الرءوف
كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
أيها المسلم: إن الإيمان بالله حقا لا بد فيه من اعتقاد القلب، ونطق اللسان، وعمل الجوارح، فلا يكفي دعوة الإيمان بلا عمل؛ لأن الله -جل وعلا- ذكر الإيمان مقرونا بالعمل الصالح في آيات من كتابه العزيز، وإن الإيمان بلا عمل كجسد بلا روح، لا اعتبار له، فالإيمان والعمل قرينان في كتاب الله، فكما لا ينفع عمل بلا إيمان، فلا ينفع إيمان بـ...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاسَ: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ التقوى.
أيها المسلم: جعل الله هذه الدنيا دارا للأعمال الصالحة، وابتلاءا بالأعمال السيئة، فمن أحسن العمل ناله من الله عظيم الثواب، ومن أساء عرض نفسه للعقاب.
أيها المسلم: إن الإيمان بالله حقا لابد فيه من اعتقاد القلب، ونطق اللسان، وعمل الجوارح، فلا يكفي دعوة الإيمان بلا عمل؛ لأن الله -جل وعلا- ذكر الإيمان مقرونا بالعمل الصالح في آيات من كتابه العزيز، وإن الإيمان بلا عمل كجسد بلا روح، لا اعتبار له، فالإيمان والعمل قرينان في كتاب الله، فكما لا ينفع عمل بلا إيمان، فلا ينفع إيمان بلا عمل.
أيها المسلم: إن المسارعة لفعل الخيرات، والإكثار منها من أجل الطاعات، وأعظم القربات، وفي ذلك فوائد عظيمة؛ فمنها: أن الله -جل وعلا- أمر بالمسارعة إلى فعل الخيرات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون: 51].
وقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الحـج: 77].
وقال: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133].
وقال: (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا) [المائدة: 48].
ويقول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ الصالحة سَبْعًا، هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ".
أمر بمبادرة الأعمال الصالحة قبل حصول شيء من هذه العلامات السبع، والمراد الحث على اغتنام الأوقات والمسارعة في وقت الإمهال قبل لقاء الله: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) [الإنشقاق: 6].
أيها المسلم: إن نوافل الطاعات والإكثار منها من أسباب قربك إلى الله، فأقربنا من ربنا أخشانا له، وأتقانا له: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13].
يقول الله -جل وعلا-: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ: 37].
أيها المسلم: ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربه -جل وعلا- أنه قال: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْب، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ".
يعني: أن الله يوفقه في كل حواسه، ويحفظه بالطاعة؛ فتنطلق الجوارح في طاعة الله كلها، فتكون أعماله أعمالا صالحة، يسارع فيها إلى فعل الخيرات.
أيها المسلم: إن الأعمال الصالحة سبب للحياة السعيدة الطيبة، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
ونجاة العبد يوم القيامة أو خسارته على مقتضى أعماله، إن خيرا أو شرا، يقول الله -جل وعلا-: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ)[الروم: 14 – 16].
أيها المسلم: إنك مأمور بالتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، فجد واجتهد في أداء الفرائض والنوافل، لتكون زادا لك يوم لقاء الله: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197].
أيها المسلم: قد يتصور البعض، فيقول: إن الأعمال الصالحة شاقة على النفوس، ثقيلة على النفوس، ولا بد لها من رجال من خواص الناس، فيزهد في العمل الصالح، كما يتصور الضعيف أن الغني أولى منه بذلك، والمريض يتصور أن الصحيح أولى منه بذلك.
وكل هذا من تثبيط الشيطان للعبد، وتثبيطه عن المسارعة في الخيرات.
إن ميادين الخير فسيحة، وإن فرصها كثيرة، وأبواب الخير متعددة؛ لكن على المسلم أن يحسن نيته، ويستقيم على طاعة الله.
أخي المسلم: ليست الطاعة خاصة بأحد، بل الكل مطلوب منا المسارعة إلى الخير والمسابقة فيه: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133].
إن هناك فرائض ونوافل، فالفرائض هي المهمة قبل كل شيء.
وأعظم ما افترض الله علينا: عبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدين له، إخلاص الدعاء والرجاء، والتعلق، وطلب الغوث والمدد من رب العالمين، فهو الذي يدعا ويرجا، ويتعلق القلب بربه، محبة وخوفا ورجاءً، فإن هذا التوحيد إذا صح صحت بقية الأعمال، قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر: 65].
ثم فرائض الإسلام العملية من الصلاة والزكاة والصوم والحج والبر، وغير ذلك.
ثم يأتي نوافل الطاعات المتعددة التي رتب عليها ثواب عظيم على أعمال يسيرة؛ فمنها: نوافل الصلوات الخمس، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال بلال يوما: "مَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ إِلا وأنا أسَمِعْ خَشْخَشَتَكَ نعالك أَمَامِي، فبأي عمل ذلك؟ " فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هو إلا أني كلما أَذَّنْتُ صَلَّيْتُ، وكلما أحَدَثٌت َوَضَّأْتُ وصليت، قَالَ: "هِمَا هما"، ويقول لثوبان: "يا ثوبان أكثر من السجود فإنك لن تسجد سجدة إلا رفعك الله بها حسنة وحطت عنك بها خطيئة" وقال ربيعة بن كعب الأسلمي يا رسول الله قال: "سألني يا ربيعة" قال: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ".
ومنها: نوافل الصدقة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ الصَّدَقَةَ َتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ وتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ" ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ" ويقول: "يَا معشر الْمُسْلِمَاتِ لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ".
ومنها: نوافل الصيام، فقد رتب على نوافل الصيام ثواب عظيم، فستة من شوال مع رمضان تعادل صيام العام كله، وصيام يوم عرفة يكفر عاما ماضيا وعاما آتيا، وصيام يوم عاشوراء يكفر عاما ماضيا، كل هذا من فضل الله وترغيب العباد في فعل الخير.
أيها المسلم، ومن أفعال الخير ونوافله، المهمة: صلة الرحم، فإن صلة الرحم لها شأن كبير، لما خلق الله الخلق تعلقت الرحم بالعرش، فقالت: أنت الرحمان وأنا الرحم، قال: "ألا ترضين أن أصل من وصلك واقطع من قطعك" قالت: نعم، قال: "فذلك لك".
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن صلة الرحم سبب لطول العمر، وسعة الرزق، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أحب أَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، وَيُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَصِلْ ذا رَحِمَهُ".
وصلة الرحم تكون بأمور: زيارتهم، عيادة مريضهم، مواساة محتاجهم، تضميد جراحهم، الصبر على أذاهم، نصيحتهم وتوجيهم إلى الخير، قدر الاستطاعة.
ومن الأعمال الخيرة التي حث الإسلام منها: إكرام الجار والإحسان إليه، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَليحسن إلى جَارَهُ".
وفي لفظ: "فليكف الأذى عن جاره".
وقال أيضا: "لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه".
ومن خصال الخير أيضا: إفشاء السلام، وصلة الأرحام، وقيام الليل، سمع عبدالله النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ".
ومن ذلكم أيضا: إكرام اليتيم والإحسان إليه، يقول صلى الله عليه وسلم: "أنا وكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ" وَأَشَارَ بأصبعه السَّبَّابَةِ والإبهام، وفرق بينهما.
ومن ذلك –إخواني-: الإصلاح بين المتخاصمين، وحل المشاكل بينهم، يقول صلى الله عليه وسلم: "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ تَعْدِلُ وتصلح بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ".
ومن ذلكم -أيها الإخوة-: بناء المساجد وتشيديها، فإنه عمل صالح يبقى لصاحبه ذكر حسن، وذكر جميل، يؤذن به كل يوم خمس مرات، تقام فيه الصلوات الخمس، والجمعة، فيا له من نعمة عظيمة.
ومن ذلكم: الصدقات الجارية؛ كبناء المستشفيات والمستوصفات، وتشيد ذلك، فهي من الأعمال الصالحة، التي يرجى لصاحبها الخير.
ومن ذلكم: أصحاب الأقلام الذي سخروا أقلامهم في تبين الحق وتوضيحه، ورد الباطل ودحضه، وتقويم المعوج.
دحض الشبه الباطلة، والآراء المضللة، التي شبه بها على الإسلام، في كل الأحوال.
فالأقلام المستقيمة التي تخط خيرا للأمة في التنبيه والتحذير، والدعوة إلى الخير، كلها أعمال صالحة.
ومن ذلكم: غرس النخيل والأشجار، فإن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أن: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسَ نَخْلًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ أو طائر إِلاَّ كَانَ لغارسه الأول أجر".
ومن ذلكم أيضا: القيام بالأعمال المسئولية، وتنفيذ الأعمال، وقيام كل مسئول بمهمته، وأدائه للعمل وقتا وأداءً، مع الإخلاص والعفة عن أموال العامة.
ومن ذلكم -يا إخواني-: تبصير المجتمع، وتنبيهه إلى الأخطار المحدقة به.
فالمسلم يحذر الأمة، يذكرهم بنعم الله عليهم، قال الله -جل وعلا-: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [إبراهيم: 6].
فيذكرهم بنعمة الله ليشكروها، ويؤدوا حقها، ويحذروا من أسباب زوالها، ويحذروا من دعاة السوء، ودعاة الإجرام والفساد والفوضويات، ومن يريدون شرا بهذه الأمة في حاضرها ومستقبلها، فيكون مذكرا للناس نعم الله عليهم ليشكروها، ويقوموا بواجبها، محذرا لهم من أسباب زوالها، مبينا لهم عداوة الأعداء، كاشفا لهم عن حقيقة تلك العداوة التي يتلبس بها من يتلبس، وإن أظهر الإخلاص والصدق، وإن أظهر التعاون، فإنما تحملهم قلوبهم من الحقد على الأمة، والحسد لها، ومحاولة -أي محاولة- لزعزعة أمنها واستقرارها.
فليكن المسلم داعيا إلى الخير، محذرا من الشر، منتبها للأخطار المحدقة بالأمة، محذرا لها كل آن وحين، لا يقول قولا، ولا يغرد تغريدة إلا وهو يعلم أن فيها صلاحا للأمة، وتحذيرا لها من الشرور، وحثا لها على الترابط والاتحاد، والاجتماع والتآلف والمحبة، وحماية الوطن المسلم وعقيدته وأخلاقه، وخيراته، فإن هذه أمانة في أعناق الجميع، فإننا في زمن كثر فيها التحديات والمصائب، وأجلب الأعداء بخيلهم ورجلهم على الأمة، وخططوا لها مخططات رهيبة -نسأل الله أن يكفينا شر ذلك-.
لكن إذا وعت الأمة، وصار عندها وعيا صحيحا، وإدراكا حسنا، وتصورا الأخطاء، دعاهم ذلك إلى اجتماع كلمتهم، وتآلف قلوبهم، ووقوفهم مع قياداتهم، وتعاونهم على البر والتقوى، وتحذيرا للأمة من هذه المكائد التي ربما دخل فيها بعض المنتسبين للأمة، وبعض من يظن فيهم خيرا، وهم على ضد ذلك، فليكن المسلم على حذر من هذه الأمور.
إن المؤمن حقا يغار على دينه، يغار على محارمه، يغار على أمته، يغار على أخلاقهم، يغار على بلاده، يغار على مستقبله، جاد في النصيحة محذرا وموجها، يحذر الأمة من مكائد الأعداء، على تلونها واختلاف شبهاتها، لا يقر باطلا، ولا يرضى بالشر.
إن موردي المخدرات الذين يسعون لتصديرها للأمة، أناس خونة، مفسدون ضالون مظلون، محاربون لله ولرسوله، يجب أن ينزل بهم من العقوبة ما يردع عن هذا الفعل القبيح، والفعل الشنيع.
لقد كشف بالأمس عن هؤلاء وأفكارهم، وما جلبوا للمجتمعات من هذه المخدرات، بأساليب مختلفة، وأمور قد لا تخطر في البال، لكن الله هيأ لهم الرجال الصادقين المخلصين، فكشفوا عوارهم، وبينوا خزيهم، وأظهروا ما كنوا من هذا البلايا العظيمة التي هو داء عضال، وسبب لتدمير الأمة، وتدمير كيانها وأخلاقها.
فعلى المسلم أن يكون غيورا لدين الله، وغيورا على بلاد الإسلام، وعلى أخلاق الأمة، ولا يهمه مصالح الدنيا، فيضحي بأمته ومصالحها وخيراتها، كل هذا من ضعف الإيمان، فالمؤمن حقا يغار على هذا الدين، ويغار على هذه الأمة، ويغار على أخلاقها، وعلى قيمها، وعلى فضائلها.
يغار عليها غيرة مسلم صادق، لا تغره الدنيا، ولا يستجيب لها، بمادتها مهما كثرت، فالأموال المحرمة لا تخدعه؛ لأنه يعلم أنها حراما، ومكاسب خبيثة، ويعلم أن ضررها على الأفراد والجماعة، فيتقي الله، ويحذر من تلك الأمور، ويكون مسلما مكافحا، داعيا إلى الخير، محذرا من الشر.
ومن خصال الخير: الشفاعة لمن يعجز عنها: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ".
إن الله -جل وعلا- رتب ثوابا عظيما على أعمال يسيرة؛ بغي من بني إسرائيل سقت كلبا فشكر الله لها، وغفر لها.
شخص قطع شجرة في الطريق تؤذي الناس فشكر الله له، فغفر له؛ كل هذه أعمال صالحة مع الصدق والإخلاص لله في الأقوال والأعمال، فنرجو الله أن يوفقنا جميعا لاكتساب الأعمال الصالحة، وأن يرزقنا الغيرة على ديننا، والتحذير من أعداءنا، وأن نكون أمة واعية، لا تخدعنا الدنيا بزخارفها، ولا أقوال يقولها بعض من يقول وهم كاذبون في ذلك.
نسأل الله الثبات على الحق، والاستقامة على الهدى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة: 33].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقولٌ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ:
فيا أيُّها الناس: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حقَّ التقوى.
عباد الله: الإخلاص لله أساس في قبول الأعمال، فكل عمل أريد به غير الله فإن الله لا يقبله، يقول جل وعلا: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110].
المتابعة للكتاب والسنة: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهْوَ رَدٌّ".
الإكثار من صالح الأعمال، والتقرب إلى الله بذلك، فإن العبد سيندم على تقصيره، وتفريطه، فجد في هذه الحياة الدنيا، وتزود عملا صالحا تلقى الله به: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197].
واعلموا -رحمكم الله-: أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين؛ أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللَّهمّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبد الله بن عبد العزيز لكل خير، اللَّهمّ سدده في أقواله وأعماله، وامنحه الصحة والسلامة والعافية، واجعله بركة على شعبه وعلى المجتمع وعلى جميع المسلمين، إنك على كل شيء قدير.
اللَّهمّ شد عضده بولي عهده سلمان بن عبد العزيز، وسدده في أقواله وأعماله، ووفق النائب الثاني لكل خير، واجعلهم جميعا قادة خير وهدى، إنك على كل شيء قدير.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عبادَ الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.