البحث

عبارات مقترحة:

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

دراسة السنن الكونية.. عبرة وعظة

العربية

المؤلف عبدالباري بن عواض الثبيتي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. سنن الله -تعالى- تسري على كل الوجود .
  2. معرفة السنن الكونية ضرورة .
  3. أهمية دراسة السنن الكونية .
  4. مميزات سنن الله -تعالى- .
  5. نماذج من سنن الله – تعالى - الكونية .

اقتباس

ومعرفةُ سُنن الله ضرورةٌ، وهي جديرةٌ بالدراسة والفهم، ومعرفتُها معرفةٌ لبعض الدين، قال الله – تعالى -: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 89]. والدنيا قائمةٌ على سُنن، والذي يتعرَّفُ إلى هذه السُّنَن يستطيعُ أن يتنبَّأ بالنتائِج إذا وُجِدت أسبابُها. من أهم العلوم وأنفَعها: العلمُ بسُنن الله التي تزيدُ في معرفة الإنسان وقُدرته على الاستِفادة من التسخير، ومن ثَمَّ عِمارة الأرض وفق منهَج الله، وتُوسِّع الإدراك.

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله الذي تفضَّل على عبادِه بجزيلِ المِنَن، أحمده -سبحانه- وأشكرُه وقد تأذَّن بالزيادَة لمن شكَر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُسيِّرُ الكونَ والخلقَ بنظامٍ وسُنَن، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه دعا إلى طريق الحقِ وسدَّ الخلَل، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه بلا انقِطاعٍ ولا ملَل.

أما بعد:

فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله – تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

لله -تبارك وتعالى- سُننٌ تسرِي على كل شيءٍ في الوُجود؛ فقد خلقَ الله -عزّ وجل- الكونَ بالحقِّ وجعلَه مُحكَم الصُّنع، مُنضبِطَ القوانين، لا ترى فيه خللاً ولا اضطِرابًا، قال الله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر: 49].

ومعرفةُ سُنن الله ضرورةٌ، وهي جديرةٌ بالدراسة والفهم، ومعرفتُها معرفةٌ لبعض الدين، قال الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 89].

والدنيا قائمةٌ على سُنن، والذي يتعرَّفُ إلى هذه السُّنَن يستطيعُ أن يتنبَّأ بالنتائِج إذا وُجِدت أسبابُها.

من أهم العلوم وأنفَعها: العلمُ بسُنن الله التي تزيدُ في معرفة الإنسان وقُدرته على الاستِفادة من التسخير، ومن ثَمَّ عِمارة الأرض وفق منهَج الله، وتُوسِّع الإدراك.

دراسةُ سُنن الله تكشِفُ الحكمةَ من وراء الأحداث، وهي مطلبٌ شرعيٌّ لتحقيقِ القوة في جميع مناحِي الحياة، وحماية الدين والوطن، كما أن إغفالَ سُنن الله من أسباب التخلُّف الذي جعلَ المُسلمين في مُؤخرة الأمم؛ بل يُلامُ أولو الألباب على الاستِهانة بهذه السُّنن، وعدم الاعتِبار والاتِّعاظ بما اشتمَلَت عليه من مواطِن عِظةٍ واعتِبارٍ.

وللذين كفروا بنبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- يقول الله تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [التغابن: 5، 6].

دراسةُ السُّنن عِظةٌ وعِبرةٌ، بالتأمُّل في سُنن الله في الأمم والشعوب والدول، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [يونس: 13، 14].

القرآنُ يردُّ الناسَ إلى سُنن الله؛ فهي القاعدةُ الثابتةُ المُضطردةُ، وهي التي تحكُم الحياةَ الجاريةَ بأمر الله، وهي لا تتخلَّف، ولا تجعلُ الأمور تمضِي جُزافًا، وللمُستقبل حُكمُ ما جرَى في الماضِي، وأحداثُ الماضِي دليلٌ على ما يجرِي في المُستقبل.

قصَّ القرآنُ الكريمُ علينا قصصَ الأمم التي خلَت، وما حلَّ بها لسُوء أعمالِهم؛ لنتَّعِظ ونعتبِرَ ولا نفعلَ فعلَهم، لئلا يُصيبَنا ما أصابَهم: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) [الحشر: 2].

وجعلَ الله ثُلثَ القرآن قصصًا، حتى يستقرِئَ المُسلمون سُنن الله -عزّ وجل-، قال الله تعالى: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف: 176].

ودوامُ النظر في كتاب الله يُبصِّرُنا بسُنن الله في الكون، وفي النفس، ومع العُصاة، ومع المُكذِّبين، قال الله تعالى: (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ) [الأنبياء: 37].

التاريخُ أظهرُ ميدانٍ تتجلّى فيه سُنن الله -تبارك وتعالى-، والقرآنُ الكريمُ أكَّد على الانتِفاع بأحداثِ التاريخ؛ قال الله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران: 137].

ومن عرفَ التاريخَ وسُننَ الله فيه، وكان له قلبٌ أو ألقَى السمعَ وهو شهيدٌ؛ تعلَّم من أخطاء الأولين، وكان له بهم عِظة؛ فالسعيدُ من وُعِظ بغيره، والماضِي سيظلُّ يظهرُ في الحاضر بصورةٍ ما، وكذلك الحاضرُ سيتجسَّد في المُستقبل بصورةٍ ما.

هناك سُننٌ تهدِي إلى الحقِّ وإلى طريقٍ مُستقيمٍ، قال الله -تعالى-: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [النساء: 26].

وهناك سُننٌ فاسِدةٌ تقودُ إلى الباطل وإلى طريق الهلاك؛ قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) [إبراهيم: 28].

وقال رسولُنا الكريمُ -صلى الله عليه وسلم-: "ومن سنَّ في الإسلام سُنةً سيئةً، كان عليه وِزرُها ووِزرُ من عمِلَ بها من بعدِه، من غير أن ينقُص من أوزارِهم شيء". رواه مسلم.

تتميَّزُ سُنن الله بالثبات، فلا تتبدَّل ولا تتحوَّل، قال الله -تعالى-: (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) [فاطر: 43].

وهي لا تسمحُ لعاطلٍ أو مهملٍ أن يظفَرَ بما يُريد دون جُهدٍ وعملٍ، فسُننُ الله في الدنيا لا تُفرِّقُ في الجزاء على العمل بين مُؤمنٍ وكافرٍ؛ فمن عمِلَ أُجِر، ومن قعَدَ حُرِم، وهذا يدفعُ المؤمنَ إلى العمل؛ ليتَّسِقَ مع سُنن الله في الحياة ويُحقِّقَ الفلاحَ والنجاحَ.

سُننُ الله يسرِي حُكمُها على الجميع، وبهذا نعلمُ أن تغيُّر حال الإنسان إلى الأحسَن أو إلى الأسوأ تبَعًا لجُهده وسُلُوكِه.

وسُننُ الله تُؤتِي ثمرتَها لمن عمِلَ بها ووفَّاها حقَّها والتزمَ بها ولو كان غيرَ مُؤمنٍ، لكنَّها في الكافر تقِفُ عند حدِّ هذه الحياة الدنيا، قال الله -تعالى-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [هود: 15، 16].

ومن خالفَ سُننَ الله، وسارَ في حياته حسبَ الأهواء والرَّغبَات؛ فإن سُننَ الله لا تُحابِي أحدًا، وكونُنا مُسلمين ليس هذا ضمانًا بأننا لن نُؤاخَذَ بما نفعل، قال الله -تعالى-: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) [النساء: 123]، وقال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر: 51].

وخيرُ الخلق بعد الأنبياء: صحابةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أصابَهم ما أصابَهم في غزوة أُحُد، قال الله -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 30]، فليس بين الله وبين أحدٍ من خلقِه نسَب، إنما هي الطاعةُ والتقوى.

ومن سُنن الله: أن الانحِرافَ عن منهَج الله يكون سببًا في نُدرة الموارد وعقوبة الله، أما من سعَى وبذلَ الجُهدَ فستُفتَحُ له الخزائِنُ، ومن قعدَ وتواكَلَ نالَه القحطُ والجدبُ والحِرمانُ.

ومن سُنن الله: التدرُّجُ في العمل وتغيير النفس والحياة، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "إنما نزلَ أولَ ما نزلَ منه سورةٌ من المُفصَّل، فيها ذِكرُ الجنةِ والنار، حتى إذا ثابَ الناسُ إلى الإسلام نزلَ الحلالُ والحرامُ، ولو نزلَ أولَ شيءٍ: لا تشرَبوا الخمرَ؛ لقالوا: لا ندَعُ الخمرَ أبدًا، ولو نزلَ: لا تزنُوا؛ لقالوا: لا ندَعُ الزِّنا أبدًا".

وكان لعُمر بن عبد العزيز ابنٌ يُقال له "عبد الملك"، أنكرَ على أبيه عدمَ الإسراع في إزالة بقايا الانحِراف والمظالِم، قائلاً له: ما لكَ -يا أبتِ- لا تُنفِّذُ الأمور؛ فوالله ما أُبالِي لو أن القُدورَ غلَت بي وبك في الحق. فقال له الأبُ الفقيه: "لا تتعجَّل يا بُنيَّ؛ فإن الله ذمَّ الخمرَ مرتين في القرآن، وحرَّمَها في الثالثة، وإني أخافُ أن أحمِلَ الناسَ على الحقِّ جُملةً فيدَعُوه جُملةً، فيكونُ من ذا فتنةٌ".

ومن سُنن الله: وجودُ طائفةٍ مُؤمنةٍ قائمةٍ بدينِ الله إلى قيامِ الساعة، لم تتلوَّث بانحِرافٍ، وإن ضعُف ميزانُها في نظر الناس فهي ثقيلةٌ في الميزان في الآخرة.

ومن سُنن الله: الابتِلاء، قال الله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت: 2، 3].

ولا يُمكَّنُ للمُؤمن حتى يُبتلَى، وفي الابتِلاء تمحيصٌ وتربيةٌ ونقاءٌ وارتِقاءٌ، والتمكينُ في الأرض لا يُعطَى لأُناسٍ لأنهم من ذرية قومٍ مُؤمنين؛ بل لأنهم هم أنفسُهم مُؤمِنون، قال الله تعالى لإبراهيم -عليه السلام-: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) [البقرة: 124]. فرغِبَ أن يكون هذا العهدُ في ذريَّته، قال: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)، فقال الله -سبحانه- لنبيِّه: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).

وبهذا نعلمُ أنه لا يُمكَّنُ للمُسلمين في الأرض إلا وهم مُستقيمُون على طريقتِه.

ومن سُنن الله: التدافُعُ بين الحقِّ والباطِل، قال الله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة: 251]، يدفعُ الله بأهل الحقِّ أهلَ الباطل.

ومن السُّنن: أن للباطِل جولة، وللحقِّ جولات، ولا يُسلِّطُ الله أعداءَه على أوليائِه: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء: 141].

والغلَبَةُ للحقِّ وإن طالَ الزمان، قال الله -تعالى-: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [الرعد: 17].

ومن السُّنن: أن الله يفتَحُ أبوابَ كل شيءٍ على الكفار كلما أوغَلوا في الكفر؛ استِدراجًا لهم، لكي يزدادوا إثمًا، وليحمِلُوا أوزارَهم كاملةً يوم القيامة: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) [آل عمران: 178].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أحسنَ كل شيءٍ خلقَه ثم هدَى، أحمدُه -سبحانه- وأشكرُه على نعمة الهداية والتُّقَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائلُ: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه: 82]، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه؛ رسمَ المعالِمَ الواضِحةَ لطريق الهُدى، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه ومن اهتدَى.

أما بعد:

فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

ومن سُنن الله: أن من أراد العلوَّ والرِّفعة فسبيلُها تقوى الله، أما المعصيةُ والبِدعةُ فإنها تقودُ إلى الذِّلَّة، وأن اجتِماعَ الأمة نصرٌ، وتفرُّقَها هزيمةٌ ووبالٌ، وطلبَ العلم تفوُّقٌ ونجاحٌ.

والأمةُ التي تتعلَّمُ وتملِكُ المالَ والصناعةَ والوعيَ تقوَى وتتقدَّم وترقَى، أما الأمةُ التي تعيشُ الجهلَ والشعوذةَ والتواكُلَ؛ فمآلُها التخلُّفُ والهوانُ والهلاك.

ومن خلال سُنن الله يتبيَّنُ لنا: أن الأمةَ الإسلاميةَ مُطالبةٌ بإعدادِ جيلٍ قويِّ الإيمان، راسِخِ العقيدة، يُفكِّرُ بحكمةٍ، وينطلِقُ بشجاعةٍ، يتسلَّحُ بالعلم والمعرفة، ينبذُ الفُرقةَ والشُّذُوذ، ويجتمعُ على البرِّ والتقوى وإقامةِ دين الله.

ومن السُّنن: أن المقاصِد العظيمة لا تتحقَّقُ بمُجرَّد الأمانِي، وإنما وفقَ سُنن الله الكونية والشرعية، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].

ألا وصلُّوا -عباد الله- على رسول الهُدى؛ فقد أمرَكم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمدٍ وأزواجِه وذريَّته، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، وبارِك على محمدٍ وأزواجِه وذريَّته، كما باركتَ على آل إبراهيم، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الآل والصَّحبِ الكِرام، وعنَّا معهُم بعفوِك وكرمِك يا أكرمَ الأكرمِين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافِرين، ودمِّر اللهم أعداءَك أعداءَ الدين، واجعل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك وعبادَك المؤمنين، اللهم انصُر من نصر الدين، واخذُل اللهم من خذلَ الإسلام والمسلمين.

اللهم انصر المُجاهدين لإعلاء كلمتِك في كل مكان، اللهم سدِّد رميَهم، واجمَع كلمتَهم، ووحِّد صُفوفَهم، وقوِّ شوكتَهم يا رب العالمين، اللهم اربِط على قلوبِهم يا قوي يا عزيز يا متين.

اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعَل تدبيرَه تدميرَه يا سميع الدعاء، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعَل تدبيرَه تدميرَه يا سميع الدعاء.

اللهم احقِن دماءَ المسلمين، واحفَظ المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألُك الهُدى والتُّقَى والعفاف والغِنَى، اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ، ونعوذُ بك من النار وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ.

اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألُك رِضوانَك والجنة، ونعوذُ بك من سخَطك ومن النار.

اللهم اغفر لموتَى المسلمين الذين شهِدوا لك بالوحدانية، ولنبيِّك بالرسالة يا رب العالمين.

اللهم ارحم موتانا، واغفر لهم يا رب العالمين، واشفِ مرضانا، وفرِّج همومَنا وهمومَ المسلمين، وفُكَّ أسرانا يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألُك يا الله أنت الغني ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من الآيسين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم سُقيا رحمةٍ، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ، اللهم سُقيا رحمةٍ، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ، اللهم سُقيا رحمةٍ، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ.

اللهم وفِّقنا لكل خيرٍ يا رب العالمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].