الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
ومن مضامين هذه الدعوة: عظم فقر العبد إلى الله وشدة حاجته إليه -جل في علاه-، فإن العبد لن ينال هدايةً ولن يصيب سدادًا إلا إذا هداه الله -جل وعلا- وسدَّده، وفي الحديث القدْسي: "يقول الله -تبارك وتعالى-: يا عبادي: كلكم ضالٌّ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم"، فالهداية بيده وحده، والسداد بيده وحده، فما أعظم فقر العبد وحاجته إلى الله بأن يهديه وأن يسدِّده، وأن يُصلح له شأنه كله.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله ربكم وأطيعوه لتنالوا بتقواه وطاعته سعادة الدنيا والآخرة، وسلوه -جل وعلا- التوفيق والهداية والمعونة على التقوى والطاعة؛ فإن الأمر كله بيده -جل في عُلاه-.
أيها المؤمنون، عباد الله: لقد أوتي نبينا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- جوامع الكلم؛ ومن ذلكم -عباد الله- الدعوات المأثورة عنه -صلى الله عليه وسلم-، فإن الله -جل وعلا- آتاه كوامل الدعاء وجوامعه، فما أعظم دعواته، وما أجلَّ مناجاته، وما أجمل ذله وخضوعه بين يدي ربه سؤالاً وتضرعًا وإلحاحًا وطلبًا!!
ومن عظيم شأن دعائه -عليه الصلاة والسلام- أنَّ الله -عز وجل- جمع له في دعائه خير الدنيا والآخرة وأبواب السعادة فيهما.
وهذه -أيها المؤمنون- وقفةٌ مع دعوة عظيمة مأثورةٍ عن نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام- أحاطت بالخير كله، وجمعت الفلاح والسعادة من أبوابها، بكلمة وجيزة ودعوة عظيمة، أرشد إليها -صلوات الله وسلامه عليه-.
روى الإمام مسلم في كتابه الصحيح عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قل: اللّهمَّ اهدني وسددني. واذكر بالهداية هداية الطريق، وبالسداد سداد السهم". وفي رواية قال: "قل: اللّهمَّ إني أسألك الهدى والسداد".
معاشر المؤمنين: تأملوا هذه الدعوة العظيمة التي أرشد إليها نبيكم الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-، كلمتان جمعتا الخير كله في هذه الدعوة العظيمة التي أرشد إليها نبينا -صلوات الله وسلامه عليه-.
ومن مضامين هذه الدعوة: عظم فقر العبد إلى الله وشدة حاجته إليه -جل في علاه-، فإن العبد لن ينال هدايةً ولن يصيب سدادًا إلا إذا هداه الله -جل وعلا- وسدَّده، وفي الحديث القدْسي: "يقول الله -تبارك وتعالى-: يا عبادي: كلكم ضالٌّ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم"، فالهداية بيده وحده، والسداد بيده وحده، فما أعظم فقر العبد وحاجته إلى الله بأن يهديه وأن يسدِّده، وأن يُصلح له شأنه كله.
ومن مضامين هذه الدعوة: كمال تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته، وعظيم بيانه، وجميل نصحه -عليه الصلاة والسلام-، ومن ذلكم أن من طريقته في التعليم -عليه الصلاة والسلام- توضيح الأمور المعنوية بالأمور المحسوسة المشاهدة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "اذكر بالهداية هدايتك الطريق، والسداد سداد السهم". وعندما يستحضر الداعي هذا المعنى في ذهنه، ويتذكَّر حال شخص في فلاة لا يعرف أين السبيل، ولا يهتدي إلى الوجهة التي يريد؛ كم هي حاجته حينئذ إلى هادٍ خرّيت يدله طريقه ويرشده إلى وجهته، وكذلك من يصوّب سهمًا نحو رمية، كم يدقق ويعتني عناية دقيقة بأن يصيب سهمه الرمية؛ فكذلك السائر إلى الله -تبارك وتعالى- والطالب لرضاه سبحانه كم هو بحاجة إلى أن يُعنى هذه العناية وأن يهتم هذا الاهتمام!!
فبهذا المثل العظيم الذي ضربه النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- يتبيَّن هذا المعنى ويتَّضح تمام البيان والوضوح.
ومن مضامين هذه الدعوة: أن أعمال العبد ليست كلها مقبولة، وإنما الذي يقبل منها ما أصاب فيه السداد، ووافق فيه الهدى؛ هدى النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-، فما أحوج السائر إلى الله -تبارك وتعالى- إلى أن يعنى بأن تكون أعماله موافقة للسنة، مطابقة لهدي النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-.
ومن مضامين هذه الدعوة: حاجة الأمة إلى العلماء الناصحين، والأئمة المصلحين، دعاة الحق والهدى؛ ليبصِّروا الجاهل، وينبِّهوا الغافل، ويعلِّموا المسترشد، ويهدوا -بإذن الله تبارك وتعالى- إلى طريق الحق والهدى، قال الله -عز وجل-: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24].
ومن مضامين هذه الدعوة: أهمية التوسط والاعتدال، وأن دين الله -جل وعلا- وسط بين الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، فإن السداد -يا عباد الله- هو إصابة الحق دون غلو أو جفاء، ودون إفراط أو تفريط.
ومن مضامين هذه الدعوة العظيمة -معاشر المؤمنين-: خطورة الضلال وخطورة الانحراف، فإن ضد الهداية الضلال، وضد السداد الانحراف، وهما أخطر ما يكون على العبد في هذه الحياة، فيجب على العبد أن يتقي الله -عز وجل-، وأن يحذر أشد الحذر من أن يضل عن سواء السبيل، أو ينحرف عن صراط الله المستقيم.
ومن مضامين هذه الدعوة -عباد الله-: أن الهداية والتوفيق بيد الله -جل في علاه-، فلا مهتدي ولا مستقيم إلا من هداه الله -جل وعلا- ووفّقه وأعانه: (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الـمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) [الكهف:17].
ومن مضامين هذه الدعوة -عباد الله-: خطورة دعاة الضلال الذين يحرفون الناس عن سواء السبيل، وكما أن الإنسان إذا أضاع طريقه الحسي إلى بلده أو وُجهته المعينة، فوُفّق في طريقه من يضله ولا يهديه الطريق، كيف يكون أمره في شدة الانحراف، لو أن شخصًا يريد بلدة معينة أو وجهة معينة فلقيه رجل فسأله عن الطريق فدلّه إلى غير وجهة، وهداه إلى غير سبيل، كم يكون في مزيد انحراف وضياع وتوهان عن طريقه!! بينما إذا وُفِّق إلى ناصح وإلى هادٍ خرِّيت فإنه -بإذن الله تبارك وتعالى- يسلَمُ له طريقُه بإذن الله.
وكم في هذه الدعوة العظيمة من المعاني الجليلة وجوامع الخير، فعلينا -عباد الله- أن نُعنى بها في جملة دعائنا وسؤالنا وتوجهنا إلى ربنا بالدعاء، مستحضرين ما جمعته هذه الدعوة من الخير العظيم والفضل العميم.
نسأل الله -جل في علاه- أن يهدينا أجمعين، وأن يسددنا، وأن يلهمنا رُشد أنفسنا، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يُصلح لنا شأننا كله، إنه -تبارك وتعالى- سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون، عباد الله: اتقوا الله تعالى واستمسكوا بهداه، واعتنوا بسنة نبيه الكريم -عليه الصلاة والسلام-؛ فإن مَثَل السُّنة مَثَل سفينة نوح؛ من ركبها نجا، ومن تركها غرِق وهلك.
أيها المؤمنون، عباد الله: ما أحوجنا، ولاسيّما في مثل هذا الزمان، الذي تفتحت فيه أبواب كثيرة على الناس، أشغلتهم في سيرهم إلى الله -جل وعلا- والدار الآخرة، وألْهتهم عما خلقوا له، فإن المؤمن في هاذه الحياة مثله مثل المسافر، وكما أن المسافر بحاجة إلى هداية في طريقه، ولزوم الجادة وعدم انحراف عنها لِيصل إلى وجهته وصولاً محقَّقًا، فكذلك المؤمن في سيره إلى الله -جل وعلا- والدار الآخرة.
فما أحوجنا -عباد الله- أن نلزم سبيل الهداية، وأن نُعنى بتحقيق السداد، مستعينين بالله -جل وعلا-، طالبين مدده وعونه -جل في علاه-، معتنين بهذه الدعوة العظيمة الجامعة التي أرشد إليها نبينا الكريم -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه-.
واعلموا -رعاكم الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله في كتابه فقال: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلَّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا".
اللّهمَّ صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللّهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللّهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.