أمورنا إلا عليك؛ فأنت وحدك المستعان وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون: ولنعلم في هذا المقام أن الوالد إذا وُفِّق في هذا الباب -باب تربية الأبناء وتوجيههم- وصبر على ذلك، ومنَّ الله عليه بصلاح أبنائه، فإنه يترتب على هذا الصلاح، وعلى هذه التربية والتأديب من الآثار الحميدة، والعوائد المباركة، التي يجنيها الوالد في دنياه وفي قبره، ويوم لقاء الله -تبارك وتعالى- أمورًا، لا حصر لها.
وكذلك في مقام التفريط، إذا فرَّط الوالد في تربية أبنائه، وتأديبهم، فإنه يتعرض بذلك إلى عواقب وخيمة، وآثار جسيمة، في دنياه وأخراه.
ألا فلنتقِ الله في أولادنا، ولنراقبه جل في علاه في أبنائنا، ولنلحَّ عليه بالدعاء أن يصلحهم، وأن يهديهم، وأن يسدِّدهم، وأن يجنِّبهم مسالك الردى والفساد، ولنُعنى بحسن تأديبهم، وجميل توجيههم، وحُسن رعايتهم، مستمدين في ذلك كله العون من الله وحده =جل في علاه-.
وصلُّوا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم إنا نسألك النصر والمعونة لإخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم كن لهم حافظًا ومُعِينا وهاديًا ومسدِّدًا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ولِّ على المسلمين أينما كانوا خيارهم، واصرف عنهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم وجنبنا والمسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.