القاهر
كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | عبدالرحمن بن علي العمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | كتاب الجهاد |
إن من روائع المجاهدين ومواقفهم التي خاضوها في أيام عز الإسلام، وانتصاراتهم وفتوحاتهم: ما ذكر عن سعيد بن زيد -رضي الله عنه- أحد العشرة المبشرين بالجنة، يقول في اليرموك: "لما كان يوم اليرموك كُنَّا أربعةً وعشرين ألفاً، أو نحواً من ذلك، فخرجت لنا الروم بعشرين ومائة ألف، وأقبلوا علينا بخطى ثقيلة كأنهم الجبال ولهم هزيم كهزيم الرعد، فخرج...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونتوب إليه، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين.
ثم أما بعد:
عباد الله: اعلموا أن هذا الدين إنما قام وانتشر في بقاع الأرض؛ بإقامة علم الجهاد في سبيل الله -عز وجل-، ولذلك امتدح الله المجاهدين في سبيله، وأثنى على المجاهدين في سبيله، وجعل للشهداء في سبيله أرفع الدرجات، وأعلى المنازل في جنات النعيم، حيث قال الله -جل وعلا-: (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[النساء: 69].
وقد قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 111].
وقال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف".
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "قيام ساعة في الصف للقتال في سبيل الله خير من قيام ستين سنة".
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: "من قاتل في سبيل الله فواق ناقة فقد وجبت له الجنة".
وبين عليه الصلاة والسلام ما للشهيد في سبيل الله -عز وجل- عند الله -جل وعلا- من الكرامات، فيقول صلى الله عليه وسلم كما في حديث صححه الألباني -رحمه الله-: "لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ، وَيُزَوَّجُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ حُورِ الْعِينِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيُؤَمَّنُ يَوْمَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيَضَعُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ".
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم في الشهداء: "كفا ببارقة السيوف على رأسه فتنة" أي على رأس الشهيد فإنه بعد ذلك بإذن الله لا يفتن في قبره ولا يمتحن.
هذه بعض الفضائل التي ينالها الشهداء في سبيل الله.
وقد ضرب سلف هذه الأمة أروع الأمثلة في التضحيات والجهاد في سبيل الله -عز وجل-، وقاموا بذلك خير قيام، لا لشيء إلا لأجل أن تكون كلمة الله هي العليا، فتنافسوا في التضحية في سبيل الله، تنافسوا في بذل أرواحهم في سبيل الله -عز وجل-.
ومن روائع المجاهدين: أسرة أبي سفيان حينما شاركوا في تلك الفتوحات العظام، وهذا مشهد من مشاهد تضحيات تلك الأسرة يوم اليرموك في ذلك اليوم العظيم أبو سفيان وابنه يزيد وابنه معاوية، بل وزوجته هند.
في ذلك اليوم العظيم كان أبو سفيان على كبر من سنه، وقد قارب التسعين، يقف ويقول: "الله الله إنكم سادة العرب وأنصار المسلمين، وإنهم سادة الروم وأنصار الشرك، اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك".
"يا معشر المسلمين: حضر ما ترون، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والجنة أمامكم، والشيطان والنار خلفكم".
وكان ابنه يزيد على ربع الناس في ذلك اليوم، فمر بابنه ووف تحت رايته موصيا له، وقال له: "يا بني لا يكنن أحد من أصحابك أرغب في الآخرة، ولا أصبر في الحرب، ولا أشد نكاية في المشركين منك".
ويقول وهو يحث الناس على الجهاد: "يا نصر الله اقترب".
بل وهذه هند زوجة أبي سفيان أم معاوية ويزيد كانت رضي الله عنها وأرضاها خطيبة في النساء في ذلك اليوم حاثة لهن، وحاثة للرجال من ورائهم: "قاتلوا فلستم ببعولتنا إن لم تمنعونا.. عضدوا الغلفان بسيوفكم".
هذا مشهد لأصهار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم اليرموك، وهذا موقف من مواقف كثر وقفها أولئك المخلصون الصادقون.
ومن روائعهم يوم أن كانوا يجاهدون في سبيل الله، ولأجل إعلاء كلمة الله، حتى أن ابن أم مكتوم، وكان كفيف البصر المؤذن -رضي الله عنه وأرضاه- كان معه اللواء في يوم القادسية، وهو يقول: "إني أعمى لا أستطيع أن أفر".
وثبت باللواء وقاتل، فكان سببا في تثبيت الناس حتى نصرهم الله -جل وعلا-.
فالقادسية ما يزال حديثها عبر تضيء بأروع الأمثال، وفي يوم أجنادين لما رأى القبقلار قتال المسلمين، قال: "لفوا رأسي بثوب" قالوا له: لم؟ قال: "يوم بئيس" أي على النصارى وعلى الكفار وعلى أعداء الملة والدين، قال: "يوم بئيس لا أحب أن أراه! ما رأيت في الدنيا يوما أشد من هذا!".
فاحتز المسلمون رأسه، وهو ملفوف في الثوب.
إن من روائع المجاهدين ومواقفهم التي خاضوها في أيام عز الإسلام، وانتصاراتهم وفتوحاتهم: ما ذكر عن سعيد بن زيد -رضي الله عنه- أحد العشرة المبشرين بالجنة، يقول في اليرموك: لما كان يوم اليرموك كُنَّا أربعةً وعشرين ألفاً، أو نحواً من ذلك، فخرجت لنا الروم بعشرين ومائة ألف، وأقبلوا علينا بخطى ثقيلة كأنهم الجبال ولهم هزيم كهزيم الرعد، فخرج رجل من صفوف المسلمين، وقال لأبي عبيدة القائد أمين الأمة -رضي الله عنه وأرضاه-: أجمعت أن أقضي أمري الساعة، فهل لك من رسالة تبعث بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
يقين وإيمان وإقدام على الشهادة في سبيل الله -عز وجل-: "هل لك من رسالة تبعث بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟" قال: "نعم، تقرؤه مني ومن المسلمين السلام، وتقول له: إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا" قال تقحمت وجفوت ونزع الله الخوف من قلبي، وثار الناس في وجوه الرومان، فكانت الهزيمة لهم في ذلك اليوم العظيم، هذه من تلك الصور العظيمة.
ومن روائع المجاهدين في أيامهم الأولى: هذا طليحة الأسدي الذي كان يعد بألف فارس، خطب قومه بني أسد، حينما طلب سعد النجدة بقبيلة بديلة يوم القادسية، فلما وصل طليحة بقومه بني أسد إلى هناك، مدد لسعد -رضي الله عنه وأرضاه- خطب في قومه، قائلا: "ابتدئوا الشدة، وأقدموا عليهم إقدام الليوث الحربة، فإنما سميتم أسداً لتفعلوا فعلة الأسد، شدوا ولا تصدوا، وكروا ولا تفروا".
ثم التف من وراء الفرس وكبر ثلاث تكبيرات، حتى أرعب الفرس من خلفهم، وظنوا أنه جيش كاملا من ورائهم، فقذف الله الرعب في قلوبهم.
دخل معسكر رستم بمفردة في ليلة مقمرة، وكانوا ثمانين ألف، وأخذ أجود فرسانهم أخذا، ولحقه فارس فيهم يعدلونه بألف فارس، فلما اقترب منه غرب عنه، فلما تقدمه طعنه وقضى عليه، ثم كان الثاني كذلك، ثم أقبل الثالث فاستقبله طليحة فاستأثر له، وأقبل به أسيرا، ثم قال: "لم أرَ ولم أسمع بمثل هذا قط".
هذه من روائع المجاهدين، ومن وقفاتهم في أيام الجهاد الأولى، وأيام العزة والنصرة التي كانوا يعيشونها، جهادا في سبيل الله، وإعلاء لكلمة الله -تبارك وتعالى-، فنصر الله بهم الأمصار، وفتح بهم الفتوحات، وقذف الله -عز وجل- بهم الرعب في قلوب الأعداء، ونصرهم الله -جل وعلا- نصرا مؤزرا.
ما أحوج الأمة أن تستقرأ ذاك التاريخ، وأن تعيش شيئا من تلك اللحظات، خاصة في هذه الأيام التي خيم فيها الذل والهوان على كثير من المسلمين، في كل مكان -إلا ما رحم ربك تبارك وتعالى-حيث أصبح يتحكم فيها أعدائها ويتفنون.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الأمين وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
ثم أما بعد:
عباد الله: إن من صور الجهاد المشرفة والمشرقة في هذا الزمان: ما يقوم به إخواننا الأحرار في سوريا في هذه الأيام، وقد مر عليهم أعوام وهم يجاهدون ذاك الطاغية وعىساكره وجنوده، ممن يذبحون فيهم بالليل وبالنهار، سلطوا لجام غضبهم على النساء وعلى الأطفال، وأصبحوا يلغون في دماء أولئك العزل، ويفعلون بهم الأفاعيل، وينكلون بهم أشد التنكيل، وأصبح القتلى من العزل والمدنيين والنساء والأطفال في كل يوم بالمئات، وأصبحوا يعدمون من في داخل السجون عندهم من أولئك الذين جمعوهم في سجونهم، وأخرها بالأمس ما يقارب 500 شهيد.
وفي بداية الأسبوع مثل ذلك أو يزيد، كل ذلك مما يفعله النصير الباغي والروافض والباطينية أصحاب تلك القلوب الحاقدة التي تفعل بالمسلمين ما لم يفعله بهم اليهود ولا النصارى من التنكيل والعذاب، ومن هتك الأعراض، وسفك الدماء.
ووصل بهم الحال إلى أنهم في بورما يحرقون المسلمين وهم أحياء، وكذلك في نيجيريا ممن يحاربونهم ويعادوهم من المجوس ومن النصارى، ومن على شاكلتهم.
وإن ذهبت إلى العراق فترى المشهد يتكرر من الباطينية والصفوية والروافض على إخواننا أهل السنة هناك، قتلا وتنكيلا، وقمعا للمتظاهرين!.
كل هذا تآمر من أعداء الملة وأعداء الدين على أهل السنة في كل مكان.
وماذا فعل المسلمون لإخوانهم؟ وماذا قدم المسلمين لإخوانهم؟
إن أعداء الملة في روسيا وفي إيران يمدون الروافض والصفوية بالسلاح علانية عبر البر والبحر والجو، وبلا هوادة ولا تردد.
أما المسلمون وأهل السنة، فماذا قدموا لإخوانهم في سوريا؟ ماذا قدموا لإخوانهم في العراق؟ ماذا قدموا لإخوانهم في بورما؟ وقد تكون منسية عند الكثير ولا يعلمون ماذا يحصل هناك ولا ماذا يدور هناك؟.
وربي أن المسئولية عظيمة، وأن من ولي أمور المسلمين وعنده قدرة على نصرة إخواننا له مسئول أمام الله -جل وعلا-: ماذا قدم لإخوانه؟
وإنا نحث على ذلك، وننادي بذلك لا نطلب من أحد أن يذهب بنفسه، ولا أن يجاهد بنفسه فربما، بل هذا الواقع والحاصل أن إخواننا المجاهدين في سوريا يقولون لا نريد رجالا، وإنما نريد أموالا نستعين بها على جهاد عدونا وعلى قتال عدونا، وعلى تأمين الطعام والكساء والشراب لأسرنا ولأبنائنا وبناتنا ونسائنا.
فماذا قدمنا لإخواننا يا من أتاكم الله أموالا، وبسط عليكم من النعيم: ماذا قدمتم لإخوانكم؟ هل بذلتكم من أموالكم؟
واعلموا: أن الجهاد بالمال من أعظم أبواب الجهاد، وقد ذكره الله -جل وعلا- مقدما على الجهاد بالنفس في كتابه في ستة مواضع، ولم يقدم النفس على المال إلا في موضوع واحد.
فالله الله -عباد الله- في البذل والإنفاق لإخوانكم، ومد يد العون إليهم.
وأكثروا لإخوانكم الدعاء في خلواتكم، وفي جلواتكم في ليلكم وفي نهاركم، عسى الله -جل وعلا- أن يرفع المحنة والكرب والبلاء عن إخواننا الذين يضطهدون، وتسفك دمائهم، ويقتل أطفالهم، ويهتك أعراضهم، وتهدم منازلهم، وأحاط بهم الأعداء من كل مكان، وتألبوا عليهم من كل ناحية، حتى أنه من تفنن أعداء الله، ومما يدل على حقدهم وطائفيتهم المذمومة: أنهم جمعوا العراقب السامة، وأرادوا بثها على إخواننا في المخيمات بكل لون من ألون الأذى، يريدون أن يؤذوا المسلمين في كل مكان، ولكن الله لهم بالمرصاد.
فالله الله -عباد الله- في البذل والإنفاق والعطاء، وفي رفع أكف الضراعة إلى رب الأرض والسماء، بصدق وإخلاص، عسى الله أن يرفع الكرب والبلاء عن إخواننا.
ألا وصلوا وسلموا -عباد الله- على رسول الله؛ كما أمركم الله بذلك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن صحابة نبينا الطيبين الطاهرين، وعنا معهم بمنك وكرمك؛ برحمتك يا أرحم الراحمين.