البحث

عبارات مقترحة:

المجيد

كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

فلذات الأكباد

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. الأبناء من النعم الجليلة .
  2. تربية الأبناء مسؤولية عظيمة .
  3. أهمية غرس معالم الخير في الأبناء .
  4. من وسائل تربية الأبناء. .

اقتباس

إِنَّ مِنْ أَعْظمَ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ نِعْمَةَ الْأَوْلادِ, وَلا يُحِسُّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، وَلِذَلِكَ تَجِدْهُ يَبْذُلُ الْأَسْبَابَ الْكَثِيرَةَ وَيَبْذُلُ الْأَمْوَالَ الْوَفِيرَةَ لِلْعِلَاجِ, وَلَكِنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ قَدْ رَزَقَهُمُ اللهُ أَوْلادَاً, وَمَا عَرِفُوا نِعْمَةَ اللهِ فِيهِمْ.. إِنَّ تَرْبِيَةَ الْأَوْلادِ مَسْؤُولِيَّةٌ عَظِيمَةٌ وَأَمَانَةٌ كَبِيرَةٌ وَنَحْنُ مَسْؤُولُونَ عَنْهَا بَيْن يَدَيِ اللهِ..

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ الْبَشَر، وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ وَأَمَر، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَمَا ظَهَر، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَر، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مَا بَزَغَ نَجْمٌ وَظَهَر، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابَهِ الْمَيَامِينَ الْغُرَر، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْمُسْتَقَرّ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَرَاقِبُوهُ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ, وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّقْوَى هِيَ: العَمَلُ بِطَاعَةِ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ رَجَاءَ ثَوَابِ اللهِ، وَالتَّرْكُ لِمَعْصِيَةِ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنْ اللهِ خَوْفاً مِنْ عَذَابِ اللهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْظمَ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ نِعْمَةَ الْأَوْلادِ, وَلا يُحِسُّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، وَلِذَلِكَ تَجِدْهُ يَبْذُلُ الْأَسْبَابَ الْكَثِيرَةَ وَيَبْذُلُ الْأَمْوَالَ الْوَفِيرَةَ لِلْعِلَاجِ, وَلَكِنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ قَدْ رَزَقَهُمُ اللهُ أَوْلادَاً, وَمَا عَرِفُوا نِعْمَةَ اللهِ فِيهِمْ، أَلَا فَلْيَحْمَدُوا اللهَ وَلْيَقُومُوا بِتَرْبِيَتِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَعَلَى الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ وَالصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ تَرْبِيَةَ الْأَوْلادِ مَسْؤُولِيَّةٌ عَظِيمَةٌ وَأَمَانَةٌ كَبِيرَةٌ وَنَحْنُ مَسْؤُولُونَ عَنْهَا بَيْن يَدَيِ اللهِ, قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6]، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ" مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

فَالتَّرْبِيَةُ إِذَنْ مُهِمَّةٌ كَبِيرَةٌ, وَإِنَّ أَوَّلَ الْمُنْتَفِعِينَ بِصَلَاحِ الْأَبْنَاءِ هُمُ الْأَبَوَانِ, فَصَلَاحَ الْأَوْلَادِ مِنْ نِعْمِ الدُّنْيَا, قَالَ اللهُ تَعَالَى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 46]، وَصَلاحُ الْأَوْلَادِ خَيْرٌ لَكَ بَعْدَ مَوْتِكَ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

إِنَّ التَّرْبِيَةَ أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ تَبْدَأُ مُبَكِّرَةً فَاحْذَرْ تَأْخِيرَهَا, عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

فَتَأَمَّلُوا شَرْعَ اللهِ كَيْفَ يَبْدَأُ أَمْرُ الأَوْلَادِ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يُكَلَّفُوا بَعْدُ, وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَعَوَّدُوا عَلَيْهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَ إِذْ هُمْ قَدْ أَلِفُوهَا وَحَافَظُوا عَلَيْهَا, وَمَنْ حَافَظَ عَلَى صَلَاتِهِ حَفِظَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَهَذَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعِلِّمُنَا تَرْبِيَةَ الْأَوْلَادِ عَمَلِيَّاً مَعَ صِغَرِهِمْ, فَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يَا غُلاَمُ: سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيك" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فَتَأَمَّلُوا هَذَا: ثَلَاثَةُ آدَابٍ فَاضِلَةِ عَلَّمَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِهَذَا الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ, وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-مَا، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوماً، فَقَالَ: "يَا غُلامُ إِنِّي أعلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَألْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ، وَاعْلَمْ: أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).

 اللهُ أَكْبَرُ ! مَا أَجْمَلَ هَذَا ! وَمَا أَحْسَنَ رَبْطَ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَتَأَمَّلُوا هَذِهِ الآيَةَ الْعَجِيبَةِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم: 54- 55]، فَيَا سُبْحَانُ اللهِ حَتَّى بُيُوتُ النُّبُوَّةِ تَحْتَاجُ لِلْتَرْبِيَةِ, فَهَذَا النَّبِيُّ الْكَرِيمُ إسْمِاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ, فَأَيْنَ أُولِئَكَ الذِينَ أَهْمَلُوا أَوْلادَهُمْ وَتَرَكُوا تَرْبِيَتَهُمْ بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوهُمْ أَوْ تَعِبُوا مِنْهُمْ ؟ فَنَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ غَيْرَكَ قَدْ عَانَى وَتَعِبَ فِي التَّرْبِيَةِ حَتَّى رُسُلُ اللهِ الْكِرَامِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.

وَلَكِنْ أَبْشِرْ يَا مَنْ حَرَصْتَ عَلَى تَرْبِيَةِ أَوْلادِكَ فَإِنَّ اللهَ لَنْ يُضِيعَ سَعْيَكَ وَلَنْ يَذْهَبَ سُدَى, فَإِنَّنَا نَرَى وَنَسْمَعُ أَنَّ مَنْ رَبَّى أَوْلادَهُ فَإِنَّهُمْ يَنْشَئُونَ صَالِحِينَ فِي الْغَالِبِ, حَتَّى وَإِنْ حَصَلَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ عَدَمِ الاسْتِقَامَةِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ, فَإِنَّهُمْ سُرْعَانَ مَا يَرْجِعُونَ, ثُمَّ إِنَّهُمْ لَوْ انْحِرَفُوا لا يُبْعِدُونَ, وَذَلِكَ لِأَثَرِ التَّرْبِيَةِ فِي قُلُوبِهِمْ, قَالَ اللهُ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم: 24- 25].

اللَّهُمْ يَا رَبَّنَا نَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى وَصِفَاتِكَ الْعُلْيَا أَنْ تُعِينَنَا عَلَى مَا حَمَّلْتَنَا مِنْ مَسْؤُولِيَّةٍ تِجَاهَ الْأَبْنَاءِ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ، أَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ كَثِيرَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَرَبُّوا أَوْلَادَكُمْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَعَلَى الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلتَّرْبِيَةِ أَثَرَاً عَظِيمَاً فِي سُلُوكِ الْأَوْلَادِ, فِي دِينِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ... ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم: 30]" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ وَسَائِلِ التَّرْبِيَةِ: أَنْ تَكُونَ قُدْوَةً صَالِحَةً لِأَوْلَادِكَ, فَيَرَوْنَكَ تُصَلِّي وَتَصْحَبَ الْأبْنَاءَ لِلْمَسْجِدِ, وَيَرَوْنَكَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي الْبَيْتِ وَتُصَلِّيَ النَّوَافِلَ، وَيَسْمَعُونَ مِنْكَ الْكَلَامَ الطَّيِّبَ وَالتَّوْجِيهَ الْحَسَنَ, وَإِنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِكَ فِي الْبَيْتِ هُوَ تَرْبِيَةٌ لَهُمْ وَقُرْبٌ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ مِنْ تَكُونَ أَكْثَرُ سَاعَاتِهِ مَعَ أَصْدِقَائِهِ أَوْ زُمَلائِهِ فِي الْعَمَلِ أَوْ مَعَ جَوَّالِهِ وَلا يَسْمَعُونَ مِنْهُ إِلَّا كَلِمَاتِ التَّقْرِيعِ وَالتَّسْكِيتِ لِأَنَّهُ لا يُرِيدُ أَحَدَاً يَقْطَعُهُ عَنِ النَّظَرِ فِي جَوَّالِهِ, فَهَذَا وَاللهِ الْإِهْمَالُ وَمِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ ضَيَاعِ الْأَوْلَادِ وَبُعْدِهِمْ عَنْكَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْوَسَائِلِ أَنْ يَسْمَعُوا مِنْكَ وَيَرَوْنَ احْتِرَامَ الدِّينِ وَأَهْلِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ, وَيَرَوْنَ مِنْكَ احْتِرَامَ وُلاةِ الْأَمْرِ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُ الْكَثِيرُ, وَإِنَّ مِنَ الْأَسَبَابِ التِي أَدَّتْ إِلَى انْحِرَافٍ فِكْرِيٍّ عَقَدَيٍّ مِنْ بَعْضِ الْأَبْنَاءِ وَبِالتَّالِي الانْجِرَارِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ الْمَشْبُوهَةِ وَالْأَفْكَارِ الْهَدَّامَةِ هُوَ مَا يَسْمَعُونَهُ فِي الْبَيْتِ مِنْ عَدَمِ الاحْتِرَامِ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ، بَلْ رُبَّمَا سَمِعُوا السِّبَابِ وَالشَّتَائِمَ لِأَنَّ الْأَسْعَارَ غَلَتْ أَوْ لِأَنَّ فُلانَاً وَظِيفَتُهُ لا تُلَائِمُهُ...

 وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَسْمَعُوا مِنْكَ الدُّعَاءَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ بِالصَّلَاحِ وَلِبِطَانَتِهِ بِالْهِدَايَةِ, وَيَسْمَعُوا مِنْكَ الْكَلَامَ بِحَقٍّ فِيمَا تُقَدِّمُهُ الدَّوْلَةُ مِنْ خَدَمَاتٍ وَمَا تُوَفِّرُهُ مِنْ خَيْرَاتٍ, وَيَسْمْعُونَ مِنْكَ إِجْلَالَ الْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاءَ لَهُمْ.

فَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ سَبَبَاً لِشَقَاءِ ابْنِكَ بَلْ شَقَاءِ نَفْسِكَ، فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَصْطَلِي بِنَارِ هَذِهِ الْأَفْكَارِ الْمُنْحَرِفَةِ أَنْتَ قَبْلَ غَيْرِكَ, وَقَدْ سَمِعْنَا بَعْضَ الْأَبْنَاءِ لَمَّا انْحَرَفُوا بَدَأُوا بِوَالِدِيهِمْ فَقَتَلُوهُمْ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ التَّرْبِيَةِ: الدَّعَاءُ، فَالدُّعَاءُ مِمَّا يُحِبُّهُ اللهُ مِنَّا وَيَأْمُرُ بِهِ، وَأَبْشِرْ فَلَنْ يَأَمْرَكَ اللهُ بِأَمْرٍ إَلَّا وَالْخَيْرُ فِيهِ حَالَاً وَمَآلاً, وَهَا هُمْ رُسُلُ اللهِ الْكِرَامِ طَالَمَا دَعَوْا لِأَوْلَادِهِمْ, فَهَذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم: 40]، وَهَذَا زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) [مريم: 5- 6].

فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ لَنَا وَلَكُمُ النِّيَّةَ وَالذُّرِّيَةَ, رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا, اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه، اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنَا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لَنَا وَتَوَفَّنَا إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لَنَا.

اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْعَدْلِ وَالْحَقِّ فِي الغضب والرضا, وَنَسْأَلُكَ القصد في الفقر والغنا, وَنَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَبِيدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ, وَنَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَنَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَنَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَنَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ.

اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.