البحث

عبارات مقترحة:

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

أسباب هلاك الأمم

العربية

المؤلف مريزيق بن فليح السواط
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. الاختلاف والفرقة هي عقوبة هذه الأمة .
  2. من أسباب هلاك الأمم .

اقتباس

إن ثمة أمورًا إذا وقعت من العباد وفعلوها، كانت سبباً في إنزال الهلاك والدمار بهم، فالله يغار على دينه، والله يغار على أوامره أن تنتهك، وهو يمهل ولا يهمل. يرشد العباد إلى توحيده واتباع أوامره، فإن أطاعوا كانت لهم السعادة في الدنيا والآخرة، وإن هم خالفوا وعصوا وأتوا بأسباب العذاب سلط الله عليهم بأسه وغضبه.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله...

عباد الله: الله تعالى رؤوف بعباده، رحيم بخلقه، أرحم بنا من أنفسنا على أنفسنا، لكن قضت حكمته الربانية، وسننه الكونية التي لا تتغير ولا تتبدل: (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً).

إن ثمة أمورًا إذا وقعت من العباد وفعلوها، كانت سبباً في إنزال الهلاك والدمار بهم، فالله يغار على دينه، والله يغار على أوامره أن تنتهك، وهو يمهل ولا يهمل.

يرشد العباد إلى توحيده واتباع أوامره، فإن أطاعوا كانت لهم السعادة في الدنيا والآخرة، وإن هم خالفوا وعصوا وأتوا بأسباب العذاب سلط الله عليهم بأسه وغضبه.

وهذه الأمة مرحومة؛ جعل الله عقوبتها الاختلاف والفرقة، والنزاع والقتال بين أفرادها؛ فعن عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ بمسجد بني معاوية، فدخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه ودعا ربه طويلاً، ثم انصرف، فقال: "سألت ربي ثلاثًا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها". رواه مسلم.

أيها المؤمنون: من أسباب هلاك الأمم، ما ورد في حديث زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يوماً فزعاً يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب؛ فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه"، وحلّق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت زينب: فقلت: يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: "نعم إذا كثر الخبث". رواه البخاري ومسلم.

الشاهد من الحديث: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: "نعم إذا كثر الخبث". والخبث: هو الزنا والفسق والفجور. والزنا ومقدماته انتشرت وعمت وطمت، والاختلاط، والخلوة بالأجنبية، والتبرج والسفور، وسماع الغناء وآلات الموسيقى، والرقص والسينما، وسفر المرآة بدون محرم، كثرت وشاعت وأصبحت ملء السمع والبصر دون نكير ولا رقيب. إذا كثر الخبث فإن الله يهلك القوم جميعاً.

أيها المسلمون: الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرسم لنا في هذا الحديث سنة إلهية في هلاك الأمم، وخراب البلدان والدول والحضارات، هذه السنة هي: إذا كثر الخبث فإنه مؤذن بخراب الأمم.

تأملوا -رحمكم الله- في واقعنا، وانظروا إلى أحوال مجتمعاتنا، هل كثر فينا الخبث أم لا؟! إن هناك علاقة بين كثرة الخبث، وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالخبث لا يكثر إلا إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر في غير ما حديث بذلك، فقال: "ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي وهم يقدرون أن يغيروا فلا يغيروا إلا عمهم الله بعقاب".

وهذا العقاب هو "أنهلك وفينا الصالحون؟!"، والله تعالى يقول: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

ومن أسباب هلاك الأمم: ما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمرو بن عوف الأنصاري -رضي الله تعالى عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا عبيدة عامر بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف، فتعرضوا له فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رآهم ثم قال: "أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين"، فقالوا: أجل يا رسول الله، قال: "فابشروا وأمّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم".

إن التنافس في الدنيا، والرغبة فيها، والمغالبة عليها، وحب الانفراد والاستئثار بها، سبب في هلاك الأمم.

ومن أسباب الهلاك العظيمة التي تُخرب الديار وتهلك الأمم وتفسد المجتمعات وتَخْرم النظام في العالم: ظهور الربا، وانتشار الزنا.

فعن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله -عز وجل-". رواه الإمام أحمد بسند صحيح.

فالربا مهلك المجتمعات، ومورث الأحقاد والعداوات، الربا الذي لم تأتِ جريمة هدّد الله فيها بمثل قوله: (فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ).

أصبح الآن في بلاد المسلمين من الأمور العادية والعادية جداً، بل أصبحت أنظمة الربا وقوانينه مدعومة، والجهر بها معلنًا، وتعاطيه لا يوجب تعزيراً ولا توبيخًا ولا إنكارًا.

أما الزنا؛ ذلك الفعل البشع، والجريمة النكراء، والأمر الفتاك الهدّام، الذي بسببه تخرب الديار وتشقى المجتمعات، ويكثر انتشار المرضى بينهم.

فتأملوا -رحمكم الله- في انتشار الزنا في ديار المسلمين، شرقيها وغربيها، أليس الحال منذرًا بالهلاك والدمار!!

سبب آخر من أسباب هلاك الأمم، وهو ما جاء في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم". رواه مسلم.

فالشح بالمال والبخل به من أسباب خراب الديار، ذلك أن الشح بالمال يورث الاستبداد به، ثم كنزه، ثم منع حقوق الله تعالى فيه؛ من الزكاة المفروضة، الصدقات المبرورة، ثم منع حقوق عباد الله، وربما أخذ القوي مال الضعيف، أو ظلم الناس من أجل تحصيله.

أما الظلم فهو سبب لخراب الديار، وهو سبب لحياة الضنك التي يشكو منها الناس، قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) [الكهف:59]، وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ).

فأخذ أموال الناس بالباطل ظلم، الرشوة ظلم، تعطيل معاملات الناس ظلم، أخذ أموال الناس في المرافق الحكومية دون مسوّغ شرعي ظلم، وتنصيب السفهاء والمفسدين ظلم، وتقديم من لا يستحق في الوظيفة والمنصب ظلم، ونهب أراضي الناس والاستيلاء عليها ظلم، حصر التجارة بأيدي بعض التجار والمسؤولين فقط، والتضييق على البقية ظلم، في صور كثيرة من الظلم المنتشر في واقعنا المعاصر.

فلا يحسبن البعض أنه إذا لم يكن ظالماً بقوله وفعله فقد نجا، بل إن الساكت على الظلم، والذي لا يأخذ على يد الظالم مشارك له في ظلمه، وعذاب الله نازل عليه؛ قال الله تعالى: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أُمِرَ بعبد من عباد الله يُضربَ في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدةً واحدةً، فجُلد جلدةً واحدةً فامتلأ قبره عليه نارًا، فلما ارتفع عنه وأفاق، قال: علَام جلدتموني؟! قال: إنك صليت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره". صححه الألباني.

أيها المسلمون: إن الظلم شين لا تبقى معه دولة، ولا تبقى معه حضارة، والعدل زين يدوم معه الملك ولو كان الملك كافرًا، قال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117].

قال الرازي: "والمعنى أن الله تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين إذا كانوا مصلحين في المعاملات".

وقال الإمام ابن تيمية -عليه رحمة الله-: "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة". ولهذا قيل: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.

ومن الأسباب الخطيرة في إهلاك الله -عزّ وجل- للأمم وخراب الدول، عدم المساواة في القصاص وإقامة الحدود بين أفراد الشعب وهضم حق الضعيف والتعدي عليه وإهانته، ورفع وتقديس الشريف ذي الثروة والجاه والمكانة، وغض الطرف عما يقترفه من آثام وإجرام ومخالفات.

فعن عائشة -رضي الله عنها- أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكلّمه أسامة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتشفع في حد من حدود الله؟!"، ثم قام فخطب فقال: "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". رواه البخاري.

فعدم المساواة بين الناس من قبل ولاة الأمور في إقامة الحدود والعقوبات سبب في خراب الدول وهلاك الأمم.

والله تعالى لا يُقدر أي أمة ولا يرفع من شأنها ولا ينصرها وهي لا تُعطي حق الضعيف منها، بل تظلمه وتهضم له حقه بسبب ضعفه، وعدم وجود من يدافع عنه؛ فعن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال: رجعت مُهاجرة الحبشة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا تحدثوني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة؟!"، قال فتية منهم: يا رسول الله: بينا نحن جلوس مرّت علينا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قُلّة من ماء. فمرّت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها على ركبتها فانكسرت قُلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه ثم قالت: ستعلم يا غُدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم أمري وأمرك عنده غداً.

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صدقت، صدقت، كيف يقدس الله قوماً لا يُؤخذ لضعيفهم من شديدهم، كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم".

(فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ).

أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله...

ومن أسبابِ العقوباتِ المدمرة، والفواجعِ المهلكة: إقصاءُ الشريعة، عن الحكمِ والتشريع والتحاكم إلى الدساتير والقوانين البشرية الجاهلية، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم". وفي رواية: "ما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم".

فعلى المسلمين أن يعلموا أن هذا الاقتتال الحاصل اليوم في كثير من بلاد المسلمين بين أحزابهم وطوائفهم إنما سببه إقصاء الشريعة وتحكيم الدساتير الجاهلية.

وإقصاء الشريعة من حياة المسلمين تعني: الحكم بتصورات البشر القاصرة، مما يسبب غياب العدل، وانتشار الظلم في المجتمعات، وتجبر الأقوياء على الضعفاء، مما يحل بسببه العذاب، وهو سبب لعذاب الأمم قبلنا حيث قال الله: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا). وقال سبحانه: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا).

ومن أسباب هلاك الأمم، ونزول العقوبات: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا ترك الأمر بالمعروف انتشر المنكر، وشاع الشر، وقام سوق الباطل حتى يصير المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، تألفه النفوس ويعتاد عليه الناس، ويلومون من يُنكره، فيحق العذاب، وتنزل العقوبة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".

فالاحتساب على المنكر وأهله، والأمر بالمعروف ونشره، وظيفة كل مسلم ومسلمة بحسب وسعه وقدرته، ليس محصورًا على فئة من الناس، وليس خاصًا بجهة من الجهات، بل متعين على من سمعه أو رآه ذكرًا كان أم أنثى!! حاكمًا أم محكومًا!! قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ)، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".