الخلاق
كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - أركان الإيمان |
إن من الأخطار التي تهدد وحدتكم وترابطكم وتلاقيكم على كلمة سواء, مهما تباعدت بينكم الأوطان أو تفاوتت الأسنان, حرصُ بعضكم واهتمامُ بعضكم ومتابعةُ بعضكم لهفوات وغلطات العلماء، سيِّما ذوي القِدم في الإسلام وذوي المواجهة للباطل أحياءً كانوا أو أمواتاً، مما أفنوا أعمارهم في ذلك أو ممن ضحُّوا بمصالحهم في الحاضر من أجل ذلك، وجعلها...
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الأخوة المسلمون: إن دين الإسلام الشاملَ الكامل, الذي أنزله الله رحمةً للعالمين ومنهاجاً للناس أجمعين, ورتب على الأخذ به سبحانه عزةً وسعادًة وفوزَ الدنيا والآخرة، قد نهى بقرآنٍ محكمٍ يتلى، قرآنٍ لو أنزل على جبل لرأيتموه خاشعاً متصدعاً, نهى عن موادة وموالاة ومحبة غير المسلمين, أو اتخاذ غير المسلمين بطانةً وأولياءَ من دون المسلمين، نهى نهياً يحمل الوعيدَ الشديدَ ويُؤْذِنُ مخالفيه بالخطر الأكيد, خطرِ أثرِ مخالفته على الفاعل نفسه بوجه خاص, وعلى المجتمع الإسلامي بأسره بوجه عام في مبادئه وأخلاقه, بل وأمنه الذي هو أعزُّ شيء لديه بعد دينه, يقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة : 51], ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [التوبة : 23], ويقول: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة : 22].
فهذه الآيات الكريمات –أيها الأخوة- التي يذكِّرُ اللهُ المؤمنين في مقدمتها ما أكرمهم به من الإيمان, الذين خرجوا به من ذل الدنيا وضيقها إلى عزة الدنيا والآخرة وسعتها، خرجوا به من جاهليتهم الجهلاء التي يُعبد فيها غيرُ الله, إلى ولاية الإيمان الحقَّةِ التي يُعبد فيها الله وحده، ويُؤاخي فيها بين المسلم والمسلم, ويفرق فيها بين الكافر والمسلم مهما كان ومن أي جنس أو لون ، تبيِّنُ بوضوحٍ أنه لا يجتمعُ إيمانٌ حقيقيٌ وموالاةٌ ومناصرةُ غير المسلمين, مهدِّدةٌ ومنذرةٌ ومحذِّرةٌ من فعل ذلك, بأنه مثلُ من والاه ووادَّه ونصره, وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
وأشرُّ الموالاة نصرتُهم على المسلمين, أو الارتباطُ معهم بأي عقد يقتضيها –أي النصرة على المسلمين- أو استمراءُ أعمالهم وشعاراتهم المحرمة أو عدمُ تكفيرهم ومواجهتهم بما هم عليه من كفر وشرك بالله, أو طاعتُهم في كراهيتهم لبعض ما أنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) [محمد : 25 ، 26].
وإنه لغريبٌ جدُّ غريبٍ أن يتولى المسلم قوماً ليسوا على دينه, أن يتولى المسلم قوماً قد أظهر الله له عداوتهم له ولأهل دينه، وأنهم لا يألون جهداً حسداً من عند أنفسهم في تحويل المسلمين وردِّهم عن دينهم الذي أكمله الله لهم, وارتضاه لهم ديناً وأقام لهم به دولةً عالميةً خالدةً تالدة، اللهم إلا من عَمِيتْ بصيرتُه ورانت الذنوب على قلبه، أو كان منهم في المعتقد تسمَّى بالإسلام ليُفْسِدَ على المسلمين أمر دينهم, يقول سبحانه وتعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة : 109] ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) [آل عمران:100] ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) [آل عمران : 100] [آل عمران:149]. ويقول: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة : 120].
وليس ما قامت وتقوم به اليهوديةُ العالميةُ منذ القدم إلى عهدنا هذا ضد الجماعات المسلمة, ولا ما قامت به وتقوم به الصليبيةُ كذلك, ولا ما قام ويقوم به الإلحادُ الشيوعي ضد المسلمين عن أذهاننا ببعيد، وما ذاك إلا لتساهل المسلمين في هذا الأمر, وعدم حيطتهم وصدق الله العظيم: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [المائدة : 81].
فاتّقوا الله -أيها المسلمون- وابنوا ترابطكم وتوادَّكم وولاءكم وتناصركم وتعاونكم ومعاملتكم في جميع شؤونكم, على أساسٍ من كتاب ربكم وسنة نبيكم, لا على قوانين وضعيةٍ ونظمٍ دوليةٍ وضعت من أرجاسٍ أنجاس, لا يألون جُهداً في ردنا عن ديننا، واعلموا أن المسلم لا يجوز له أن يُطأطئ رأسَه لعدوِ ما كافرٍ أو فاسقٍ ما دام في عزةٍ ومنعة, يقول سبحانه: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) [محمد : 35], ولا أن يتخذ أحداً من غير المسلمين بطانةً يأتمنه ويستنصحًه ويفضي إليه بما لا يفضي به لغير المسلمين, يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران : 118], روى الإمام أحمد رحمه الله بسند صحيح: "أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه استعمل كاتباً ذمياً فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال: ما لك أما سمعت الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [المائدة : 51] ألا اتخذت حنيفاً، قال: قلت يا أمير المؤمنين: لي كتابتُه وله دينُه، قال: لا أكرمهم إذا أهانهم الله، ولا أعزهم إذا أذلهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله –وفي رواية- ولا أئتمنهم وقد خونهم الله".
وأستغفر الله العلي العظيم.