البحث

عبارات مقترحة:

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

حنين دروس وعبر

العربية

المؤلف مقبل بن حمد المقبل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات السيرة النبوية - كتاب الجهاد
عناصر الخطبة
  1. أهمية مدارسة السيرة النبوية .
  2. أسباب غزوة حنين .
  3. أحداث الغزوة .
  4. المنهج النبوي في توزيع الغنائم .
  5. فضل الأنصار ومنزلتهم .
  6. أبرز الدروس والعبر المستفادة من غزوة حنين. .

اقتباس

ومن دروس تلك الغزوة أن القائد المحنّك هو الذي ينظر بعيدًا، ويستشرف مستقبلاً غير منظور، ولا يبالي بلعاعة الدنيا في سبيل الدعوة إلى الله تعالى؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قاد أناسًا إلى الحق من بطونهم لا من عقولهم، فأغراهم بالمال وأعطاهم ثم أعطاهم ثم أعطاهم من الغنائم العظيمة ليأنسوا بالإيمان، فيجني الثمرة التي يرقبها بينما لم يعطِ الأنصار شيئًا، ووكلهم إلى إيمانهم معللاً ذلك بقوله: "إن قريشًا حديث عهد بجيش ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم"، فكان ما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

الخطبة الأولى:

 الحمد لله رب العالمين أعز بالجهاد دولة الإسلام، وحطم بصحيح العقيدة صروح الأصنام، أحمده تعالى وأشكره على جزيل الإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

أما بعد فاتقوا الله عباد الله اتقوا الله ربكم تفلحوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.

إخوة الإسلام: إن في ديننا لعزة وأنفة وقوة وحزمًا وعزمًا يستمده أتباعه من المعلم الأول بأبي هو وأمي -صلوات ربي وسلامه عليه- الذي بذل نفسه لله تعالى من أجل إعلاء كلمة التوحيد، ونشر هذا الدين، فعزت بتوفيق الله له وبحسن نيته وسلامة قصده دولته، وانتشرت رسالته، وحقق في عشر سنوات من إرساء قواعد الدين وتثبيت أركان الملة ما لا يحققه غيره في أضعاف ذلك، ولا يمكن للأمة أن تنشر رسالتها وتعز دولتها، وتقذف الرعب في قلوب أعدائها إلا برفع راية الجهاد والحزم والقوة في مواجهة أعداء الإسلام وفلول المرتزقة.

عباد الله: إن في كتاب الله -جل وعلا- وفي سيرة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أحداثًا عظيمة ومواقف ذات عبر ودروسًا بليغة يجدر بالمسلم  أن يستعرضها في أوقات أزماته لترفع من معنوياته وعزماته، ومن تلك الأحداث غزوة حنين.

تلك الغزوة التي وقعت بعد فتح مكة الذي أسر ألباب الناس، واستمال أفئدة القبائل وأرعب قريشًا ومن حولها حتى استسلم كثير من العرب، ودخلوا في الإسلام جماعات وأفرادًا غير أن هوازن تولت كبرها، واستحبت كفرها، وتبعتها في ذلك بعض قبائل العرب، فأنفت الخضوع والانقياد، واجتمعوا إلى مالك بن عوف، وقررت المسير إلى حرب المسلمين في حرب تاريخية سميت بغزوة حنين.

وقعت هذه الغزوة بعد رمضان في السنة الثامنة من الهجرة وقد خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها في اثني عشر ألف من المسلمين، منهم ألفان من أهل مكة الطلقاء الذين أسلموا بعد الفتح، وكان المشركون قد وصلوا إلى أرض المعركة قبل وصول المسلمين، فقام مالك بن عوف فأدخله جيشه بالليل في ذلك الوادي وفرّق كُمَنَاءه في الطرق والمداخل والشعاب والأخباء والمضايق، وأصدر إليهم أمره بأن يرشقوا المسلمين فور نزولهم الوادي، ثم يشدوا شدة رجل واحد.

وكان -صلى الله عليه وسلم- قد عبَّأ جيشه في السَّحَر وعقد الألوية والرايات، وفرَّقها على الناس، وفي عَمَاية الصبح استقبل المسلمون وادي حنين، وشرعوا ينحدرون فيه، وهم لا يدرون بوجود كمناء العدو في مضايق هذا الوادي، فبينا هم ينحطون إذا تمطر عليهم النبال، وإذا كتائب العدو قد شدت عليهم شدة رجل واحد، فشمر المسلمون راجعين، لا يلوي أحد على أحد،  وتفرقت صفوف الجيش الإسلامي وولى من ولى خاصة الأعراب والطلقاء؛ لأنهم حديث عهد بإسلام لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- ونفر من أصحابه ثبتوا ثبات الشجعان الموقنين بنصر الرحمن.

قال عباس -رضي الله عنه- كما في صحيح مسلم: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم نفارقه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركض بغلته قِبَلَ الكفار، قال عباس وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكفّها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أي عباس ناد أصحاب السمرة"، فقال عباس وكان رجلاً صيتًا فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها. فقالوا: يا لبيك يا لبيك.

 قال: فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقولون يا معشر الأنصار! يا معشر الأنصار! قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذا حين حمي الوطيس".

قال ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب محمد! قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدّهم كليلاً وأمرهم مدبرًا".

لقد زعزع النبي -صلى الله عليه وسلم- بثباته صفوف المشركين فانقلب الحال وعاد النصر فضل من الله: (ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ) [التوبة:26].

وانهزمت جموع المشركين هزيمة منكرة، وطارد المسلمون فلولهم، وتعقبوهم إلى أن ألحقوا بهم الهزيمة في أوطاس، ونصر الله تعالى جيش الإيمان على جيش الكفر، وكانت هذه المحاولة الأخيرة من العرب للوقوف أمام المسلمين ومحاربة الدعوة الإسلامية ودخل الإسلام بعدها خلق عظيم.

عباد الله: لقد أخفق المسلمون في بداية المعركة لما أعجبوا بأنفسهم وضعف توكلهم على ربهم فقال قائلهم: "لن نغلب اليوم من قلة"، قال تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ) [التوبة:25].

لقد عاتبهم الله على هذا الإعجاب، واكتفى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعتاب الله لهم فلم يعنّفهم لحداثة إسلامهم وإدراكه أن تربية الجموع لا تتم بين عشية وضحاها فلما صححوا مسارهم عاد انتصارهم.

لقد أخفقوا لما ارتخى التوحيد في نفوسهم؛ إذ إن سدس الجيش من مسلمة الفتح الطلقاء الذين لم تتمكن العقيدة في نفوسهم فإنهم لما مروا في طريقهم إلى حنين على شجرة يعكف عليها المشركون ويعلقون عليها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط قالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف: 138]، لتركبن سنن من كان قبلكم، شبرًا بشبر وذراعًا بذراع...".

عباد الله: من دروس هذه الغزوة أن التفاؤل وقود للعزائم، فقبل حنين بثَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- التفاؤل في نفوس أصحابه فشد همهم، وقوّى عزائهم، فقد جاءه فارس فقال: إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "تلك غنيمة المسلمين غدًا إن شاء الله".

ومن دروس تلك الغزوة أن القائد المحنّك هو الذي ينظر بعيدًا، ويستشرف مستقبلاً غير منظور، ولا يبالي بلعاعة الدنيا في سبيل الدعوة إلى الله تعالى؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قاد أناسًا إلى الحق من بطونهم لا من عقولهم، فأغراهم بالمال وأعطاهم ثم أعطاهم ثم أعطاهم من الغنائم العظيمة ليأنسوا بالإيمان، فيجني الثمرة التي يرقبها بينما لم يعطِ الأنصار شيئًا، ووكلهم إلى إيمانهم معللاً ذلك بقوله: "إن قريشًا حديث عهد بجيش ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم"، فكان ما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول صفوان بن أمية -رضي الله عنه- لما أعطاه النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة من النعم ثم مائة ثم مائة: "والله لقد أعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ" (رواه مسلم).

لقد أسلم أولئك المؤلفة قلوبهم، وحسن إسلامهم، وصار منهم الدعاة لدين الله والمجاهدون في سبيله، وأبلوا في الجهاد لنشر الإسلام بلاءً حسنًا.

عباد الله: لم ينسَ النبي -صلى الله عليه وسلم- مع ثباته وشجاعته في هذه الغزوة دعاء الله والتضرع إليه كما هو شأنه في سائر غزواته ، بل كان يدعو ربه "اللهم نصرك".

يقول البراء -رضي الله عنه- "فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستنصر وهو يقول: "أنا النبي لا كذب! أنا ابن عبد المطلب! اللهم نصرك"، قال: كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذيه".

نسأل الله نصره للحق وأهله، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

إخوة الإسلام: لقد قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغنائم على أهل مكة وأعطاهم عطاء من لا يخشى الفقر، فوقع في أنفس الأنصار شيء؛ إذ لم يحوزوا فلسًا واحدًا.

يقول أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-: لما أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أعطى من تلك العطايا، في قريش وفي قبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم؟ حتى كثرت منهم القالة، حتى قال قائلهم: لقد لقي والله رسول الله قومه.

فدخل عليه سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء.

قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟، قال: يا رسول الله، ما أنا إلا امرؤ من قومي، وما أنا من ذلك.

قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، قال: فخرج سعد فجمع الناس في تلك الحظيرة، قال: فجاء رجال من المهاجرين فتركهم، فدخلوا وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا أتاه سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، قال: فأتاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل، ثم قال: يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله، وعالة (فقراء) فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟، قالوا: بل الله ورسوله أمنّ وأفضل، قال: ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟، قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله، ولله ولرسوله المنّ والفضل، قال: أما والله لو شئتم لقلتم فَلَصَدَقْتُمْ، وَصُدِّقْتُمْ، أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلاً فآسيناك.

أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قومًا ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رحالكم؟، فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شِعبًا، وسلكت الأنصار شعبًا لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًا، ثم انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتفرقوا ".

إن شأن الدنيا أنزل قدرًا من أن يأسى لها رجل الإيمان والعقيدة، فمتى كان المال في ميزان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دليلاً على التقدير أو برهانًا على الحب، لقد كان نصيبه كنصيب الأنصار، فالمال أعطاه من أعطاه وعاد بالأنصار وعادات الأنصار به ليكون المحيا والممات بينهم صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار من المهاجرين والأنصار، وجمعنا الله تحت لوائه المحمود وسقانا من حوضه المورود بمنه وكرمه.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

وقال عليه الصلاة والسلام "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا".. اللهم صل وسلم وبارك...