البحث

عبارات مقترحة:

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

رحمة أرحم الراحمين

العربية

المؤلف صلاح بن إبراهيم العريفي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التوحيد
عناصر الخطبة
  1. حق الله -تعالى- نحو أسمائه وصفاته .
  2. إثبات اسم الله: \"الرحمنِ والرحيم\" .
  3. معاني اسم الله: \"الرحمن والرحيم\" .
  4. سعة رحمة الله .
  5. بعض صور رحمة الله في الدنيا والآخرة .
  6. آثار رحمة الله على خلقه .

اقتباس

جميع ما في العالم العلوي والسفلي من حصول المنافع والمحاب والمسار والخيرات، فإن ذلك منه ومن رحمته وجوده وكرمه وفضله، كما أن ما صرف عنهم من المكاره والنقم والمخاوف والأخطار والمضار، فإنها من رحمته وبره، فإنه لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يُدافع السيئات إلا هو. وكذلك ظهرت رحمته في أمره وشرعه ظهوراً تشهده البصائر والأبصار، فشرعه نور ورحمة وهداية، وقد شرعه محتوياً على...

 الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها المسلمون: يقول رب العالمين: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى)[طـه: 8].

يخبر ربنا -تبارك وتعالى- عن نفسه أن له الأسماء الحسنى، سمى بها نفسه، وأنزل بعضها في كتابه، وأخرى في سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

وإن من حقوق الله -تعالى- علينا نحو أسمائه وصفاته: أن نؤمن بما ثبت منها في الكتاب والسنة كما جاءت دون أن نحرفها أو نؤولها أو نمثلها أو نكيفها أو نعطلها.

ومن حقوقه علينا فيها: أن نفهم معانيها، ثم نتعبد لله بمقتضاها.

ومن حقوقه: أن نعلم أن كل اسم من أسمائه الحسنى يدل على صفة كمال من صفاته العُلى، فاسمه: "الرزاق" يدل على صفة الرزق، فهو الذي يرزق العباد، وبيده الرزق وخزائنه ومفاتيحه.

واسمه: "الغفار" يدل على صفة المغفرة، فهو الذي يغفر الذنوب: (وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ) [آل عمران: 135].

واسمه: "الخالق" يدل على صفة الخلق، فهو الذي يخلق الخلائق، لا خالق غيره.

أيها الناس: وكم هي أسماء الله وصفاته التي نكررها، وندعو الله بها، ولكن لا نستشعر معانيها!.

وإن من أسماء الله الحسنى التي نكررها كل يوم مرات وكرات، ويضعف استشعارنا لمعناها: الاسمين الحسنيين: "الرحمنِ والرحيم"

فإن المسلم يكررهما في اليوم والليلة في الصلوات الخمس ورواتبها فقط. ثمانٍ وخمسين مرة على الأقل عندما يبسملُ ثم يقرأُ الفاتحة.

فما معنى هذين الاسمين؟ وما الذي ورد في صفة الرحمة لله من النصوص؟.

قال أهل العلم: "الرحمن" اسم من أسماء الله الحسنى، لا يسمى به إلا الله -تعالى- يدل على صفة من صفات الله العلى، وهي صفة الرحمة القائمة بذاته، والتي لم يزل متصفاً بها، وهي الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء؛ كما قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)[الأعراف: 156].

"والرحيم" اسم من أسماء الله الحسنى يدل على اتصاف الله بصفة الرحمة الفعلية التي تصل إلى الخلق فيرحم بها الخلائق، فهو كثير الرحمة لعباده.

فنثبت لله صفة الرحمة على ما يليق بجلاله وعظمته؛ لأن الله وصف بها نفسه، ووصفه بها رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا نؤولها، فلا نقول: الرحمة بمعنى إرادة الإحسان، بل نقول: الإحسان من مقتضيات رحمة الرحيم الرحمن.

عباد الله: افرحوا بفضل الله وبرحمته: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].

فربكم أرحم الراحمين، كتب على نفسه الرحمة، ورحمته سبقت وغلبت غضبه، فهو ذو رحمة واسعة وسعت كل شيء وعمت كل حي، قال تبارك وتعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)[الأنعام:54].

وقال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)[الأعراف: 156].

وقال تعالى: (رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ) [الأنعام: 147].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله -تعالى-: سبقت رحمتي غضبي"[رواه مسلم].

وفي رواية له: "لما خلق الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي".

وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها. وأخّر الله تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة".

وفي رواية لمسلم أيضاً: "كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض".

وفي رواية البخاري: "حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه".

الله أكبر، رحمة واحدة من مائة رحمة لله هي الرحمة التي ملأت أقطار السموات والأرض، وامتلأت منها القلوب حتى حنَّت المخلوقات بعضها على بعض، فكيف إذا رحم الله عباده المؤمنين بمائة رحمة يوم القيامة؟!

عباد الله:  الله أرحم بنا من أمهاتنا، بل أرحم بنا من أنفسنا؛ في صحيح البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "قُدِم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلّب ثديها تسعى ـ تبحث عن صبي لها فقدته ـ إذ وجدت صبيها فأخذته فألصقته ببطنها، وأرضعته، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أترون هذه طارحة ولدها في النار؟" فقالوا: لا والله، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "للهُ أرحم بعباده من هذه بولدها".

وفي شاهد عند أحمد والحاكم من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ولا الله طارحٌ حبيبه في النار".

أيها الناس: رحمة الله يوم القيامة خاصة بالمؤمنين كما قال رب العالمين: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) أي في الدنيا (فَسَأَكْتُبُهَا) أي في الآخرة (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ)[الأعراف: 156-157].

فيرحم الله عباده المؤمنين الذين ماتوا على التوحيد. يرحمهم بالتسعة والتسعين رحمة التي ادخرها ليوم القيامة، بل ويجمع معها الرحمة الواحدة التي أنزلها عليهم في الدنيا؛ كما جاء في رواية صحيحة؛ لحديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وأخّر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة أكملها الله بهذه الرحمة".

بل قد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط في الجنة أحد".

وجاء في بعض روايات الحديث: "إن الله ليرحم يوم القيامة رحمة حتى يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه".

واسمعوا -رعاكم الله- إلى هذه الصورة المفرحة من صور رحمة الله يوم القيامة؛ كما يرويها لنا الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-؛ كما في صحيح البخاري، فقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- صفة حشر الناس يوم القيامة في سياق طويل، حتى بلغ ذكر الشفاعة والجسر، فقال: "ثم يضرب الجسر على جهنم وتحِلُّ الشفاعة، ويقولون: اللهم سلِّم سلِّم".

قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: "دحض مزلَّة، فيه خطاطيف وكلاليب وحسك، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلَّم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم، حتى إذا خلَصَ المؤمنون من النار، فو الذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار -أي: يشفعون لإخوانهم الذين وقعوا في النار، ويناشدون الله لهم أشد المناشدة- يقولون: ربنا، كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون!.

فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرّم صورهم على النار -أي: لا تغير النار صور وجوههم- فَيُخْرِجون خلقاً كثيراً، قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيُخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحداً، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيراً".

قال أبو سعيد: إن لم تصدقون فاقرؤوا إن شئتم: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 40].

فيقول الله -عز وجل-: "شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد عادوا حمماً، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل... فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة يقولون: هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خيرٍ قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة، فما رأيتم فهو لكم، فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون يا ربنا: أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي، فلا أسخط عليكم أبداً"[متفق عليه].

اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، أصلح لنا شأننا كله.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أرسل رسوله ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً.

أما بعد:

يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-: "جميع ما في العالم العلوي والسفلي من حصول المنافع والمحاب والمسار والخيرات، فإن ذلك منه ومن رحمته وجوده وكرمه وفضله، كما أن ما صرف عنهم من المكاره والنقم والمخاوف والأخطار والمضار، فإنها من رحمته وبره، فإنه لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يُدافع السيئات إلا هو".

وكذلك ظهرت رحمته في أمره وشرعه ظهوراً تشهده البصائر والأبصار، فشرعه نور ورحمة وهداية، وقد شرعه محتوياً على الرحمة وموصلاً إلى أجلِّ رحمة وكرامة وسعادة وفلاح، وشرع فيه من التسهيلات والتيسيرات ونفي الحرج والمشقات ما يدل أكبر دلالة على سعة رحمته وجوده وكرمه. ومناهيه كلُّها رحمة، لأنها لحفظ أديان العباد وحفظ عقولهم وأعراضهم وأبدانهم وأخلاقهم وأموالهم من الشرور والأضرار. وبالجملة فشرعه وأمره نزل بالرحمة واشتمل على الرحمة، وأوصل إلى الرحمة الأبدية والسعادة السرمدية.

قال الله -تعالى- لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)[الأنبياء: 107].

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 57-58].

ومما اشتمل عليه شرعه من الرحمة أنه فتح باب التوبة للمذنبين، فإنه جل جلاله: "يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"؛ كما في صحيح مسلم.

بل إنه: "يفرح بتوبة العبد أشد من فرح رجل وجد راحلته بعد أن أضلها بأرض فلاة"؛ كما في صحيحي البخاري ومسلم.

وجعل: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"؛ كما في سنن ابن ماجة بسند حسن.

بل قال صلى الله عليه وسلم؛ كما في سنن ابن ماجة بسند صحيح: "لو أخطأتم حتى تبلغ عنان السماء لتاب الله عليكم".

بل وعد الله التائبين بأن تبدل سيئاتهم حسنات؛ كما في قوله تعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان: 70].

وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم".

فيا عباد الله: أنيبوا إلى ربكم وأسلموا له، واستغفروه تفوزوا برحمته الأبدية، ودخول جنته، فقد قال الله للجنة لما اختصمت مع النار: "أنت رحمتي أرحم بك من أشاء".

واعلموا -رحمكم الله-: أن رحمة الله قريب من المحسنين، قال الرحمن الرحيم: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 156].

وقال: (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56].

ولن يدخل الجنة أحد بعمله إلا أن يتغمده الله برحمته.

فاللهم تغمدنا ووالدينا برحمتك إنك أنت أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألك رحمة تصلح بها قلوبنا وتفرج بها كروبنا، وتيسر بها أمورنا، وتشفي بها مرضانا، وترحم بها موتانا، يا أرحم الراحمين.

اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا أنفسنا طرفة عين.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفق اللهم إمامنا بتوفيقك، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك وهيئ له البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه على الخير وتدله عليه يا رب العالمين.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل معصيتك ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر يا ذ الجلال والإكرام.

اللهم اكفنا واكف بلادنا شر الأشرار، وكيد الفجار، يا عزيز يا جبار.

اللهم من أرادنا وديننا بسوءٍ فعليك به اللهم اشغله بنفسه واجعل كيده في نحره وتدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز.

اللهم من حمل علينا السلاح فاقتله بسلاحه إنك أنت السميع العليم.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.