البحث

عبارات مقترحة:

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

الأصدقاء

العربية

المؤلف صالح الدويلة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الإنسان مدني بطبعه .
  2. خطر أصدقاء السوء .
  3. فوائد صحبة الصالحين .
  4. التجاوز عن هفوات الأصدقاء .
  5. حقوق الصديق على صديقه .
  6. أضرار صحبة السيئين .
  7. العناية في اختيار الأصدقاء .

اقتباس

عباد الله، أمة الدين والعقيدة: -أخي في الله-: قل من تجالس؟ أقل لك من أنت، فالرجل على دين خليله، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

وما صاحب الإنسان إلا كرقعة على ثوبه فليتخذ ما يشاكله

وبما أن الإنسان مدني بطبعه، وبما أن الإنسان يؤثر ويتأثر، وبما أن الإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، وبما أن الشيطان يأكل قاصية الغنم، ويعد المنفرد من المغنم، اتجهت همة الناس إلى...

الخطبة الأولى:

الحمد لله مبرئ البرايا، مجزل العطايا، له جزيل الحمد وكريم التحايا، خلق خلقه وجعل نفوسهم مستودعات عرايا، وأرسل إليهم رسله بجميل الخصال وحسن السجايا، يهدون للتي هي أقوم، ويدعون للأحسن بالأحكم، وينذرون الموقف الأعظم، الذي يظهر فيه مخفي الصدور ومكنون الحشايا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير بشر وطئت الثرى قدمه، ونطق بالحق فمه، وجرى في عرق دمه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 أما بعد:

عباد الله: فاتقوا ربكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

عباد الله، أمة الدين والعقيدة: -أخي في الله-: قل من تجالس؟ أقل لك من أنت، فالرجل على دين خليله، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

وما صاحب الإنسان إلا كرقعة

على ثوبه فليتخذ ما يشاكله

وبما أن الإنسان مدني بطبعه، وبما أن الإنسان يؤثر ويتأثر، وبما أن الإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، وبما أن الشيطان يأكل قاصية الغنم، ويعد المنفرد من المغنم، اتجهت همة الناس إلى الإكثار من الأصدقاء والقرب منهم، وأصبح كل واحد من الناس يحرص على أن يكون له قرين قريب منه، يألفه ويتآلف معه، فإذا وجد بغيته، وفاز بطلبه، طار به فرحاً وسروراً فقدّمه ولم يقدم عليه، واشتغل به ولم يشتغل عنه؛ فإذا هما بعد برهة من الزمن مزيج واحد من الأفكار والاهتمامات، وصفة واحدة من الأخلاق والتصرفات.

من أجل ذلك كان لزاماً على كل أحد أن يحسن اختيار الصديق الصالح، الذي ينتفع بصحبته، ويستفيد من رفقته، ولا يندم على أخوّته.

وصاحب إذا صاحبت حراً فإنما

يزين ويزري بالفتى قرناؤه

وقد أخبر سبحانه وتعالى أن من الأصدقاء من يُندم على صداقته، ويُتبرأ منها يوم انكشاف الحقائق، بل تنقلب هذه الصداقة إلى عداوة وبغض: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف: 67].

نعم إن هذا العداء بين الإخلاء: لينبع من معين ودادهم، لقد كانوا في الحياة الدنيا يجتمعون على الشر، ويملي بعضهم لبعض في الضلال، فاليوم يتلاومون، واليوم يلقي بعضهم على بعض تبعة الضلال، وعاقبة الشر، واليوم ينقلبون إلى خصوم يتلاحون، وقد كانوا أخلاء يتناجون.

(الْمُتَّقِينَ) فهؤلاء مودتهم باقية فقد كان اجتماعهم على الهدى، وتناصحهم على الخير، وعاقبتهم إلى النجاة؛ فمن أراد سلامة نفسه، واستقامة دينه، وحفظ عرضه، وصيانة سمعته، وصلاح حاله، فليحسن اختيار الصديق، وليجتهد في البحث عنه، فلن يعدم الخير في صحبته، ولن يندم على رفقته؛ قال صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".

عباد الله: دعونا نبحث عن أولئك الأصدقاء الذين لا نندم على صحبتهم، ولا نعدم الخير من رفقتهم، فنحن في هذا الزمان أشد ما نكون حاجة إليهم، وعلى رغم قلتهم في هذه الأوقات إلا أن حاجتنا إليهم توجب علينا بذل الجهد، واستخراج الطاقة، حتى نصل إليهم، فنعيش معهم حياة الطهر والنقاء، والصدق والوفاء، والسعادة والصفاء.

إذا جالستهم وقعدت معهم شعرت بالأمان، وإذا صاحبتهم وخالطتهم ملأ قلبك الاطمئنان، وإذا نسبت إليهم، أو تحدثت عنهم زاد زهوك وفخرك.

إنهم حملة المسك؛ الذين إن لم يُحذوك ويطيّبوك، ابتعت منهم، وإن لم تفعل وجدت ريحاً طيبة، وذكراً حسناً في الناس.

فلن تعدم الخير منهم أبداً ولو لم يكن في صحبتهم إلا الانكفاف عن الشر، والبعد عن مواطنه، والغفلة عن أسبابه، مراعاة للصداقة وتلطفاً بالصديق، ويقود ذلك إلى الترك الدائم، والانكفاف المستمر، وصديق الخير هذا يدلك مع ذلك على أمور الخير، ويرشدك إلى سبيل الكرامة، وإن لم تنفعك كلماته هداك هدية، واقتديت بأفعاله وتصرفاته، فالمرء مجبول على الاقتداء بجليسه والتأثر بصديقه.

عن المرء لا تسل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقارن يقتدي

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم

ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

وهو مع هذا صادق معك لا تمنعه مجاملتك عن تبصيرك بعيوبك ودلالتك على مواطن الخلل والقصور رغبة في كمالك، وحباً في صلاح حالك، قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن مرآة المؤمن".

قال الحسن البصري -رحمه الله-: "المؤمن مرآة أخيه، إن رأى فيه مالا يعجبه سدّده وقوّمه وحاطه وحفظه في السر والعلانية".

وبمجالستك لحاملي المسك وصحبتك لرفقة الخير تعلو همتك وتزيد في الخير رغبتك، ويزول عنك العجب والغرور والرضا عن النفس مع القصور، وتحفظ معهم وقتك فلا يضيع في غير الخير ولا يمضي بدون منفعة.

أليست رؤيتهم تذكرك بالله، قال صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بخياركم؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "خياركم الذين إذا رُءوا ذكر الله".

أليسوا زينة تتزيّن برفقتهم في الناس وتدّخرهم لوقت الشدة والبلاء فتخف بهم همومك وتزول عنك غمومك.

قال شبيب بن شيبة -رحمه الله-: "إخوان الصدق خير مكاسب الدنيا، وهم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء، ومعرفة على حسن المعاشرة".

تكثّر من الإخوان ما استطعت فإنهم  

عماد إذا استنجدتهم وظهور

وخير من ذلك كله، إن الصداقة بينكم والمحبة فيكم إذا ابتغي بها وجه الله، كانت سبباً في الفوز بمحبته سبحانه والدخول في رضوانه، قال تعالى: "وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ".

وقال صلى الله عليه وسلم: "من زار أخاً له في الله ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً".

وبالجملة، فالجليس الصالح منفعة لك من كل وجه في دينك ودنياك، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "المؤمن إن ماشيته نفعك، وإن شاورته نفعك، وإن شاركته نفعك، وكل شيء من أمره منفعة".

وإذا وجدت من هذا دله وهديه، وفزت بمن هذه صفته فالزمه بأسنانك وأظفارك، وعض عليه بالنواجذ، ولا تفرط فيه، وأحسن إليه، فإن حصلت منه زلة أو بدرت منه هنة، فتجاوزها ولا تقف معها.

قال الأصمعي: "قال رجل من الأعراب: من أعجز الناس من قصر عن طلب الإخوان، وأعجز منه من ظفر بذلك منهم، فأضاع مودتهم".

واعلم: أن الله قد تفرد بالكمال، ولم يسلم أحد من النقصان.

من ذا الذي ما ساء قط

ومن له الحسن فقط

والإحسان سبب لدوام المعروف، وحسن الخلق، والنصرة والبر تزيد المحبة.

إذا ما المرء كان له صديق

فبر صديقه فرض عليه

وإن عنه الصديق أقام يوماً

فوجه البر أم يسعى إليه

وإن كان الصديق قليل مال

يضيق بذرعه ما في يديه

فمن أسنى فعال المرء أن لا

يضن على الصديق بما لديه

وتعاهده بالزيارة بين الحين والحين خصوصاً إذا مرض أو احتاج، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد أتى أخاه يزوره في الله إلا ناداه مناد في السماء: أن طبت وطابت لك الجنة، وإلا قال الله في ملكوت عرشه: عبدي زار فيّ وعليّ قراه فلم يرض له بثواب دون الجنة".

فضع الزيارة حيث لا يزري بنا

كرم المرور ولا يعاب الزائر

واعلم أن المودة تجلب المعروف، وسوء الظن يجلب الإحن، وحسن الأدب يقرب الطلب.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتاب علي وعليكم؛ إنه هو التواب الرحيم.

أقول قولي هذا...

الخطبة الثانية:

الحمد لله، الحمد لله الذي لم يزل بالنعم منعماً، وبالمعروف معروفاً، وبالإحسان مُحسناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يكشف كرباً، ويغفر ذنباً، ويغيث ملهوفاً، ويجبر كسيراً، ويجير خائفاً، ويرسل بالآيات تخويفاً، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى عليه الله ما قطرٌ نزل، وما تعالى ذكره من الأزل، وما انجلى بهديه الديجور، وراقت الأوقات والدهور، وآله وصحبه أهل الوفاء، معادن التقوى وينبوع الصفا، وتابعي وتابع للتابعي، خير الورى حقاً بنصِّ الشارع.

عباد الله: روى البخاري ومسلم عن المسيب بن حزن -رحمه الله- قال: "لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله ابن أبي أمية بن المغيرة، فقال: "يا عم قل: "لا إله إلا الله"، كلمة أشهد لك بها عند الله" فقال: أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: "يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟!".

فلم يزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر كلمة: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول "لا إله إلا الله".

ف "لا إله إلا الله" ما أشد ضررهم، وما أعظم خطرهم؛ إنهم رفقة السوء، نافخي الكير، يطاردهم الشؤم ويحل على كل من يسلم قياده إليهم، فيشككون في عقيدته ويهدمون دينه ويستأصلون جذوره من قلبه إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً: (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يقول أإنك لمن المصدقين * أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمدينون) [الصافات: 51].

وقال تعالى عن المنافقين: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)[النساء:89].

وكم جروا من معهم إلى الوقوع في الحرام، وارتكاب الآثام.

قال عثمان -رضي الله عنه-: "ودت الزانية لو زنى النساء كلهن".

وقد مر معنا أن المرء يتأثر بجليسه، فإنك إن سلمت من نافخ الكير ولم تحترق ثيابك فإنك ولابد واجداً منه رائحة تكرهها، قال بعض الصالحين: "إياك ومجالسة الشرير فإن طبعك يسرق من طبعه وأنت لا تدري".

واحذر –أخي- من خداع النفس، ووسوسة الشيطان وتسويله، وإفراط الثقة بالنفس، فالمرء على دين خليله فلينظر المرء من يخالل.

وإن رؤية هؤلاء السيئين لتذكر بالمعصية، وتدعو إليها، فضلاً عن صحبتهم والاختلاط بهم -لا كثرهم الله-، كالذباب إذا انكشفت قطعة الحلوى تجمعوا عليه، فما هو إلا أن تجالس أحدهم وتجانس بعضهم حتى يجرونك إلى ما هو أعلى إثماً وأكبر جرماً، فلا تحس بنفسك إلا وقد وقعت في شباك رذيلتهم وغرقت في بحر غفلتهم، وكلما زاد قربك منهم كلما ازداد بعدك عن رفقاء الخير، وحاملي المسك، فيقيمون بينك وبينهم السدود المنيعة ويزيدون بينكم الشقة.

ومن أضرار صحبة السيئين ومجالستهم: ما يصيب الإنسان من غرور وعجب عندما يقيس حاله بحالهم؛ فتضعف فيه الرغبة في الإصلاح، ويزول هاجس التصحيح، بل يستمرئ المنكر، ويألفه لامتلاء مجالسهم به، وكثرة وقوعهم فيه: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء: 140].

فصحبة هؤلاء عار وشنار، ونقص واضح، وغبن فاحش، فلا دين ولا مروءة، ولا يظهر قبحهم، ولا ينكشف أمرهم إلا عند نزول المصائب، وحلول النقم؛ قال عبد الله بن المعتز: "إخوان السوء ينصرفون عند النكبة، ويقبلون مع النعمة".

شيئان ينقشعان أول وهلة

ظل الشباب وخلة الأشرار

وهم وإن اتصل ودهم، وجرى خيرهم، فسرعان ما ينقلب عداوة وبغضاء يوم القيامة: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف: 67].

(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا)[العنكبوت: 25].

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وهؤلاء لا يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضاً، لمجرد كونه عصى الله، بل لما حصل له بمشاركته ومعاونته من الضر" أ. هـ.

وبالجملة فمصاحبة الأشرار مضرة من جميع الوجوه على من صاحبهم، وشر على من خالطهم، فكم هلك بسببهم أقوام، وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون، ومن حيث لا يشعرون، قال أبو الأسود الدؤلي -رحمه الله-: "ما خلق الله خلقاً أضر من الصاحب السوء".

فمن العجيب أن يلقي الإنسان بنفسه، وهي أغلى ما يملك بين يدي من هذه حاله رغم تواتر التحذير، وتوالي النذير بين الناس، وعبر التاريخ، وكثرة التجارب.

ثم إنّ هناك أمراً آخر يملأني العجب كلما تفكّرت فيه، ألا وهو أن كل واحد منا يحيط به مجموعة من الأصدقاء والرفقاء هم خير له وأنفع، وأصدق له وأنصح وأقرب إليه وألصق، إلا أنه يزهد فيهم، وينفر عنهم، ويبحث عن غيرهم، ولا يشعر بهم إلا عند فقدهم، أو خذلان غيرهم ممن كان يحرص عليهم، ويجتهد في ودهم، ولو بذل الواحد منا مع هؤلاء الأصدقاء جزءً يسيراً مما يبذله مع غيرهم لتمتع بهم وتمتعوا به، فهل عرفتم من هم؟ نعم أحسنتم إنهم أفراد عائلتكم؟ ألم يفكر أحدكم أن يصادق أباه؟ أو أخاه؟ لماذا لا يكون ابنك هو أقرب صديق لك ومنك؟ أو زوجتك نعم زوجتك، إنها أولى الناس بذلك، وأقربهم وأكثرهم علماً بك، وحرصاً عليك.

أو هكذا ينبغي أن تكون، كيف ستكون أحوالنا لو تحوّل هؤلاء الأقارب والقريبون إلى أصدقاء؟!

ثم اعلموا -رحمني الله وإياكم-: أن أكثر أفراد المتصاحبين من لا يعرفون معنى الصدقة، وإن أكثروا من الثرثرة بلفظها؛ لأن أساسها الذي يقوم عليه بناؤها هو الصدق في السر والعلن، والغيبية والشهود، والقرب والبعد، وفي السراء والضراء، والشدة والرخاء، وهو أعز من الكبريت الأحمر، ولذلك أنكر الصديق الوفي المنكرون؛ فقال أحدهم:

سمعنا بالصديق ولا نراه

على التحقيق يوجد في الأنام

وأحسبه محالاً  نمقوه

على وجه المجاز من الكلام

فعلى العاقل الناصح لنفسه الذي يريد النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة أن يختار لنفسه رفقة خير وبر وهداية، ويجتنب رفقة السوء والشر والغواية.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا) [الفرقان: 29-27].

هذا، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه...