الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
وتمثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلق الرحمة واقعاً وسلوكاً في الحياة امتثالاً لأمر ربه فأحبته القلوب، واطمأنت النفوس، ولهجت بذكره الألسن، وسعد بخلقه المسلم والكافر والبر والفاجر والرجل والمرأة والصغير والكبير؛ قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159].
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، لا يسأم من كثرة السؤال والطلب، سبحانه إذا سئل أعطى وأجاب، وإذا لم يسأل غضب، يعطى الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، ولا يعطى الدين إلا لمن أحب ورغب.
من رضي بالقليل أعطاه الكثير، ومن سخط فالحرمان قد وجب، ومن ركن إلى غيره ذل وهان، ومن اعتز به ظهر وغلب، نحمده -تبارك وتعالى- على كل ما منح أو سلب، ونعوذ بنور وجهه الكريم من العناء والنصب، ونسأله الخلود في دار السلام حيث لا لغو ولا صخب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وإليه المنقلب، هو المالك، وهو الملك، يحكم ما يريد فلا تعقيب ولا عجب، قبض قبضتين، فقبضة الجنة لرحمته، وقبضة النار للغضب.
وأشهد أن خاتم المرسلين هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، نطق بأفصح الكلام، وجاء بأعدل الأحكام، وما قرأ ولا كتب، أضاء للمؤمنين طريقهم، أحبهم وحبب إليهم ربهم، فتنوع العطاء والحب السبب. إمامَ الغر المحجلين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وجهك بدر وصوتك طرب، بالمؤمنين رحيم وشفيق، تتزاحم المعاني ويمنعني الأدب، فيا رب يا أكرم مسؤول، ويا خير مرتجىً ومأمول، صل على سيد الأعاجم والعرب، وعلى الصحب ومن تبع وكل من إليه انتسب، ما لاح في الأفق نجم أو غرب، أو ظهر في السماء هلال أو احتجب، وكلما انحنى لك في الصلاة ظهر أو انتصب.
أما بعد:
عباد الله: في زحمة الحياة وكثرة الشواغل والملهيات، واحتدام التنافس على الدنيا بين بني البشر، وضعف الوازع الإيماني، تختفي وتندثر وتضعف قيم وأخلاق في حياة الناس، فتزداد حياتهم تعاسة وشقاءً، وتسوء أحوالهم وتفسد العلاقات بينهم، ويظهر الظلم بجميع صوره والبغي بجميع مظاهره، فما قيمة الحياة إذا كان هذا حالهم؟!
من هذه الأخلاق التي ضعفت في قلوب الخلق اليوم وكانت من أسباب تعاستهم وشقائهم ذهاب خلق الرحمة والتراحم من قلوبهم حتى أصبحت قاسية لا تؤثر فيها موعظة أو حدث أو موقف، ولم تكتف بذلك، بل ارتكبت جميع الموبقات والمنكرات.
وإذا كانت الجاهلية الأولى قد نالت من الرحمة أقسى منال، حتى وكأنما وأدتها في مهدها، فكشف الله في كتابه عن فئام من الناس والأمم، ممن فقدوا الرحمة، وكأنما قدَّت قلوبهم من صخر صلد، تمثلت هذه الغلظة والقسوة في أصحاب الأخدود، الذين أضرموا النيران، وخدوا الأخاديد في أفواه السكك، وجنبات الطريق، وكان ذلك حينما آمن الناس بما جاء به الغلام المؤمن، فكان من لم يرجع عن دينه يقحم في النار، فتنهش جسده نهشًا، حتى لا يرى إلا فحمة أو رمادًا، ولقد جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع في النار، فقال لها الغلام: "يا أماه: اصبري فإنك على الحق". القصة رواها مسلم في صحيحه (3005). قال تعالى: (قُتِلَ أَصْحَـابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [الفجر:4-8].
وغير ذلك من قصص وأحداث الطغاة والظلمة والمجتمعات والحضارات التي أهانت الإنسان وتسلطت عليه بسبب قسوة قلوب أصحابها، وانتزاع الرحمة منها، وهي كثيرة في كتاب الله، وهي دلالة على تلك الجاهلية وانحطاط أخلاقها وانحرافها عن منهج خالقها الذي جعل من خلق الرحمة والتراحم بين الناس هدفًا رئيسًا لرسالات الأنبياء وختم هذه الرسالات برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال عنه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]، وقال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلٌ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ غَزِيْزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيْصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَؤُوْفٌ رَّحِيْمٌ) [التوبة: 128].
بل إن الله -سبحانه وتعالى- قد وصف نفسه بالرحمة فقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]، وقال تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) [غافر:7]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي". رواه البخاري ومسلم.
أيها المؤمنون عباد الله: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيراً ما يحدث أصحابه عن رحمة ربه وعن مظاهرها التي تتجلى في هذا الكون الفسيح، وذلك حتى يهذب نفوسهم ويزكيها، ويدعوهم إلى الأمل والتفاؤل وحسن الظن بخالقهم -سبحانه وتعالى- وحتى يحسنوا العمل ويتراحموا فيما بينهم، وكان يستغل الأحداث والمواقف ليذكرهم بها، فقد قدِم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبي، فإذا امرأة من السبي تجد صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟!". قلنا: لا والله! وهى تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها". رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن لله مائة رحمة؛ أنزل منها رحمة في الأرض، فبها يتراحم الخلق، حتى إن الفرس لترفع حافرها، والناقة لترفع خفها مخافة أن تصيب ولدها، وأمسك تسعة وتسعين رحمة عنده ليوم القيامة". رواه البخاري.
ربي رحيم ورحمـن ورحمتـه | تطوي الوجود وتغني كل محتـاج |
ورحمة الله لولاها لما سبـحت | أرض بجو، ولا جاشــت بأمواج |
ولا تحـركت الأقمار جـارية | لمستــقر بأفــلاك وأبـراج |
من نالها فهو ناج يـوم محشره | بها ومـن لم ينلها ليس بالنـاجي |
وتمثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلق الرحمة واقعاً وسلوكاً في الحياة امتثالاً لأمر ربه فأحبته القلوب، واطمأنت النفوس، ولهجت بذكره الألسن، وسعد بخلقه المسلم والكافر والبر والفاجر والرجل والمرأة والصغير والكبير؛ قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159]. يصل إليه الخبر -صلى الله عليه وسلم- أن ابن جاره اليهودي على فراش الموت، فأسرع إليه -صلى الله عليه وسلم- ووقف عند صدره وقال له: "قل: لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فكان الولد ينظر تارةً إلى رسول الله وتارةً إلى أبيه، فقال اليهودي لابنه: أطع أبا القاسم، أطع أبا القاسم، فنطق بالشهادة، ففرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "الحمد لله الذي أنقذه من النار". رواه البخاري (5/141).
وكان من رحمته إذا دخل في الصلاة فسمع بكاء الصبيّ، أسرع في أدائها وخفّفها، فعن أبي قتادة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي، كراهية أن أشقّ على أمّه". رواه البخاري ومسلم.
ورخّص للمسن أن يرسل من يحج عنه إن لم يستطع أن يمتطى وسيلة النقل؛ فعَنْ الْفَضْلِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ، فَقَالَ لها النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "فَحُجِّي عَنْهُ". مسلم 2376.
بل كان يرحم المسكين واليتيم والصغير؛ عن أبي مسعود البدري الأنصاري -رضي الله عنه- قال: كنت أضرب غلامًا لي، فسمعت من خلفي صوتًا: "اعلم أبا مسعود، لله أقدر عليك منك عليه". فالتفت فإذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا رسول الله: هو حر لوجه الله، فقال: "أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار". مسلم.
وتعدّت رحمته -صلى الله عليه وسلم- إلى البهائم التي لا تعقل، فكان يحثّ الناس على الرفق بها، وعدم تحميلها ما لا تطيق، فقد روى مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته".
يدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حائطًا لرجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فمسح ذفريه فسكت، فقال: "من رب هذا الجمل؟! لمن هذا الجمل؟!". فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: "أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؛ فإنه شكا إليّ أنك تجيعه وتدئبه". رواه أبو داود.
بل وجّه -صلى الله عليه وسلم- أصحابه وأمرهم بخلق الرحمة والتراحم في الدعوة والبلاغ وفي البيت بين الوالدين وأبنائهما ومع الأرحام وبين الجيران وفي العمل وفي الحرب والسلم، فقد وصى أبو بكر -رضي الله عنه- جيش أسامة فقال: "لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخًا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة".
هذه هي الرحمة التي جاء بها الإسلام، وهذا غيض من فيض لندرك أهمية هذا الخلق وأثره في حياتنا، ودوره في بناء المجتمعات وتشييد الحضارات.
عباد الله: لقد عادت بعض أخلاق الجاهلية إلى حياتنا اليوم، ولكن بثوب الحضارة والتقدم والتطور في عصر الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة وغزو الفضاء وبناء ناطحات السحاب وآبار النفط وأسواق الذهب والبورصات العالمية ووسائل الراحة المختلفة، فما شعر الناس رغم هذا التطور بالسعادة والراحة والأمن؛ لأن هذه الحضارة كان جلّ اهتمامها بالجسد ونسيت غذاء الأرواح والقلوب، الغذاء الرباني من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فكان الشقاء وقسوة القلوب وذهاب المعروف وظهور العنف والشدة والغلظة كسلوك للحياة والتعامل بين الأفراد والمجتمعات والدول، فأزهقت الأنفس وسفكت الدماء وتطاول الإنسان على أخيه الإنسان، وإذا كانت الجاهلية الأولى قد أقامت أخدودًا يقتل فيه الإنسان بني جنسه فإن حضارة اليوم قد أقامت الأخاديد والمذابح، وشردت وأهلكت الحرث والنسل، ودمرت المدن والقرى على ساكنيها، وأفسدت في البر والبحر والجو، وأصبحت لغة القوة والسيطرة والاستكبار في الأرض سلوكًا للأفراد والدول والمجتمعات، لقد أصابنا من لوث هذه الحضارة الشيء الكثير حتى قست قلوبنا، وانتزعت الرحمة من قلوب الكثير حكامًا ومحكومين، آباءً وأبناءً، أفراداً وجماعات وأحزابًا، وأصبح المسلم يقتل أخاه المسلم ويتلذذ بفعله ويباهي بعمله، وانظروا إلى دماء المسلمين في بلادهم والمجازر اليومية والحروب والصراعات بينهم، أين الرحمة؟! وانظروا إلى الجوعى والمحتاجين من المسلمين يموتون بسبب الحاجة والفاقة، وهناك من المسلمين من يموت بسبب التخمة والإسراف والتبذير بالأموال، وانظروا إلى الغلظة والشدة والعنف يمارس في واقع حياتنا دون مبرر أو حاجة، ولكنها الأهواء وانعدام الضمير وضعف الإيمان وتبلد الإحساس وقسوة القلوب، وانظروا إلى من يمكر بإخوانه المسلمين ويتآمر عليهم ويتمنى لهم كل شر ومكروه، لماذا كل هذا؟! قال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) [المائدة: 13].
إن رحمة الله لا ينالها إلا المتراحمون، وإن النجاة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة لن يناله إلا من امتلأت قلوبهم بالحب والتراحم ولين الجانب، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أهلُ الجنّة ثلاثة: إِمام عادِل، ورجلٌ رحيمُ القلب بالمساكين وبكلِّ ذِي قربى، ورجلٌ فقير ذو عِيال متعفِّف". مسلم في الجنة (2865).
وقد وصف الله محمدًا وأصحابه ومن يتبعه بالرحمة فقال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ). الفتح 29.
اللهم ارحمني برحمتك التي وسعت كل شيء يا رب العالمين، قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". رواه أبو داود والترمذي.
وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله". رواه البخاري ومسلم. ورواه أحمد من حديث أبي سعيد وزاد: "ومن لا يغفر لا يُغفر له". وفي الحديث: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". البخاري في الأدب 6011.
والرحمة لا تنزع إلا من شقي؛ قال -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تُنزع الرحمة إلا من شقي". الترمذي وقال: "حديث حسن". فكونوا من الرحماء الذين تشملهم رحمة الله ومارسوا هذا الخلق في واقع الحياة مع من حولكم من الإنسان والحيوان والطير، وانبذوا العنف والقسوة والشدة والغلظة، وليّنوا قلوبكم بذكر الله ومراقبته وبالمحافظة على العبادات، واعلموا أنكم غدًا بين يدي الله موقوفون وعلى أعمالكم محاسبون، وحافظوا على أخوتكم ومجتمعاتكم وأوطانكم، واجعلوا بأسكم على عدو الله وعدوكم.
اللهم زينا بزينة الإيمان، وارزقنا حسن الأخلاق، واجعلنا من عبادك الرحماء، واشملنا برحمتك وبعفوك وبفضلك ووالدينا وجميع المسلمين.
هذا؛ وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.