الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إن من القواعد العظيمة التي هي جماع الدين؛ تأليف القلوب، واجتماع الكلمة، وصلاح ذات البين. وفي الكتاب والسنة نصوصٌ كثيرة تأمر بالاجتماع والألفة وتنهى عن الفرقة والشتات؛ قال الله -تبارك وتعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال:1]، وقال -جل وعلا-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103]، وقال سبحانه: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) ...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وأمينُه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون عباد الله: إن من القواعد العظيمة التي هي جماع الدين؛ تأليف القلوب، واجتماع الكلمة، وصلاح ذات البين. وفي الكتاب والسنة نصوصٌ كثيرة تأمر بالاجتماع والألفة وتنهى عن الفرقة والشتات؛ قال الله -تبارك وتعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال:1]، وقال -جل وعلا-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103]، وقال سبحانه: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46]، وقال الله -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) [الأنعام:159]، وقال سبحانه: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وروى الإمام مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا؛ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ". وفي السنن عن زيد بن ثابت وابن مسعود -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ". والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
أيها المؤمنون عباد الله: وقد جاءت الأحاديث أيضًا عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- منبِّهًا أن الخلاف والفرقة كائنٌ في الناس؛ قال ذلك على وجه التحذير والإنذار، كقوله -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا"، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: "لَتَتَّبِعُنَّ سنَن مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا ذِرَاعًا حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ"، وكقوله -عليه الصلاة والسلام-: "افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَة كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلا وَاحِدَةً"؛ والناجون هم من كانوا على مثل ما كان عليه -صلوات الله وسلامه عليه- وما كان عليه صحابته الكرام.
أيها المؤمنون عباد الله: إن الواجب على كل مسلم وكل فردٍ من أفراد أمة الإسلام أن يكون هذا المقصد الجليل نصب عينيه، مهتمًا به، حريصًا كل الحرص على ائتلاف القلوب واجتماع الكلمة والسلامة من الفرقة والشتات، وأن يحذر أشد الحذر من أن يكون سببًا في وجود أيِّ فرقةٍ وشتات بين أفراد أمة الإسلام؛ لأن وجود الفرقة خطرٌ على الأمة عظيم، وبلاءٌ عليهم جسيم، ومتسبِّبٌ في تسلط الأعداء وذهاب هيبة الأمة.
أيها المؤمنون عباد الله: ويعين على تحقيق هذا المقصد الجليل؛ الاعتصام بالكتاب والسنة، ولزوم هدي الصحابة الكرام، والأخذ عن الأئمة الأكابر الأعلام، والحذر من موجبات الفرقة أيًّا كانت، وكثرة الاستعاذة من الشيطان ونزغه، والحرص على لزوم الجماعة، والنصح لولاة الأمور، والنصح كذلك لعامة المسلمين، مع مجاهدة النفس على تحقيق تقوى الله -عز وجل-، وأن يكون رائد المرء وقائده في كل ذلك طلب رضا الله -جل وعلا- والسعي في نيل رضاه سبحانه.
اللهم -يا ربنا- ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبُل الرشاد، ونجِّنا من الظلمات إلى النور، وجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى.
عباد الله: ومن الدعوات العظيمة النافعة لمثل هذا الأمر؛ ما رواه الحاكم في مستدركه وغيره عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ: "اللَّهُمَّ أَلّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُلُوبِنَا، وَأَزْوَاجِنَا، وَذُرِّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعَمِكَ، مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْكَ، قَابِلِينَ لَهَا وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا". وهي دعوات عظيمات جليلٌ شأنها، رفيعٌ قدرها، تمسُّ الحاجة إليها، ولاسيما -عباد الله- عند وجود الفرقة والاختلاف، وكثرة التشاحن والشتات، ووجود الحسد والتباغض بين أفراد أمة الإسلام.
وينبغي على كل مسلم أن يحرص كل الحرص على الدعاء لأمَّة الإسلام جماعةً وأفرادًا بالألفة والصلاح، وزوال الفرقة والشتات، وتحقق اجتماع الكلمة. والله -جل وعلا- لا يخيِّب عبدًا دعاه، ولا يردُّ مؤمنًا ناجاه.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعِينًا، وحافظًا ومؤيِّدًا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك.
اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبُل السلام، ونجِّنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقلوبنا، وأزواجنا، وذرياتنا، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمك، مثنين بها عليك، قابلين لها، وأتمَّها علينا.
اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم وفِّقنا يا ربنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.