الرءوف
كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد البصري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إِذَا افتَخَرَ قَومٌ بِتُرَاثِهِمُ الدُّنيَوِيِّ المَيِّتِ، وَعَمِلُوا عَلَى إِحيَاءِ عَادَاتٍ بَالِيَةٍ وَرُسُومٍ بَائِدَةٍ، فَإِنَّ لَدَينَا التُّرَاثَ الأُخرَوِيَّ الحَيَّ، الَّذِي يُحيِينَا وَيُنجِينَا وَيَجمَعُنَا وَيَرفَعُنَا، لَدَينَا التُّرَاثُ الَّذِي فِيهِ الهُدَى وَالنُّورُ لِلعَالَمِينَ، والدِّلالَةُ عَلَى كُلِّ خَيرٍ وَالتَّحذِيرُ مِن كُلِّ شَرٍّ، وَالدَّعوَةُ إِلى مَكَارِمِ الأَخلاقِ وَمَحَاسِنِ الأَعمَالِ، وَالتَّحذِيرُ مِن قَبِيحِهَا وسَيِّئِهَا، تُرَاثُنَا كِتَابٌ قَالَ اللهُ -تَعَالى- فِيهِ: (إِنَّ هَذَا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ)، وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)...
الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ:
فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لِكُلِّ أُمَّةٍ مَاضٍ وَحَاضِرٌ، وَقَدِيمٌ وَجَدِيدٌ، وَمِن عَادَةِ كُلِّ مُجتَمَعٍ أَن يُفَاخِرَ بِمَاضِيهِ مَهمَا كَانَ، غَيرَ أَنَّ ثَمَّةَ فَرقًا يُمَيِّزُهُ العُقَلاءُ، بَينَ مَاضٍ إِنَّمَا هُوَ خَلِيطٌ مِن صِنَاعَاتٍ بِدَائِيَّةٍ أَو أَوَانِي طَبخٍ وَأَوعِيَةِ أَكلٍ وَشُربٍ، أَو أَنوَاعِ مَلابِسَ وأَلعَابٍ وَأَغَانٍ وَأَهَازِيجَ، أَو كَلامٍ مَنثُورٍ أَو مَنظُومٍ كُلُّهُ فَخرٌ أَو مَدحٌ أَو هِجَاءٌ، وَبَينَ مَاضٍ هُوَ تَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَى قَلبِ مُحَمَّدٍ لِيَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبيٍّ مُبِينٍ، فَأَنذَرَ بِهِ وَبَشَّرَ، وَدَعَا إِلَيهِ وَأَعذَرَ، وَجَاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، حَتى تَرَكَ الأُمَّةَ عَلَى مِثلِ البَيضَاءِ، لَيلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ.
وَإِذَا كَانَ مِمَّا شَاعَ في العَالَمِ، أَن يَجعَلَ كُلُّ شَعبٍ لَهُ زَمَانًا وَمَكَانًا يَحتَفِلُ فِيهِ بِمَورُوثِهِ وَيُطلِعُ الآخَرِينَ عَلَيهِ، فَإِنَّ لَدَينَا -أُمَّةَ الإِسلامِ- أَغلَى مَورُوثٍ وَأَثمَنُهُ، لَدَينَا كِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلا مِن خَلفِهِ، تَنزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ، وَلَدَينَا سُنَّةُ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللهِ، الَّذِي اختَارَهُ اللهُ وَاصطَفَاهُ، لِيُورِثَهُ أَعظَمَ مَورُوثٍ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (ثُمَّ أَورَثنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصطَفَينَا مِن عِبَادِنَا)، وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ).
نَعَم -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- إِذَا افتَخَرَ قَومٌ بِتُرَاثِهِمُ الدُّنيَوِيِّ المَيِّتِ، وَعَمِلُوا عَلَى إِحيَاءِ عَادَاتٍ بَالِيَةٍ وَرُسُومٍ بَائِدَةٍ، فَإِنَّ لَدَينَا التُّرَاثَ الأُخرَوِيَّ الحَيَّ، الَّذِي يُحيِينَا وَيُنجِينَا وَيَجمَعُنَا وَيَرفَعُنَا، لَدَينَا التُّرَاثُ الَّذِي فِيهِ الهُدَى وَالنُّورُ لِلعَالَمِينَ، والدِّلالَةُ عَلَى كُلِّ خَيرٍ وَالتَّحذِيرُ مِن كُلِّ شَرٍّ، وَالدَّعوَةُ إِلى مَكَارِمِ الأَخلاقِ وَمَحَاسِنِ الأَعمَالِ، وَالتَّحذِيرُ مِن قَبِيحِهَا وسَيِّئِهَا، تُرَاثُنَا كِتَابٌ قَالَ اللهُ -تَعَالى- فِيهِ: (إِنَّ هَذَا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ)، وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)، وَقَالَ -تَعَالى-: (وَنَزَّلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ تِبيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً)، وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفَاءٌ لما في الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ * قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ)، وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالمِينَ إِلاَّ خَسَارًا).
تُرَاثُنَا سُنَّةٌ وُصِفَ صَاحِبُهَا بِقَولِ رَبِّهِ: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وَوُصِفَ في كُتُبِ مَن قَبلَنَا بِأَنَّهُ (يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَيَنهَاهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلَالَ الَّتي كَانَت عَلَيهِم فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ)، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "تَرَكتُ فِيكُم شَيئَينِ لَن تَضِلُّوا بَعدَهُمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتي، وَلَن يَتَفَرَّقَا حَتى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوضَ". رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ، هُمَا التُّرَاثُ العَظِيمُ وَالكَنزُ الثَّمِينُ، الَّذِي يَجِبُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ جَمِيعًا وَبِلا استثِنَاءٍ أَن تَعتَنِيَ بِهِ وَتَنشُرَهُ وَتَبُثَّهُ بَينَ العَالَمِينَ، لَيسَ بِحَفَلاتٍ تُنَظَّمُ أَو سُرَادِقَاتٍ تُقَامُ، أَو نَدَوَاتٍ تُعقَدُ أَو أُمسِيَاتٍ تُحيَا، وَلَكِنْ بِالتَّمَسُّكِ بِهِ وَالعَضِّ عَلَيهِ بِالنَّوَاجِذِ، وَالمُحَافَظَةِ عَلَيهِ في الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَالمَنشَطِ وَالمَكرَهِ، وَاتِّبَاعِهِ وَتَعظِيمِهِ في السِّرِّ وَالجَهرِ وَالسَّفَرِ وَالحَضَرِ، والافتِخَارِ بِهِ في الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ وَفي كُلِّ حِينٍ وَآنٍ.
نَعَم -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- إِنَّ حِفظَ التُّرَاثِ الإِسلامِيِّ العَظِيمِ وَنَشرَهُ، يَتَضَمَّنُ العِلمَ وَالعَمَلَ، وَالنَّصِيحَةَ وَالدَّعوَةَ، وَالصَّبرَ وَالاستِقَامَةَ مَدَى الحَيَاةِ، وَالحِرصَ عَلَى تَبلِيغِهِ لِجَمِيعِ العَالَمِ وَبُكُلِّ الطُّرُقِ وَجَمِيعِ الوَسَائِلِ، مَادِّيًّا وَمَعنَوِيًّا وَإِعلامِيًّا؛ قَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالحًا وَقَالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمِينَ)، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (اُدعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ)، وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلي أَدعُو إِلى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَني)، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَن دَلَّ عَلَى خَيرٍ فَلَهُ مِثلُ أَجرِ فَاعِلِهِ"، رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَن دَعَا إِلى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنقُصُ مِن أُجُورِهِم شَيئًا". رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لِعَلِيٍّ لَمَّا بَعَثَهُ إِلى خَيبَرَ لِيَدعُوَ أَهلَهَا إِلى الإِسلامِ: "فَوَاللهِ لأَن يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيرٌ لَكَ مِن حُمْرِ النَّعَمِ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَدِ اعتَنَى سَلَفُنَا الصَّالِحُ -رَحِمَهُمُ اللهُ وَرَضِيَ عَنهُم- بِتُرَاثِنَا العَظِيمِ، فَحَفِظُوهُ لَنَا بِحِفظِ اللهِ لَهُ، نَقَلُوا كِتَابَ اللهِ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَرَوَوا سِيرَتَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرُوا أَخبَارَهُ، وَوَصَفُوا أَيَّامَهُ وَمَغَازِيَهُ وَأَسفَارَهُ، وَكَتَبُوا أَقوَالَهُ وَأَعمَالَهُ وَتَقرِيرَاتِهِ، وَبِذَلِكَ حُفِظَتِ الأُمَّةُ وَبَقِيَت قُرُونًا مُتَطَاوِلَةً، وَانتَصَرَت وَارتَفَعَت وَسَادَت وَقَادَت، فَلَمَّا تَهَاوَنَت بِذَلِكَ التُّرَاثِ العَظِيمِ في أَعقَابِ الزَّمنِ وَمُتَأَخِّرِ السَّنَوَاتِ، وَجَعَلَت تَتَّجِهُ إِلى إِحيَاءِ الجَاهِلِيَّاتِ قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا، نَقَصَ مِن قَدرِهَا بِقَدرِ مَا نَقَصَت مِنَ التَّمَسُّكِ بِمَصدَرَي عِزَّتِهَا وَقُوَّتِهَا، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَلْنَصِلِ اللاَّحِقَ بِالسَّابِقِ؛ لِيَحفَظَنَا اللهُ وَيَنصُرَنَا، وَلْنَتَذَكَّرْ قَولَ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلا-: (إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وَقَولَهُ -تَعَالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَومَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، وَقَولَهُ -عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِن تَتَوَلَّوا يَستَبدِلْ قَومًا غَيرَكُم ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمثَالَكُم)، وَقَولَ الحَبِيبِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "نَضَّرَ اللهُ امرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوعَى مِن سَامِعٍ". رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (وَالعَصرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ).
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى، وَاحذَرُوا أَسبَابَ سَخَطِ رَبِّكُم -جَلَّ وَعَلا- فَإِنَّ أَجسَامَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقوَى.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ تُرَاثَنَا -نَحنُ المُسلِمِين- هُوَ كُلُّ مَا ثَبَتَ بِكِتَابِ اللهِ أَو سُنَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا شَرَعَهُ اللهُ لِعِبَادِهِ، تُرَاثُنَا هُوَ مَا أَجمَعَ عَلَيهِ سَلَفُنَا وَمَضَوا عَلَيهِ، تُرَاثُنَا هُوَ مَا بُعِثَ بِهِ نَبِيُّنَا -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- مِنَ الهُدَى وَدِينِ الحَقِّ، وَأَمَّا مَا ابتَدَعَهُ المُبتَدِعُونَ وَأَحدَثَهُ المُحدِثُونَ، أَو أَحيَاهُ الضَّالُّونَ وَاعتَنَى بِهِ المُنحَرِفُونَ، مِن أَسوَاقِ الجَاهِلِيَّةِ وَرُسُومِهَا وَضَلالاتِهَا، فَهَذَا لَيسَ بِتُرَاثٍ لَنَا.
إِنَّ التُّرَاثَ الحَقِيقِيَّ لِهَذِهِ الأُمَّةِ تُرَاثٌ دِينِيٌّ شَرعِيٌّ رَبَّانِيٌّ سَمَاوِيٌّ أُخرَوِيٌّ، مُشبَعٌ بِالأَحكَامِ وَالحِكَمِ وَالدُّرُوسِ وَالعِبَرِ، لَيسَ كَمَا يَتَصَوَّرُهُ بَعضُ مُدَّعِي الثَّقَافَةِ مِن أَنَّهُ مُجَرَّدُ ذِكرَى عَابِرَةٍ لِمَاضٍ بَعِيدٍ أَو مَرحَلَةٍ زَمَنِيَّةٍ عَتِيقَةٍ، أَو رُؤَى وَأَفكَارٍ أَكَلَ الدَّهرُ عَلَيهَا وَشَرِبَ، أَو قِطَعٍ أَثَرِيَّةٍ تُتَدَاوَلُ وَتُشتَرَى بِأَغلَى الأَثمَانِ، أَو لَوحَاتٍ تُعَلَّقُ عَلَى الجُدرَانِ.
وَأَمَّا الَّذِينَ يَرَونَ التُّرَاثَ رَقصَةً قَدِيمَةً أَو أُغنِيَّةً شَعبِيَّةً، أَو حِكَايَةً مَنسُوجَةً أَو أُحدُوثَةً مُختَرَعَةً، فَهَؤُلاءِ يَظلِمُونَ التُّرَاثَ وَيُسِيئُونَ إِلى الآبَاءِ وَالأَجدَادِ، وَيَمحُونَ تَارِيخَ الأُمَّةِ الأَبيَضَ النَّاصِعَ، وَيُلبِسُونَهَا تَأرِيخًا أَسوَدَ كَالِحًا، لا يَرفَعُ رَأسًا وَلا يَبنِي شَرَفًا، وَلا يُرَبِّي جِيلاً وَلا يَصنَعُ نَصرًا، فَاللَّهُمَّ رَبَّنَا أَرِنَا الحَقَّ حَقًّا وَارزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا البَاطِلَ بَاطِلاً وَارزُقْنَا اجتِنَابَهُ، أَحْيِنَا عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُسلِمِينَ، وَأَمِتْنَا عَلَيهِمَا مُسلِمِينَ، وَأَلحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيرَ خَزَايَا وَلا مَفتُونِينَ.