البحث

عبارات مقترحة:

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

لن أكون ذئبا

العربية

المؤلف صالح بن محمد الجبري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المهلكات
عناصر الخطبة
  1. المفهوم الخاطئ للمثل: \"إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب\" .
  2. مظاهر الاستخدام السيء للمثل: \"إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب\" .
  3. الصراع بين الحق والباطل .
  4. العلاقة الوثيقة بين الحرص على الدنيا وصفات الذئب .
  5. احتكام المسلم لتعاليم الإسلام وأحكامه .
  6. قصة في محاسبة النفس وترك الانتقام من الذئاب .
  7. الأفعال يوم القيامة بعواقبها .
  8. الصواب في المثل: \"إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب\" .

اقتباس

إنه تغليب لمفهوم: "إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب!" إنه قانون الغاب الذي يفترس فيه بعضنا بعضا، كلما سنحت الفرصة دونما رادع أخلاقي! ولا مراعاة لحقوق الآخرين!. وإذا أردت التحقق من بعض ذلك، ما عليك إلا قيادة سيارتك، ثم الخروج بها إلى الطرق العامة لترى العجب العجاب! وكيف أن البعض يصر على أن يمتلك الطريق، ويستخدمه وحده دون مراعاة للنظام أو الأولوية! فهو على الحق دائما إن كان على اليمين، أو على اليسار، أو داخل الدوار، أو خارجه!.

الخطبة الأولى:

يأتي خراب الحياة الاجتماعية، من خراب المفاهيم التي تسود فيها!.

ومن المفاهيم الفاسدة: أن يقال: أن الحياة غابة، وأنها صراع بين القوي والضعيف، فعليك أن تكون شرساً مع الآخرين، وأن تتمثل بصفات الجبارين المعتدين حتى لا تؤكل، فإما أن تكون ذئباً بين ذئاب الحياة، أو تكون فريسة لتلك الذئاب، فلا مكان للضعفاء في الأرض، ولا رحمة ولا قانون عند الأقوياء، ومهما كانت الحملان وديعة وبريئة، فإن هذا مما يغري الذئب بالسطو والاعتداء، فعليك في قانون الغابة أن تكون مفترساً حتى تسلم من أذى الأشرار، قال زهير:

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يُهدَّم

ومــن لا يظلـم الناس يُظلـم

و"إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب"؛ تسمعها مراراً وتكرارا من مختلف طبقات الناس!.

وهذه الكلمة الموجزة تحمل تصورا كاملاً للحياة.

ولو تمثلنا بها ضد أعدائنا من الغزاة والمحتلين لكان الأمر سهلا!.

ولكن المؤسف أن نتمثل بها في مجتمعاتنا الإسلامية ضد بعضنا البعض، فالغني يأكل الفقير، والقوي يأكل الضعيف، والقاتل والسارق والمرتشي، وجميع الخارجين عن القانون يبررون أفعالهم القبيحة بمثل تلك الكلمات، وصدق الله -سبحانه-: (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر:8].

"إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب" هذا المفهوم الخرب صار شعارا للكثيرين في هذا الوقت!.

إن الاتجاه نحو عدم الالتزام بأحكام الإسلام والقانون، وعدم احترام حقوق الآخرين نجدها عند الكثيرين بغض النظر عن العمر والمنصب والحالة الاجتماعية والاقتصادية، ومستوى التعليم!.

وفي ظل هذا المفهوم، لم يكن مستنكرا أن يوصف الطفل الشقي الذي يعتدي على الآخرين بالشيطان على سبيل المدح مع ما يمثله الشيطان من رمزيه لكل شر!.

وأن يتفاخر الطالب أمام إخوانه بأنه غش في الامتحان، وضحك على المراقبين! بينما ينظر إليه زملائه بإعجاب واحترام، أو يتباهى موظف ما بأنه حصل على وظيفته بالواسطة، وأنه لا يقوم بعمل شيء في هذه الوظيفة، ويحصل في مقابل ذلك على راتب مجز!.

إنه تغليب لمفهوم: "إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب!" إنه قانون الغاب الذي يفترس فيه بعضنا بعضا، كلما سنحت الفرصة دونما رادع أخلاقي! ولا مراعاة لحقوق الآخرين!.

وإذا أردت التحقق من بعض ذلك، ما عليك إلا قيادة سيارتك، ثم الخروج بها إلى الطرق العامة لترى العجب العجاب! وكيف أن البعض يصر على أن يمتلك الطريق، ويستخدمه وحده دون مراعاة للنظام أو الأولوية! فهو على الحق دائما إن كان على اليمين، أو على اليسار، أو داخل الدوار، أو خارجه!.

ومن حقه: أن لا يلتزم بالوقوف في المسار، وانتظار الدور كبقية خلق الله!.

وما يحدث على الطريق العام من تجاوزات، يتكرر في أماكن العمل والدراسة والبيت، وكل مناحي الحياة!.

وربما كان يردد في نفسه: "إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب!" بل إن الوقوف في الصف واحترام النظام وحقوق الآخرين؟ صار يوصف صاحبها بالسذاجة والضعف! بل وربما شك في قواه العقلية!.

أيها الإخوة: إنَ الحياة في ظاهرها تبدوا أنها صراع بين القوي والضعيف، وفي حقيقتها هي صراع بين الخير والشر، والحق والباطل، إنها ابتلاء وامتحان للناس، وعلى العاقل أن يكون مع الحق والمنطق لا مع الباطل والخطأ، بمعنى أن يكون عبدا ربانيا لا ذئباً بشريا وهو ما أشارت إليه آيات عدة في القرآن الكريم؛ يقول عز وجل: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة: 48].

وقال سبحانه وتعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنعام: 165].

وقال سبحانه وتعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) [هود: 7].

وقال سبحانه وتعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)[الملك: 2].

وعليه فسلوك الإنسان يجب أن لا يحكمه الحرص والطمع والنزوع نحو تحقيق المصالح الشخصية والمادية المؤقتة الفانية، وإنما يجب أن يكون سلوكه وفق منهج الله في الأرض، فلا يحشر نفسه في زمرة أهل البغي والظلم والعدوان، ولا مع المستكبرين والمفسدين، ولا يكون عوناً لهم، ولا يتكالب على الدنيا بقصد جمعها، ولو على حساب الآخرين.

بل هو على النقيض من ذلك تماماً يقف مع المظلوم ضد ظالمه، ومع الضعيف ضد القوي!.

وقد يدفع حياته ثمنا لموقف شريف، وهيهات أن يكون ذئباً مثل غيره يصول ويجول ليأكل لحوم البشر، ويأخذ الدنيا من دماء ضحاياه، ودموعهم وأشلائهم، وهناك مثل عظيم جداً ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- لفساد دين المسلم بالحرص على المال والشرف في الدنيا، وأن فساد الدين بذلك ليس أقل من فساد الغنم بذئبين جائعين ضاريين باتا في الغنم، وقد غابا رعاؤها ليلا، فهما يأكلان من الغنم ويفترسان فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه".

فانظر إلى العلاقة الوثيقة بين الحرص على الدنيا وصفات الذئب القائمة على الاعتداء والافتراس، والسلب والنهب.

أيها الإخوة: إنَّ الدنيا رحلة مؤقتة، وفي الآخرة قصاص عادل والميزان فيها يزن بالذرة فما أعد له من ميزان، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً)[النساء: 40].

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَقْتَصُّ الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى الْجَمَّاءُ مِنْ الْقَرْنَاءِ وَحَتَّى الذَّرَّةُ مِنْ الذَّرَّةِ" عن أبي هريرة مسند أحمد.

إن الحياة ليست غابة إلا في مفهوم من لا يؤمن بآخرة ولا جنة ولا نار، فهذا ينكب على الدنيا لا يطلب سواها، فهو يعمل كل ألوان الجرائم؛ لأنه لا يؤمن بثواب ولا عقاب!.

أما المؤمن فهيهات أن يعتدي؛ لأن الله لا يحب المعتدين، ولا يظلم، وإنما يكون من حراس العدالة، ومما يؤكد ذلك وصايا الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- لقادة جيوش الفتح، بأن يكونوا على أخلاقية عاليه تتناسب وعظمة الإسلام، فلا يُقتل طفل ولا شيخ ولا امرأة، ولا يحرق زرع، ولا تهدم دور العبادة!.

فلو كان المؤمنون ينظرون على أنها غابة لفعلوا ما فعله هولاكو والصليبيون واليهود في الماضي والحاضر من قتل للعلماء، وحرق للكتب، واعتداء على الأعراض، ونهب للثروات، واحتلال للأوطان، أو كما يفعله بعض الحكام العرب المتجردين من الدين والإنسانية في سوريا وغيرها من قتل وإهلاك للحرث والنسل، ولكن هيهات لمن لا مست قلوبهم بشاشة الإيمان أن يكونوا وحوشاً أو ذئاباً وإنما كانوا ملائكة رحمة تنقل البشرية من جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ويجب أن نفرق بين الحرص على القوة وبين العدوان، فالقوة في جميع صورها مطلوبة للأمة أفرادا وجماعات لكنها قوة مضبوطة بقوانين العدالة ومحكومة بأخلاقية عالية، وليست قوة بطش وإرهاب!.

والمسلم أرفع من أن تكون أخلاقه قائمة على مفهوم: "إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب"؛ لأنه ينظر إلى أفراد مجتمعه على أنهم إخوة له يتعاون معهم، ولا يتصارع ويصفح عنهم إذا أساؤوا عملا بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].

وقوله: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران: 134].

حتى في تواجد المسلم في المجتمعات الغير المسلمة، فالحال نفسه، فلا يكون ذئباً أيضا، بل هو أكثر التزاما بالقيم والأخلاق لذا، فقد أسلم كثير من شعوب الأرض على أيدي تجار المسلمين عند ما رأوا أخلاقهم الرفيعة!.

فالمؤمن يجب أن يحمل إسلامه أينما ذهب، وأن يكون قدوة للناس في فعل الخيرات، وترك المنكرات، فإذا ما رأوه أحبوا الإسلام، وما لم يكن الأمر كذلك فهو المسئول الأول عن ما يقع للإسلام من عقبات في تلك المجتمعات؛ لأنه لا يسلك سلوكاً قويما، ولا يبين للناس الدعوة بالحسنى؛ كما قال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125].

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

إن المطالبة بالحق والدفاع عنه سواء كان شخصيا أو جماعيا؛ أمر مشروع في الإسلام، ولكن ليس معنى المطالبة أن يكون المرء ذئبا، لأن الذئاب فيها الغدر والخسة، وإنما ليكن كما كان حمزة أسد الله ورسوله، أو كما كان خالد بن الوليد سيفا من سيوف الله، وليبتعد عن خسة الذئاب!.

إن عبارة: "إذا لم تكن ذئباً" حولت الكثير من الصغار والكبار إلى ذئاب بشرية، وعلمتهم أن يكونوا بمنتهى الوقاحة والشراسة مع الآخرين، وعلمتهم الانتهازية والأنانية، وزيادة معدل جرائم القتل، والاعتداء على الأملاك والأعراض، وصدق الله -تعالى- القائل: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ? وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة: 205].

"إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب" كيف يكون هذا هو شعار البعض، والله -سبحانه- يقول: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34].

ما أحوجنا إلى أن نربي أجيالنا الصاعدة على القيم الإيجابية من المحبة والتسامح والتعاون.

أن نربيهم على احترام الغير، والالتزام بأحكام الشريعة، ونبذ الفوضى، وحب الوطن، وتلبية النداء، واجتناب الظلم والعدوان.

إنَّ الإنسان في الحياة ينبغي له أن يُحصِّل حقوقه، ويطالب بها بالطرق المشروعة، فإذا ظلم ولم ينصفه القانون، فهذا ليس مبررا له لكي يفسد ويخرب، ويفجر كل ما له علاقة بالبشر أو المجتمع من أمور مادية وحسية، وعليه أن لا يتأثر بكثرة الذئاب المحرضة من حوله؛ لأنهم سيوردونه موارد الهلاك معهم، بسبب سوء صنيعهم، وفساد أفعالهم.

 كتب أحد الأفاضل قائلا: "ذات يوم نصحني أحدهم قائلاً: "إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب" وطلب مني أن أفكر في الاستفادة من هذا المثل الشهير في حياتي كي أعيش في عالمي بقوة وثبات، فكرت في كلامه، وهممت بأن أبدأ بالتدرب كي أصير ذئباً؛ لأن الذئاب والمخادعين منتشرون حولي دائماً، وعانيت منهم كثيرا، حاولت أن أرسم مخططاً لأعيش فيه كذئب في عالمي القاسي الذي باتت تحكمه شريعة الغاب تماماً، يأكل فيه القوي الضعيف، ويمسحه من الوجود، ويبني سعادته ومجده على حساب ذلك الضعيف!.

درست طريقة تفكير الذئاب حيث الهجوم المفاجئ والمكر والخداع والمراوغة قبل غرز الأنياب في اللحم بلا شفقة ولا رحمة!.

لكنني وجدت الذئب هنا أكثر رحمة من كائن جديد يظهر بقوة اليوم ألا وهو الذئب البشري، كائن يشبهنا، له جلدنا نفسه، وتكويننا نفسه، مظهر خارجي رائع ومميز ولسان عذب، وكلمات منمقة، ولكن قلبه قلب ذئب يخدعك بطريقة عصرية، ويصطادك بأنياب غدره، فجأة ودون سابق إنذار!.

وهكذا حاولت أن أدرس طريقة تفكير الكائنين معاً الذئب والذئب البشري كي أوازن بين كوني بشرياً ورغبتي في أن أصير ذئباً كي لا تأكلني الذِئاب!.

بدأت أولاً بتغيير طريقة تفكيري العاطفية، وحولت العاطفة الصادقة إلى كذبة جميلة ومنمقة، وشهوة مقنعة بقناع من الحب والصدق!.

ثم بدأت بالاهتمام بمظهري الخارجي: حلاقة جديدة عصرية، تجمع بين الرزانة والحيوية! وملابس أنيقة، وعطور فاخرة!.

وبعدها تعلمت بعض الحيل والخدع الكلامية!.

كنت فقط أضع اللمسات الأولية، وأدرب نفسي تدريجياً ولم أنفذ شيئاً بعد!.

وبينما كنت أهم بالتنفيذ نظرت في المرآة، فوجدت شخصاً لا أعرفه!.

لم أر نفسي في المرآة، وشعرت بأنني أنظر إلى أعماقي، وكأنها سجينة في جسد آخر غير جسدي، شعرت بالخوف من نفسي وفكرت بعمق وروية.

فكرت كثيراً، راجعت كل ما مر بي من أحداث طوال حياتي، تذكرت كل شخص خانني ومكر بي وخدعني وما أكثرهم!.

لكنني عندما فكرت بهم وجدتهم أقل بكثير من أن أغير نفسي لأجلهم.

نعم لا يستحق أحد من هؤلاء أن أتحول بسببه إلى ذئب!.

أنا لست ذِئباً! أنا إنسان!.

نعم إنسان ومسلم، وعلمني ديني القيم أن أكون بعون أخي الإنسان، أمرني ربي -عز وجل- أن أدفع السيئة بالحسنة، وأوصاني نبيي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- بالإحسان إلى سابع جار.

لن أكون ذِئباً مهما فعلتم يا ذئاب البشر، سأبقى كما أنا صادقاً ووفياً ومخلصاً ومتسامحاً!.

لن أكون ذِئباً ولن تأكلني الذِئاب!.

خلاصة القول: إن الأفعال بعواقبها يوم القيامة، وليست في الدنيا وحسب؛ لذا ينبغي أن نربي أنفسنا وأجيالنا على المبادرة والمنافسة الشريفة، بعيدا عن لغة الصراع والعدوان، فلم تتطور المجتمعات الأخرى إلا بوجود القانون واحترامه، ولم يتأخر من تأخر في هذه الحياة إلا بسبب الفوضى والصراع الاجتماعي والانتهازية، حيث يرى كثير من الأفراد في البلاد المتخلفة أن من حقهم أن يفعلوا بالآخرين ما يشاءون، طالما أنهم يعتقدون بأن الدنيا غابة، وسكانها ذئاب، متناسين بأن هنالك جزاء عادلا ينتظر الجميع، قال سبحانه وتعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) [إبراهيم: 42].

وقد يقول قائل: إن المقصود من القول: "إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب" هو المبادرة واليقظة والحقيقة أن نبل القصد ينبغي أن لا يجعلنا نستخدم هكذا عبارات؛ لأن الكلمة قد تفسر حسب سياقها، وأولى أن نستخدم قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ) [النساء: 71].

أو قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لست بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعني".

أو الأثر المشهور: "المؤمن كَيِّس فطن".

وفي المأثور من الشعر العربي ما يثري ويغني، فأكثره كان في الحماسة والفروسية والنبل واليقظة والإقدام، فهل يفهم المسلمون ذلك؟

نرجو هذا ونتمناه، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

اللهم صل على من بلغ البلاغ المبين نبينا وسيدنا محمد، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وأرض اللهم عن الخلفاء الأربعة الأئمة البررة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك؛ فإنه لا يملكها إلا أنت.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة.

اللهم إنا نسألك يسرا ليس بعده عسر، وغنى ليس بعده فقر، وأمنا ليس بعده خوف، وسعادة ليس بعدها شقاء.

اللهم إنا نعوذ بك من عقوق الأبناء، ومن قطيعة الأقرباء، ومن جفوة الأحياء، ومن تغير الأصدقاء ومن شماتة الأعداء.