السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | محمد بن أحمد السماعيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - السيرة النبوية |
يجب على المسلم في حق هذا النبي صلى الله عليه وسلم محبته، وأن يحبه حباً لا يماثله حب أحد من المخلوقين، ولا يكون ذلك إلا باتباع سنته والسير على نهجه، والإكثار من الصلاة والسلام عليه، وسؤال الله له الوسيلة ...
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة:2-4]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي بعث نبينا محمداً رحمة للعالمين، ومتمماً لمكارم الأخلاق، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه البررة الأخيار، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد..
فيا عباد الله.. اتقوا الله تعالى وأطيعوه واعلموا –رحمكم الله تعالى- أن الله جل وعلا أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله تعالى بإذنه وسراجاً منيراً، وخصه بالأخلاق الفاضلة، الشمائل الكريمة قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].
تولاه الله برعايته منذ طفولته، وأدبه فأحسن تأديبه حتى اشتهر بين قومه وعشيرته بالأمين، والصادق المصدوق، يأمنونه على ودائعهم، ويحكمونه في شئونهم.
كان صلى الله عليه وسلم يتصف بأخلاق كريمة وبصفات حميدة. وكان صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. سأله رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى فاقه.
قال جابر رضي الله عنه: "ما سئل رسول صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: لا".
وعلق به الأعراب يسألونه أن يقسم بينهم في مرجعه من حنين فقال صلى الله عليه وسلم: "لو كان لي عدد هذه العضاة نعماً –يعني عدد هذه الأشجار إبلاً- لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً".
وكان صلى الله عليه وسلم يؤثر على نفسه فيعطي العطاء، ويمضي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار.
أهديت له صلى الله عليه وسلم شملة فلبسها وهو محتاج إليها، فسأله إياها رجل فأعطاه إياها، فلامه الناس فقالوا: كان محتاجاً إليها وقد علمت أنه لا يرد سائلاً. فقال: إنما سألتها لتكون كفني.
وكان كرمه صلى الله عليه و سلم في محله، ينفق المال لله، وفي الله، إما لفقير أو في سبيل الله، أو تأليفاً على الإسلام، أو تشريعاً للأمة.
وكان صلى الله عليه و سلم أشجع الناس وأمضاهم عزماً وإقداماً، كان الناس يفرون وهو ثابت.
قال أنس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قِبَلَ الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً قد سبقهم إلى الصوت، واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري، والسيف في عنقه وهو يقول: لن تراعوا".
ومع هذه الشجاعة العظيمة كان صلى الله عليه وسلم لطيفاً رحيماً، فلم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.
قال أنس رضي الله عنه: "خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: أف قط، ولا لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته".
وكان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثم، ويداعب صبيانهم.
ومن أخلاقه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله تعالى عنهم أنه يقبل معذرة المسيء، ولا يجابه أحد بما يكره، وإذا بلغه عن أحد شيئاً يكرهه قال: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، دون أن يذكر اسمه، وكان رحيماً بكل مسلم، متواضعاً، لين الجانب.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا نزل إلى أسواق الناس أرشدهم إلى الأمانة، وحثهم على الصدق، وحذرهم عن الخداع والغش.
وكان صلى الله عليه وسلم مراقباً لله تعالى في جميع أقواله وأفعاله، كثير الذكر لله عز وجل، ولا يخشى في الله لومة لائم.
فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الخَلق خُلُقاً، حيث جبله الله تعالى على مكارم الأخلاق، وأثنى الله تعالى عليه في محكم كتابه العزيز يقول عز وجل: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم:4.
ولقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت: "وكان خلقه القرآن".
وعلى هذه الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة بعثه الله عز وجل برسالة الحق حينما فسدت العقول والضمائر، ومالت النفوس للشيطان، فضلت سواء السبيل، فأنقذ الله تعالى الأمة بهذا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فأخرجها من الظلمات إلى النور، ومن ظلمات الشرك إلى نور التوحيد الخالص، ومن فوضى الأخلاق والانحلال والتدهور إلى معالم الهدى، ولكن كفار قريش قابلوا هذا الإشراق والهدى بالصد والعدوان والأذى، فاحتسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصبر حتى أن المشركين تآمروا على قتله صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى الله، فأنقذه الله منهم، ونصره عليهم (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) [التوبة: من الآية40].
وكانت حياته صلى الله عليه وسلم حافلة بالجهاد والكفاح لنصرة دين الله، وانتشار نور الإسلام، فحقق الله له العزة والنصر (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) [الإسراء:81].
ولقد أتم الله عز وجل النعمة على هذه الأمة بظهور هذا الدين، ودخول الناس فيه أفواجاً (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) [المائدة: من الآية3].
ومن نعم الله عزَّ وجلَّ على هذه الأمة الإسلامية أن مَنَّ الله عليها ببعثة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يعلمهم أمور دينهم، ويرشدهم إلى الطريق المستقيم (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:164].
لذا يجب على المسلم في حق هذا النبي صلى الله عليه وسلم محبته، وأن يحبه حباً لا يماثله حب أحد من المخلوقين، يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" رواه مسلم.
ومن أبرز الأدلة على محبته اتباع سنته والسير على نهجه (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) [آل عمران: من الآية31] وكذلك الإكثار من الصلاة والسلام عليه كما أمر الله سبحان وتعالى المؤمنين بذلك فقال جلّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56] وأن يسأل المسلم له الوسيلة، وهي درجة رفيعة في الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم سلوا الله لي الوسيلة".
ومن حقه صلى الله عليه وسلم على كل مسلم الإيمان بأنه خاتم النبيين والمرسلين، لا نبي أو رسول بعده، قال الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [الأحزاب:40] والإيمان بأنه صاحب الشفاعة العظمى التي يتخلى عنها أولو العزم من الرسل.
ومن محبته وتوقيره تصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، والبعد مما حذر منه صلى الله عليه وسلم من محدثات الأمور، كما قال صلى الله عليه وسلم: "وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
فاحرصوا –رحمكم الله تعالى- على امتثال ما أمركم به الله تعالى، وأمركم به نبيكم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباع ما جاءكم به واجتناب ما نهاكم عنه؛ امتثالاً لقول الله عزَّ وجلَّ:(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: من الآية7] وتمسكوا بتعاليم دينكم، وتأسوا – رحمكم الله تعالى- بأخلاق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم العالية، وتحلوا بجميل سيرته الطيبة، وصفاته الحميدة؛ لتفلحوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.